بقلم: د. مصطفى محمود

شارون يرفض دخول لجنة تقصي الحقائق الي خرائب جنين لأنه لايريد ان تطلع عين علي الجرائم التي ارتكبها‏..‏ ويريد ان يستعمل السلطة الأمريكية التي في يد بوش للتغطية علي المصيبة التي تورط فيها‏..‏ يريد ان يفعل فعلته ويهرب مثل أي بلطجي أو نشال‏..‏
انه اذن ليس بالقائد الجريء ولا الشجاع المقدام ولا المقاتل الباسل الذي صورته لنا أبواق الاعلام الصهيوني‏..‏ بل هو الجبان الرعديد الذي يرتجف من عواقب جريمته ويبحث عن شق في الحائط يدخل فيه ويختفي عن الأعين‏..‏ حتي تهدأ الزوبعة‏.‏

لماذا لا يواجه شارون العالم بأفعاله؟ لماذا تحتال امريكا ومن ورائها المجتمع الدولي لإخفاء جرائمه؟ ولماذا تمنع لجنة تقصي الحقائق من دخول جنين وفضح اسرائيل‏..‏ هل اسرائيل دولة سوبر فوق القانون وفوق المساءلة؟‏..‏ ألا نكون بهذا قد كرسنا التمييز والظلم في أبشع صوره‏..‏؟‏!‏
وبيريز الفصيح البليغ المتكلم صاحب المنطق الملتوي‏..‏ لماذا لايصطنع لصاحبه مخرجا من هذا المطب بأساليبه الملتوية ودهاليزه المنطقية‏..‏ ولغته الصابونية التي تنزلق فيها كل القيم وتذوب وتختفي إلي لاشيء‏..‏

أم أن الفضيحة هذه المرة فضيحة بجلاجل‏..‏ والسمعة الطين‏..‏ وصلت الي أقصي الشمال وإلي بلاد تركب الأفيال‏..‏ والشعوب خرجت في مظاهرات تسب اسرائيل وتلعن الصهيونية والصهاينة‏..‏ من السودان جنوبا الي النرويج في أقصي الشمال‏..‏ الي قلب أوروبا وعاصمة النور باريس‏..‏ إلي بلاد المغرب في أقصي الغرب والي خوم الصين في آخر الدنيا‏..‏ الفضيحة هذه المرة شاملة وعالمية‏.‏
أخيرا‏..‏ سقطت اسرائيل هي وجيشها الي الحضيض‏..‏ واصبحت عنوانا للنذالة والجبن والانحطاط والظلم والقهر الغبي والتآمر الوضيع‏..‏ وأصبح شارون هو الغول قاتل الأطفال‏..‏ وهو البعبع‏..‏ ودراكولا وفرنكشتين‏..‏ والشيطان المتنكر في ثوب انسان لن يكون لاسرائيل قبول بعد اليوم في المجمع الانساني لا هي ولا حلفاؤها‏..‏ والخراب الذي صنعته سوف يطاردها ويطارد عملاءها وأعوانها الي آخر الزمان‏.‏

والظلم الجهير والتهور المشين والبطش الأرعن والهدم الأعمي لكل القيم سوف يلتصق بها وبأفعالها‏..‏ الي الأبد‏.‏
وكل مساحيق الغسيل‏,‏ وكل أكاذيب البروباجندا لن تستطيع ان تمحو عنها هذه الأدران والأوساخ‏..‏ وسيبدأ سقوطها النهائي‏..‏ وسيلحق بها العقاب في الدنيا قبل ان تذهب الي الآخرة‏..‏ الي الجبار الذي تعنو أمامه كل الجباه‏.‏

ولن تكون ساعتها وحدها‏..‏ بل ستكون هي وأمريكا في الزنزانة نفسها‏,‏ مع طواغيط النازية وجبابرة الشيوعية وغيلان الفاشية وصناع الخراب وسماسرة الموت والدمار وخفافيش الظلام‏.‏
ولن يستطيع أحد ساعتها ان يهرب من أفعاله

