ترقد بوداعة على ضفاف الأزرق المتوسط شرقي إسبانيا حيث تشرف بحراً على فرنسا وأندورا, وبراً من الداخل على فالنسيا وأراغون, زميلتيها في الهوية الإسبانية, إنها مقاطعة كاتالونيا أو إقليم كاتالونيا, تلك المنطقة الصغيرة (32 ألف كلم2) التي تحلم بالظهور مستقلة في بطولة العالم لكرة القدم, الأمر الذي يسبب الكثير من الجدل في الداخل الإسباني حول موضوع يمس سيادة الدولة.
تعتبر كاتالونيا, ذات الحكم المستقل شأن ست عشرة مقاطعة إسبانية أخرى, من باعثي كرة القدم في بنيتها التنظيمية والهيكلية في إسبانيا وذلك منذ بداية القرن العشرين, وعليه فإن أبناءها يعكفون على تنظيم المباريات الخاصة بهم وهم يملكون منتخباً لمقاطعتهم التي منذ استقلالها في شهر كانون الأول/ديسمبر من العام 1979وإنشاء حكومة خاصة بها, يطمح أبناؤها في رؤية علمهم الخاص يرفرف في كأس العالم.
تصريحات نارية لم تخمد نار الجدل المستعرة منذ عام 1979, أي منذ عودة الحكم الذاتي لمقاطعة كاتالونيا, حول واجب مشاركة لاعبي المقاطعة مع منتخب إسبانيا أو مع منتخب منطقتهم, وقد زادت حدة هذا الخلاف في الأمس القريب مع تصريح ناري لرئيس نادي برشلونة خوان لابورتا جاء فيه "أحلم برؤية كاتالونيا في كأس العالم".
وما زاد من سخونة الوضع هو إعلان أوليغوير بريساس مدافع فريق برشلونة أنه يفضل اللعب لمنتخب المقاطعة على أن يرتدي قميص المنتخب الإسباني, لكنه في الوقت نفسه انصاع لاستدعاء لويس أراغونيس له حين طلبه منذ سنتين لتمثيل إسبانيا نظراً لأن عقوبة الإيقاف لمن يرفض تلبية نداء الواجب الوطني تكون سنتين, علماً أنه بسبب تصريحاته لم يعد أراغونيس يستدعيه.
ولم يقتصر الأمر على بريساس من اللاعبين, إذ انضم إليه نجم وصيف الدوري الموسم الماضي, خافي فرنانديز, وباعتدال واضح اللهجة، عميق الدلالة, صرح اللاعب مؤخراً أنه يشعر بسعادة في تمثيل إسبانيا, لكنه أردف أنه لا ضرر له في أن يصبح قائداً لمنتخب كاتالونيا.
وتوضحت أكثر ميول خافي حين أجاب على سؤال حول إيمانه بالقومية الكاتالونية, إذ قال إنه يشعر بداخله بالمواطنية الكاتالونية, مؤكداً تلبيته لنداء الواجب الكاتالوني إذا ما استدعي لتمثيل المقاطعة, علماً أن لخافي تاريخ طويل مع المنتخب الإسباني يتضمن 50 مباراة وبطولتي عالم, لم تطفئ في قلبه الشعور بالولاء الكاتالوني والحلم باللعب في كأس العالم باسم الإقليم.
وشأن العديد من الأقاليم المماثلة مثل الباسك وغاليسيا والأندلس, فإن مقاطعة كاتالونيا بقيادة حكومتها, المستقلة ذاتياً بحكمها وقوانينها, فالعديد من المؤمنين باستقلاليتها ينظمون سنوياً العديد من البطولات الرياضية بمختلف الألعاب بهدف القيام بدعاية واسعة لمنتخبات الإقليم, لا سيما منها منتخب كرة القدم رغم أنه غالباً ما يكون الإقبال الجماهيري خجولاً.
مواطنية كاتالونية والمعروف أن منتخب كاتالونيا يتمتع بصفة رسمية على الصعيد المحلي في الإقليم يستمدها من اتحاد اللعبة في كاتالونيا الذي كان أول اتحاد لكرة القدم في إسبانيا وقد أسس في الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1900, كما نظم هذا الاتحاد أول بطولة محلية كروية في إسبانيا عام 1903, وواظب على تنظيمها حتى عام 1940.
وسعت الجهات الرسمية في الإقليم جاهدة كي ينضوي اتحادها ضمن الاتحاد الدولي لكرة القدم والاتحاد الأوروبي كذلك, على غرار ويلز واسكوتلندا مثلاً, إلا أن الرفض الدولي كان دائماً بالمرصاد, لكن مع ذلك يبقى حلم جميع مواطني كاتالونيا أن يروا يوماً منتخبهم يلعب في بطولة العالم لكرة القدم خصوصاً انه يتمتع بمستوى جيد, مع وجود العديد من لاعبي المنتخب الإسباني الأول.
ويملك منتخب كاتالونيا سجلاً طويلاً من اللقاءات الدولية مع منتخبات عالمية مثل فرنسا التي كانت أول منتخب يواجه الكاتالونيون العام 1912 في باريس وفي برشلونة أيضا عاصمة المقاطعة, بالإضافة لفرق الاتحاد السوفياتي السابق وتشيكوسلوفاكيا السابقة أيضاً وبلغاريا ونيجيريا والإكوادور والأرجنتين والبرازيل التي سجلت آخر مواجهة لها في برشلونة العام 2004 وفازت حينها 5-2.
أما آخر منتخب لاعبه الكاتالونيون فكان كوستاريكا في الرابع والعشرين من أيار/مايو 2006 وفاز حينها المضيف 2-0, علماً أن كاتالونيا اعتادت منذ العام 1997 أن تنظم سنوياً مباراة دولية بفترة عيد الميلاد أي في أواخر شهر كانون الأول/ديسمبر من كل عام, إلا أنهم يواجهون مصاعباً في تنظيم المباريات كون الاتحاد الإسباني ومنذ 3أيلول/سبتمبر 2007 تحديداً يرفض إجراء بعض المباريات انطلاقاً من روزنامة المنتخب الوطني.
ويضم المنتخب الكاتالوني حالياً العديد من اللاعبين المشهورين وذوي الثقل محلياً وعالمياً مثل حارس مرمى فريق برشلونة فيكتور فالديس والمدافع كورو توريس لاعب فالنسيا إضافة للعديد من لاعبي الدرجة الممتازة من فرق مثل خيتافي وريال مايوركا, كما شهدت صفوف كاتالونيا في السابق مشاركة نجوم سابقين مثل دي ستيفانو ويوهان كرويف, الأمر الذي من الناحية التاريخية يعزز الرغبة بتوسيع الاستقلال الذاتي من النطاق السياسي إلى الرياضي إنما بإطار أكثر شمولية.