المنتديات الموقع العربي الموقع الانجليزي الهلال تيوب بلوتوث صوتيات الهلال اهداف الهلال صور الهلال
العودة   نادي الهلال السعودي - شبكة الزعيم - الموقع الرسمي > المنتديات العامة > منتدى الثقافة الإسلامية
   

منتدى الثقافة الإسلامية لتناول المواضيع والقضايا الإسلامية الهامة والجوانب الدينية

إضافة رد
   
 
LinkBack أدوات الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 26/09/2008, 07:29 AM
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 28/03/2008
مشاركات: 809
Lightbulb تفسير سورة الحشر (1)

تفسير سورة الحشر

‏[‏وهي‏]‏ مدنية
‏[‏1ـ 7‏]‏ ‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

‏{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ‏}‏
إلى آخر القصة‏.‏
هذه السورة تسمى ‏[‏سورة بني النضير‏] وهم طائفة كبيرة من اليهود في جانب المدينة، وقت بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما بعث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهاجر إلى المدينة، كفروا به في جملة من كفر من اليهود، فلما هاجر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المدينة هادن سائر طوائف اليهود الذين هم جيرانه في المدينة، فلما كان بعد ‏[‏وقعة‏]‏ بدر بستة أشهر أو نحوها، خرج إليهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكلمهم أن يعينوه في دية الكلابيين الذين قتلهم عمرو بن أمية الضمري، فقالوا‏:‏ نفعل يا أبا القاسم، اجلس هاهنا حتى نقضي حاجتك، فخلا بعضهم ببعض، وسول لهم الشيطان الشقاء الذي كتب عليهم، فتآمروا بقتله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقالوا‏:‏ أيكم يأخذ هذه الرحى فيصعد فيلقيها على رأسه يشدخه بها‏؟‏ فقال أشقاهم عمرو بن جحاش‏:‏ أنا، فقال لهم سلام بن مشكم‏:‏ لا تفعلوا، فوالله ليخبرن بما هممتم به، وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه، وجاء الوحي على الفور إليه من ربه، بما هموا به، فنهض مسرعا، فتوجه إلى المدينة، ولحقه أصحابه، فقالوا‏:‏ نهضت ولم نشعر بك، فأخبرهم بما همت يهود به‏.‏
وبعث إليهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏أن اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها، وقد أجلتكم عشرا، فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه‏)‏
فأقاموا أياما يتجهزون، وأرسل إليهم المنافق عبد الله بن أبي ‏[‏بن سلول‏]‏‏:‏ ‏"‏أن لا تخرجوا من دياركم، فإن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم، فيموتون دونكم، وتنصركم قريظة وحلفاؤكم من غطفان‏"‏‏.‏
وطمع رئيسهم حيي بن أخطب فيما قال له، وبعث إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول‏:‏ إنا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك‏.‏
فكبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه، ونهضوا إليهم، وعلي بن أبي طالب يحمل اللواء‏.‏
فأقاموا على حصونهم يرمون بالنبل والحجارة، واعتزلتهم قريظة، وخانهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان، فحاصرهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقطع نخلهم وحرق‏.‏ فأرسلوا إليه‏:‏ نحن نخرج من المدينة، فأنزلهم على أن يخرجوا منها بنفوسهم، وذراريهم، وأن لهم ما حملت إبلهم إلا السلاح، وقبض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأموال والسلاح‏.‏
وكانت بنو النضير، خالصة لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لنوائبه ومصالح المسلمين، ولم يخمسها، لأن الله أفاءها عليه، ولم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب، وأجلاهم إلى خيبر وفيهم حيي بن أخطب كبيرهم، واستولى على أرضهم وديارهم، وقبض السلاح، فوجد من السلاح خمسين درعا، وخمسين بيضة، وثلاثمائة وأربعين سيفا، هذا حاصل قصتهم كما ذكرها أهل السير‏.‏
فافتتح تعالى هذه السورة بالإخبار أن جميع من في السماوات والأرض تسبح بحمد ربها، وتنزهه عما لا يليق بجلاله، وتعبده وتخضع لجلاله لأنه العزيز الذي قد قهر كل شيء، فلا يمتنع عليه شيء، ولا يستعصي عليه مستعصي الحكيم في خلقه وأمره، فلا يخلق شيئا عبثا، ولا يشرع ما لا مصلحة فيه، ولا يفعل إلا ما هو مقتضى حكمته‏.‏
ومن ذلك، نصر الله لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الذين كفروا من أهل الكتاب من بني النضير حين غدروا برسوله فأخرجهم من ديارهم وأوطانهم التي ألفوها وأحبوها‏.‏
وكان إخراجهم منها أول حشر وجلاء كتبه الله عليهم على يد رسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجلوا إلى خيبر، ودلت الآية الكريمة أن لهم حشرا وجلاء غير هذا، فقد وقع حين أجلاهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من خيبر، ثم عمر رضي الله عنه، ‏[‏أخرج بقيتهم منها‏]‏‏.‏