وبطانة السوء قد تسعف اصحابها في الدنيا ولكنها في الآخرة هي وأهلها ستكون في قاع جهنم‏..‏ الانسان وضميره ونياته وعمله سيكون في عبوة واحدة وحقيقة واحدة ومصير واحد‏..‏ ولن يستطيع أحد أن يهرب من عمله لأنه لا انفصال بين الانسان وعمله‏,‏ كما أنه لا انفصال بين الانسان ونفسه‏,‏ ولابين القاتل ويديه اللتين تقطران دما‏.‏
وأعجب احيانا ويزداد عجبي كلما قرأت عن تاريخ اليهود وتفوقهم ونبوغهم‏..‏ كيف فاتتهم هذه الحقيقة البسيطة‏..‏ كيف غاب عنهم أن المجرم لن يستطيع ان يتملص من جريمته ولو توسل بكل أساليب البلاغة والجدل‏..‏ فهو لن يستطيع ان يتبرأ من يده ولا أن يتبرأ من لسانه ولا أن يتنكر لقلبه‏..‏ فما كان لسانه يتحدث إلا بما في قلبه‏..‏ ولا فكاك له ساعتها ولا مهرب‏.‏

الانسان وحقيقته شيء واحد‏..‏
والانسان وباطنه شيء واحد غير قابل للقسمة‏..‏

ومحاولة شارون لطمس كل آثار جرائمه بلاهة‏..‏ وانسلاخه من جلده اسهل من الافلات من أعماله‏..‏ هذا اذا أمكن ان يتم هذا الانسلاخ الخرافي كما تفعل الثعابين‏.‏
وانسلاخ الثعبان عن جلده لايكون إلا إذا تربي له جلد آخر‏..‏ والجلد الآخر سيكون نسخة من الأول‏..‏ والنتيجة أنه لا أمل في ان يخرج من الثعبان إلا ثعبان‏..‏ ولا أن يخرج من شارون إلا شارون مهما يحاول ان يتجمل ومهما استعمل كل أساليب التنكر والاستخفاء‏..‏ ولو أدرك هذه النهاية لأراح نفسه وفتح كل الأبواب ودعا كل لجان تقصي الحقائق‏..‏ وأطلعهم علي خرائب جنين وحاول ان يتملص بالأكاذيب وقال لهم نعم‏..‏ لقد هدمت كل هذه الخرائب لأبنيها من جديد ليسكنها قومي فهم الأولي بها فالأرض أرضنا وعندي صك ملكية بها من أيام موسي وهارون‏..‏ ولكنه للأسف ضاع مني فقد كان هذا الأمر من ثلاثة آلاف سنة من أيام فرعون‏..‏ ولو أعطيتموني فرصة للتنقيب والبحث فربما وجدت هذا الصك النادر في الهرم الأكبر أو تحت أقدام أبوالهول‏!!‏

ولاشك عندي في عدالتكم وفي أنكم ستعطوني هذه الفرصة‏..‏ ولكن علي ان اخرج بالصك وعليه ختم النسر‏..‏ وربما احتاج الأمر الي التنقيب في سيناء والي التفتيش في جبل موسي‏.‏
وموسي رسولنا وجدنا الكبير ونبينا الجليل‏..‏ وكما تعلمون أنه كان لنا ملك عظيم وامبراطورية كبري في الزمن القديم‏,‏ وكانت شواطئ البحر الأحمر داخلة في ملكنا ولكن المرحوم خالد الذكر بيجن فرط فيها بسلامة نية وأعطاها للسادات‏..‏ ولكن كل شيء يمكن إصلاحه وأنتم أهل عدل ونظر ولايمكن ان تقبلوا أكل حقوق الأيتام‏..‏ والعمة أمريكا راعية حقوق الانسان لايمكن ان تقبل بالظلم ولا بأكل مال اليتامي والمساكين ونحن لانريد العدوان علي أحد وانما نريد حقنا فقط بلا نقص وبلا زيادة‏..‏ والبركة في بوش‏..‏

