المخلص الذي خطفه ميلان من إنتر




قلائل هم اللاعبون الذين يحافظون على إخلاصهم لأنديتهم في الأوقات العصيبة كالهبوط من درجة إلى درجة أدنى، أو أثناء تعرضهم لعقوبات كبيرة. فكيف تكون الحال إذا بالنسبة للنجوم؟ لاسيما إذا كانوا من المخضرمين، لا بل الأفضل في مركزهم إن لم نقل عنهم أنهم أسطوريون.

فرانكو باريزي (46 سنة حاليا) هو واحد من هؤلاء الذي فضل البقاء مع ناديه ميلان رغم إسقاطه في العام 1980 إلى الدرجة الثانية، بسبب فضيحة مشابهة للفضيحة التي عصفت بالكرة الإيطالية خلال الموسم المنصرم.

لذلك فإن اللاعب الإيطالي يحتل مكانة خاصة لدى جمهور "الروسونيري" الذي يصفه باللاعب المخلص.

المدافع القائد
وإذا كان الثلاثي الهولندي ماركو فان باستن وفرانك رايكارد ورود غوليت وراء نجاح ميلان في أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات فإن مهمة باريزي قائد الفريق آنذاك لم تكن أقل شأنا منهم.

فهو شكل ركيزة أساسية في خط الدفاع، حيث أن شباك ميلان لم تمن بأكثر من 20 هدفا في 34 مباراة في أربعة مواسم على التوالي, ما جعل من مركز الليبيرو الذي كان يشغله باريزي وأبدع فيه أساسا لكل مدرب في عالم كرة القدم الحديثة لبناء فريق من حوله.

ورغم أن طبع باريزي يتسم بالخجل الفائض خارج الملعب، فهو كان في المضمار كالأسد الكاسر الذي يلاحق طريدته، التي غالبا ما تكون أخطر مهاجم في الفريق المنافس.

رفضه إنتر فخطفه ميلان
وككل أترابه مارس باريزي كرة القدم أولا في شوارع مدينة ترافغلياتو حيث ولد عام 1960، ثم مع فريق مدرستهن ما لفت إليه أنظار مدرب غييدو سيتمبريني، فأخذه على عاتقه مع أخيه جيوزيبي الذي يكبره بسنتين لعرضهما على فريق إنتر ميلان، فأبدى مسؤولو النادي موافقتهم على التعاقد مع جيوزيبي وليس مع فرانكو لأنه على حد قولهم ما زال طري العود ولم ينضج بدنيا بعد.

لكن المدرب الذي يعرف تماما الخامات التي كان يتحلى بها فرانكو لم ييأس وأعاد الكرة هذه المرة مع فريق المدينة الآخر ميلان ووفق في مسعاه وذلك عام 1974.

أمضى باريزي ثلاث سنوات مع الفريق الثاني لميلان قبل أن يدفع به مدرب الفريق الأول السويدي الشهير نيلز ليدهولم في مباراة من الدرجة الأولى ضد فيرونا وكانت في 23 نيسان/أبريل عام 1978.

موسم أول ولقب أول
وفي ذلك الموسم لم تتعد مشاركة باريزي مع فريقه عدد أصابع اليد الواحدة، وانتظر حتى الموسم التالي له بين الكبار ليصبح أساسيا في الفريق الذي شهد تألق فتى إيطاليا الذهبي جاني ريفيرا ويشارك في تتويج فريقه بطلا للمرة الأولى منذ 11 عاما.

لكن ميلان لم ينعم كثيرا بالمجد، ففي العام الذي كان فيه يدافع عن لقبه اتهم رئيس النادي آنذاك البلجيكي اريك غيريتس بتهمة تدبير نتيجة مباراة ميلان مع لاتسيو ليضمن الأول مقعدا له في مسابقة كأس الاتحاد الأوروبي للموسم الذي يليه، فأنزل الاتحاد الإيطالي عقوبة صارمة بحق الرئيس ومنعه من رئاسة النادي مدى الحياة، وأسقط الفريق إلى الدرجة الثانية.

