قبل ثلاثين عاماً أطلق المؤرخ اللبناني كمال الصليبي نظريته التي صدرت في كتاب "التوراة جاءت من جزيرة العرب", وأثارت حينها جدلاً كبيراً بين المؤرخين, وملخصها كما يشير عنوان الكتاب, أن جزيرة العرب, خصوصاً جنوبها ومنطقة عسير كانت مهداً للتوراة.
وفي عسير, وتحديداً في "فندق قصر أبها", يجتمع نخبة من المؤرخين والمفكرين السعوديين ليتناقشوا ويعرضوا أبحاثهم اليوم تحت عنوان "تاريخ منطقة عسير وحضارتها عبر العصور". فهل سيعيد هؤلاء تفنيد نظرية الصليبي بعد ثلاثين عاماً؟, خصوصاً أن الصليبي نفسه جدد تمسكه بما ذكره في كتاب صدر حديثاً بعنوان "حكايات بني إسرائيل", فبدا وكأنه يتحول من كتابة التاريخ إلى دراسة التوراة.
آنذاك, في ثمانينات القرن المنصرم, لم تجد نظرية الصليبي قبولاً لدى عدد كبير من المؤرخين، فأكدوا على ضعف الحجج التي أوردها، مشيرين إلى أنها تعتمد على مسميات ومقاربات لغوية، ولا تسندها البراهين المؤرخة الموثقة مثل النقوش والآثار. إلا أن المحير إلى الآن هو عدم وجود رد علمي حقيقي يدحض ما جاء من معلومات في كتاب الصليبي.
"الوطن" طرحت هذا السؤال وغيره على عدد من المؤرخين والباحثين السعوديين في محاولة لإلقاء الضوء على هذا الموضوع القديم الجديد.
المؤرخ الدكتور محمد آل زلفة، يعتبر "أن هذا الكتاب الذي انتقد كثيراً، جاء مفاجئاً بمقارناته حول مسميات الأماكن في جنوب المملكة، والتي تشابهت مع بعض الأسماء الواردة في التوراة وهي الكتاب المقدس الذي يعتبره أهله من أهم المصادر التاريخية".
ووصف كتاب الصليبي بأنه "غير علمي", مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الردود عليه من قبل المؤرخين "لم تكن علمية". وأضاف: "أعتقد أن الصليبي فجر ما يشبه القنبلة المعرفية حين صدر كتابه، لكن الدراسات التي وردت فيه لم تثبت حتى الآن، لذلك اختفت أصداء هذه الدراسات... ومن الخطورة بمكان أن يعتمد البعض على ما جاء في هذا الكتاب "غير المكتمل".
وطالب آل زلفة "بأن تجري عملية تنقيب عن الآثار من الجهات المختصة لتوضيح هذه الصورة... التنقيب أصبح ضرورة حتمية, ويجب ألا يحجبنا عنه أي شيء, بعد هذا الوقت الطويل من التأخر في القيام بهذه المسوحات العلمية والتاريخية".وفي الإطار نفسه, قال رئيس مجلس إدارة الجمعية التاريخية السعودية الدكتور عبدالله بن علي الزيدان "إن الصليبي اعتدّ كثيراً بالأسماء والحدس وبالغ في الاستنتاج غير الصائب، ويمكننا الاستشهاد على ذلك بأن بعض القبائل التي انتقلت إلى الشام من الجزيرة العربية كثيرا ما تأخذ أسماءها إلى وجهتها الجديدة... لذلك فإن تشابه أسماء الأماكن هو أمر غير مستنكر أبداً".ويذهب عضو الجمعية التاريخية السعودية الدكتور سعد العثمان لنفس المذهب قائلا "إن الحقائق العلمية غائبة عن كتاب الصليبي... وأذكر هنا للمعلومات فقط, أن بعض اليهود كانوا يعيشون في جبال عسير إلى وقت متأخر جداً، وكانوا يعملون في صياغة الذهب والفضة وفي الحدادة وفي التجارة عموماً وهذا لا يضير، وكنا نجد النجمة السداسية على الأبواب الحديدية التي كانوا يصنعونها".
الأمين العام للجمعية التاريخية السعودية عضو مجلس إدارتها الدكتور سعيد عبدالله القحطاني قال: "أقبل معلومات كمال الصليبي بكل روح رياضية, لكنني أحث عن الحقيقة، فقد ذكر الصليبي أن النبي سليمان التقى ملكة سبأ بلقيس في مكان قرب تنومة، ولا مانع من أن يجتهد الصليبي, فكل يدلو بدلوه في هذا المجال ولكن تبقى الشواهد التاريخية والآثار هي المحك الحقيقي، ونحن بدورنا ندعو المؤرخين لأن يقدموا أدلتهم وأبحاثهم حول ما وصل إليه الصليبي".ويتفق عضو الجمعية التاريخية السعودية الدكتور سعد سعيد الحميدي مع من سبقه من المؤرخين, ويؤكد "أن كتاب الصليبي لا يمثل حقائق تاريخية بل يطرح رؤية استفهامية".
نماذج من مسميات الأماكن التوراتية في زعم الصليبي
• (أورشليم) المذكورة في التوراة هي آل شريم الواقعة قرب النماص.
• (مصريم) تشير إلى قرية "مصر" الموجودة ببيشة وليس إلى مصر.
• (مصريمه) هي المِصرمة أو "المصرامة" الواقعة بين أبها وخميس ومشيط.
• (فرعون) الوارد ذكره بالتوراة ليس هو فرعون مصر بل هو الحاكم المتسلط على أرض "المصريين" التي كانت تشمل كامل حوض بيشة بالإضافة إلى حوض وادي رنية شمالاً.
• يدعيا أو (يدعيه) الواردة في سفر عزرا ونحميا هي "وادعة" الواقعة في وادي نجران.
• (هودويا) الواردة في سفري عزرا ونحميا هي قرية "الهدية" بوادي أضم.

