صمت الرماد مللت الدخول والنظر أين الجديد ؟ , أخي الكريم بين نار الحماس وملل الإنتظار , لنا قصة وحكاية ليست ببعيدة عن المعانات التي مررت بها وكابدتها أمـــــــزح
لكن أحببت السلام وتجديد الحماس والشوق إلى الجزء التالي وبالإنتظار ,,,,
مرتني الدنيا وتسأل عن خبر ..ما به جديد ....الخ فانا نفس الحال جيت كلي حماس.... الى هذا المتصفح التحيف..ابحث عن الجديد.. فكان الرد ...طس واقلب وجهك ..مابه جديد
اخوي رياض مدحتك المره اللي فاتك وحشيت مواصل لا تخليني اندم واتراجع عن تصريحي..<----وش عنده القوي
هل تستطيع أن تحمل عنِّي تعبي ؟؟
وأنْ تسكنني وأسكنها ..
تعشقني وأعشقها ..
تقفُ معيَ في خطواتيَ الأولى ؟؟
هل يمكنها أن ترضي طموحي ؟؟
أن تسيرَ معيَ فننفذ في خيوط الشمس إليها ؟؟
ألف هل وهل وهل ..........
سيلٌ من الأسئلة يكاد يجرفني ..
منذ أن نمى إليّ خبر تعييني في تلك البقعة من بلادنا الغالية ..
والحقيقة تقول : أنني لم أسمع عنها إلا بصوت (( كرّاني )) بعد أخبار التاسعة ..
حملتُ أمتعتي ورحلتُ , وبي من الطاقة مايكفي لهدِّ كل عقبة تحول بيني وبين ما أريد ..
ليست المرة الأولى التي أسافر فيها ..
أبدًا ..
غير أنها الأولى إلى هذه المساحة ..
وكم كانت صدمتي كبيرة بعد رحلتي الطويلة ..
وددتُ لو أن قبضة كبيرة تضربني على رأسي ..
بعضُ الماء والقليل من الوقت ألتقط أنفاسي , وأواصلي رحلتي إلى إدارة التعليم بعد ابتزازٍ بشع من سائق التاكسي الذي كنا نسير على الأرض وكانت له رحلة أخرى إلى ............. .
وصلتُ إلى إدارة التعليم ومعي شنطة سفري !!!
والمئات ينتظرون مجرد ورقة تحيلهم إلى مدارسهم ..
خطاب التوجيه تسبقه خارطة طريق !!! نظرا لتناثر المدارس والتي يبعد بعضها عن الإدارة مايقرب 300 كم وعن أقرب طريق معبّد وشبكة جوال 70 كم !!!
تتوالى الصدمات ..
واستجمعت البقية الباقية مني ..
........... وبقيت أنتظر .
********
( الجزء الثاني " الصدمة " )
كافأت ظهري وأسندته إلى عامد إسمنتيّ يتوسط المصلّى ..
كنا نجتمع هناك ..
فوجئت برجل كبير بالسن من جنسية عربية ومعه شنطة المعلمين التقليدية التي اعتدنا على مشاهدتها في المسلسلات ..
سألني عن تخصصي بغتةً ..
أجبته : كيمياء ..
هو : ماشاء الله .. أحسن شي ..
أنا : !!!!!!!!!!!!!!
هو : أنا مدير مدرسة الإمام النووي ولوقبلتَ سأنهي إجراءاتك فورا بطريقتي . وعد إلى ديارك لاسبوعين , وبعد عودتك لابأس من دوامك لأسبوع وعودتك لأهلك أسبوع آخر ..
أنا : !!!!!!!!!!!!!!
- بيني وبين نفسي سألتُ - أين أنا ؟؟
هو : سأذهب وسأعود إليك سريعا ..
كنتُ أفكر في أن الله أرسل لي من ينقذني ..
بالتأكيد أنها مدرسة نموذجية
بها مساحة تتسع طاقتي وأفكاري ..
يقطع سلسلة أفكاري رجل آخر ..
