قيل أن الأصمعي سمع أعرابياً يقول: إذا أردت أن تعرف الرجل فانظر كيف تحننه إلى أوطانه، وتشوقه إلى إخوانه، وبكاؤه على ما قضى من زمانه.
يقول أمرؤ القيس و هو من فحول الشعراء في العصر الجاهلي في قصيدته التي عُدّت من المعلّقات و هو يتذكر ماضيات أيامه و يبكي على الأطلال :
قفا نبك من ذكرى حبيـب ومنـزلِ *** بسقط اللوى بين الدخـول وحومـلِ
و كان السفر إلى الماضي و التنزُّه في أرجائه عادة لأغلب الشعراء منذ ذلك الوقت إلى وقتنا الحاضر . و شذَّ عن تلك القاعدة أبو نواس فكان يستغرب من أولئك الرجال
الذين يبكون على أطلالهم و يتحسّرون على ما فات منها و كان مما قال :
قل لمن يبكي على رسم درس ** واقفا ما ضر لـو كان جلس
اترك الربع وسلمى جانبـا ** واصطبح كرخية مثل القبس
و لست أتفق مع أبي نواس فيما قال , فالنفس البشرية من طبيعتها أن تحن و تشتاق إلى ما كانت تحبه من الأنفُس و الجمادات !!
و هذا رسولنا الكريم و قدوتنا محمد "صلى الله عليه و سلم " عندما قدم عليه أصيل الغفاري من مكة سألته عائشة رضي الله عنها عن أحوال مكة فقال: اخضرت جنباتها، وابيضت بطحاؤها، وأغدق أذخرها، وانتشر سلمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حسبك يا أصيل لا تحزني" ، وفيه: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ويها يا أصيل دع القلوب تقرقرارها"
خرجت اليوم من البيت , و استقليت سيارتي لقضاء حاجة لي , وقد اضطررت لسلك طريق غير الذي اعتدت أن أمشي فيه . لم تكن معالم هذا الطريق غريبةً عليّ فلطالما كنت أسلكه يومياً في صغري و أنا ذاهبٌ إلى المدرسة .
و اشتعل َ الحنين في قلبي , فكنت أمشي الهوينا كلمّا اقتربت منها لا أدري ما سبب ذلك , ربما كان رهبة ً أو شوقاً أو كلاهما .
هاهي ماثلة أمامي الآن !
لم أكن أشعر بأي شيئ قبل أن أراها و لكن لا أدري كيف أصف لكم شعوري بعد رؤيتها . و لم تمضِ ثواني حتّى توقفت سيارتي عند سورها فكانت كالناقة التي وقفت بأحد الشعراء إذ يقول :
وقفت على ربع لمية ناقتي * * * * فما زلت أبكي عنده و أخاطبه
و أسقيه حتّى كاد مما أبثه * * * * تكـلمني أحجــاره و مـلاعبه
سُبحان الخالق !
كنت طفلاً عمره لا يجاوز عمره سبع سنوات أول يومٍ أراها فيه و إذا الآن آتيها كرة أخرى لكن شاب ٌ في أوائل العشرينيات من عمره !
و قد اعتراها شيئ من التغيير لاحظته , و ما في الدنيا شيئ يبقى على حاله !
و إني والله لا زلت أذكر أول يومٍ فيها و كأني أرى بعض المشاهد رأي العين . كان وكيل المدرسة (و كان غير محبوب لشدته ) يوّزع الطلاب على فصولهم و كان لكل فصل أستاذ واحد ,فيقرأ في ساحة المدرسة من ورقة معدة مسبقاً فيها كل أسماء الطلاب , و كنت ممن وقع اسمه يومئذٍ في الصف (الأول _أ).
و كان أستاذنا (الذي لا أزال أذكر اسمه ) شديداً في بعض الأحيان و ليناً في أحياناً أخرى . و كان مما يهددنا به إذا أهملنا دروسنا غير الضرب (تنورة) يرتديها المهمل لكي يصبح مثل البنات !!