‏{‏مَا ظَنَنْتُم‏}
أيها المسلمون

‏{‏أَنْ يَخْرُجُوا‏}
من ديارهم، لحصانتها، ومنعتها، وعزهم فيها‏.‏

‏{‏وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ‏}
‏ فأعجبوا بها وغرتهم، وحسبوا أنهم لا ينالون بها، ولا يقدر عليها أحد، وقدر الله تعالى وراء ذلك كله، لا تغني عنه الحصون والقلاع، ولا تجدي فيهم القوة والدفاع‏.‏
ولهذا قال‏:‏

‏{‏فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا‏
أي‏:‏ من الأمر والباب، الذي لم يخطر ببالهم أن يؤتوا منه، وهو أنه تعالى

‏{‏قذف فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ‏}
‏ وهو الخوف الشديد، الذي هو جند الله الأكبر، الذي لا ينفع معه عدد ولا عدة، ولا قوة ولا شدة، فالأمر الذي يحتسبونه ويظنون أن الخلل يدخل عليهم منه إن دخل هو الحصون التي تحصنوا بها، واطمأنت نفوسهم إليها، ومن وثق بغير الله فهو مخذول، ومن ركن إلى غير الله فهو عليه وبال فأتاهم أمر سماوي نزل على قلوبهم، التي هي محل الثبات والصبر، أو الخور والضعف، فأزال الله قوتها وشدتها، وأورثها ضعفا وخورا وجبنا، لا حيلة لهم ولا منعة معه فصار ذلك عونا عليهم، ولهذا قال‏:‏

‏{‏يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ‏}‏
وذلك أنهم صالحوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أن لهم ما حملت الإبل‏.‏
فنقضوا لذلك كثيرا من سقوفهم، التي استحسنوها، وسلطوا المؤمنين بسبب بغيهم على إخراب ديارهم وهدم حصونهم، فهم الذين جنوا على أنفسهم، وصاروا من أكبر عون عليها،

‏{‏فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ‏}‏
أي‏:‏ البصائر النافذة، والعقول الكاملة، فإن في هذا معتبرا يعرف به صنع الله تعالى في المعاندين للحق، المتبعين لأهوائهم، الذين لم تنفعهم عزتهم، ولا منعتهم قوتهم، ولا حصنتهم حصونهم، حين جاءهم أمر الله، ووصل إليهم النكال بذنوبهم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإن هذه الآية تدل على الأمر بالاعتبار، وهو اعتبار النظير بنظيره، وقياس الشيء على مثله، والتفكر فيما تضمنته الأحكام من المعاني والحكم التي هي محل العقل والفكرة، وبذلك يزداد العقل، وتتنور البصيرة ويزداد الإيمان، ويحصل الفهم الحقيقي، ثم أخبر تعالى أن هؤلاء اليهود لم يصبهم جميع ما يستحقون من العقوبة، وأن الله خفف عنهم‏.‏
فلولا أنه كتب عليهم الجلاء الذي أصابهم وقضاه عليهم وقدره بقدره الذي لا يبدل ولا يغير، لكان لهم شأن آخر من عذاب الدنيا ونكالها، ولكنهم ـ وإن فاتهم العذاب الشديد الدنيوي ـ فإن لهم في الآخرة عذاب النار، الذي لا يمكن أن يعلم شدته إلا الله تعالى، فلا يخطر ببالهم أن عقوبتهم قد انقضت وفرغت ولم يبق لهم منها بقية، فما أعد الله لهم من العذاب في الآخرة أعظم وأطم‏.‏
وذلك لأنهم

