في بيتنا نصراوي .. !
بيتٌ رُبيتُ فيه كان عن بكرة أبيه يتقلب على أجود أنواع السجاد الأزرق !!
لا يعرف إلا فريقاً واحداً يستحق التشجيع والهتاف ، والبقاء والمتابعة ..
كان والدي هلالياً صميماً لا يرى إلا لون السماء .. وهدير البحار ، يشتد حماسه في كل مباراة ، لا فرق عنده بين مباراة مع متذيل الدوري أو متصدره ، فالهلال واحد .. يستحق التشجيع والحماس .
رُبيتُ على هذا العشق .. ونماه في قلبي والدي حين كان يأخذني بين الفينة والأخرى لنادي الهلال الذي يبعد عن منزلنا بعد مشرق الرياض عن مغربها ، فقد كان منزلنا في أقصى الشرق ولكم أن تتخيلوا المسافة من المنزل حتى النادي .
وكذا أخي .. رُبيَ على هذا ، حتى اجتالته شياطين الأنس فأضلته من بعد علم ، وتحوّل بلا أي سبب إلى تشجيع نادي النصر ، وكانت الصاعقة ..
في بيتنا نصراوي ؟!
في أول وقت تحوله قال له أبي "يا وليدي .. خلك على الهلال تراه فريق يوسع الصدر" ، وكانت كلماته – حفظه الله – ما زالت ترن في أذني حتى اليوم
"تراه فريق يوسع الصدر .. تراه فريق يوسع الصدر .. تراه فريق يوسع الصدر" .
لكن ذلك الأخ (المقرود) أبى إلا الاستقلال ، والاعتزاز بفريقه الجديد ، وأنه الفريق الذي يستحق التشجيع رغم أنه منذ أن شجعه انقطع نادي النصر عن البطولات حتى بُلَّ ريقه بهذه البطولة (الصغيرة) قبل أيام !!
هذا النصراوي – العجيب الغريب – أبوه هلاليٌ مخلص ، وأخوه الكبير أيضاً هلاليٌ عاشق .. والمنزل برمته يعشق الهلال فقد قيل
"إذا كان رب الدار للهلال مشجعاً .. فشيمة أهل البيت كلهمُ الحبُ"
مع الاعتذار الكبير لذلك البيت الكبير لكن الهلال أكبر !
كانت القاعدة الاجتماعية الأسرية المشهورة : يطبع رب البيت أبناءه كافة انتماءاته وسلوكياته ، لكن قد قيل في (لكل قاعدة شواذ) وأنا أشهد أن أخي كان مثالاً مناسباً لشذوذ الخارج عن القاعدة .
كنت استبشر كثيراً بذهاب أخي لكل مباراة يلعب فيها الهلال .. سواء ضد النصر أو ضد الاتحاد ، فإن أخي آية في قرادة الحظ وسوء التوفيق فلا يذهب لمباراة إلا ويكون النصر حليفاً للهلال حتى أني أفكر جدياً أن أتكفل بكافة مصاريف السفر إلى جدة لحضور مباراتي الهلال ضد الاتحاد (في جدة) ، صدقوني إن حضر سيفوز الهلال قطعاً .
في المباراة العظيمة التي تجلت فيها عظمة الهلال وطول نفسه ضد الاتحاد والتي انتزع فيها الهلال الدوري وانتزع معها أسنان النمور الاتحادية ، كان أخي – كالعادة - يشجع الاتحاد بحرار ، أصبح اتحادياً أشد من صالح القرني رئيس رابطة مشجعي الاتحاد .
كان يدعو بالويل والثبور على لاعبي الاتحاد ، ويسأل الله – خالصاً من قلبه – أن يصاب ياسر القحطاني ، وأن يطرد مارسيلو تفاريس .. كان يدعو الله أن يزال من الوجود ، وأن ينسى الناس الهلال ، وأجزم يقيناً لو استطاع أن يجعل القمر في منزلة (البدر) دوماً وطوال الشهر .. لفعل المهم أن يمحى (الهلال) من الوجود ، بل إنه يكره إيران .. لا لأجل ملفها النووي ، ولا لجرائمها ضد السنة .. لا .. لأنها تسعى لتكوين (هلال) شيعي في المنطقة من إيران وحتى لبنان ..
نعم .. حتى في هذا الموضوع البعيد كل البعد عن الكرة .. أخي يكره شيء أسمه الهلال .
المهم كان متحمساً مع الاتحاد ، يقفز حتى يكاد يضرب رأسه السقف مع كل كرة ضائعة ، ويدع الله أن تقطع أيد الدعيع وأرجله من خلاف مع كل كورة يصدها ذلك الإخطبوط المبدع .
وكان مع كل ضغط يمارسه الاتحاد ضد الهلال في الملعب ينظر إليّ وهو يضحك "أجل تبي تاخذون الدوري هههههه" وأنا صامت .
حتى جاء الهدف .. جاء القناص منسلاً من بين دفاعات الاتحاد كالزئبق – ولكنه أزرق ! – ليقذفها في حلق النمر الاتحادي ، الذي غصّ بها ولم يستطع أن يبتلعها .. وللأسف .. غص أخي معهم (بريقه) !
سكت ولم ينبس ببنت شفة ، ينظر بألم للفرص الاتحادية الضائعة ، والتي كانت أيدي الإخطبوط وأرجله تتلقفها مع كل جانب ،، وفي آخر المباراة (آخر خمس دقائق) ذهبت لوالدي وبقيت عنده نتابع تلك الدقائق الثقيلة حتى أعلن الحكم صافرته معلناً – رسمياً – خلع كافة أنياب النمر الاتحادي وتعليقها تحفة رائعة في متحف الهلال الأثري ، وتحته نقش ذهبي يقول "هذا جزاء معاند الزعيم" .
ونزلت مع والدي .. مررنا بذلك الأخ المسكين .. وقال والدي عبارته المشهورة
"يا وليدي .. الهلال فريق يوسع الصدر"
لكن للأسف .. وحتى كتابة هذه السطور لم يعِ ذلك الأخ المسكين صدق تلك العبارة .
الوضع الشجري
