سلام من الرحمن عليكم موصول بالرحمة والبركات
كنت مسافرا للرياض..
ولم يكن عندي وقتها ثوب نظيف ولا شماغ مكوي..
فحملت ثوبي وشماغي وذهبت لمغسلة قال لي صديقي أنها قريبة
وأنهم يغسلون الثوب مستعجل(ـًـا)..
..،
- السلام عليكم صديق..
الجو حار..
هناك مروحة صغيرة..
تفيد قليلا.. تستطيع أن توهمك أنها تخفف الحرارة..
المكواة الكبيرة يقف عليها رجل في أواخر الأربعين أو في أوائل الخمسين..
لماذا هو متعبس؟!
- وعليكم السلام..
هل قال "وأليكم سلام" أم "وعليكم السلام"؟!
لا يهم..
المهم:
كيف يحتمل هذا الجو الحار؟؟!!
- عندك غسيل مستعجل؟
الثوب والشماغ على الطاولة ويدي عليها
والحر شديد..
- كلو غسيل كوي؟
يا الله.. العرق على جبهة الرجل هذا كثير
كأن جبهته غطست في سطل ماء!
- كلو.. غسيل كوي؟؟
ما الذي يفترض أن أقوله؟ أقول "وع" وأخرج؟!
أم يفترض أن أبكي على حال هذا الشيخ؟
لماذا علي أن أعبأ لحاله؟! (راس ماله) هندي!
ألسنا نسمي الهندي بأكثر العبارات إضحاكا؟! أبو هنود وغيرها من العبارات المسيئة!
أليس الهنود أقل منا؟!
أنا سعودي.. أعيش في نعمة ومبسوط..
وش علي افـ هذا؟!!
- صديق!!!
- ها..!
- كلو غسيل كوي؟!
- لا لا.. الثوب غسيل.. والشماغ كوي بس..
مكتبي مكيف..
وأجلس على كرسي مريح..
وهذا يعمل واقفا في الحر الذي لا تخفف حرارته المروحة..
ياخي أرزاق!
آه.. كلو غسيل كوي!
يا الله..
لو أنني عملت في هذه المغسلة لساعتين ما الذي كان سيجري لي؟!
ما زلت في مقتبل العمر..
وهو يغطي الشيب نصف شعره..
والعرق نصف جبهته..
والعبس نصف وجهه..
والوهن نصف جسده..
وألم تراكم على ما تبقى منه!
وكلو غسيل كوي!
لم نكن في أغسطس.. ومع ذلك المكان حار!
كيف يكون المكان في أغسطس؟!
عن نفسي.. سأقفل المغسلة وآخذ راحة!
مسكين ذلك الشيخ!
دوامي من سبعة الصباح لأربعة العصر..
وهو يفتح المغسلة الساعة 8:30 صباحا (يعني نام كويس مرة!)
ويقفلها 12 في منتصف الليل..
ويستريح من الساعة الثانية ظهرا للرابعة والنصف عصرا.. (ساعتين ونص راحة.. يحمد ربه بس!)
كلو غسيل كوي؟! كلو كلو..
يا الله لماذا تشغل فكرك يا فيصل.. اللي فيك كافيك!
حتى حنا نتعب ونشتغل..
كم يستلم؟!
600 ريال؟ 700؟ 800؟ 900!
وكلو غسيل كوي؟!
غيره من الهنود ما شافوها!
وش يحوجني إني اشتغل في مغسلة زي كذا؟
لكن هو يحتاج!
يا الله.. يا الله..!
ذبحك التفكير يا أبو صقر!
..،
تتســـاءلين عــلام يحـيا هــؤلاء الأشقيـاء..؟!
المتــــعبون ودربـــهم قفــــر مرمــــــاهم هباء
الذاهـــــلون الواجــمون أمــام نــعش الكبريــاء
الصابرون على الجراح المطرقون على الحياء
أبو ريشة
..،
- السلام عليكم إلهام..
يجهز عدة الحلاقة.. وينظف الكرسي والمكان.. حتى أجلس..
- وعليكم السلام.. ليش تأخرت يا فيصل؟!
- أبد والله.. مريت على المغسلة عشان باسافر بكرة..
- لـ وين مسافر؟
لكن..!
من ذلك الطفل الذي يتجول في أنحاء الصالون؟!
وكم عمره؟ 14 أم 15 أم 16؟
- ها.. الرياض..
ولماذا يقف متفرجا على حلاقة ذلك الرجل؟
- طيب ايش تحلق.. شعر والا دقن؟
أكيد أن ذاك الطفل هو أخ للرجل الذي يحلق ذقنه..
بل أخوه ذاك الثاني..
بل ذلك..
ربما كلهم إخوة!
- دقن دقن..
وش جاب ذا الولد عند راسي؟!
وش فيه يناظرني كذا؟!
لا يكون فيه غلط في شكلي؟!
- هيدا علي يا فيصل.. من أنطاكية..
- أها.. أخوك؟
- هي هي.. لا حلاق جديد معنا..
- هي هي.. من جد والله؟ أخوك؟
- والله حلاق جديد معنا..
- حلاق؟! ليه؟! كم عمره؟؟!!
- 15..
كلو غسيل كوي؟! شعر والا دقن؟!
15 وجاي يشتغل حلاق
وما الغريب؟
- وبدا يشتغل؟؟
- عم يتعلم..
والفتى الصغير ينظر للحلاق وهو يحلق ذقني
يريد أن يتقن الصنعة
فلا بد أن يفتح عينيه جيدا
هكذا يزال الشعر وهكذا يحدد!
..،
ليش ما قعد في تركيا وتهنا بايام مراهقته؟!
يطلع السينما.. يشوف أفلام..
طيب عنده فلوس يشوف أفلام؟
ما أدري!
ينام ابوه العصر.. ويزرف سيارة أبوه..
طيب أبوه عنده سيارة؟
ما أدري!
يسوي أي شي!!!!!
يمكن ما يقدر!!
مـ ـااااااا أ د ر ي ! ! ! !
..،
ثم يتركنا الفتى متوجها لحلاق آخر في المحل..
لعله لاحظ أن لدى الحلاق الآخر شيئا جديدا يتعلمه
ويبدو أنني أتيحت لي الفرصة لأتكلم مع إلهام براحتي..
- ياخي كيف جا؟ ما في قانون يمنع عمل أصغر من 18 سنة؟!
- ما بعرف؟ بس عادي..
- ياخي وش جايبه هنا؟؟ حرام ياخي..
- الحاجة يا فيصل..
الحاجة! الحاجة!
كلو غسيل كوي! شعر والا دقن!
يا الله.. يا الله..!
أنا أضارب أبوي على سيارة..
وتلك تريد زواجا أسطوريا..
وفلان ينافخ على أمه عشان ما تعطيه زي الفلوس اللي تعطيها أم علان لعلان!
وهذا يقول اليوم: كلو غسيل كوي؟
وذاك سيقول يوما: شعر والا دقن؟
وتلك دائما تردد: شاهي حبق والا نعناع؟
ولن نذرف دمعة على هذا ولا ذاك ولا تلك..
هل يجب أن نشغل تفكيرنا؟!
دمتم في رعاية المولى