شمس البارودي: بداية توبتي في رمضان

لم تكن تتمنى أن تكون في يوم من الأيام عاصية لله تبارك وتعالى، ولكن بريق الفن والفنانين والسينما والتليفزيون كان يغري أية فتاة في مثل سنها؛ خاصة وأنها التحقت بالفن في سن خطيرة 16-17 سنة، بالإضافة إلى قلة الثقافة الدينية الجيدة والجمال الذي وهبها الله إياه، ورغم ذلك كانت تلوم نفسها دائما على المعاصي، التي ترتكبها بين الحين والآخر، نظرا لأنها نشأت في أسرة ملتزمة تحافظ على جميع الصلوات وتحيي الله في قلبها وبيتها .
كانت الفنانة التائبة "شمس البارودي" زوجة الفنان التائب أيضا "حسن يوسف" تشعر أثناء عملها بالفن أن هناك انفصاما بين شخصيتها الحقيقية والوضع الذي هي عليه؛ حيث تفكر كثيرا في أعمالها السينمائية التي يراها الجمهور بصورتها المتبرجة، التي تظهر بها فلم تكن تشعر أنها تعبر عنها وكانت تحس أنها تخرج من جلدها أثناء أدائها لهذه الأعمال.
بعد زواجها من الفنان حسن يوسف بدأت تمثل أدوار أقرب إلى نفسها ومحتشمة نوعا ما، حيث امتثلت لأوامر نفسها اللوامة التي كانت لا تفارقها على الإطلاق. وفى هذا التوقيت بدأت تواظب على أداء الصلوات لدرجة أنها لو تركت فرضا من الفروض تستغفر الله كثيرا بعد أن تصليه قضاء، وكان تركها يحزنها كثيرا ورغم ذلك كانت ذنوبها تغلبها فكانت تقرأ لبرجسون وسارتر وفرويد وغيرهم من الفلسفات، التي لا تقدم ولا تؤخر وهو ما يجعلها تدخل في مناقشات جدلية فلسفية كثيرة.

الحنين إلى الالتزام كان يغازل الفنانة التائبة بين لحظة وأخرى؛ فكانت عندما تذهب إلى المصيف تتأخر في نزول البحر إلى ما بعد الغروب ومغادرة جميع الناس للمصيف ويكون معها زوجها وشرعت في الامتناع عن القراءات السيئة التي كانت تداوم عليها.

وفى إحدى السنوات شهدت بداية شهر رمضان الكريم نقطة تحول حقيقية في حياة الفنانة شمس البارودي، حيث بدأت تقرأ في المصحف الشريف بشكل منتظم، واستطاعت أن تختم القرآن لأول مرة في حياتها، وكانت تجتمع مع صديقاتها في بيت إحداهن لتلاوة القرآن الكريم، حيث أكرمها الله بمجموعة من الصديقات البعيدات عن الوسط الفني ويملن إلى الالتزام، وهو ما شجعها على تغيير شيء في حياتها في شهر رمضان الكريم وكان يلفت انتباهها ويؤرق تفكيرها عدم ارتداء أي من صديقاتها للحجاب رغم الروح الربانية التي كانت سائدة بينهن.

عدم ارتداء الحجاب كان دائما ما يؤرق الفنانة التائبة، وكانت ترجع العديد من المصائب التي تصاب بها إلى تقصيرها في هذا الأمر، ومنها مرض ابنتها الذي حرمها من أداء العمرة في نفس العام الذي ختمت فيه القرآن الكريم، حيث تقول الفنانة التائبة: كانت عندي رغبة قوية في أداء العمرة وكنت أقول في نفسي: إنني لا أستطيع أن أؤدي العمرة إلا إذا ارتديت الحجاب، لأنه غير معقول أن أذهب لبيت الله دون أن أكون ملتزمة بالزي الإسلامي، وذهب زوجي لأداء العمرة ولم أذهب معه لخوفي أن تتأخر ابنتي عن الدراسة في فترة غيابي .. ولكنها أصيبت بنزلة شعبية وانتقلت العدوى إلى ابني ثم انتقلت إلي فصرنا نحن الثلاثة مرضى، فنظرت إلى هذا الأمر نظرة فيها تدبر وكأنها عقاب على تأخري عن أداء العمرة.

