
11/10/2007, 10:37 PM
|
زعيــم نشيــط | | تاريخ التسجيل: 11/09/2006 المكان: الرياض
مشاركات: 690
| |
حياك الله ياولدي يا ولدي.. أكتب لك هذه الأسطر وأنا في غرفة المستشفى التي ترقد فيها أمك بعد ولادتها بيوم. ولا أدري ما الشعور الذي أصابني، وامتلك إحساسي فدعاني إلى أن أكتب لك هذه الكلمات. ولا أُراه إلا الفرح بولادتك الميمونة، والرجاء بأن يقرّ الله بك أعيننا. يا ولدي.. هي كلمات نبعت من القلب، أسجلها في أول يوم أراك فيه، تركتُ لنفسي العنان أن أكتب عن كل ما يجول في خاطري، وما يمليه عليه ضميري. فلست أدري من أين سأبدأ وإلى أين سأنتهي، ولكن لا بد من بداية ونهاية، أتدري لماذا؟ لأن البداية ستكون مني والنهاية عند آخر درس في حياتي، لتكمل الطريق أنت بحفظ الله ورعايته. يا ولدي.. من نعم الله عليَّ أن أرى أول أولادي وهو في صحة وعافية، أرى الطفولة متجسدة في ألطف صورها وأرق معانيها. ولئن سُئلتُ عن الحنان فأنت، وإن سُئلت عن الحب فأنت، وإن سُئلت عن الطهر فأنت، وإن سُئلت عن الجمال فأنت، وإن سُئلت عن الراحة فأنت. فأنت ولدي الذي سألقب به في الدنيا، وسيُنادى بي في الآخرة. ولذا أرجو أن أنادى وتنادى بما نفخر به من التقوى وصلاح السريرة. يا ولدي.. عندما رأيتك لأول وهلة بصحبة خالك وخالتك وبعض أقاربك عند غرفة "الحضانة" تدفقت فيّ ينابيع الحب، لأنك أول مولود، وبك أصبحت أباً! ولأن شعوراً فياضاً من الرقة والحنان احتواني عند النظر إلى كل جزءٍ من أجزاء جسمك اللطيف، إلى قسمات وجهك الجميلة، وابتسامتك الأخّاذة. ومع هذا فقد تذكرت في نفس اللحظة وفي وسط اللاشعور سيدي وحبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه أحب إلينا من أنفسنا وأهلينا وأولادنا، فكم أنا بشوق إليك يا رسول الله. رزقنا الله يا ولدي الاهتداء بسننه، ودوام محبته، وأن نقدم أمره على كل صغير وكبير في حياتنا. يا ولدي.. علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحسن اختيار اسم المولود، وقد اخترت لك اسماً يحبه حبيبك رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه اسم عمه الذي أحبه، ومن ثمّ اخترته تيمناً بذكرى عاطرة لجدك من أبيك – رحمه الله-. لقد اخترت "حمزة" الذي أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكى على فراقه، وقال كلمته المشهورة: "ولكن حمزة لا بواكي له"!، ورثاه من بعدُ شاعر الإسلام حسان: دع عنك داراً قد عفا رسمها وابك على حمزة ذي النائل و"حمزة" هو الأسد الضرغام الحازم، المقدام المتوثب السباق. فَقُدْ نفسك يا ولدي إلى الأمام دوماً، وأنشد مع ابن نباته المصري: وطابت نواحي العُرْب من بيتِ حمزةٍ وباتَ الندى من كفِّ حمزةَ يُسْكبُ وأنت لها يا ولدي – بإذن الله -: فيا حمزةَ الخيراتِ يا حمزةَ العُلا إليكَ سَمتْ أعناق هذي الأقالم يا ولدي.. كنا