مغالطات لغوية
اعتمد المؤرخ كمال الصليبي في كتابيه "التوراة جاءت من جزيرة العرب" وخفايا التوراة" على مقاربات لغوية بين العربية والعبرية لمسميات البلدان ليثبت نظريته، لكن ما استند إليه يعتبر مغالطات لغوية غير مسندة لغويا أو تاريخياً.
فيقول إن "أورشليم" التي تعني بالعبرية "الضوء الساطع" حُرفت إلى "آل شريم" وهي قرية قرب النماص, متجاهلاً معنى "آل" في اللغة العربية وما تشير إليه من أفراد وفسرها بـ"ال" التعريف. ويقول إن "مصريم" المذكورة في التوراة ليست "مصر" الدولة, لكنها قرية "المصرمة" شمال أبها. وتناسى الصليبي أن أبجديات العربية والعبرية يمكنها التفريق جيدا بين اللفظتين فتنطق بالعبرية "هامصرماه" لو أرادت التوراة ذلك ولذكرها القرآن المصرمة بدلا من قول المولى "وقال الذي اشتراه من مصر".
إسلام الشافعي
صحفي متخصص في الشؤون الإسرائيلية

ماذا قال الصليبي للحمادي؟
الباحث الزميل الدكتور صالح الحمادي أول صحفي سعودي التقى بالمؤلف كمال الصليبي في بيروت قبل سنوات، وحاوره وجادله بوثائق بصفته من أبناء منطقة عسير ومختص في الجانب التاريخي حيث أصدر كتابه (عسير في صدر الإسلام وعلاقة الرسول صلى الله عليه وسلم بمنطقة عسير) عن مطابع العبيكان.
وأكد الدكتور الصليبي للزميل الحمادي أن ما قدمه في الكتاب مطروح أمام المؤرخين والباحثين المختصين وقال: "إن بني إسرائيل أتوا من منطقة عسير جنوب السعودية وأكد أن النبي موسى عسيري ابن عسيري والأنبياء سليمان وداود من تهامة عسير. وأكد أن ما قرأه من تعليقات في كتاب "افتراءات الصليبي" للأستاذ محمد بن حميد لا يعدو كونه تعليقاً إنشائياً فقط ورحب بالرأي الأكاديمي الذي يقدم حقائق للبشرية. وقال "إن العلامة السعودي الشـــــيخ حمد الجاسر الباحث التاريخي الوحيد الذي أعتد برأيه وقد جاء تعليقه على كتابي مؤيدا لبعض ما طرحته".

هـــذا الخـــبــر جـــاء بــجـريـــدة الــوطــن الأربعــاء18/5/1430هــ العــدد3148 .