الاعتذار مهارة تحتاج إلى إتقان
الاعتذار مهارة يفتقدها الكثير منا مع الأسف الشديد, رغم إيماننا بأهميتها ونفعها لكن ربما تصورنا للاعتذار على أن به تقليل من قيمة الشخص المعتذر حين يعترف بخطئه, جعلنا نحجم عنه في كثير من المواقف التي تمر بنا في الحياة , رغم أن الحقيقة هي أن الاعتذار عن الخطأ يرفع من قيمة الإنسان لأنه خلق حسن يدل على الإنصاف والصدق ولا يصدر إلا من إنسان نبيل وكريم, وتاريخنا العربي مليء بقصص الاعتذارات المشهورة , ومنها قصة الشاعر الجاهلي النابغة الذبياني الذي ارتبط اسمه بالاعتذار والذي سطر أجود قصائد الاعتذار لملك المناذرة النعمان بن منذر حتى قال احدهم أن النابغة الذبياني هو أفضل الشعراء إذا اعتذر , وكان النابغة قد هرب من النعمان بعد أن غضب عليه ورحل إلى أعدائه من الغساسنة ومدحهم فتوعده, فما كان منه إلا أن كتب له قصائد جميلة في الاعتذار منها قوله :

أتاني أبيتَ اللعنَ أنكَ لمتني ،** و تلكَ التي أهتمّ منها وأنصبُ
فبتُّ كأنّ العائداتِ فرشن لي ** هراساً، به يُعلى فِراشي ويُقْشَبُ
و لستَ بمستبقٍ أخاً ، لا تلمهُ ** على شَعَثٍ، أيُّ الّرجال المُهَذَّبُ؟
فإنْ أكُ مظلوماً ؛ فعبدٌ ظلمتهُ ** وإنْ تكُ ذا عُتَبى ؛ فمثلُكَ يُعتِبُ



اعتذار وعفو ..

من قصائد الاعتذار المشهورة قصيدة (البردة) لكعب بن زهير والتي انشدها في رسول الله صلى الله عليه وسلم ومطلعها :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ** متيم إثرها لم يفد مكبول
وقصتها أن كعباً وهو مشرك قال قصيدة في هجاء رسولنا الكريم فأهدر عليه الصلاة والسلام دمه , ولكن الله أراد هداية كعب فشرح صدره للإسلام, فقدم إلى رسول الله وانشده هذه القصيدة ومنها:
نبئت أن رسول الله أوعدني ** والعفو عند رسول الله مأمول
إن الرسول لنور يستضاء به ** مهند من سيوف الله مسلول
فعفا رسول الله عنه وقبل اعتذاره بل وأهداه بردته ولذلك سميت القصيدة (قصيدة البردة) ,وهذه هي أخلاق الكرام في قبول الاعتذار متمثلة في قدوتنا عليه أفضل الصلاة والسلام , ولذلك يعتبر الاعتذار واجب ولكن السماح والعفو فضيلة وإحسان وهو أصعب من الاعتذار ولا يجيده سوى أصحاب القلوب الكبيرة والنفوس النقية .



إقبل معاذير من يأتيك معتذرا ** أبر عندك فيما قال أو فجرا
لقد أطاعك من يرضيك ظاهره ** وقد أجلك من يعصيك مستترا

اعتذارات في حياتي

اعتذار في ساعة الصفر
سافرت مع احد الأصدقاء في رحلة عمل شاقة حدث فيها بيني وبينه مشادة بسيطة جعلت الجو بيننا مشحون للغاية , و تضايقت كثيرا مما حدث منه حيث كان صاحبي متبرما وباله قصير في كل شيء, المهم انتهى العمل وذهبنا للمطار للعودة للرياض , و جالسنا في صالة الانتظار بصمت لا احد يكلم صاحبه إلا نادراً , فجأة طلب مني مرافقته لشراء عطر اعتذرت له بان خشمي مسدود والحقيقة أن نفسي هي المسدودة لكنه أصر فذهبت معه وأشرت عليه بعطر جيد ثم تركته ورجعت جلست في مكاني ولسان حالي يقول متى نوصل الرياض , بعدها جاء إلي وهو مبتسم وجلس بجانبي طبعاً أنا دريت إن عنده شي لكني سويت مش فاهم فقال لي عندك مكان في شنطتك أبيك تحط ها العطر فيها شنتطتي مليانة , ابتسمت وأخذت منه العطر وقلت له أهم شي لا تفكر انه يرجع لك .. بعدها اعتذر عما بدر منه واعتذرت عما بدر مني والحمد لله رجعنا الرياض صافي لبن .