و لا أخفيكم سرأً أنّا كنا نخشاها أكثر من العصا التي يمسكها بيده .
وفي أحد الأيام دخل علينا و طلب مني أن أسمّع سورة الكافرون و كنت لمّا أتقنها بعد
و لكني وقفت و قرأتها كاملة بلا أخطاء فالتفت الأستاذ للتلاميذ و قال : أرأيتم كم هي سهلة ؟! ثم أمرهم أن يصفقوا لي و كان إحساس جميل جداً أجد حلاوته كلمّا جال في خاطري هذا الموقف . و عندي من المواقف و الذكريات الجميلة و القبيحة الشيئ الكثير و لكن ما هذا مقام للحديث عنها .
سقى الله تلك الأيام !
كانت أياماً صافية نقيّة كالماء العذب الزُلال لا كدر فيها . كان أكبر همنا أن نلعب و نلعب و نلعب . لا هم فيها و لا غم فلمّا تقدّم بنا العمر , كبرت مع أجسادنا أحلامنا الصغيرة و ازدادت مدارك عقولنا فعُقدت الآمال .
و لله أشكو حال تلك الشجرة النائيةِ في طرفِ الفناء ما بال أغصانها انعقدت بعد الإمتداد
و اسّاقطت أوراقها بعد الإخضرار ؟!
كنت آتيها مع صحبة لي (لا أزال على اتصالٍ معهم) لنستظلّ بوافر ظلها و نُسمِعها طرفاً من أحاديثنا و نكاتنا و ربما بعض سخافتنا !
و نأتيها لكي نُذاكر و نراجع دروسنا بين فترتي الإختبار فلم تتبرّم يوما ًمن مجيئنا . فلمَ آلت حالها كالذي أراها الآن ؟
أأُهملت و قطعوا عنها شريان حياتها فما عادوا يسقونها ، أم أنها كالأم ِ الحنون التي أخذوا منها أبنائها و فرقوهم في بلدانٍ متناثرة لا تسطِع أن تصل إليهم أو تكلمهم ؟
فكنا نحن الأبناء و هي أمنا و من فرقنا هي مشارب الحياة بعد أقدار الله . و لم أتمالك نفسي ...
ففاضت دموع العين منـي صبابـة *** على النحر حتى بل دمعي محملـي
و طفقت أشكو إلى مدرستي عناء الحياة و شدتها, و لؤم بعض ساكنيها و غِلظتهم .
لكن لم تكلمني أحجارها و لا أجابتني ملاعبها و أنّى يكون لها ذلك ! و وقفت وحدي لا أحد معي كصاحبي امرؤ القيس .
أمّا الآن و قد حان موعد الفِراق , فلَكِ مني يا غاليتي عهداً على أن لا أنسى فضلك عليّ و أن أذكرك بخير ما دام بي بقية من حياة . و هل ينسى الفضل و أهله أحد إلا اللئيم !
سأظلُ أذكر يوماً غادرتكِ فيه بعد ست سنوات هي مدة مكثي فيكِ و أنا الأول بين أقراني و لا فخر ! و ما كان ذاك مني لولا توفيق الله .
عذراً أحبتي فما جئت لأشغلكم بكلامٍ لا معنى له , ولكن لمّا خلد الناس إلى منازلهم في هدأة الليل و اختليت بنفسي تواترت علي الذكريات من كل جانب ,
و انكشفت لي مرحلة مضت من سِنِي حياتي ففاض قلمي بهذه الكلمات .