وفي العام التالي للعام الذي ختمت فيه القرآن ذهبت الفنانة التائبة لأداء مناسك العمرة، وكان ذلك سنة 1982م في شهر "فبراير" وكانت عائدة في "ديسمبر" من باريس، وتحمل أحدث الملابس من بيوت الأزياء كانت ملابس محتشمة.. ولكنها أحدث موديل..، وعندما ذهبت واشترت ملابس العمرة البيضاء وكانت أول مرة تلبس الثياب البيضاء، دون أن تضع أي نوع من المساحيق على وجهها، فاهتز شيء بداخلها وعندما وصلت إلى الحرم النبوي بدأت تقرأ في المصحف دون أن تفهم الآيات فهما كاملا، لكن كان لديها إصرار على ختم القرآن في المدينة ومكة.

وفي الحرم المكي وجدت العديد من الأخوات المسلمات كن يرتدين الخمار، وكانت تفضل البقاء في الحرم لتقرأ القرآن الكريم. وفي إحدى المرات أثناء وجودها في الحرم بين العصر والمغرب التقيت بإحدى الأخوات وهي مصرية تعيش في الكويت اسمها "أروى" قرأت عليها أبياتا من الشعر الذي كتبته هي فبكت، لأنها استشعرت أنها مست شيئا في قلبها، وكانت فكرة الحجاب تراودها كثيرا في تلك الفترة .


وكانت نقطة التحول الحقيقية في حياتها في العام التالي، عندما ذهبت لأداء العمرة لأخت لها من أبيها، حيث تقول الفنانة التائبة بعد أداء العمرة: لم أنم تلك الليلة واستشعرت بضيق في صدري رهيب وكأن جبال الدنيا تجثم فوق أنفاسي.. وكأن خطايا الشر كلها تخنقني.. كل مباهج الدنيا التي كنت أتمتع بها كأنها أوزار تكبلني.. وسألني والدي عن سبب أرقي فقلت له: أريد أن أذهب إلى الحرم الآن.. ولم يكن الوقت المعتاد لذهابنا إلى الحرم قد حان ولكن والدي- وكان مجندا نفسه لراحتي في رحلة العمرة – صحبني إلى الحرم.. وعندما وصلنا أديت تحية المسجد وهي الطواف وفي أول شوط من الأشواط السبعة يسر الله لي الوصول إلى الحجر الأسود ولم يحضر على لساني غير دعاء واحد.. لي ولزوجي وأولادي وأهلي وكل من أعرف.. دعوت بقوة الإيمان.. ودموعي تنهمر في صمت ودون انقطاع.. طوال الأشواط السبعة لم أدع إلا بقوة الإيمان وطوال الأشواط السبعة أصل إلى الحجر الأسود وأقبله، وعند مقام إبراهيم عليه السلام وقفت لأصلي ركعتين بعد الطواف وقرأت الفاتحة، كأني لم أقرأها طوال حياتي واستشعرت فيها معان اعتبرتها منّة من الله، فشعرت بعظمة فاتحة الكتاب.. وكنت أبكي وكياني يتزلزل.. في الطواف استشعرت كأن ملائكة كثيرة حول الكعبة تنظر إلى.. استشعرت عظمة الله كما لم أستشعرها طوال حياتي. ثم صليت ركعتين في الحجر وحدث لي الشيء نفسه كل ذلك كان قبل الفجر.. وجاءني والدي لأذهب إلى مكان النساء لصلاة الفجر، عندها كنت قد تبدلت وأصبحت إنسانة أخرى تماما ومن بعدها لم أخلع حجابي تماما

الله يثبتها على القول والعمل الصالح...

وأنا يجزيها الله خير الجزاء...

آلله يثبتهآ آن ششآء آلله يآرب ,,