في مرحلة الصبا نحفظ بيتاً لشوقي: ألا حبذا صحبة المكتبِ وأَحْبِبْ بأيامه أَحْبِبِ ولم نفهم المعنى حتى صار الكتاب لنا صاحباً وبوصلة لمعرفة حركة التاريخ، وتمسكنا بأمنية شوقي وزدنا عليها وصية المتنبي: أعز مكان في الدنا سرجٌ سابح وخير جليس في الزّمانِ كتابُ فلا تملَّ من قراءة الكتاب المفيد النافع، وهل الصديق الوفي يُملُّ منه؟! يا ولدي.. صاحبت أعلاماً، وعاصرت أحداثاً، وجالست أقواماً من كل فجٍ عميق فلم أرَ الموفق منهم إلا من أصلح سريرته، وصدق من قبل وبعد مع ربه، وحفظ دينه، وأحنى جبهته لربه. وكانت أبيات شوقي توقفني وأنا في ريعان عمري وهو يقول: عَفِيفُ الجَهْر والهَمسِ قضى الواجبَ بالأمسِ ولم يَعْرضْ لذي حق بنقصان ولا بَخسِ وعندَ الناسِ مجهولٌ وفي ألسُنِهم مَنسي وفيه رقةُ القلبِ لآلام بَني الجنسِ فلا يغبطُ ذا نُعْمى ويرثى لأخي البُؤسِ وللمحروم والعافي حَوالَىْ زادِهِ كُرْسي وما نمَّ، ولا همَّ ببعضِ الكيد والدَّسِّ ينام الليل مسروراً قليلَ الهَمِّ والهجسِ ويصبحُ لا غُبارَ على سريرته كما يمسي وإذا شَبَبْتَ يا ولدي، فإنه لا ينفعك إلا صلاح نفسك بوَصْلِها بحبل خالقك. يا ولدي.. سمعت عبر الهاتف عشرات الأدعية في يوم مولدك بأن يجعلك الله حافظاً لكتابه، وما أجملها من دعوة. يا حبيب القلب: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" ومهما كانت مواهبك وقدراتك فإن حافظ كتاب الله يحفظه الله، ويسخّرُ له البشر ليعينوه في طريق الحياة الطويل. فما حُفِظْنا ولا عُصِمْنا ولا وُفِّقْنا إلا ببركة كتاب الله. فما هي شهادات الدنيا أمام شهادة حفظ الكتاب والعيش معه والعمل بما فيه؟ وقد أعان الله والدك فما يصبحُ عليه الصباح إلا ويقرأ في كتاب الله وعلوم القرآن والتفسير، وما هو بتاركٍ هذا الأمر بعونِ الله ما بقي فيه إيمانٌ ينبض! ولا زلت خجلاً من تقصيري مع كتاب ربي، فعسى الله أن يفتح عليّ وعليك فتوح العارفين، لنتدبر آياته ونعمل بما فيه، ونكون مؤهلين لأهليته. يا ولدي.. استعمل الله أباك – ثبته الله – ليعظ الناس في دروس مختلفة، وفي بلدان متفرقة عبر القارات التي خلقها الله فما نفعه شيءٌ أكثر من تشرُّبه لسنة وسيرة رسوله صلى الله عليه وسلم والتي كان يواظب على الاطلاع عليها، من مصادر متنوعة، فقد كانت هي الميزان لحركته وكلماتِهِ ونظراته! يا ولدي.. مهما كان الإنسان كبيراً فهو صغير، لأنه بحاجة إلى أخٍ ناصح، وأستاذٍ مربٍّ. وقد أحسن الله على أبيك فلاقى أهل الخبرة والتجربة والحكمة التي لو استطاع شراءها بثروات الدنيا لما وفَّى ذلك قدرها. وتذكّر: لئن رفعَ الغنيُّ لواءَ مال لأنتَ لواءَ علمك قد رفعتا وإن جلسَ الغني على الحشايا لأنتَ على الكواكب قد جلستا وإن ركب الجيادَ مُسوَّماتٍ لأنت مناهجَ التقوى ركبتا ومهما افتضَّ أبكارَ الغواني فكم بِكْرٍ من الحكم افتضضتا وليس يضرُّك الإقتار شيئاً إذا ما أنت ربَّك قد عرفتا فماذا عنده لكَ من جميل إذا بفناء طاعته أنختا فقابِلْ بالقبول صحيح نُصحي فإن أعرضت عنه فقد خسرتا وإن راعيته قولاً وفعلاً وتاجرت الإله به ربحتا ولذا.. تاجر بصحبة الحكيم، واعلم أنه كلما زاد علم الحكيم قَرُب من التسديد بإذن الله. يا ولدي.. إنني وأنا أفكر في عقيقتك بعد أيام – بإذن الله – أتذكر أنني منذ لحظات وجودك الأولى وأنا مأمور شرعاً بأن أتصدق وأتقرب إلى الله. فعلاقتك معي منذ بدايتها على مبدأ هو: رضوان الله. فإذا تعلمت وتشرّبت الحكمة وفقهت نظام التوازن في الحياة، فما أرغب لك إلا بالعلم والتعلم وخدمة الإسلام والمسلمين ولن أقنع بك إلا وأنت فوق النجوم بإذن الله. يا ولدي.. إن أمدَّك الله بالعمر، فسترى صوراً للبشر مختلفة، مهما اختلفت أجناسهم وأفكارهم. فإيّاك وثلاث مهلكات: الكذبَ ، والتمثيلَ على الآخرين ، والتشبعَ بما لم تعطَ. وأحسِن أحسَن الله إليك في عملك، ولا تغرسْ صبحاً لتجنيَ مساءاً، فما لهذا الأمر سأربيك، بل لتحسن الغرس وترعاه، وتنظرَ للسماء تأملُ ما عند الله الباقي – جل في علاه-. وليكن خُلقك الحسن مع أهل الصلاح هو بِرّك بي مهما اختلفت آراؤهم، واخزن لسانك، وادع الله للمسلمين جميعاً بالصلاح وجمع الكلمة. يا ولدي.. أنت ابن المواقف، فإنْ غضب الجاهل، أو استحكم الغافل، فأرِهِ سماحتك وعدلك، واحتسب عند من ستقوم بين يديه الأجر. يا ولدي.. لقد تعبت أمك زمناً حتى خرجتَ للدنيا، فاهتمّ بصحتك، ولا تهمل عافيةَ بدنك، ولئن سألوك عن الوقاية فقل: بر الوالدين، والدعاء، وصلاة الليل، والصيام .. ولا تزد! يا ولدي.. أمك ثم أمك ثم أمك، ثم أهل بيتك. واحذر أن تنشغل عنهم، وتذكر جدّك عثمان – رضي الله عنه – الذي تخلّف عن غزوة بدر الكبرى ليرعى زوجه. فارعَ أهل بيتك ولا تنسهم من بركة دعائك ومالك وطيب وقتك! يا ولدي.. سألني جدك لأمك وأنا أخطب أمك. ما هي مبادئك في الحياة؟ قلت: من أهمها الحرية التي تجعل الإنسان سويَّ الفطرة، عزيز النفس، لا يقبل الجهل ولا القسوة ولا الظلم ولا التسلّط. يا ولدي.. تسلّح بالعلم النافع وتمكّن فيه وأبدع في تخصصك، ليكون غدك خيراً من يومك، ويومك خيراً من أمسك. يا ولدي.. من الناس من يعيشون وساوس مقلقة، وهموم مشتتة، يعملون لليوم لا للغد، تحدُّهم الغموم، وتوقفهم مآسي الخلق. فاعمل للآخرة وأنت موقن بتوفيق الله. واستغفر الله من الخطأ ولا تستسلم للشيطان وأنت موقن بتثبيت الله وعفوه. واعلم أن العمر محدود، والقوة في الإنجاز والإتقان قلّ العمل أو كثر. يا ولدي.. يا قرة العين، ويا حبة الفؤاد، أتمنى من الله أن يسعدك ويصلحك، ويقرّ عين والديك بك ويعينهم على تربيتك، وينفع بك الأمة، لتكون قائداً صالحاً. والله يرعاك وأبناء المسلمين أبــوك المقال للشيخ علي العمري |