منقول من جريدة الرياض

حول العالم
الظاهرة البريطانية



فهد عامر الأحمدي

6% فقط من الشعب البريطاني يواظب على الذهاب للكنيسة هذه الأيام ... وهذا مجرد مؤشر على الانحسار السريع لتأثير الدين في المجتمع البريطاني منذ ستينيات القرن الماضي؛ فنسبة المصلين في الكنائس البريطانية انخفضت بسرعة حتى وصلت عام 1980الى 11% من مجمل الشعب، ثم 9.6% عام 1995ثم 6.8% عام 2005، ثم 6% هذه الأيام !!
وهذه الأرقام ليست صادرة من جهة منافسة - أو جمعية إسلامية متشددة في شرق لندن - بل من المؤسسة الراعية للكنائس الانجليكانية في عموم بريطانيا (The Ecclesiological Society) . ويشير تقرير المؤسسة لهذا العام الى أن الديانة المسيحية في بريطانيا في سبيلها للاندثار والانقراض وأن أكثر من 60كنيسة تغلق أبوابها كل عام في حين لا يزيد عدد المصلين في ربع الكنائس البريطانية على عشرين شخصا فقط .. ومنذ عام 1970أغلقت 1726كنيسة وهدمت 370أخرى وحفظت 341كمتاحف وتحول 925الى أنشطة غير دينية (مثل مكتبات ومسارح ومقاهي ومراقص) ... وفي المقابل يكاد عدد المساجد في بريطانيا يساوي اليوم عدد الكنائس فيها بل إن عدد من يؤمون المساجد زاد عام 2004على عدد من يؤمون الكنائس بمعدل 930ألفاً إلى 916ألف مصل (حسب مؤسسة Christian Research) !!

.. والغريب هنا أن بريطانيا كانت آخر بقعة في أوروبا دخلتها الديانة المسيحية (بسبب موقعها الجغرافي في الشمال) .. فقد كانت أمة وثنية حتى القرن السادس الميلادي حين دخلتها المسيحية على يد القديس أوغسطين الذي قدم من فرنسا . وفي القرون التالية لعبت المسيحية دورا قويا في صياغة التاريخ البريطاني واحتفظت بنفس الزخم والشعبية حتى منتصف القرن العشرين .. ليس هذا فحسب؛ بل كان لبريطانيا الفضل في نشر الديانة المسيحية في أنحاء كثيرة من العالم أيام الاستعمار (حين كانت تلقب بالامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس) . فبفضل جهودها التبشيرية انتشرت الديانة المسيحية في أفريقيا والهند وأجزاء من آسيا - ناهيك عن أستراليا ونيوزيلندا وكندا وأمريكا وجنوب أفريقيا - ، ولكن منذ بداية الستينيات بدأت حركة تمرد شبابية واسعة ضد تقاليد وأعراف اجتماعية كثيرة (شملت الدين والهوية والتاريخ) . ومن يومها ارتفعت نسبة العلمانية وهجر الطقوس الدينية وضعف الإحساس بالهوية الوطنية (وهي ذات الفترة التي انتشرت فيها موجة الخنافس والميني جوب والتحرر الجنسي) !!

.. وما يحدث اليوم في بريطانيا مجرد أنموذج - ومرحلة متقدمة - لظاهرة انحسار الدين في أوروبا كلها؛ ففي الجزء الشرقي من ألمانيا مثلا تخلى 88% من السكان عن ديانتهم المسيحية يليهم سكان سلوفينيا بنسبة 30%، ثم روسيا بنسبة 27%، ثم هولندا بنسبة 24% .. وفي حين يبدو سكان أمريكا أكثر تدينا (حيث يواظب 54% على الذهاب للكنيسة) لا يذهب للكنيسة في أوروبا سوى 6% من سكان بريطانيا، و 8% من سكان تشيكيا، و 9% من سكان الدنمارك !!

أما الحقيقة التي نكتشفها في كل مكان - ولا نستثني منها أحداً - فهي أن جميع الأمم تبدل دياناتها ومعتقداتها بشكل بطيء ومتدرج عبر قرون طويلة (وغير محسوسة) من الحذف والإضافة ومحاولة التأقلم مع المتغيرات الجديدة .....