يقول المتنبي : و الظلم من شيم النفوس فإن تجد ## ذا عفة فلعلة لا يظلم
و مع أني سمعتُ و قرأتُ للشيخ الموسوعي الجليل علي الطنطاوي- رحمه الله رحمةً واسعة - نقده المتنبي على هذا البيت إلا أنني رأيت ، كما رأى أكثركم ، أنواعاً من الظلم ينسى أصحابها أن حياتهم قصيرة و أنهم ملاقوا ربهم و عند الله تجتمع الخصوم.
تحدثت فقالت : بعد اربع سنوات من عملي اصبحت زميلتي سعودية الجنسيه مديرة للمدرسه وانا اصبحت المساعدة اضافة الى كوني مراقبة وكاتبة واصبح لدينا سعوديات ثلاث. وكانت لدينا طالبة في الصف الثالث وكان عمرها 12 سنه او اكثر وهذا الامر عادي جدا في تلك الايام.
المهم ان هذه الطالبه كانت راسبه في الصف الثالث يعني اختبرت دور ثاني ولم تنجح واخطأت زميلتنا المصريه -الله يذكرها بالخير - وكتبت اسمها مع الناجحات وأُدخلت الصف الرابع واعطيت كتب الصف الرابع وعندما راجعنا الكشوف بعد تقريبا اسبوع من بداية الدراسة اكتشفتُ الخطأ واُصبنا بالحرج كيف نوصل لها هذا الخبر!!
قالت المديرة "عادي اذهبي واطلبي الكتب واخرجيها من الفصل واخبريها بكل صراحه انها لم تنجح في الدور الثاني" قلت :هذا صعب جداً ولكنْ سأحاول قدر الامكان أن أخبرها بهدوءٍ وفعلاً ذهبتُ للفصلِ واستأذنتُ من المعلمةِ وجئتُ جانب الطالبة وقلت لها عندي أمرٌ قد يزعجك ولكن إنْ صبرتِ نلتِ الاجرَ والثوابَ وإذا لم تتحملي فهذا هو الواقع.
واخبرتها بالأمر وماكان منها الا انها أخذت تبكي بشدة وتأثرتُ أنا من هذا الامر وقلتُ افرضي أن أمر حصلَ لوالدكِ ومات أو أمك هل تتمنين موتهم او رسوبك ، افرضي لو صار لك حادث وتكسرت أقدامك ونومتي بالمستشفى هل ستفضلين ذلك أو الرسوب وأخذت أهون عليها وأصبرها وآخذ بخاطرها وهي مرة تسمعني ومرة تبكي وفي نهايه الامر استسلمت للامر وخرجت من الفصل الى فصلها الجديد.
... انتهت المشكله !! لا لم تنتهي اتدرون ماهو السبب !!
السبب انني من فضل الله سبحانه وتعالى أن جعل لي قبولا في المدرسه عند المعلمات والطالبات وكلمتي مسموعة ورأيي مقبول وهذا الامر أظنه لم يعجب بعض الناس وبدأ كيد النساء ان كيدهن عظيم.
لا اعلم كيف دُبرت المكيدة وأنا لا أدري ويا غافلين لكم الله ولكن الله سبحانه وتعالي لايضيع اجر من احسن عملا.
وساخبركم ماهي المكيدة..
جاءتني زميلة مصرية زوجها يدرّس في مدرسه الاولاد ووالد هذه التلميذة مراسل في تلك المدرسه وقالت لي زميلتي المصرية إن زوجها قال ماذا فعلتْ المساعدة عندكم (يعني أنا) قالتْ كل خير قال لا ، لقد حضر إليّ فلانٌ المراسل وقال أريد ان أرفع شكوى إلى إدارة التعليم وإذا لم ينفع والله العظيم لاذهب إلى إدارة التعليم في الرياض وأشكو ، قال زوج زميلتي ولماذا تشكو ومن تشكو ؟ قال المساعدة فلانة بنت فلان (يقصدني أنا)، قال ولماذا قال لقد رسّبت بنتي ودخلتْ الفصل وشدتْ شعرها وسحبتها بالقوة واخرجتها من الفصل واخذتْ منها الكتب بالقوة والبنت حالتها تعبانه !!!