فلقد استمتعت وانا اترك لذاكرتي العنان مع وصفك الجميل يا اخي العزيز وتلك المشاعر التي تنتابنا حال اللقاء مع زمان ومكان واشخاص في وقت مضى ولكنه لم يمضي من قلوبنا وما بقى من الذاكرة في عقولنا ،،،
اتذكر زيارة لأحدى الدول حملت في احداثها ذكريات سيئة .. أحن اليها بالرغم من سوءها ولم امنع نفسي عندما أتيح لي يوم فرصة زيارتها ان ازورها من جديد .. لم استطع ان انساها وبقت الذاكرة تحمل تلك الذكرى وان استبدلت المها في ذلك الوقت بابتسامة ترتسم على ملامحي الآن حين ذكراها ،،،
يبدو لي اللقاء بعد غياب مثل تلك الوحة التي يرسمها الشعراء عن لقاء حبيبان بعد طول غياب .. لقد اصبح للمكان والزمن والاشخاص شئ منك فيهم واشياء منهم قد احتلت مكانها في وجدانك .. كيف كان ذلك ؟ لست أدري ..
ذهب الماضي والماضي لا يعود وتبقى الذكرى ،،،
A.K.N
شكرا جزيلا لك يا غالي وانت لم تشغلنا وان اشغلت الذكرى الجميله في نفوسنا
عليك السلام والرحمة يا فتى
لن أٌعلّقَ على ما كُتبَ فهو إمتداد لكتابات أدبَيّة جميلة ,,
ذكرتني بما مضى وما كتبتُ ,,
فقط, ما أريده منك هو أن تسير على هذا النهج.. نعم. و تملأ أرجاء هذا المنتدى -الفقير أدبيًّا - بمثلِ هذه الكتابات الناصعة البياض
أهلن أهلن أكن مرحباً يا صاح .. عدد ما نهق الديك وصاح أخبارك يا حنيّن أنت؟
والله انك مثلي يا شيخ .. لا أنا اللي مثلك , والا كلنا مثل بعض كل ما مريت على طريق مدرستي الثانوية .. أتذكر الأيام الخوالي وأحنّ لها كلنا هيك .. من اللي ما يحنّ لماضيه ؟ ولا عليك من أبونواس ما عنده سالفة لأنه شاذ أقصد شاذ بأبياته اللي ذكرت .. والا ليه يخالف الفطرة؟ والا يمكن يبي يشتهر عن طريق مبدأ خالف تعرف ؟ << بالله سكتوني بديت أخربط
فلقد استمتعت وانا اترك لذاكرتي العنان مع وصفك الجميل يا اخي العزيز وتلك المشاعر التي تنتابنا حال اللقاء مع زمان ومكان واشخاص في وقت مضى ولكنه لم يمضي من قلوبنا وما بقى من الذاكرة في عقولنا ،،،
اتذكر زيارة لأحدى الدول حملت في احداثها ذكريات سيئة .. أحن اليها بالرغم من سوءها ولم امنع نفسي عندما أتيح لي يوم فرصة زيارتها ان ازورها من جديد .. لم استطع ان انساها وبقت الذاكرة تحمل تلك الذكرى وان استبدلت المها في ذلك الوقت بابتسامة ترتسم على ملامحي الآن حين ذكراها ،،،
يبدو لي اللقاء بعد غياب مثل تلك الوحة التي يرسمها الشعراء عن لقاء حبيبان بعد طول غياب .. لقد اصبح للمكان والزمن والاشخاص شئ منك فيهم واشياء منهم قد احتلت مكانها في وجدانك .. كيف كان ذلك ؟ لست أدري ..
ذهب الماضي والماضي لا يعود وتبقى الذكرى ،،،
A.K.N
شكرا جزيلا لك يا غالي وانت لم تشغلنا وان اشغلت الذكرى الجميله في نفوسنا
يعطيك العافية ،،،
أهلاً طارق ,,,
تماماً كما ذكرت , هي كاجتماع العاشقين بعد الفراق
تحتل مكاناً في نفوسنا لأنّا خلّفنا فيها قطعة من أعمارنا , و مواقف لا تُنسى ..
كالمطر ِ على الأرض المجدبة كان حضورك ..
دمت بخير ..