في عالم اختلفت فيه الرؤى والموازين .. اصبحنا نتخبط المسير في طرقات يكسوها الظلام .. لم يعد الصديق صديقا ولا العدو عدوا ومن تلعنه صباحا تجده بين احضانك مساء .. واصبحت المشاعر والأفكار لزاما عليها ان تتغير كما تتغير البوصلة مع كل اتجاه .. وان لم تكن كذلك فأنت المشكلة وليست البوصلة !! مع العلم انني انسان والبوصلة أداة ولا وجه للمقارنة ،،،

لن اتحدث عن الحرب التي يخوضها ابطالنا في غزة الفلسطينية .. ولن ابكي الشهداء الذين موطنهم الجنة .. ولن امنح نفسي مساحة للنواح والعويل ولطم الخدود وشق الجيوب فما يحدث في ارض الرباط هو خير عظيم ومكتسبات قادمة مهما كانت النتائج ومهما كانت التضحيات ولكننا قوم مستعجلون !! ولكن هنالك حديث عن بعض المفاهيم التي اخشى ان تفرض مفرداتها واقع جديد في فكرنا واخلاقياتنا ورؤيتنا التي اصبحنا نختلف حولها رغم ان الحقيقة واضحة !!


( 1 )

فرض على مسامعنا مصطلح يضفي على نفسه صفة الاحترافية بمسمى ( الاعلام المحايد ) وهو الاعلام الذي يتحدث عن مصطلح الشرق الاوسط بديلا عن مصطلح المنطقة العربيه .. ويتحدث عن دولة اسرائيل بديلا عن الكيان الصهيوني .. ويتحدث عن قتلى فلسطينيين بديلا عن الشهداء الفلسطينيين .. ويتحدث عن مصطلح الحرب الاسرائيلية بديلا عن مصطلح العدوان الصهيوني .. والكارثة ان يصر على وصف نفسه بالحيادية بالرغم انه " يمرر " بطريقة احترافية احاديث شتى تضفي مبررات حول العدوان الصهيوني وتحاول ان تضع المقاومة الوطنية المنتخبة قانونا في قفص الاتهام !!

نحترم ان يكون لدينا اعلام محايد عندما يتناول بموضوعية مشكلات متبادلة بين الاقطار العربية والاسلامية كما نحترم هذه الحيادية في تناول القضايا العديدة التي تطرأ على الساحة الدولية .. ولكن ان يتعرض قطر عربي او اسلامي لعدوان اجرامي جائر ونتحدث عن حيادية في الطرح !! فتلك حيادية قادمة من المريخ !!


( 2 )

هنالك حديث عن خوف من امارة اسلامية في قطاع غزة الفلسطينية !! ولا ادري ماهي مبررات هذا التخوف والمنطقة تدين بالاسلام كما ان جل الدول العربيه ان لم يكن جميعها تشير صراحة في دساتيرها الى ( ان الاسلام هو الدين الرسمي للدولة ) .. فهل لدى حماس " اسلام " يختلف عن الاسلام الذي ندين به في المنطقة ؟!! من جانب آخر لماذا لم نجد من يتحدث عن تخوفه من الكيان الصهيوني الذي يرتكز منذ مبررات وجوده حتى لحظة اعلان العدوان على غزة على مفاهيم ومعتقدات دينية عدوانية ومتطرفة !! ان يقول الكيان الصهيوني ان الامارة الاسلامية خطر عليها فهذه حقيقة مطلقة ولكن ان نشارك الصهاينة هذا التخوف فهذه كارثة .. وجل ما أخشاه ان نجد بريطانيا يوما على سبيل المثال تطالب المجتمع الدولي للتدخل في اليمن بسبب الخوف من جمهورية اسلامية لدينا !!