الحقيقة انا ذهلت قليلا ولكن لم أُشعر المعلمة بانزعاجي وقلتُ حسبي الله ونعم الوكيل ، ليته يفعل ذلك لأن الامر سيكون فيه تحقيق وسؤال طالبات الفصل ومعلمة الفصل والخطأ الذي وقع تتحمله المديرة والمعلمة التي كتبت الكشف وسيكون تدبيره تدمير عليه ولن يستفيد الا "الفشيله".
أنا قلت هذا الكلام وأنا أتصنع القوة وعدم المبالاة ولكن في داخلي كنت أشتعل غيضاً وأشعر بالظلم وعلمتُ أن الله سبحانه وتعالى وهبنا ساعةً في جوفِ الليل لاتُرد سهامُ الدعاءُ بإذن اللهِ وكنت أقول حسبي الله ونعم الوكيل فقط لأني كنت حزينة على البنت وأهلها ولكن لماذا تكذب عليّ !!؟
المهم المعلمة هذه أخبرت زوجها وقالت له :"إسمع ياسيد دنا اللي كتبت الكشف وانا اللي وقعت في الخطأ ، دا الامر فيه فصل وتسفير لي ، والمديره تقع عليها المسؤلية" (والكلام هذا صحيح ).
أسرع زوج المعلمة وأخبر والد الطالبة وقال لن تحصل الا على الخزي وبنتك ستبقى في فصلها وهناك شهود في الفصل ، وندم الرجل على التسرع وانتهت المشكلة.
ولكنّ الأيام تدور ويحصل ظروف لعائلة هذه التلميذة وتحضر والدتها لتكون فراشة في المدرسه وأنا بدأت أنسى الموضوع ولكن هذه الأم عندما عرفتني عن قرب وكيف أعامل الكلّ بعدلٍ وحكمةٍ - وهذا من فضل ربي - وانقلب السحر على الساحر اعتذرت لي وقالت اريد ان اخبرك بأمر !!
قالت عندما اخبرتني ابنتي انك حضرت اليها وكلمتيها بلطف وحنان ولكنها شعرت بالحزن لأنها لم تنجح ذهبتُ لبيت المديرة ( والمديرة سعودية وجارة وصديقة .. للأسف ) وأخبرتها أن أبنتي حزينة ولاتريد الذهاب للمدرسة لأنها لم تنجح فقالت لي :ارفعي شكوى في المساعدة (!!) وقولوا في الشكوى أنها فعلتْ كذا وكذا ، طبعا هي تعرف الحقيقة
لكن العيار اللي مايصيب يدوش. المهم قالت أم البنت ونحن سمعنا كلامها وكنا سننفذ ماقالت وكان والدها سيسافر للرياض ولكن عندما نبهنا المصري تراجعنا ونحن نعرف الحقيقة و لكن "شيَّشَتنا" المديرة .
قلت لا تخبري أحداً بهذا ، لا أريد إثارة المشكلة مرة أخرى لأني رفعتها لملك الملوك سبحانه وتعالى وسيأخذ حقي عاجلاً أم آجلاً ، قالت أرجوكِ سامحينا لأن دعوتك بدأت تفتك بنا أنا مريضة وكذلك زوجي ، قلت سامحكم الله ولكن أكثروا من الاستغفار والتوبة
أما المديرة فقد حصل لها مصائب كثيرة -اللهم لاشماتة - ماتوا أولادها وطلقها زوجها واصبح الكل يسخر منها ومن قراراتها ، وصرتُ أنا أكثر حذرٍ وكلُّ عملٍ أعمله أشهد الله عليه وأنه خالصٌ لوجهه وجاءتني علاوة ( كانت تسمى علاوة تشجيعية زيادة بالراتب غير زيادة محرم) ورُشحتُ لإدارة مدرسة جديده بدون أن أتقدم لها وحصلتْ مدرستي على المدرسة المثالية ولله الحمد والفضل ومن كان الله حسبه فقد فاز .