قدّرتُ أنه في أواسط الثلاثين ..
وصعقني حين قال أنه لم يتجاوز الرابعة والعشرين !!
قال : ماذا كان يريد منك من كان بجانبك قبل قليل ..
أنا : أعدتُ سرد القصة بعد أن أجزلت الثناء على المدير العربي ..
هو : نفس السيناريو يتكرر ..
أنا : ماذا تقصد ؟؟
هو : نفس السيناريو تكرر معي العام الماضي ..
" وأكملَ قائلا : " من جاء إليك مدير لمدرسة نائية جدا تبعد 270 كم من هنا .. إنك كي تصل إليها عليك أن تسير في الصحراء لأكثير من سبعين كيلو مترا , وسبق أن ضعت مرتين , ونجوت بأعجوبة ..
كنا ننام على سطح المدرسة .. لاماء .. لاكهرباء .. لاجوال .. لاشيء يوحي لك بوجود حياة ..
أربعة طلاب فقط ..
أنا : بعد دهشة طويلة ..
لاننكر حقهم في التعليم , لكن أيضا لهم ولنا حقوق في توفر أبسط مقومات العيش ..
هو : جئت كي أحذرك منه ..
أنا : شكرا من عميق القلب .. لن أنسى جميل ماصنعت معي ..
وبدأت في البحث عن المدير العربي ..........
***********
(( الجزء الثالث .. داناو ورجل الأمن ))
اللحظاتُ تمرُّ ثقالا وتنهشُ في أرواحنا ..
الساعة تتلوها أخرى ..
تبحث عن أحدهم فلاتجد أيّ صوت ..
تعرفت على " رفيقٍ في الهمِّ " ..
اسمه " حسن " وكان صاحب ذوق رفيع ..
وأخيرا أحد الأبوابِ يُفتح ويعلن أنّ الخطابات بعد المغرب ..
لم يتبقّ الكثير , فالساعة الآن الثالثة عصرًا .
خرجنا بحثًا عن سكن مؤقت , فوجدنا غرفةً صغيرة بالكاد تبدو مفروشةً تضاعف سعرها ثلاث مرات هذا اليوم فقط !!قبلَت هي بنا ..
نحنُ مرغمونَ وهي فقط من لها الحق أن تختار .
بعد صلاة المغرب مباشرة عدنا .
وإذا بشخص شاحب الوجه يشتم مخرجات التعليم التعالي ويصفهم بالفوضى !!
هكذا سريعا !!
الموازين كلها مقلوبة ..
مايهم في الأمرِ هو أن مدرستي وطبقا للخارطة تبعد عن الإدارة 80 كم ..
والطريق معبّدٌ مجازًا .
ورفيقي حسن مدرسته بعد مدرستي مباشرةً بــ 25 كم " جَلَد "
وها نحنُ نفكر في رحلة الغد .
استيقظنا الساعة الرابعة صباحا ..
انطلقنا بسيارة حسن الصغيرة ..
وتوقفنا لأداء الصلاة على جانب الطريق الموحش ..
هو يقودُ وأنا بوصلتهُ ..
فالوضْعُ لايحتمل أي خطأ ..
لنْ أبيع روحيَ مبكرا وحتى قبل تسليم خطاب أول يوم وظيفيّ ..
سأكتفي بــ " داناو "
لا " داناو " أيضًا ..
لابأس ياحسن .. ما أجملَ الوصول مبكرًا ..
يضحك حسن , ويستجيب لرغبتي , وواصلنا رحلتنا دون فطور ..
وصلنا عند السادسة والربع وكانت مدرستي مغلقة ..
قررنا أن نتعرف على القريةِ قليلا ..
كلّ شيءٍ شاحب .
وحسن يقول : حظك جميل يارياض في هذه القرية .. ويضحك .
هوَ تخصصه رياضيات ..
وكلانا تفوّق في دراسته الجامعية .
جاءت السابعةُ وباب المدرسة مغلق ..
قررنا أن نسأل عن طريق قرية حسن ..
دورية شرطة مرّت ..
كان بها رجل أمن لوحدهِ ..
سألناه ..
أطلقَ ضحكة غريبة جدا .. قال : إنها على بعد 50 كم من هنا .
أنا : الخارطة تقول : بعد 25 كم .. من نصدق ؟؟ حسن : بالتأكيد رجل الأمن .
وواصل قائلا له : لو سمحت أي طريق نسلك ؟
كرر ضحكته وانطلق وتركنا دون إجابة ........
*************
(( الجزء الرابع .. الرمالُ الجائعة ))
علاماتُ الوجومِ ترفرف حولنا ..
الساعةُ الثامنةُ وباب مدرستي مغلق !!!
نسيرُ والطرق الضيقة تكاد تلتهمنا ..
عاملٌ صعيديّ بكلّ رحابة صدر يشدّ من أزرنا ويبارك لنا ويصف لنا الطريق ..
حذّرنا من المضيّ قدمًا بهذه السيارة الصغيرة ..
لكن لامفرّ ..
حسن يقرر المضيّ ..
وبالتأكيد قررت مرافقته ..
الساعة التاسعة إلا عشر دقائق وباب مدرستي مغلق !!!
قررنا الذهاب إلى قرية حسن .
وما إن انتهى الإسفلت حتى أطلقت السيارة نداء استغاثة ..
تجاهلناه ..
وكأننا نحملها أسباب مانحن فيه الآن ..
الرمالُ كثيفةٌ ..
وسيارةُ الــ " تيرسل " تواصل نحيبها .
الصعيدي قال أن الطريق 25 كم ..
وأنه يجب ألا نأخذ أكثر من 40 دقيقة لوعورته ..
باسم الله ..
توكلنا على الله ..
............................
ها نحنُ نسير منذ ثلث ساعة ..
لاشيء غير كثبان الرمل وبعض الأشجار الصحراوية . نظرتُ للخلف وإذ بــ لاشيء .توقف حسن .
تشعّب المسار .. نظرتُ إلى الجوال وإذْ بــ " خارج التغطية " .
واصلنا السير ..
ومرّت ساعة كاملة ونحن لانعرف إلى أين نسير ..
بالتأكيد أن العودة تكاد تكون مستحيلة ..
عين على مؤشر الوقود ..
وعينٌ على قارورة الماء التي انتهت ..
يواسي أحدنا الآخر حينًا ..
وحينًا نندبُ حظنا .
ونسير ونحن في صمتٍ مدقع تقطعهُ كتلة غبار تمر بجنون من قربنا وتتجاوزنا ..
هذا " وانيت " ..
هذا بشر ..
هذا يجب أن يقف .
**********
(( الجزء الخامس " المعركة " ))
الغبارُ الذي كان يرافق تلكَ السيارة يوحي بمعركةٍ دائرة ..
نحنُ أيضًا في معركة ..
هو يُسرعُ ويرفضُ أن يقف ..
نحن نسرعُ ولانُصغي لصرخاتِ سيارتنا .
فيم يفكر صاحب تلك السيارة ؟
لم لايقف ؟!
حسن غاضبٌ جدا ..
وكأنَّ هذا مشهدٌ من فيلم سينمائيّ ..
نحن أبطاله ..
لكنّ النهاية مازالت غامضة ..
الـ " وانيت " يبتعد ..
وفجأةً ..
يخرج عن المسار ..
ونحن لانستطيعُ اللحاق به لظروف سيارتنا الصغيرة .
يتوقف بعيدًا ..
وتوقفنا نحن بموازاته تماما ..
خرجت امرأة !!!!!!!!!!!
تصرخ في وجوهنا !!!!!!!!!
أو أنها تلعننا !!!!!!!!!!
أو هكذا خُيّل لنا ..
وموظفُ إدارة التعليم بالأمس رغم كل شيء يصفنا بالفوضى !!!
وصاحب الشقق المفروشة يضاعف سعرها ثلاث مرات !!!
