
16/07/2002, 03:24 PM
|
نجمة المجلس العام وعضو سابق باللجنة الإعلامية | | تاريخ التسجيل: 03/09/2001 المكان: على جناح الحب وبساط الأمل
مشاركات: 3,624
| |
زيارة عابرة لأصحاب القلوب الغافلة الحمد لله بكل المحامد على كل النعم والصلاة والسلام على سيد ولد آدم , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد :
ها هي رحلة الحياة تقف على شاطئ الوداع !
وها هو قارب الرحيل قد نصب الشراع !
وها هي الدموع تهمل في التياع !
لقد رحلة الأحبة مرغمين وعز في الدنيا الاجتماع !
وخلت الديار من أهلها واستوحشت منهم بقاع !
وأنت على الخطو تسير فاجعل الخيرات زادك والمتاع !
سألت الدار تخبرني عن الأحباب ما فعلوا
فقالت لي : أناخ القوم أياماً وقد رحلوا
فقلت : أين أطلبهم وأيُ منازل نزلوا
فقالت : بالقبور وقد لقوا والله ما فعلوا
أناسٌ غرهم أمل فبادرهم به الأجل
فنوا وبقي على الأيام ما قالوا وما عملوا
ذهبت أبحث عن الأصحاب والأحباب بعد أن واريناهم – بأيدينا – التراب فما وجدت غير أجداثهم تسفعها العاديات وتحثو فوقها الذاريات كانوا معنا يأكلون ويشربون ينعمون ويتلذذون يذهبون ويأتون يضحكون ويبكون ثم ماذا ؟ ! .
دهتهم داهية الموت فانقطع منهم الصوت وفات عليهم الفوت
قال الحي الذي لا يموت { كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة
فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور }
جئت قبورهم لأزورهم فوجدتها هامدة ساكنة خامدة دارسة جامدة والدواهي في دواخلها والعظائم في بطونها !
أتيت القبور فناديتها فأين المعظم والمحتقر ؟ !
وأين المدل بسلطانه وأين القوي إذا ما افتخر
تفانوا جميعا فما مخبر وماتوا جميعا ومات الخبر
تروح وتغدو بنات الثرى فتمحو محاسن تلك الصور فيا سائلي عن أناس مضوا أما لك فيما مضى معتبر ؟ !
مضوا أمامك وأنت على الأثر والموت سائر إليك فأين المفر ؟ !
وأعظم منه ما يكون من أهوال يوم المحشر !
وأعظم منه الخطب الأخطر , والهول الأكبر : أين يكون المستقر ؟ !
أفــــي : { جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر }
أم
فــــي : { ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر }
فيا لساعة الموت ما أشدها !
وما أعظم المحن التي بعدها !
قال صلى الله عليه وسلم [ القبر أول منازل الآخرة فإن ينج منه فما بعده أيسر منه , وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه ] وقال : [ما رأيت منظراً إلا والقبر أفظع منه].
فجـــدوا واستعـــدوا
جدوا فإن الأمر جدُ وله أعدوا واستعدوا
لا يُستقال اليوم إن وليَّ ولا للأمر رَدٌّ
لا تغفُلُنَّ فإنمــا آجالكم نفس يعدُّ
وحوادث الدنيا تروح عليكم طوراً وتغدو
أين الأولى كنا نرى ماتوا ونحن نموت بعدُ
أيامنا تنصرم وأعمارنا تنهدم
ونحن نقترب من الأجل المكتوب والموعد المضروب خطوة إثر خطوة
قال تعالى : { قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم
الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون }
والموت مصيبة مهيبة رهيبة وما يأتي بعده أعظم منه وأجل !
فأين الوجل من الأجل ؟!
أين الاستعداد ليوم المعاد ؟!
لقد دنا الرحيل وأزف التحويل فما بالنا غافلين ؟ !
قال تعالى { إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين }
أخــــي ....أختــــي :
لا تأس على الدنيا وما فيها فالموت سيفنيك ويفنيها
وستعرف قيمتها عندما تخرج منها – مرغما – لتدفن فيها !
فيا لها من ليلة ! ويا لها من ساعة ! ويا له من مضجع !
أي خوف وفزع ؟! وأي وحشة وهلع ؟!
يوم توضع في اللحد لوحدك وتضجع في قبرك بمفردك لا أنيس ولا جليس ! أين الأحباب والصحاب ؟ أين الإخوان والجيران ؟ أين الزوجة والولدان ؟ لقد أفردوك ثم ذهبوا وتركوك ولو بقوا ما نفعوك فمن يؤنس وحشتك ؟ ومن يؤمن –
في القبر – روعتك ؟ !
والهف نفسي على نفسي !
والهف نفسي عليك !
فارقت موضع مرقدي يوماً ففارقني السكون
القبر أول ليلـــة بالله قل لي ماكون
فأي منظر فظيع وأي مجلس شنيع وأي خطب كبير يوم تفتح مقلتيك بين يدي منكر ونكير !!!!