واللحظة مناسبة ومواتية والعمة أمريكا غارقة في موال الارهاب وغارقة في موال العقوبات علي الدول المارقة والتفتيش في ضمائر العرب والتلويح بالعصا لكل من عصي‏..‏ وبقليل من الضغط وكثير من الكياسة سوف تعود إلينا حقوقنا كاملة والعالم كله معنا والعدالة تقف في صفنا‏.‏
وربنا كبير‏..‏

وربنا كبير فعلا ياشارون‏..‏
وهو الجبار وقاصم ظهور الجبابرة وسوف يقصم ظهرك‏..‏

والأيام دول‏..‏
وأين هتلر‏..‏ وأين موسوليني‏..‏ وأين المغول والتتار‏..‏ وأين لينين وستالين‏..‏ وأين بختنصر‏..‏ وأين الفرس والروم‏..‏

وأين وأين‏..‏ وأين امثالك من المجرمين في كل جنس؟
وهل قصرتم في شيء‏..‏ ان حاصد الأرواح عندكم لايغفل ولا ينام‏..‏ والقتل علي الهوية‏..‏ والقتل دون هوية‏..‏ والقتل دون سبب‏..‏ والقتل لمجرد القتل‏..‏ والقتل لمجرد إثارة الرعب‏..‏ لقد تفوقتم علي الأبالسة وسبقتم الشياطين ونافستم الزبانية ومارستم كل صنوف الجرائم‏.‏

لم تتبق في لائحة الجرائم جريمة لم يرتكبوها‏.‏
ولم يبق للفلسطيني خيار إلا الانتحار‏..‏ حتي انتحار الفلسطيني جعلتم منه جريمة وإرهابا‏..‏ واستشهاده عدوان وثورته لنوال حقه جناية تستوجب الاعدام‏.‏

واخترتم شمشون الأمريكي ليمدكم بالمال والسلاح والفانتوم والأباتشي والغطاء القانوني في المحافل والمجالس الدولية وحاصرتم الأقلام والأفواه واخترتم أقوي الأصوات في الأمم المتحدة للتحدث باسمكم وللتغطية علي فضائحكم‏..‏ مهارات شيطانية تذكر لكم‏..‏ برافو‏..‏ عشرة علي عشرة‏..‏ شطار‏.‏

حسنا‏..‏ وماذا بعد؟‏..‏
انتصر الإجرام‏..‏ في الجولة الأولي‏..‏ مبروك
تغلب فريق الشياطين علي جبهة الفلاحين الذين كانوا يقاتلون بالشماريخ‏..‏ برافو‏..‏ هذا يحدث عادة‏..‏ يفوز الشياطين في البداية‏..‏ ويخسر الحق في الجولة الأولي‏..‏ قتل الحسين وفاز معاوية‏..‏ اكتسحت الشيوعية أوروبا والفاشية ايطاليا‏..‏ وماذا بعد‏..‏ سقطت الفاشية وعلق موسوليني من رجليه‏..‏ وانتحرت النازية وأطلق هتلر الرصاص علي رأسه‏..‏ وتراجعت فلول الشيوعية مهزمة في العالم كله‏..‏ وعادت الديمقراطية لتسود العالم‏..‏في النهاية لايصح إلا الصحيح‏.‏
اعتقد بعض اليهود أنهم تآمروا علي صلب المسيح وأنه قتل وصلب وانتهي أمره‏.‏

وقال الله في قرآنه‏:‏
‏(..‏ وماقتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم‏)(157‏ ـ سورة النساء‏)‏
‏(..‏ وماقتلوه يقينا بل رفعه الله إليه‏)(157‏ ـ‏158‏ ـ سورة النساء‏..‏ واليوم المسيحية اكثر أتباعا واكثر أنصارا الحق لا يموت ولا ينهزم إلا لبرهة زمان لأن مكانه في السماء‏.‏

والحق الفلسطيني لن يموت ولن ينهزم إلا لبرهة زمان هو الآخر‏.‏
ومايقوم به شارون هو مظاهرة فاشلة واستعراض للسلاح الأمريكي والفانتوم والأباتشي ودعاية لرفع مبيعات هذه الأسلحة في السوق الدولية‏..‏ يكافأ عليها من النصير الأمريكي بمزيد من التأييد‏..‏