‏{‏شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏}
‏ وعادوهما وحاربوهما، وسعوا في معصيتهما‏.‏
وهذه عادته وسنته فيمن شاقه
‏{‏وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ‏}‏
ولما لام بنو النضير رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمين في قطع النخيل والأشجار، وزعموا أن ذلك من الفساد، وتوصلوا بذلك إلى الطعن بالمسلمين، أخبر تعالى أن قطع النخيل إن قطعوه أو إبقاءهم إياه إن أبقوه، إنه بإذنه تعالى، وأمره

‏{‏وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ‏}
‏ حيث سلطكم على قطع نخلهم، وتحريقها، ليكون ذلك نكالا لهم، وخزيا في الدنيا، وذلا يعرف به عجزهم التام، الذي ما قدروا على استنقاذ نخلهم، الذي هو مادة قوتهم‏.‏ واللينة‏:‏ اسم يشمل سائر النخيل على أصح الاحتمالات وأولاها، فهذه حال بني النضير، وكيف عاقبهم الله في الدنيا‏.‏
ثم ذكر من انتقلت إليه أموالهم وأمتعتهم، فقال‏:‏

‏{‏وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُم‏}
‏ أي‏:‏ من أهل هذه القرية، وهم بنو النضير‏.‏

‏{‏فـ‏}‏
إنكم يا معشر المسلمين

‏{‏ما أَوْجَفْتُم‏}
‏ أي‏:‏ ما أجلبتم وأسرعتم وحشدتم،

‏{‏عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ‏}
‏ أي‏:‏ لم تتعبوا بتحصيلها، لا بأنفسكم ولا بمواشيكم، بل قذف الله في قلوبهم الرعب، فأتتكم صفوا عفوا، ولهذا‏.‏ قال‏:‏

‏{‏وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏
من تمام قدرته أنه لا يمتنع منه ممتنع، ولا يتعزز من دونه قوي‏.‏ وتعريف الفيء في اصطلاح الفقهاء‏:‏ هو ما أخذ من مال الكفار بحق، من غير قتال، كهذا المال الذي فروا وتركوه خوفا من المسلمين، وسمي فيئا، لأنه رجع من الكفار الذين هم غير مستحقين له، إلى المسلمين الذين لهم الحق الأوفر فيه‏.‏
وحكمه العام، كما ذكره الله في قوله

‏{‏مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى‏}
‏ عموما، سواء أفاء الله في وقت رسوله أو بعده، لمن يتولى من بعده أمته

‏{‏فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ‏}
‏ وهذه الآية نظير الآية التي في سورة الأنفال، في قوله‏:‏ ‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ‏}‏
فهذا الفيء يقسم خمسة أقسام‏:‏
خمس لله ولرسوله يصرف في مصالح المسلمين ‏[‏العامة‏]‏، وخمس لذوي القربى، وهم‏:‏ بنو هاشم وبنو المطلب، حيث كانوا يسوى ‏[‏فيه‏]‏ بين، ذكورهم وإناثهم، وإنما دخل بنو المطلب في خمس الخمس، مع بني هاشم، ولم يدخل بقية بني عبد مناف، لأنهم شاركوا بني هاشم في دخولهم الشعب، حين تعاقدت قريش على هجرهم وعداوتهم فنصروا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخلاف غيرهم، ولهذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بني عبد المطلب‏:‏ ‏"‏إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام‏"‏
وخمس لفقراء اليتامى، وهم‏:‏ من لا أب له ولم يبلغ، وخمس للمساكين، وسهم لأبناء السبيل، وهم الغرباء المنقطع بهم في غير أوطانهم‏.‏
وإنما قدر الله هذا التقدير، وحصر الفيء في هؤلاء المعينين لـ

‏{‏كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً‏}‏
أي‏:‏ مدوالة واختصاصا