اعتذار آخر الليل
لي صديق عزيز على قلبي إذا حدث بيننا شيء أو أحس أني متضايق من تصرفه اتصل علي قبل أن ينام معتذرا عما بدر منه ويقول لي ما اقدر أنام وأنا مخطي على احد , وحقيقة هذا الصديق اعتقد انه يقرا العيون فبقدر ما أحاول ان اخفي استيائي إذا بدر منه شي يغضبني إلا انه يخيب ظني ويصير (كافشني ) واعرف ذلك حينما يتصل علي ويعتذر , بل انه في بعض الأحيان يلفت انتباهي إلى أمور لم ألاحظها ولكنه يعتذر عنها, مثلاً حدث ذات مرة أن اتصل علي يعتذر عن عدم نزوله من السيارة والسلام على احد أصدقائي واكتفائه بفتح الدريشة والسلام من خلالها وهو يعرف صديقي معرفه بسيطة ولم يره من فترة , وقد حصل لي موقف قريب من هذا معه حيث كنت عنده في بيتهم بالمحلق وكنا بالشتاء في آخر الليل شابين السمر ونذاكر, فطل علينا أبوه وسلم ووقف يسولف معنا وهو عند الباب عاد أنا نسيت أقوم واسلم عليه طبعاً من قوة الحماس بالمذاكرة .. ويوم راح أبوه ذكرت اعتذاره السابق واعتذرت له مثل ما اعتذري لي .

اعتذار عبر الجوال

قبل 4 شهور تعرفت على شخص معرفة بسيطة وخلال هذه الشهور لم أقابله إلا في حدود مرة كل أسبوعين , المهم في لقاءنا الأخير تم إثارة موضوع وكان هناك نقاش بيني وبينه وحقيقة كنت ما خذ الموضوع بسعة صدر و مصر على رأيي وبعد أن انفض المكان وصلتني رسالة جوال من ذلك الإنسان الذي كنت أناقشة نصها (أسف إذا كنت رفعت صوتي عليك أو تصرفت تصرف يزعلك ... والله يعطيك العافية ) حقيقة كان وقع الرسالة على مؤثر وحطني الله يصلحه في موقف صعب لأني أنا اللي مفروض اعتذر وليس هو, ناهيك أن علاقتنا بسيطة جداً وكلنا في عمر واحد .. طبعاً اتصلت عليه وشكرته واعتذرت له عن ذلك النقاش وأكدت له انه ما أخطا ولا زعلني ,والصدق إن هذا الموقف تعجبت منه وكبر صاحبه في عيني وهو سبب كتابة الموضوع .



أحبتي ..
إن من الأسباب التي تمنع الكثير منا من الاعتذار هو أننا نرى الأمور من جانب واحد وهو الجانب الذي نقف فيه فنعتبر تصرفنا مزح أو عادي او ميانة ... لكن حين نضع أنفسنا في الجانب الأخر سيتضح لنا الخطأ الذي وقعنا فيه والموقف الذي كان يعيشه من أخطانا عليه, وكذلك من أسباب عدم الاعتذار الوهمية اعتقادنا أنه لا احد انتبه أو علم بالخطأ الذي حدث منا ! رغم انه ربما علم به الجميع , ولكن نفوسنا دائما ما تزين لنا الباطل فنتبعه وهذا الخطأ هو ما يدمر علاقاتنا ويقطع صلاتنا مع من نحب من البشر .

احبتي ..
إن الوقوع بالخطأ ليس عيب و لكن التمادي بالخطأ وعدم الاعتذار هو العيب والخطأ , لذلك علينا أن نكون مبادرين بالاعتذار مجيدين لمهارته وان تكون لدينا القوة للاعتراف بالخطأ والندم على ما سببه هذا الخطأ من جرح أو إحراج أو ضيق .. للغير وكذلك تحمل كامل مسؤولية أفعالنا والرغبة في تصحيحها وان نحذر من الاعتذار المزيف او المشروط الذي نربط به أعذار واهية هي في الواقع أقبح من الذنب نفسه ونحاول أن نضع خلالها شماعة نعلق عليها الخطأ ونبرره .