والله لو عاش الفتى في عمره ألفاً من الأعوام مالك عمره
متنعما فيها بكل لذيذة متلذذا فيها بسكنى قصره
لا يعتريه الهم طول حياته كلا ولا ترد الهموم بصدره
ما كان ذلك كله في أن يفي فيها بأول ليلة في قبره
فأعدوا لها العدة وجهزوا لها الزاد فإنها ترقبكم على الطريق ! وتنتظركم على الأبواب !
قال تعالى { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب }
أخي الحبيب أختي الكريمة
زيارة القبور للدعاء للموتى , والاتعاظ بحالهم , والاعتبار بمآلهم سنة مستحبة
, يؤجر عليها الزائر , ويستفيد منها المزار , تلين بها القلوب القاسية وترعوي
بها العقول الغاوية وترتدع بها النفوس الباغية
قال صلى الله عليه وسلم [ كنت نهيتكم عن زيارة القبور , فزوروها فإنها تذكركم
الآخرة ] أخرجه مسلم
قال الأعمش : كنا نشهد الجنازة ولا ندري من المعزى فيها لكثرة الباكين , وإنما بكاؤهم على أنفسهم لا على الميت .
وقال إبراهيم النخعي : كانوا يشهدون الجنازة فيرى فيهم ذلك أياماً ( العاقبة في ذكر الموت والآخرة – الإشبيلي – ص 155 )
فهـــل ذكرتنـــــــا القبـــــور بالآخـــــــرة ؟!
إن بعضا منا يرى الموتى أمام عينيه يُغَيبون في اللحود ويحثى فوق رؤوسهم التراب وهو يضحك ملء فيه , ما سحت عينه بدمعة حزن , ولا وجل قلبه بخفقة خوف , ولا أَحس بوحشة تسري في أوردته , وكأنما الموت مخلوق لغيره لم يُكتب عليه ! ويتحدث عن دنياه وهو يرى نهايتها أمام عينيه !
ويفتخر ببيته وقصه وبيت الوحشة والدود والصديد والظلمة والفاقة تحت قدميه !
ويتباهى بماله وغناه وما علم – المسكين ! – أن يوم فقره هو يوم يوضع في قبره
!
ويتعاطى المحرم بيده – كالدخان – وهو يمشي بين القبور بقدمه ويرى مصارع القوم أمامه ويلمح مساكنهم بين يديه ويسحب ثوبه غطرسة وكبرا وهو يعلم أن الموتى يدرجون في أكفانهم دون جيوب أو أكمام ويمشي بحذائه فوق القبور وينتفخ كبراً واستعلاء عندما تهمس في أذنه بحرمة ذلك فيا للعجب ! يكابر فوق المقابر أما لهذه الغفلة من آخر نعوذ بالله من القلوب الميتة !
فقف في القبور واعتبر وانظر – أيها الفقير – إلى أين المصير ؟!
قف بالقبور وقل على ساحاتها من منكم المغمور في ظُلماتها
ومن المكرم منكم في قعرها قد ذاق برد الأمن من روعاتها
أما السكون لذي العيون فواحد لا يستبين الفضل في درجاتها
لو جاوبوك لأخبروك بألسنٍ تصف الحقائق بعد من حالاتها
أما المطيع فنازل في روضة يفضي إلى ما شاء من دوحاتها
والمجرم الطاغي بها متقلب في حفرة يأوي إلى حيَّاتها
وعقارب تسعى إليه فروحه في شدة التعذيب من لدغاتها
قال عبيد الله بن شميط : سمعت أبي يقول : أيها المغتر بطول صحته أما رأيت ميتاً قط من غير سقم ؟!
أيها المغتر بطول مهلته أما رأيت مأخوذا قط من غير عُدة ؟!
إنك لو فكرت في طول عمرك لنسيت ما تقدم من لذاتك .
أم بالصحة تغترون ؟
أم بطول العافية تمرحون ؟
أم للموت تأمنون ؟
أم على ملك الموت تجترئون ؟
إن ملك الموت إذا جاء لم يمنعه منك ثروة مالك , ولا كثرة احتشادك , أما علمت
ان ساعة الموت ذات كرب وغصص وندامة على التفريط ؟
رحم الله عبداً عمل لساعة الموت
رحم الله عبداً عمل لما بعد الموت
رحم الله عبدا نظر لنفسه قبل نزول ملك الموت .
قال الحسن البصري : عاد رجل أخاً له فوافقه في الموت – وهو يجود بنفسه في سكرات الموت – فرأى من مرأى الموت وكربه , فرجع إلى أهله , فجاءوا بغدائه فقال :
يا أهلاه ! عليكم بغدائكم .
قالوا : يا فلان الضيعة .
قال : يا أهلاه ! عليكم ضيعتكم فوالله لقد رأيت مصرعاً لا أزال اعمل له حتى أقدم عليه .
أخــــــــي :
فهل عملت لِما أنت قادم عليه ؟!!
أخـيتـــــــي :
فهل عملت لِما أنت قادمة عليه ؟ !!
من كتاب زيارة عابرة للأخ عبد اللطيف الغامدي
من البريد |