توفت الفراشة وزوجها وابنتها رحمهم الله في ظروفٍ متفرقة.
هذه القصة للموعظة والعبرة ولتبيين أن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة ، فلاتظلموا أحداً ولاتتكلموا في عرض أحد . الإنسان يغفل والله سبحانه لايغفل واعملوا الخير وانسوه ، هذه هي وصية زوجي حفظه الله تعالى كلما تضايقت من العمل قال لايهمك أحد طيعي ربك واعملي الخير ثم انسيه وانتبهي لكل كلمة وتذكري :
تقول هذه النبيلة : لدي مواقفُ كثر إذا ذكرتُها بكيتُ لأن جرحَ السهم يبرى وجرح اللسان لايبرى ، حسبنا الله ونعم الوكيل.
اللهم احفظ زوجي وأولادي وأحفادي وزوجات أولادي وكل من صنع لي معروفا صغيراً أو كبيراً
اللهم إني سامحت كل من أساء إليّ بقصدٍ أو بدون قصد ، إساءة علمتها أو جهلتها ،
واشملني اللهم واياهم برحمتك الواسعة واغنينا برحمتك عن رحمة من سواك.
قلتُ : اللهم آمين اللهم آمين.
أسأل الله أن يمتع ناظريك بصلاح أبنائكِ و أن يشرح صدرك و يؤنس وحشتك. كنت ُلا أدري كيف أصف العظمة و النبل و حب الخير للناس و الإتكاء على مباديء أرسخ من الجبال بكلمةٍ واحدةٍ ، فعرفت الآن كيف !! ليس عليّ إلا أن أقول اسمكِ.
قال رسول الله عليه الصلاه والسلام : ( اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً ، فإنه ليس دونها حجاب )
الكثير من المسلمين هداهم الله ، قد قست قلوبهم ، وأصبح الظلم هو الحل الوحيد لحل المشاكل وإبعاد كل ضرر عنه ، ونسوا أو تناسوا بالأصح وجود الخالق سبحانه. ألا يخافون أن يصيبهم سهم من سهام الليل
لاتظلمن إذا ما كنت مقتدراً *** فالظلم آخره يأتيك بالندم
نامت عيونك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم
قصة هذه الفاضلة فعلاً مؤلمة .. لا حول ولا قوة الا بالله .. لا أعلم مالذي استفادته هذه المديرة من اثارة الفتنة وظلم صاحبتها..؟!!! للأسف كثيراً مايقع الظلم من ذوات المناصب في المدارس مع انها متعلمة وقدوة الا انها تتصرف كتصرف الاطفال !! ولكن اذا عرف السبب بطل العجب ألا وهو الحقد و الحسد للمميزات ..!! ــــــــــــــــ
جزاك الله خيراً ابا عبدالله .. ووفقك الله لما يحب ويرضى ..
نسأل الله العلي القدير ان يبعدنا عن الظلم وان لا نكون ظالمين ولا مظلومين ,, هذه المرأه استعانت بـ الله فـ اعانها .. وصدق القائل سبحانه في محكم تنزيله ( ومن يتوكل على الله فـ هو حسبه , إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا ) لكَـ التحية استاذي الكريم على هذا الاسلوب الممتع .. والجميل اجدت في كل شيء .. موضوعا وطرحا وفكرا ايها النقي فـ لكَـ مني التحيه والتقدير
أسأل الله أن يمتع ناظريك بصلاح أبنائكِ و أن يشرح صدرك
إقتباس
قال رسول الله عليه الصلاه والسلام : ( اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً ، فإنه ليس دونها حجاب )
لاحول ولاقوة اللى بالله اللهم لاتجعلنا من الظالمين لنفوسنا ولغيرنا ,,..
مشكور أخوي القاضي على هذه القصة الجميلة والتي تحمل في طياتها الفائدة ,,.. وكما قال عليه الصلاة والسلام ( الظلم ظلمات يوم القيامة )