المخلص
وعلى الرغم من المحنة التي عاناها باريزي فضل البقاء وفيا لناديه ولم يدر ظهره له, واستطاع أن يتغلب على الصعاب ويعود بالفريق إلى الدرجة الأولى في السنة نفسها.

لكن الحظ لم يحالف باريزي مع منتخب إيطاليا، إذ كان يشغل مركز الليبيرو اللاعب الكبير غايتانو شيريا منذ العام 1977 وعلى رغم كونه ضمن التشكيلة الأساسية لمونديال 1982، التي أحرزت اللقب فانه لم يلعب أية مباراة.

وأصر إنزو بيرزوت مدرب إيطاليا الشهير على تفضيل شيريا على باريزي أساسيا في مونديال مكسيكو عام 1986، ما حرمه بالتالي من خوض العديد من المباريات الدولية خلال هذه الفترة، ولو تسنى له خوضها لتخطى بما لا يقبل الشك حاجز المائة مباراة دولية.

حظ عاثر دوليا
وبعد فشل المنتخب في المكسيك عين المدرب ازيليو فيتشيني بدلا من بيرزوت، وكان سبق لباريزي أن تدرب على يده عندما كان في منتخب الناشئين، وساعد باريزي في تلك الحقبة اعتزال شيريا, ففتح الباب أمامه ليثبت مقدرته, وكان اختباره الدولي الأول في نهائيات كأس الأمم الأوروبية التي أقيمت في إيطاليا عام 1988 وبلغ فيها المنتخب الأزرق الدور نصف النهائي، لكن النتيجة اعتبرت جيدة كون معظم لاعبي المنتخب لم يكن تخطى الخامسة والعشرين من العمر.

ولعل الفترة التي تلت هذه الدورة عوضت لباريزي ما فاته مع المنتخب، فسطر مع فريقه سجلا حافلا بدءا بالفوز بالدوري وكذلك بدوري أبطال أوروبا، ولم يكتف بهذا القدر بل فاز ببطولة العالم للأندية، كما نال الكرة الفضية كثاني أفضل لاعب في أوروبا.

وقاد باريزي منتخب بلاده من جديد في مونديال 1994 لكنه أصيب في المباراة الثانية قبل أن يعود في النهائي لمواجهة البرازيل. وبذل باريزي مجهودا كبيرة لمنع مهاجمي البرازيل من التسجيل، ونجح في ذلك بجدارة، ليحتكم المنتخبان إلى ركلات الترجيح، لكنه فشل في إحداها قبل أن يتبعه روبرتو باجيو بذلك ليطير اللقب إلى البرازيل.

التغلب على المرض
وتعرض باريزي خلال حياته الرياضي للإصابة بمرض خطير كاد يودي بحياته لكنه تخطى هذه العقبة بعدما ظن البعض أنه مصاب بالسرطان وتبين أخيرا معاناته من فيروس.

وعلى مدار عشرين سنة كرة قدم مع ميلان فقط، حصد خلالها بطولة الدوري الإيطالي لأندية الدرجة الأولى لست مرات، وتسع بطولات أوروبية، وبطولة أندية العالم مرتين، أصبح اسم باريزي مرادفا لاسم فريقه, فهو بات الأسطورة الحية، والمثال الذي يحتذ به في عالم كرة القدم، للاعب الذي يخلص لفريقه مهما كانت العروض والمغريات والمشكلات حتى.

الوداع المؤثر
ولم يبرع فقط باريزي في المهمات الدفاعية فهو سجل لفريقه 16هدفا في مبارياته 531، التي لعبها معه كما سطر اسمه في سجل هدافي الأزوري بتسجيله هدفا له خلال 81 مباراة دولية.

اعتزل باريزي كرة القدم وهو في السابعة والثلاثين من عمره، خلال مباراة ذرف فيها كل من شاهدها الدموع على مشهد وداع اللاعب المخضرم للملاعب, فكرمته إدارة ناديه بسحب الرقم (6) من قمصان الفريق وتخليده باسمه.

لكن باريزي لم يغادر الملعب طويلا ليعود من باب التدريب, حيث تسلم مهم إعداد فريق الشباب في ناديه ميلان حتى منتصف العام 2006، لينتقل إلى تدريب شباب نادي بيريتي.