ورجلُ الأمنِ يتركنا ويمضي !!!
شريطٌ مرٌّ يمرُّ أمام أعيننا ..
وأعيننا ملقاةٌ إلى الأمام حيث لاشيء ..
صرختُ بوجه حسن ..
انطلق .. انطلق .. أسرع
وبقينا نسيرُ على غير هدى ..
............
الشمسُ في منتصفِ السماء تماما ..
ترمي سهامها على هاماتنا ..
ونحن نسير ...
وبدأ يلوحُ في الأفق البعيد برج لشركة الاتصالات ..
مباشرةً قلتُ لرفيقي .. بالتأكيد لا اتصالاتَ إلا لبشر ..
حتى وإن كانت جوالاتنا خارج التغطية ..
إلا أنه أمل ..
وكما كان متوقعًا ..
بقرب البرج عددٌ قليل جدًّا من البيوتِ لاتتجاوزُ أصابع اليدين ..
وحَوْشٌ .. ولوحةٌ .. وبابٌ مغلق ..
**************
الجزءُ السادسُ : " البحثُ عن اليابسةِ " .
نزلنا من سيارتنا , ووقفنا أمام باب الحوش .
أمامَ باب المدرسة ..
شاحنةُ مرسيدس كبيرة تتقدّم نحونا ..
نزلَ منها شاب لم يبلغ العشرين , فسألناهُ عن ما إذا فتحت المدرسةُ بابها بالأمس ؟..
ضحكَ هوَ الآخر ...
فتذكرنا ضحكة رجل الأمن ..
لكنه هنأنا على الوصول بسلامة على متنِ هذه السيارة الغريبة .
- الغريبة .. هكذا قال -
فقررنا أن نعود ..
لكن كيف ؟
لاغير دعاء السفر , ومغامرة أخرى ..
وبدأنا رحلة البحث عن اليابسة ..
أقصد عن الإسفلت .
لكن والحمدلله كانت الرحلةُ ميسرةً , ووصلنا بعد خمسين دقيقة فقط ..
وكأننا نكتسبُ الخبرة سريعا ..
عدنا إلى مدرستي والبابُ مايزال مغلقًا ..
فقررنا العودة إلى " غربتنا " ..
عفوًا .. أقصد " غرفتنا " ..
وما إنْ وصلنا إلا وارتمينا كأضحية العيد بعد ذبحها ..
تنتظر السلخ ..
ونحن ننتظر بابًا مفتوحا ..
لكنهُ أُغميَ علينا .. ونمنا .
********
في اليوم التالي ذهبنا مباشرة إلى مركز الإشراف ..
كانت رائحة الفول والعدس مثيرةً ..
انتظرنا فراغهم في غرفة أخرى ..
إلى أن انتهى المديرُ وجاءَ وأخذَ خطابات توجيهنا وأعطانا آخر بديلا نسلمه إلى الإدارة , على أن نعود السبت القادم مع دوام الطلبة ..
ورفضَ أن يُسجّل تاريخ مباشرتنا يوم السبت كبقية زملائنا في كافة أرجاء المملكة .
فَحُمِّلْنا خطأ الوزارة في تأخير التعيين ..
وخطأ الإدارة ..
وخطأ المدرستيْن ..
وبذلك تأخرنا عن زملائنا في كل شيء ..
في كل شيءٍ فيه مفاضلة بيننا ..
يتفوقون هم علينا ..
ولاعزاء لتفوقك في دراستك الجامعية ..
ولاحتى تفوقك في حياتك المهنية ..
ونحنُ نصرخُ مرةً أخرى ..
(( ماذنبنا ؟؟ ))
زميلي الذي تعيّن في منطقةٍ أخرى ..
أقامت لهُ إدارة التعليم هناك ولبقية زملائه دورةً تأهيليةً لمدة أسبوع كامل ..
ومُنحوا تاريخ مباشرة متقدم علينا ..
عُدْنا واشتكينا وطالبنا بحقنا المغتصب ...
لكن إما الباب موصد..