أحبتي ..
علينا أن نعتذر لمن أخطانا بحقه ولمن تسببنا بألمه ولمن ضايقناه بتصرف منا علينا أن نعتذر لأنفسنا إذا كنا أهملناه ولقلوبنا إذا كنا اقسيناها ولعقولنا إذا كنا هجرناها ..علينا أن نعتذر لوالدينا إذا أغضبناهم .. والى إخواننا إذا أسأنا إليهم .. والى جيراننا إذا ضايقناهم .. علينا أن تعتذر إلى أصدقاءنا وأحبابنا اذا بدر منا ما يعكر صفو محبتنا لهم .. علينا أن نعتذر لمن نعرفه ومن لا نعرفه إذا تصرفنا بما لا يليق معهم .. علينا أن نعتذر سواء كان خطانا بقصد أو غير قصد .


حين ينتقدنا أي إنسان او يحاول نصحنا وإرشادنا نسارع بطريقة غريزية لاتخاذ موقف دفاعي ومغلق تجاهه .. غير أن كبح موقفنا الدفاعي والانفتاح لما يقول ( ولو مؤقتاً ) يفيدنا في جميع الأحوال , فإن كان ما يقوله حقاً فقد قدم ألينا خدمة جليلة .. وإن كان ما يقوله خطئاً نكون جاملناه وتجنبنا نقاشاً بيزنطيا قد ينتهي بالقطيعة وحرق الأعصاب ..

عندمآ اجتمع الصحابه في مجلس لم يكن معهم الرسول صلى الله عليه وسلم فتكلم الناس في موضوع ما
فتكلم أبو ذر بكلمة إقتراح : أنا أقترح في الجيش أن يفعل به كذا وكذا .
قال بلال : لا هذا الإقتراح خطأ .
فقال أبو ذر : حتى أنت يابن السوداء تخطئني .!!!
فقام بلال مدهوشا غضبانا أسفا وقال : والله لأرفعنك لرسول الله عليه السلام واندفع ماضيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وصل لـ الرسول عليه الصلاة والسلام وقال : يارسول الله أما سمعت أبا ذر ماذا يقول في ؟
قال عليه السلام : ماذا يقول فيك ؟
قال : يقول كذا وكذا ..
فتغير وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وأتى أبو ذر وقد سمع الخبر فاندفع مسرعا إلى المسجد ..
فقال : يارسول الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
قال عليه السلام : يا أبا ذر أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية .!!
فبكى أبو ذر رضي الله عنه وأتى الرسول عليه السلام وجلس وقال يارسول الله استغفر لي سل الله لي المغفرة
ثم خرج باكيا من المسجد وأقبل بلال ماشيا فطرح أبو ذر رأسه في طريق بلال ووضع خده على التراب وقال : والله يابلال لا ارفع خدي عن التراب حتى تطأه برجلك أنت الكريم وأنا المهان ..
فأخذ بلال يبكي وأقترب وقبل ذلك الخد ثم قاما وتعانقا وتباكيا .

هلا وغلا بفيلسوفنا واديبنا المتميز ماجد
واهلا بالعوده الجميله .. والخير ماشاء الله جا مع المطر ..

الإعتذار فن لا يتقنه الجميع كما تفضلت ..
الإعتذار بلسم يداوي الجروح ويطهر القلوب مما حصل فيها من رواسب والالام لاتنجلي ..
الا بذلك المرهم الشافي ..

هناك من يعتذر تأدية واجب او احترام لأشخاص اخرين وهناك من يعتذر ولكن يزيد الطين بله بتعاليه
وهناك من يعتذر لتأنيب الضمير واحساسه بالخطأ ..

وهو لا يقلل من قيمة الشخص بل العكس يزيده رقيا في عيون الاخرين..
لأننا وبكل بساطه نخطأ ولسنا معصومين فالاعتذار لغة جميلة بين العقلاء ..
والأجمل من ذلك دائما مايقابلك الشخص الاخر بابتسامه حين الاعتذار ويختمها حصل خير وكلنا اخوان ..
المواقف كثيره بصراحه ولا تحضرني وان ذكرت ان شاء الله رجعت وحطيتها ..

يعطيك العافيه اخوي ماجد على الموضوع الراقي والمتميز كعادتك ..
شكرا لك ولإبداعك ..
بس حسافه ماطلعت لي الفواصل كله من الاتصال المملوح