05/01/2009, 11:16 AM
|
زعيــم نشيــط | | تاريخ التسجيل: 28/03/2008
مشاركات: 809
| |
تفسير سورة الشورى (3) {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ}
أي: بتأخير العذاب القاضي
{إلى أجل مسمى لَقُضِيَ بَيْنَهُم}
ولكن حكمته وحلمه، اقتضى تأخير ذلك عنهم.
{وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِم}
أي: الذين ورثوهم وصاروا خلفا لهم ممن ينتسب إلى العلم منهم
{لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ}
أي: لفي اشتباه كثير يوقع في الاختلاف، حيث اختلف سلفهم بغيا وعنادا، فإن خلفهم اختلفوا شكا وارتيابا، والجميع مشتركون في الاختلاف المذموم.
{فَلِذَلِكَ فَادْعُ}
أي: فللدين القويم والصراط المستقيم، الذي أنزل الله به كتبه وأرسل رسله، فادع إليه أمتك وحضهم عليه، وجاهد عليه، من لم يقبله،
{وَاسْتَقِم}
بنفسك
{كَمَا أُمِرْتَ}
أي: استقامة موافقة لأمر الله، لا تفريط ولا إفراط، بل امتثالا لأوامر الله واجتنابا لنواهيه، على وجه الاستمرار على ذلك، فأمره بتكميل نفسه بلزوم الاستقامة، وبتكميل غيره بالدعوة إلى ذلك.
ومن المعلوم أن أمر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر لأمته إذا لم يرد تخصيص له.
{وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُم}
أي: أهواء المنحرفين عن الدين، من الكفرة والمنافقين إما باتباعهم على بعض دينهم، أو بترك الدعوة إلى الله، أو بترك الاستقامة، فإنك إن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين، ولم يقل: "ولا تتبع دينهم" لأن حقيقة دينهم الذي شرعه الله لهم، هو دين الرسل كلهم، ولكنهم لم يتبعوه، بل اتبعوا أهواءهم، واتخذوا دينهم لهوا ولعبا.
{وَقُل}
لهم عند جدالهم ومناظرتهم:
{آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ}
أي: لتكن مناظرتك لهم مبنية على هذا الأصل العظيم، الدال على شرف الإسلام وجلالته وهيمنته على سائر الأديان، وأن الدين الذي يزعم أهل الكتاب أنهم عليه جزء من الإسلام، وفي هذا إرشاد إلى أن أهل الكتاب إن ناظروا مناظرة مبنية على الإيمان ببعض الكتب، أو ببعض الرسل دون غيره، فلا يسلم لهم ذلك، لأن الكتاب الذي يدعون إليه، والرسول الذي ينتسبون إليه، من شرطه أن يكون مصدقا بهذا القرآن وبمن جاء به، فكتابنا ورسولنا لم يأمرنا إلا بالإيمان بموسى وعيسى والتوراة والإنجيل، التي أخبر بها وصدق بها، وأخبر أنها مصدقة له ومقرة بصحته.
وأما مجرد التوراة والإنجيل، وموسى وعيسى، الذين لم يوصفوا لنا، ولم يوافقوا لكتابنا، فلم يأمرنا بالإيمان بهم.
وقوله:
{وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ}
أي: في الحكم فيما اختلفتم فيه، فلا تمنعني عداوتكم وبغضكم، يا أهل الكتاب من العدل بينكم، ومن العدل في الحكم، بين أهل الأقوال المختلفة، من أهل الكتاب وغيرهم، أن يقبل ما معهم من الحق، ويرد ما معهم من الباطل،
{اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُم}
أي: هو رب الجميع، لستم بأحق به منا.
{لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُم}
من خير وشر
{لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ}
أي: بعد ما تبينت الحقائق، واتضح الحق من الباطل، والهدى من الضلال، لم يبق للجدال والمنازعة محل، لأن المقصود من الجدال، إنما هو بيان الحق من الباطل، ليهتدي الراشد، ولتقوم الحجة على الغاوي، وليس المراد بهذا أن أهل الكتاب لا يجادلون، كيف والله يقول: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وإنما المراد ما ذكرنا.
{اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}
يوم القيامة، فيجزي كلا بعمله، ويتبين حينئذ الصادق من الكاذب.
[16] {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}
وهذا تقرير لقوله: لا حجة بيننا وبينكم، فأخبر هنا أن
{الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ}
بالحجج الباطلة، والشبه المتناقضة
{مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ}
أي: من بعد ما استجاب للّه أولو الألباب والعقول، لما بين لهم من الآيات القاطعة، والبراهين الساطعة، فهؤلاء المجادلون للحق من بعد ما تبين
{حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ}
أي: باطلة مدفوعة
{عِنْدَ رَبِّهِم}
لأنها مشتملة على رد الحق وكل ما خالف الحق، فهو باطل.
{وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ}
لعصيانهم وإعراضهم عن حجج اللّه وبيناته وتكذيبها.
{وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}
هو أثر غضب اللّه عليهم، فهذه عقوبة كل مجادل للحق بالباطل.
[17ـ 18] {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ}
لما ذكر تعالى أن حججه واضحة بينة، بحيث استجاب لها كل من فيه خير، ذكر أصلها وقاعدتها، بل جميع الحجج التي أوصلها إلى العباد، فقال:
{اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ}
فالكتاب هو هذا القرآن العظيم، نزل بالحق، واشتمل على الحق والصدق واليقين، وكله آيات بينات، وأدلة واضحات، على جميع المطالب الإلهية والعقائد الدينية، فجاء بأحسن المسائل وأوضح الدلائل.
وأما الميزان، فهو العدل والاعتبار بالقياس الصحيح والعقل الرجيح، فكل الدلائل العقلية، من الآيات الآفاقية والنفسية، والاعتبارات الشرعية، والمناسبات والعلل، والأحكام والحكم، داخلة في الميزان الذي أنزله الله تعالى ووضعه بين عباده، ليزنوا به ما اشتبه من الأمور، ويعرفوا به صدق ما أخبر به وأخبرت رسله، مما خرج عن هذين الأمرين عن الكتاب والميزان مما قيل إنه حجة أو برهان أو دليل أو نحو ذلك من العبارات، فإنه باطل متناقض، قد فسدت أصوله، وانهدمت مبانيه وفروعه، يعرف ذلك من خبر المسائل ومآخذها، وعرف التمييز بين راجح الأدلة من مرجوحها، والفرق بين الحجج والشبه، وأما من اغتر بالعبارات المزخرفة، والألفاظ المموهة، ولم تنفذ بصيرته إلى المعنى المراد، فإنه ليس من أهل هذا الشأن، ولا من فرسان هذا الميدان، فوفاقه وخلافه سيان.
ثم قال تعالى مخوفا للمستعجلين لقيام الساعة المنكرين لها، فقال:
{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ}
أي: ليس بمعلوم بعدها، ولا متى تقوم، فهي في كل وقت متوقع وقوعها، مخوف وجبتها.
تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن) استغفر الله |