تقع مدينة كوشيرو في جزيرة هوكايدو في أقصى شمال اليابان وتضم هذه المدينة النائية مستنقعاً تبلغ مساحته أكثر من (66) ألف فدان كان يشكل في الواقع أكبر مزبلة في اليابان، وطول عقود كان الأهالي وعمال البلدية ينظرون إلى هذا المستنقع على إنه ارض خراب عديمة الجدوى باستثناء إلقاء النفايات فيها.
إلا إنه ومن عام 1987 حولت الجهات المختصة هذا المستنقع إلى متنزه وطني مشمول بالحماية الدولية نظراً لأنه يضم نباتات وطيور وحيوانات لا حصر لها، وفيه من الطيور فقط 170 نوعا مختلفاً والى جانبه أقيمت ملاعب للغولف ومطاعم ومنازل لقضاء العطلات الترفيهية التي يعشقها اليابانيون وغير اليابانيين.
وبدلاً من أن يهرب اليابانيون من روائح مزبلة كوشيرو وبدأت أفواج السياح والعرسان تتدفق إلى المنطقة للاستمتاع بمشاهدة الطيور الجميلة والطبيعة الساحرة والحياة الهادئة بعيداً عن المدن الصاخبة.
إلا أن ما تفكر فيه وحدة بلدية فلسطين وهي إحدى وحدات أمانة بغداد أكثر جاذبية مما فعلته بلدية تلك المدينة اليابانية، ففي حي زيونة (المثنى) الذي يقولون إنه واحد من أرقى أحياء بغداد يوجد شارع رئيس يعرف بشارع مجلس شعب فرقة خالد بن الوليد، وفي بداية هذا الشارع حفرة احتفل أهالي الحي قبيل كتابة هذا المقال بمرور عامين على ميلادها، حيث نظموا عرضاً رائعاً للموسيقى الشعبية قرعت فيه الطبول ونفخت الأبواق ورقص الحاضرون حتى الفجر، لقد نمت هذه الحفرة التحفة بمشيئة الله وأصبحت بمساحة عشرة أمتار مربعة في وسط الشارع، وترعرعت بفضل رعاية عمال البلدية الذين كلما مروا من جانبها القوا التحية عليها ورموا أعقاب سجائرهم فيها.
لقد طرق مسمعي إن البلدية تفكر جدياً في إقامة مهرجان سنوي للحفرة تدعى إليه وفود عربية وأجنبية بعد أن طبقت شهرتها الآفاق، وكان أحد سكنة الشارع قد تلقى رسالة من الدانمارك كتب على غلافها: تصل إلى يد السيد عبد القهار عبد الجبار – حي المثنى شارع مجلس شعب فرقة خالد بن الوليد قرب الحفرة!.
ومن الأفكار الرائعة التي يتم بحثها الآن انتخاب ملكة جمال الحفرة، وتكريم أول مواطن سعيد سقط فيها، وصاحب أول سيارة تباركت بجدرانها. ومن الفأل الحسن إن قطط المنطقة حولن الحفرة إلى مستشفى للولادة لما توفره من جو شاعري مناسب.
ويدور نقاش بين مسئولي البلدية حول إمكانية تنظيم مسابقة كبرى لاختيار اسم لهذه الحفرة تكون جائزتها الأولى طبقة بيض، كما سيقام مهرجان للشعر العمودي وآخر للشعر الشعبي يتبارى فيهما الشعراء في نظم القصائد التي تخلد هذا الإنجاز العظيم، ويتوقع أن تخصص الصحف صفحات خاصة لهذه المناسبة، كما تتبرع الإذاعة والتلفزيون بساعات طويلة للإشادة بالحفرة من خلال الأغاني والندوات واللقاءات المباشرة على الهواء مع سكان الحي الذين يستمتعون بمنظر الحفرة البديع وخاصة في ساعات الغروب حين تغطس أشعة الشمس الحمراء في مياه نهر الدانوب الأزرق.