إنها متاجرة وصفقات تأخذ دورها وتنتهي‏..‏ ثم تأتي القاصمة التي سوف تقصم الظهر‏..‏ وماتفعله هو استعراض‏..‏ شبيه بذلك الاستعراض الآخر الذي قمت به في المسجد الأقصي مع ألوف من أنصارك حينما طفتم في ساحات الأقصي بالأحذية وانتم متشابكو الأيدي في مظاهرة استفزاز لكل المسلمين‏..‏ وهذه عادتك وطباعك‏..‏ فأنت تحب الاستعراض‏..‏ وتحب استفزاز الآخرين‏.‏
ولكن أين الحق‏..‏ وأين الباطل‏..‏ هذا هو السؤال

وآخر خبر ان الأمم المتحدة صادقت علي إعفاء شارون من التفتيش ومن لجنة تقصي الحقائق وكتب له كوفي عنان صك براءة‏.‏
ولأن عمليات القتل والهدم والتشريد تهمة ثابتة وأمر واقع أذاعته جميع الفضائيات في حينه‏,‏ وصورته كاميراتها في لحظتها‏..‏ فان هذه البراءة غير ذات موضوع‏..‏ لأن جرائم القتل والهدم والتشريد والمذابح حدثت بالفعل وهي جرائم تخرق عين التاريخ‏.‏

والمعني الحقيقي لهذه البراءة هو إعطاء شارون رخصة قتل‏..‏ وأن دم الفلسطينيين اصبح مباحا ومهدرا بقوة القانون‏..‏ والقضية تأجلت برمتها الي محكمة الآخرة‏..‏ لأن شارون صاحب حصانة‏..‏ وأمريكا اعطته هذه الحصانة ليقتل ما شاء ان يقتل فيما تبقي له من أيام الدنيا‏..‏ ولأن امريكا مفوضة من دول العالم أن تفعل ماتشاء وتحكم بما تشاء فإن الموضوع اصبح منتهيا‏..‏ ولايجوز ان يتهم شارون بالجبن فهو بهذا المفهوم الأمريكي ليس جبانا وانما هو مجرد قائم بالأعمال‏..‏ والمحكمة لم تلغ ولكنها تأجلت ليوم تشخص فيه الأبصار‏..‏ وهو يوم الحق‏..‏ ويوم يقوم الأشهاد‏.‏
والتهمة الممكنة الآن في عصر التلفيق بناء علي هذا الدستور الأمريكي الجديد‏..‏ هي البجاحة‏..‏ ربما‏..!!‏ هذا إذا كانت هناك تهمة‏.‏

وهذه التهمة الجديدة تنسحب ولاشك علي الموقف الأمريكي كله‏..‏ وعلي الأمم المتحدة‏..‏ وعلي العالم الجبان الذي تحكمه الأهواء‏.‏
أما ختام المقال فهو مؤجل الي أجل غير معلوم هو يوم القيامة التي لايعلم احد ميقاتها‏..‏ وسيصدر ساعتها الحكم الذي لايرد من الواحد الأحد القادر علي كل شيء‏.‏

ومن يدان ساعتها سيدان الي الأبد‏..‏
ومن يدخل جهنم لن يخرج منها‏..‏
يقول ربنا‏:‏
‏(‏ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما‏)(93‏ ـ النساء‏)..‏ وهذه هي المحكمة العليا التي ليس فيها نقض ولا استئناف‏..‏ ويومها ستكون امريكا وأوروبا وكل دول العالم في قفص الاتهام‏.‏
ولن يشفع موسي ولا عيسي لظالم‏..‏
‏(‏ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع‏)(18‏ ـ غافر‏)..(‏ وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلي ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون‏)(51‏ ـ الأنعام‏)‏

ولن يتدخل ساعتها كوفي عنان ولا بوش ولا كارتر ولا نيتانياهو ولا رئيس الحاخامات ولن يفتح أحد فمه‏..‏
والداخلون إلي جهنم لن يخرجوا منها‏..‏ انتهي الحساب‏..‏ وختم الكتاب‏..‏ وجفت الأقلام وطويت الصحف‏..‏