وإما الموظف في حفلة فطور لاتنتهي إلا قبل نهاية الدوام بربع ساعة ويقول لاوقتَ لديّ ..
وإما موعد تداول للأسهم , وكأنهم يتداولون فيها آلامنا .. ويربحونَ حين لايتوقفُ النّزف ..
*********
(( الجزء السابع " افتـــراق " ))
في يوم الإثنين من شهر شعبان ..
كان لابدّ أن نبحث عن سكن غير هذه الغرفة ..
ذهبنا إلى القرية التي فيها مدرستي ..
وصادفَنَا مشهدٌ غريب .. وكأنهم ينتظروننا !!..
ما إنْ وصلنا ..
حتى يطرق زجاجَ سيارتنا أحدهم ..
قال : " ماشاء الله باين عليكم مدرسين جدد .. "
حسن : أي والله .
- تنهدتُ أنا فقط - ..
قال الرجلُ الغريب : هنا سكن يصلحُ لكم ..
فرحنا ...
ونزلنا مسرعين , لأن ذلك سيكفينا المزيد من التعب ..
ونحن نسير خلفه اجتمع علينا خمسة أشخاص ..
لايختلفون عنه ..
الكلُّ ينادي : " أنا أيضًا عندي لكم سكنٌ يناسبكم " ..
ونحن فرحون ..
لابدّ أن أزمة السكن لم تصلهم ..
سننهي موضوع إيجار الشقة ونخلدُ للراحة إلى يوم السبت القادم .
واصلْنا سيْرنا عبر الأزقّة مع الرجل الأول ..
كانت غرفة 3X3 ..
ودورة المياه خارج المبنى !!!!!
ويشاركنا فيها ثلاثة جيران أيضًا !!!
بصوتٍ واحد ..
(( هذا يُناسبُنا ؟!! ))
تركناهُ ونحن في حالة غضب ..
سرْنا مع آخر ..
وكانت غرفتيْن يكادُ يسقطُ السقفُ على من تطأ قدمهُ بالداخل ..
ويشترط إيجار - الشقة - عامًا كاملا ..
هكذا عبَّرَ عنها بالشقة ..
وسرْنا مع البقية والوضْعُ بينهم لم يختلف أبدًا ..
رضيَ حسن بإحدى الغرف مرغمًا ..
ورفضتُ أنا ..
قرّرتُ البقاء في تلك الغرفة المفروشة بأشياء بسيطة ..
على أنْ أُكمل تأثيثها بأهم مايلزم بعدَ أن أبدأَ حربي ضدَّ الحشرات الغريبة ..
استدعيْتُ سيّارتي ..
وبذلك افترقنا أنا وحسن ..
ليعيشَ كلٌّ منَّا مغامرةً مستقلّة ...
*********
(( الجزء الثامن " العمّ فالح " ))
أعطاني موظف الاستقبال وكان يمنيّ الجنسية رقما لرجل عجوز , يلتقط رزقه من العمل كسائق أجرةٍ بسيارته الخاصة القديمة ..
تعاملتُ معه لثلاثة أيام إلى أنْ وصلت سيارتي يوم الخميس ..
كان يعلمُ أسرار منطقته بالطبع ..
وعملَ جاهدًا على أن يشعل فتيل الصبر فيَّ .
تعلّمتُ منهُ أمورًا كثيرة ..
هوَ يقتربُ من السبعين ..
وكنتٌ أختلقُ المشاوير كيْ أتحدَّث معهُ .
فيُحدّثني عن معاناة من سبقوني ..
ويزرع في كل جملةٍ تفاؤلا عجيبا ..
وكان دائما مايقول لي : " يجب أن تكونَ صاحب شأن .. هكذا أراك ..
أنتَ يجبُ ألا تتوقف هنا ..
أنت غير الشباب .. "
ويضحك ويقول ..
أعتقد أنني سأراك مرتديًا " البشت " في التلفزيون " ..
الله يجبر بخاطرك ويسمع منك ياعم فالح ..
