هذا هو الجزء الثالث من مقالة يا صاحبي وهنا تجد رابط الجزء الثاني لمن لم يقرأه
يا صاحـبي (2)
دخل عليّ صاحبي هذا اليوم ؛ قائلاً بعد أن عطر فمه بابتسامة جميلة : أظنُ – يا صاحبي – أنّ الوقتَ قد حان لتخبرني بما قد وعدتني به في آخر لقاءٍ شرُف بجمعنا !
فقلت له : بعد أنْ صوبتُ سهام بصري نحو عينيه ، وأنا أبادله أريجَ البسماتِ ، نعم أظنه قد آن ، وأرجو أن تكون لهفتك على أمر ذي بال !
سألتني – يا صاحبي – عن كيفية لبس ثياب الحكمة ؛ فأقول لك مستعيناً برب الفلق ، ومستعيذاً به من شر ما خلق : الحكمة – ياصاحبي – بناء ذو أربعة أركان : فالأول منها : خَلقيٌ ، والثاني والثالث : كسبيان ، والرابع : وهبي !
فالأول : أصلُ العقل كما خلقه الله تعالى في رأسك ؛ فإن لم تك بذور العقلِ الوافرِ مزروعة في رأسك يوم أن خلقك الله ؛ فلا أظن أن لك في حلوان الحكمة نصيب !
والثاني : العلم والمعرفة ، فبقدر اطلاعك ومعرفتك ، يكون قربك للحكمة والصواب ، وهذا الركن مبناه على ثلاثة أمور لاغير : فالأول : القراءة ، والثاني : القراءة ، والثالث : القراءة !
والثالث : التجربة ؛ وهذه مبناها على أمرين ؛ الأول : تجارب شخصية تزيد مع ازدياد العمر زيادة طردية ، والثاني : تجارب الآخرين ، وهذه تنال من خلال مشافهة أصحاب الخبرة ، أو من خلال قراءة ما كُتب عن تجارب الآخرين !
أما الرابع : فهو التوفيق من رب العالمين ، يهبه من يشاء من عباده المؤمنين ، فبقدر ما تكون علاقتك بالله ؛ يكون لك من نور الحكمة مثل ذلك !
فهذه أركان الحكمة بإيجازٍ – أظنه غير مخل – وإن رغبت بالتفصيل الممل ، فنحن للإملال أهل ، وما عليك إلا أن تقوم الإشارة ، لنغرقك بالحشو الكثير من العبارة !
واعلم – يا صاحبي – أنّ الحلم بالتحلم ، والعلم بالتعلم ، فكل خُلق كريم ؛ إن كنت راغباً به حقاً – صدقني – سوف يأتيك ، ولكن – صدقني أيضاً – أنك ستتعب قبل أن يزكيك ! وكل ما عليك فعله ؛ هو اجتراع الكثير والكثير من أكسير النجاح : الصبر ! حتى تنال المطلوب ، ولتكون من رواد القلوب !
وتذكر – يا صاحبي – أنه ليس باستطاعتك أن تكون الرجل المثالي ، وليس بمقدورك أيضاً - ولا بمقدور غيرك - جعل من حولك كذلك ، بل كل ما يسعى العاقل إليه ؛ أن يكون إنسانا صالحاً بنفسه ، مصلحاً لغيره ، في حدود علمه وعمله ، وكثيراً ما تكون المبالغة في طلب الكمال ، سبباً في انتكاس الأحوال ، كالمنبت لا ظهرا أبقى ولا أرضاً قطع !
يا صاحبي : قبل أن تغير نفسك ، أو تسعى في تغيير من حولك ، احرص على فهم الشيء المراد تغييره قبل تغييره ، فإنا كثيراً ما نجتهد في تغيير الأشياء قبل أن نفهمها ، ونحاول تبديل الأشياء قبل أن نعرفها!
واعلم – يا صاحبي – أن بعض الأشياء التي نتأثر بها هي في حقيقتها ليست مؤثرة ، ولكن لأن فيها ما لامس شيئاً خاصاً بنا فحصل ذلك التأثير ، فلا تطلب من سواك أن يكون مثلك ، ولا من غيرك أن يكون أنت ! ، فاعرف هذا وافهمه ؛ تفهم الكثير من اختلاف ردات الأفعال !
وقبل أن أختم – يا صاحبي – أحذرك والله من داء التسويف ، ووباء التأجيل ، فما استولى التسويف والتأجيل على أحد إلا هلك وانتهى ، وما جعلهما شخص رفيقا دربه إلا ضاع وانقضى ، فالحذر الحذر ، وابدأ الآن – ولو بالقليل – وتذكر أنّ (مشوار) الألف ميل يبدأ بخطوة !
يا صاحبي الحديث على هذا المنوال متشعب ، ولو أردت أن نصول ونجول وفي كل واد (نهبهب) ، حتى يقول قائل ما هذا التذبذب ، فأنا مستعد لذلك - والله - ولكن في التزام الصمت – العلني - أحياناً حكمة ، فسنتوقف هنا ونستمر هناك!
شكراً لك يا صاحبي على استثارتي ، ولعلنا نعاود الركض يوماً من الأيام ، وشكراً لك جداً على منحي شرف الاهتمام !
فلولاك بعد الله ما كنتُ كتبتُ !