12/10/2008, 05:04 AM
|
زعيــم جديــد | | تاريخ التسجيل: 30/03/2008
مشاركات: 12
| |
حجّةُ مُستهلكة .. نسمعُ بين وقت وآخر أصواتًا غوغائيّة تصدر من جهات هي أكثر مَن صدّع رؤوسنا بمبدأ حريّة الرأي، لكن حين يتحدّث عالِم من علماء الأمّة بكلمة حقّ تصيبهم في مقتل تجدهم يتنادون من كلّ صوب، يحسبون كلّ صيحة عليهم، مطالبين بتكميم أفواه العلماء، والحجّة الّتي مللنا سماعها من هؤلاء أنّ هذه الفتوى أو تلك (يمكن أن يستغلها الإرهابيون) ونحوها من العبارات الّتي تدل على أنّ هؤلاء لا ينطلقون من قراءة منصفة منزوعة الأفهام المسبقة، بل هم مسيئون للظنّ في العلماء بصورة لا تقل تطرّفًا عن المتطرّفين أنفسهم، ولذلك تستفزّهم وتخيفهم - أو هكذا يُظهرون - أيّ عبارة تحتمل تفسيرًا متطرّفًا ولو من بعيد، ثمّ يطالبون مباشرة بشطب العبارات وتكميم أفواه القائلين، ومحاكمتهم إلى آخر هذا الهراء .
وهذا ظلم للحقيقة. فالعلماء حين يتكلّمون في الموضوع الشرعي العلمي يتحدثون بعبارات شرعية مفهومة مضبوطة، كتلك العبارات الموجودة في مناهجنا الشرعية، وفي فتاوى كبار علمائنا الّذين ما زالوا محلّ ثقة ولاة الأمر في أشدّ المناصب حساسية كالإفتاء والقضاء، فعباراتهم مفهومة لدى طلاب العلم، ولدى كلّ سليم الصّدر تجاههم في سياقٍ طبيعي لا يؤدّي إلى التطرف ولا إلى التكفير ما دام القارئ والمستمع يتبعان في فهمها وإفهامها آليات التصوّر الصحيح، والدليل على ذلك أنّ الجمهور ممّن يسمع هذه الفتاوى والدروس من عشرات السنين لم يقع ضحية طرفي الغلوّ المعاصر الذي نراه، فلا هم خرجوا على الناس بالسلاح، واستباحوا الدماء والأموال والأعراض، ولا هم كذلك طالبوا بشطب هذه الفتاوى، وإقصائها، وتكميم أفواه كبار أهل العلم والإفتاء تحت ذريعة محاربة التطرّف.
كثيرًا ما تكون الآفة من تصورات مسبقة وترصّد قبيحًا، لا من عبارات العلماء (الكبار خاصة)، بل جاءت فتاواهم ومؤلفاتهم والمناهج الّتي سطّروها منضبطة واضحة لا ينحرف بمعانيها إلاّ القارئ ذو النفسية المتشددة أصلاً سواء كان التشدد يمينيًّا أم يساريًّا، فالأول يبلغ بالنص مداه فيوظفه لفكره التكفيري، والآخر يمحق النص نفسه ويطالب بشطبه معتبرًا ذلك إعلان حرب من القائل، والأمر لا يستحق هذا ولا ذاك لو أحسن الظنّ بالمتكلم، واستفهم عمّا لم يُحِط به فهمُه.
لا يوجد في الكون كلام أبينَ من كلام الله، ومع هذا قال تعالى: (وليزيدنَّ كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانًا وكفرًا)، ومن هنا قال العلماء: إنّ المتكلّم إذا بيّن كلامه الشرعي بالأسلوب العربي لا يضره أن يَضِلّ به مَن ضلّ؛ لأنّ السّبب حينئذٍ يكون من نفس القارئ، لا من المتكلم، ولو صحّ ما يطالب به أصحابنا هؤلاء لشطبنا شطر كتاب الله تعالى ليرضى عنّا مَن لا ينفعنا حبهم، ولا يضرنا سخطهم. |