( 3 )

يبدو ان ( فوبيا الاسلام ) او الخوف من الخطر الاسلامي قد امتد الى عقول وقناعات بعض النخبويين في العالم العربي والذين افتقدوا الانصاف في تقييمهم لأولئك الذين فرض عليهم القتال دفاعا عن استقلال اوطانهم ومعتقدهم وارواحهم .. فاصبح لدى هؤلاء اي دعوة للجهاد هي فرضية حتمية للأرهاب وطالما هنالك " حماس " في فلسطين يحارب الكيان الصهيوني فأنه سينشأ حتما " حماس " بالاقطار العربيه تحارب الاقطار العربيه !! هذه الطريقة في تحليل الأمور والنظر اليها بعين واحدة دون الأخرى جعل بعض الاقطار العربيه تضع على عاتقها محاربة الاسلام باسم الارهاب !! فحلقات التحفيظ والمحافظة على الصلوات والتبرعات الخيرية وارتداء الحجاب والبكاء على المستضعفين في الارض جميعها " مشاريع ارهابية " حتى عبارة " الله اكبر " بصوت عال هي ايذان " لعملية ارهابية " !! هؤلاء النخبويين في عالمنا العربي يبدو انهم في خضم الهلع الذي يعانون منه يتناسون انهم " مسلمين " .. فهل نعتبرهم مشرعات ارهابية قادمة ؟


( 4 )

نجد حديث مطول حول ضرورة السلام مع الكيان الصهيوني مع كل مجزرة يرتكبها الصهاينة في حقنا !! نحن الضحية ونحن ايضا دعاة السلام في مفارقة لا يختص بها سوى العرب ويطلق عليها ببرائة الحملان صفة " الشجعان " !! في بادئ الأمر يجب العلم ان العقلية الصهيونية غير مقتنعه حقيقة بالسلام لأنها تعلم انها سلبت حق ليس لها وانها وجدت في منطقة لا تمت اليها بصلة ناهيك انها عصابة قبل ان تكون تنظيم سياسي وبالتالي عند الحديث معهم عن السلام فنحن نتعرى امامهم حتى تطمئن قلوبهم ومع ذلك يسألوننا ماذا نخبئ في بطوننا وانهم في حاجة الى بقرها حتى يتحققوا من صدق نوايانا !! كيف يمكن ان تنام قرير العين عندما تقتحم منزلا وتحتل احدى زواياه وأهل البيت يحيطون بك من كل جانب !!


في وقت مضى اقدمت بعض الدول العربيه على صناعة سلام مع الكيان الصهيوني كان من نتاجه : منع اي تحركات لآليات عسكرية على حدود الكيان الصهيوني الا بموافقة منها وفرض شروط حول عدد الجنود المرابطين على حدود الكيان وتحركاتهم والعتاد الذي يحملونه واختراق التركيبة الاجتماعية والاخلاقية لسكان تلك البلاد من خلال شبكات الدعارة والمخدرات وشبكات الجريمة المنظمة ومساندة كل الشخصيات التي تحمل افكار ودعاوى هدامة وكذلك سعيهم الدؤوب لأجل اختراق الأجهزة الامنية لتلك الاقطار والكثير الكثير مما يقدمه الكيان الصهيوني من اعتداءات صارخة بالرغم ان هنالك اتفاقيات سلام نحترمها نحن ولا يلقي لها بالا !!

من جانب اخر نجد في محيطنا الاعلامي والفكري من يحاول ان يبرر السلوكيات العدوانية للكيان الصهيوني ويحاول ان يلقي بالملامة والمسؤولية على ضحايا الممارسات الصهيونية ويحاول ان يصور الصهاينة لنا حمامة سلام بين قطيع من الضباع العربيه !! شئ مؤسف يدعو الى الألم عندما نصل الى مرحلة نفتقد فيها معرفة وتقدير المخاطر التي تحيط بنا وتجعلنا نتخذ الضحية عدوا ونتخذ العدو صديقا في رسالة واضحة اننا افتقدنا القدرة على التمييز وحان لنا ان نعرف الله حتى نعرف كيف السبيل مع خلق الله ،،،