الطفرة التي نعيشها في السنوات الأخيرة جعلت الحكومة الرشيدة توجهها خير توجيه وذلك بتخصيص جزء منها لسداد الدين العام وجزء منها تحول للمشاريع التنموية وتقوية البنية التحتية للدولة. الحمد لله على النعمة التي نعيشها هذه الأيام ونحن نرى التقدم الصناعي والحضاري في دولتنا الحبيبة...
ولكن هذه الطفرة سببت نوع من الطمع لدى بعض المواطنين هداهم الله... وكان آخرها إطلاق إشاعة صرف راتبين في شهر رمضان المبارك... وكان لخبر صرف راتب شهرين أصداء واسعة بين المواطنين... كان هو الحلم الذي دغدغ مشاعر الآلاف من موظفي الدولة..
فسارعوا بتناقل هذا الخبر بالرسائل والاتصالات لعل وعسى أن يصدر أمر ملكي بتصديقه... تلك الإشاعة كانت بدافع الضغط على الحكومة لتلبي لهم هذا المطلب ... وكان مطلقو هذه الإشاعة على غير دراية بعواقبها...
نعم سيتمكن الموظفون من تغطية بعض احتياجاتهم من الصرف... وسنفرح قليلاً ... سنفرح إلى أن نصرف آخر ريال من هذه المكرمة وبعدها سنحلم مرة أخرى بصراف راتبين في شهر ذو الحجة وستبدأ الإشاعة من جديد... وهكذا سندور في دائرة الأحلام والإشاعات...
ما لاحظته من مطالب بعض المواطنين هو أننا لم نعتبر لما حصل لنا في أوائل الثمانينات حينما سجل الفائض من الميزانية 111 بليون ريال (29.6 بليون دولار) عام 1980 ميلادي وهو ثاني أعلى معدل من فائض الميزانية في تاريخ المملكة. وما تم حينه هو صرف تلك الأموال على وجه السرعة وحصل انخفاض حاد في الميزانية للسنوات التالية و هذا ما يوضحه الرسم البياني
من هذا الرسم يتبين أن ما صُرِف من عام 1981م إلى عام 1986م عاد بالميزانية 12 سنة إلى الوراء وبالتحديد إلى عام 1974م وهذا أمر يعتبر غير صحي من الناحية الاقتصادية. فمن المفترض أن يتم عمل توازن بين الصرف والدخل للمحافظة على المعادلة. وبعد عام 1986م كانت الميزانية على مستوى ثابت إلى عام 1989م حينها بدأ مؤشر الميزانية بالصعود تارة وبالنزول تارة أخرى.
ما أود قوله... مطالبنا تجاه الدولة يجب أن تكون معقولة... فمن غير المنطق أن نطالب الدولة بصرف راتب شهرين في رمضان المبارك... ما حدث في السنتين الأخيرتين من ارتفاع في أسعار البترول بسبب حرب العراق ومشكلة إيران هو من خدم الميزانية ولكن هذه السنة وربما السنوات القليلة القادمة ستبدأ الأسعار بالنزول وهو إن حدث لا سمح الله ستكون ضربة لاقتصادنا الوطني الذي إلى هذه اللحظة لا يزال يعتمد على النفط الذي إن وصل سعر البرميل إلى 10 دولار لن تستطيع الدولة صرف رواتب العاملين فيها وهذه بحد ذاتها مشكلة كبيرة..
ولنكن واقعيين... بحسبة بسيطة سأقوم بها وعلى أساس التقريب لا الدقة سيتبين لنا كم تصرف الدولة في الشهر على رواتب وأجور العاملين فيها
عدد موظفي الدولة × متوسط الرواتب = المبلغ المصروف للرواتب من الميزانية
60,000 × 5,000 = 300,000,000 ريال (ثلاثمائة مليون ريال) فبهذا المبلغ يمكن بناء ثلاث كليات كاملة على أحدث المواصفات والتجهيزات تخدم المجتمع.
وإذا كنا نطالب براتب شهرين فهذا يعني 600،000،000 ريال (ستمائة مليون ريال) تصرف من ميزانية الدولة في شهر رمضان المبارك فقط.
ولا ننسى أن الدين العام لازال يتربص في كل عام بالميزانية والدولة تبذل الغالي والنفيس من أجل إلغاء الدين العام من قاموس الميزانية ... ولكن إلى إن تُلغى هذه الكلمة يجب علينا الصبر ولانُحمل الدولة مالا طاقة لها... وأيضاً لاننسى أن الدولة منا وإلينا... فلنترك الإشاعات التي لاتخدم الصالح العام ولنجعل الدولة تعمل في هدوء من غير مطالبات غير عقلانية
هذا وتقبلوا تحياتي