وصلت سيارتي التي ترافقني منذ بداية رحلتي الجامعية ..
ولم يتبق غير ساعاتٍ ويأتي السبتُ ..
وليلة السبتِ كانت طويلةً جدًّا ..
بين الحين والآخر صوتُ والديّ يُنبتُ فيَّ حقل أمل ..
إخوتي وجميعُ الأحبة كانوا معي في وحدتي ..
ومادامَ أنَّ النَّوم هوَ الآخر يغلقُ بابهُ في وجهي ..
فقد بدأتُ أستعدُّ بتجهيز مايلزم لدوام أول يوم عمل ..
و ..................
.... أذَّنَ الفجر .
**********
(( الجزء التاسع " خازنُ المدرسة " ))
شتّان بين الأمسِ واليوم ..
بالأمسِ كنتُ حين أخطو إلى المدرسة وحين أجتاز بابها الصارم .. لم تكن العيون المتناثرة كقضبان السور الغليظ كهذه التي أراها اليوم ..
ولا حتى خازنها المهترئ , الذي كنَّا نُجلُّهُ فيشتمنا , هو نفسه الذي يرافقني بابتسامة عريضة منذ أن توقفت سيارتي ..
أشياء أخرى أيضا تدورُ في مخيلتي ..
فالآن بإمكاني أن أجدَ من يردّ السلام عليّ بكل يسرٍ وسهولة , حتى أنه ربما سلام واحد يرتدُّ بصدى متكرر ومثير ..
فأبحثُ عن منبعهِ ..
إذْ ربما جاء من كل هذه الوجوه ..
وربما من بعض الفصول الخاوية في أول يومٍ دراسي كما هي العادة ..
لايهم ..
فهذه المرة لن أستلّ المحارم لأواجه الغبار المتراكم خلال عطلة الأسبوع ..
بالتأكيد أن غرفة المدرسين لها وضعها الخاص ..
ولن أُجبرَ ظهري على الرضوخ لوخزات الكرسي الخشبي ..
أعلم أنَّ مكتبًا سينتظرني وخلفه الكرسي الذي ربما يصلح ماأفسدته تلك الكراسي خلال الخمسة عشر عاما الماضية ..
مبنى مدرستي كان حكوميا !!!!!!!
وإن كان على حالته الأولى منذ أكثر من عشرين عاما ..
لايهم .. لايهم
الباب هذه المرة مفتوح
أتقدّمُ خطوة أخرى ..
شيءٌ ما يجذبني للخلف !!!
ياااااااه هذا الباب الذي نهشه الصدأ يهاجمني ..
معركة مبكرة فاجأتني ..
تخلصتُ منه ..
لكنه رفض إلا أن يصبّح على ثوبي بعاهة ستدوم .. ربما يرى أن خازن المدرسة ليس بأفضل منه حين صبّح عليّ ..
لا لا يعيقني كلّ هذا ..
هذا هو الهمام .. خطوةٌ للخلف عشرٌ للأمام ..
رائحة البخور والعطر الجديد تؤجج فيّ روح التقدم ..
أعتقد أن لا أثر لطعامٍ أحملهُ مرغمًا في شنطتي ..
هذه المرّة أسرع في نثر خطواتي على هذا الدرج القصير ..
وفجأة ...
يقابلني رجلٌ حادّ القسمات .. كان غاضبا جدا , ويُمسكُ بيده طفلا ..
أتوقع أنه بالتاسعة ..
وبابتسامة مخيفة جدا يقول : " أهلا .. من بغيت .. قصدي أي خدمة ؟ "
تسحبُني بشدة تقاسيم الطفل المتلعثمة ..
لكنني أجبتهُ بأنني معلمٌ جديد ..
- ردّ سريعا - " ها بشّر إن شاء الله رياضيات .. أكيد أنت رياضيات .. أنت شكلك كذا ..."
وجدتني حائرًا أمامهُ .. فكيف دلَّ شكلي على الرياضيات ؟!!!