وثمة أفكار أخرى يتم دراستها من بينها إصدار طابع تذكاري يتضمن صورة للحفرة بالألوان وطبع ملصق "بوستر" يوزع على بقية الوحدات البلدية لإثارة روح الغيرة والمنافسة بينها وحثها على إقامة مهرجانات مماثلة لتخليد الحفر التي تملأ الشوارع والأحياء وما وراء البحر!.
وسيتم نحر الخراف والبقر و الجمال (البعران) والغزلان وتوزيع لحومها على الموظفين الفقراء، كما سيتم توجيه كتب الشكر والتقدير إلى جيران الحفرة الذين دأبوا على إحاطتها بفروع الأشجار وأغصان الورد وقشور الرقي والبطيخ.
وستقوم إحدى شركات الأفلام بتصوير فلم سينمائي عراقي – مصري مشترك تحت عنوان "حب في حفرة" من بطولة يونس شلبي وأمل طه، كما سيقوم أحد الشباب الناهض بتصوير لطمية غنائية مطلعها حبيبتي السمرة .. وكعت بالنكَرة! وقد طلبتها كل من غنية وتسواهن ووفاء وسميرة ولطيفة ويهدونها إلى الأهل والأحباب، كما طلبتها أم سمير وتهديها إلى أم هاني بمناسبة عيد زواجها وتخبرها بأنها صنعت صينية معجون طماطة وإن أبنها نجح في امتحان الإكمالية!.
أما شركات الإعلانات التلفزيونية فستستغل منظر الحفرة في الدعاية للأدوات الاحتياطية الخاصة بالسيارات التي تتبارك كل يوم بالمرور من جانبها، كما ستقدم مجاميع من الأطفال الحلوين فعاليات بريئة على الأرصفة المجاورة للحفرة وستهتم مراكز الأبحاث العلمية الوطنية بهذا الموضوع فتصدر سلسلة من البحوث عن القيمة الستراتيجية والاقتصادية للحفرة وآثارها البايولوجية والأنثروبولوجية والسيسولوجية، وقد تبادر الجهات النفطية إلى إرسال مهندسيها إلى الموقع لاستكشاف احتمال وجود خزين نفطي فيه، كما ترسل دائرة الآثار العامة عدداً من الفنيين للتأكد من الرواية التي تقول إن إحدى طاسات العهد الكشتباني مدفونة في هذه الحفرة! وسيتقدم لنيل شهادات الماجستير والدكتوراه في موضوع الحفرة عدد من الموظفين الذين وجدوا في إكمال دراساتهم العليا وسيلة مفضلة للهرب من مشكلات الدوائر الحكومية وتسلط المدراء وازعاجات المراجعين. وستستغل الجامعات الفرصة لتوجيه الدعوة إلى الكفاءات المهاجرة للعودة إلى الوطن الغالي والاستمتاع بمنظر الحفرة!.
وسيعلن البنك المركزي عن بشرى سارة لا تتكرر وهي تزويد فروع المصارف وأمناء صناديق الدوائر الحكومية بأوراق نقدية صغيرة من فئة الخمسة دنانير والدينار الواحد بعد أن اختفت من الوجود، وستعلن علاوي جميلة والحلة والدورة عن تخفيضات هائلة في أسعار المولد الغذائية واللحوم والخضراوات والفواكه بهذه المناسبة السعيدة.
والأمر الأكثر أهمية إن اللصوص سيتوقفون عن سرقة السيارات والبيوت طوال أيام المهرجان الذي سينقل إلى العالم عبر الأقمار الاصطناعية وسيتاح لعباد الله والكفار في أرجاء العالم، ممن تسمح لهم حكوماتهم بتملك أجهزة استلام البث التلفزيوني الفضائي، مشاهدة المهرجان ومتابعة وقائعه باعتباره –كما سيقول مذيع الحفل بكل تأكيد – ظاهرة حضارية فريدة!.
إنها فرحة العمر حقاً … وكل حفرة وانتم بخير!!.
مهجدة الرجه