‏{‏بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُم‏}‏
فإنه لو لم يقدره، لتداولته الأغنياء الأقوياء، ولما حصل لغيرهم من العاجزين منه شيء، وفي ذلك من الفساد، ما لا يعلمه إلا الله، كما أن في اتباع أمر الله وشرعه من المصالح ما لا يدخل تحت الحصر، ولذلك أمر الله بالقاعدة الكلية والأصل العام، فقال‏:

‏ ‏{‏وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا‏}
‏ وهذا شامل لأصول الدين وفروعه، ظاهره وباطنه، وأن ما جاء به الرسول يتعين على العباد الأخذ به واتباعه، ولا تحل مخالفته، وأن نص الرسول على حكم الشيء كنص الله تعالى، لا رخصة لأحد ولا عذر له في تركه، ولا يجوز تقديم قول أحد على قوله، ثم أمر بتقواه التي بها عمارة القلوب والأرواح ‏[‏والدنيا والآخرة‏]‏، وبها السعادة الدائمة والفوز العظيم، وبإضاعتها الشقاء الأبدي والعذاب السرمدي، فقال‏:
‏ ‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ‏}‏
على من ترك التقوى، وآثر اتباع الهوى‏.‏
‏(‏8‏)‏ ثم ذكر تعالى الحكمة والسبب الموجب لجعله تعالى الأموال أموال الفيء لمن قدرها له، وأنهم حقيقون بالإعانة، مستحقون لأن تجعل لهم، وأنهم ما بين مهاجرين قد هجروا المحبوبات والمألوفات، من الديار والأوطان والأحباب والخلان والأموال، رغبة في الله ونصرة لدين الله، ومحبة لرسول الله، فهؤلاء هم الصادقون الذين عملوا بمقتضى إيمانهم، وصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة والعبادات الشاقة، بخلاف من ادعى الإيمان وهو لم يصدقه بالجهاد والهجرة وغيرهما من العبادات، وبين أنصار وهم الأوس والخزرج الذين آمنوا بالله ورسوله طوعا ومحبة واختيارا، وآووا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومنعوه من الأحمر والأسود، وتبوأوا دار الهجرة والإيمان حتى صارت موئلا ومرجعا يرجع إليه المؤمنون، ويلجأ إليه المهاجرون، ويسكن بحماه المسلمون إذ كانت البلدان كلها بلدان حرب وشرك وشر، فلم يزل أنصار الدين تأوي إلى الأنصار، حتى انتشر الإسلام وقوي، وجعل يزيد شيئا شيئا فشيئا، وينمو قليلا قليلا، حتى فتحوا القلوب بالعلم والإيمان والقرآن، والبلدان بالسيف والسنان‏.‏
الذين من جملة أوصافهم الجميلة أنهم

‏{‏يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِم‏}
‏ وهذا لمحبتهم لله ولرسوله، أحبوا أحبابه، وأحبوا من نصر دينه‏.‏

‏{‏وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا‏}‏
أي‏:‏ لا يحسدون المهاجرين على ما آتاهم الله من فضله وخصهم به من الفضائل والمناقب التي هم أهلها، وهذا يدل على سلامة صدورهم، وانتفاء الغل والحقد والحسد عنها‏.‏
ويدل ذلك على أن المهاجرين، أفضل من الأنصار، لأن الله قدمهم بالذكر، وأخبر أن الأنصار لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، فدل على أن الله تعالى آتاهم ما لم يؤت الأنصار ولا غيرهم، ولأنهم جمعوا بين النصرة والهجرة‏.‏
وقوله‏:‏

‏{‏وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ‏}
‏ أي‏:‏ ومن أوصاف الأنصار التي فاقوا بها غيرهم، وتميزوا بها على من سواهم، الإيثار، وهو أكمل أنواع الجود، وهو الإيثار بمحاب النفس من الأموال وغيرها، وبذلها للغير مع الحاجة إليها، بل مع الضرورة والخصاصة، وهذا لا يكون إلا من خلق زكي، ومحبة لله تعالى مقدمة على محبة شهوات النفس ولذاتها، ومن ذلك قصة الأنصاري الذي نزلت الآية بسببه، حين آثر ضيفه بطعامه وطعام أهله وأولاده وباتوا جياعا، والإيثار عكس الأثرة، فالإيثار محمود، والأثرة مذمومة، لأنها من خصال البخل والشح، ومن رزق الإيثار فقد وقي شح نفسه