هل لهندسيته دخلٌ في ذلك ؟؟
أجبته بأن تخصصي كيمياء ..
قال : " لااااا .. أجل حياك روح روح هناك الإدارة ..."
تجاوزتُ " ذلك الكائنَ أمامي "
والذي عرفتُ فيما بعد أنه مدرس رياضيات , وهذا ما أزال استغرابي السابق ..
خطوةٌ تتلوها أخرى وأخرى إلى الأمام ..
الآمال تسّاقطُ مرةً أخرى ..
الغبار يغزو المكان ..
والتصدّعات على جدران وسقف المدرسة توقظُ ألمي من جديد ..
كلُّ الأبوابِ تشابهت عليّ ..
وأنا أبحث عن الإدارة ..
غير أنّ طالبًا بدتْ على ملامحهِ آثار الهدوء والذكاء - هكذا رأيت - تفضّلَ مشكورا بإيصالي إلى مكتب المدير ..
دخلْتُ وكأن لم يكن بالإدارة إلا هوَ وسماعة " تليفون " ..
أنا : أبد الله يسلمك بس أنا مدرس جديد وهذه صورةٌ من خطاب مباشرتي .
المدير : " أين الأصل ؟ "
أنا : سلمتهُ لمركز الإشراف منذ الأسبوع الماضي ..
تغيرت ملامحهُ .. وتحدث بصوت منخفض : " من بدايتها بيجيب لنا المشاكل " ..
على الفور قلت : المدرسة لم تفتح بابها .. هل علينا أن ننتظر أسبوعا كاملا عند الباب ؟!!
المدير : " خلاص خلاص .. بس إن شاء الله تكون مدرس رياضيات , مسكين الأستاذ محمود - فلسطيني الجنسية - نبغى نريحه شوي , له 25 سنة ومافي عندنا إلا هو وعبدالله المدرس اللي جانا العام الماضي " ..
أنا : لا والله أنا تخصصي كيمياء ... للأسف .
المدير : " آهاااا .. إيش فيها إدارة التعليم هذي ؟! نقولها نبغى رياضيات تجيب لنا على كيفها .. كيمياء واحنا مدرسة ابتدائي ومتوسط !!!!! "
أنا : ............ ( لم أقل شيئا )
المدير: " عموما أهلين فيك "..
أنا : شكرا .. تسلم .
المدير : " إلا أنت من وين ؟؟ أكيد مو من المنطقة كلها ؟؟؟"
أنا : أكيد أكيد طبعا ..
أنا من المنطقة الجنوبية .. من جزر فرسان ..
المدير : " الله يعينك " .
أنا : إن شاء الله .. وبعدين بسيطة كلها 2000 كم من البيت
قطع حوارنا زميلٌ جديد هو الآخر ..
اسمه" فهد "
كان من حائل ..
كان مهذبا للغاية ..
ولطيفًا جدًّا , وهذه سمة أهل حائل كما تأكدتُ لاحقًا ..
حوار المدير تكرر معه تماما عندما علم أن تخصصه دراسات قرآنية .
لكنه أضاف .... " عندنا نقص في الاجتماعيات , وواضح أنك تستطيع تدريسها "
وأنا أقرأ هذا الجزء تذكرت حديثي مع نفسي وإصراري على التفوق لدرجة أني كنت أقف أمام خمسة عروض للوظائف فأخترت واحدة منها وهي اللتي فصلت منها لأسباب ذكرها كبرياء إنسان.
إضافتك أخي رياض للكاريكاتيرات باليوميات أضافت الكثير للموضوع
اخي صمت الرماد دائما اتسائل كوني متميزة في دراستي ونشيطة في مجالات اضافية بشهادة استاذاتي جعل التميز هاجس لا استطيع ان اتنازل من اجله لأي مجال عمل مستقبلاً عطفاً على مانمتلكه من قدرات ولكن الواقع يصدم ,اعذرني على الاسهاب ولكن هذه النقطة تعنيني.. مازلت متابعة وبحماس اكثر..