‏{‏وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}
‏ ووقاية شح النفس، يشمل وقايتها الشح، في جميع ما أمر به، فإنه إذا وقي العبد شح نفسه، سمحت نفسه بأوامر الله ورسوله، ففعلها طائعا منقادا، منشرحا بها صدره، وسمحت نفسه بترك ما نهى الله عنه، وإن كان محبوبا للنفس، تدعو إليه، وتطلع إليه، وسمحت نفسه ببذل الأموال في سبيل الله وابتغاء مرضاته، وبذلك يحصل الفلاح والفوز، بخلاف من لم يوق شح نفسه، بل ابتلي بالشح بالخير، الذي هو أصل الشر ومادته، فهذان الصنفان، الفاضلان الزكيان هم الصحابة الكرام والأئمة الأعلام، الذين حازوا من السوابق والفضائل والمناقب ما سبقوا به من بعدهم، وأدركوا به من قبلهم، فصاروا أعيان المؤمنين، وسادات المسلمين، وقادات المتقين وحسب من بعدهم من الفضل أن يسير خلفهم، ويأتم بهداهم، ولهذا ذكر الله من اللاحقين، من هو مؤتم بهم وسائر خلفهم فقال‏:‏

‏{‏وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِم‏}‏
أي‏:‏ من بعد المهاجرين والأنصار

‏{‏يَقُولُونَ‏}
‏ على وجه النصح لأنفسهم ولسائر المؤمنين‏:‏

‏{‏رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ‏}‏
وهذا دعاء شامل لجميع المؤمنين، السابقين من الصحابة، ومن قبلهم ومن بعدهم، وهذا من فضائل الإيمان أن المؤمنين ينتفع بعضهم ببعض، ويدعو بعضهم لبعض، بسبب المشاركة في الإيمان المقتضي لعقد الأخوة بين المؤمنين التي من فروعها أن يدعو بعضهم لبعض، وأن يحب بعضهم بعضا‏.‏
ولهذا ذكر الله في الدعاء نفي الغل عن القلب، الشامل لقليل الغل وكثيره الذي إذا انتفى ثبت ضده، وهو المحبة بين المؤمنين والموالاة والنصح، ونحو ذلك مما هو من حقوق المؤمنين‏.‏
فوصف الله من بعد الصحابة بالإيمان، لأن قولهم‏:

‏ ‏{‏سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ‏}
‏ دليل على المشاركة في الإيمان وأنهم تابعون للصحابة في عقائد الإيمان وأصوله، وهم أهل السنة والجماعة، الذين لا يصدق هذا الوصف التام إلا عليهم، ووصفهم بالإقرار بالذنوب والاستغفار منها، واستغفار بعضهم لبعض، واجتهادهم في إزالة الغل والحقد عن قلوبهم لإخوانهم المؤمنين، لأن دعاءهم بذلك مستلزم لما ذكرنا، ومتضمن لمحبة بعضهم بعضا، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه وأن ينصح له حاضرا وغائبا، حيا وميتا، ودلت الآية الكريمة ‏[‏على‏]‏ أن هذا من جملة حقوق المؤمنين بعضهم لبعض، ثم ختموا دعاءهم باسمين كريمين، دالين على كمال رحمة الله وشدة رأفته وإحسانه بهم، الذي من جملته، بل من أجله، توفيقهم للقيام بحقوق الله وحقوق عباده‏.‏
فهؤلاء الأصناف الثلاثة هم أصناف هذه الأمة، وهم المستحقون للفيء الذي مصرفه راجع إلى مصالح الإسلام‏.‏
وهؤلاء أهله الذين هم أهله، جعلنا الله منهم، بمنه وكرمه‏.‏

تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن)


استغفر الله استغفر الله استغفر الله
اضافة رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26/09/2008, 07:48 AM
زعيــم فعــال
تاريخ التسجيل: 28/11/2007
المكان: الدمام
مشاركات: 297
ورده ورده ورده جـــزاكـ الله خير ونفــع بــكـ ورده ورده ورده
اضافة رد مع اقتباس
   


إضافة رد


قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML غير مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 01:26 AM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube