.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
طريق رئيسي / ان كنت من هواة السفر , والتعرف على الامم والبشر عن كثب , واكتشاف ثقافات الناس عن قرب فانت - ياصديقي – لم تعد بحاجة الى معاناة الحجوزات ودوار الطائرات وما غير ذلك من تكاليف وتعب وارهاق مادي ومعنوي , فالبديل الذي تقدمه التكنولوجيا اليوم يهيئ لك كل ماتريد بافضل مما تريد واسرع مما تتوقع !

الحقيقية ان التكنولوجيا التي ثارت على الناس بمحامدها ومساوئها واقبل عليها الناس بمساوئهم ومحامدهم واضحت في عصرنا الحالي تخالط الشعوب , وتكتسح البيوتات - وتؤثر في المفاهيم - والاجهزه الحكوميه واسواق التجاره وكافة مجالات الحياة الاخرى وتنتشر في الاوطان المتقدمه كالهواء المُتنفّس انها على حالتها تلك قد يسّرت كل عسير وقربت كل بعيد وعرفت بكل غريب , وربما يحلو اعتبار التكنولوجيا صديقا جديدا للانسان لم يألفه من قبل او ان صح الوصف " كائن معنوي " له قدره وليس لديه اراده , يمكن ان يكون لطيفا وديعا , ويمكن كذلك ان يكون وحشيا مريعا .

ان ولادة التكنولوجيا التي جاءت بعد جهد بشري متواصل شاركت فيه مختلف الامم والشعوب وارفدته مختلف العقول بقدر من العطاء والعلم مقسوم في عملية تاريخية مستمره ومراحل من التاريخ متطاولة , انها جاءت لتمثل قفزه نوعيه في مختلف مجالات الحياة المتصلة بالناس , ودخلت عنصرا هائلا غيّر الكثير وفي حقيبته العديد والجديد من الاساليب الحياتيه , لقد اعملت الكثير وعمرها بيننا صغير , فهي لم تزل طفلة بعد ! , وعلى هذا فالتكنولوجيا ليست مجرد رافعة للشعوب والامم او مظهرا من مظاهر الرقي الاجتماعي فيها او عنصرا من عناصر القوّة والسيطرة وبسط النفوذ – من الارض ومن السماء ! - او ترفا معلوماتيا او لهوا تقنيا يمارسه الناس ! , انها في احد ابرز اوجهها نافذة الناس على بقية الناس !

لقد مكّنت التكنولوجيا من تشكيل شبكة واسعة من الصداقات والعلاقات دونما جهد كبير يُبذل , وفتحت الكثير من قنوات الاتصال بين بني البشر دونما تكلفة تُذكر , واصبح تبادل المعارف ونشر الثقافات والترويج للافكار من ايسر مايكون , خاصّه عند الحديث عن مجمع عالمي كبير , كالانترنت فيه بيع وشراء واسواق ومكتبات ومنتديات تجمع بين المختلفين , وغير ذلك كثير من المزايا !

ان الكوكب المترامي الاطراف الذي يقطنه مليارات البشر اصبح اليوم مترابط الاطراف ماديا بفضل معطيات الحضارة المادية الحديثه , والانسان المتحضّر اليوم هو من يعيش هذه الحضاره ويتفيّأ ظلالها ويقتنص منها الخير ويستعملها في الخير وينهل منها المفيد ويقوّم المُعوج بالسديد او يثريها ويساهم فيها , فهو لايكتفي بمعايشتها واستخدامها , فهذا حال الانسان المتخلف الذي يتفيأ ظلالها التي تقيه لهيب العصور السالفة وصعوبتها , ثم يرقد !

طريق فرعي / بينما يتسابق المتسابقون في مضمار العلم والتكنولوجيا ويتعالى صرح المعرفه ويشتد بنيان الحضارة الماديه في اوروبا والولايات المتحدة والصين واليابان وغيرها حيث للعلم سياسة تسوسه وللسياسة علم يوجهها ومراكز ابحاث تقنن مسارها نجد العالم الاسلامي والعربي يقبع في سجن الجمود وظلمة الجهل خلف قضبان التخلف , ينهش جسده داء الفقر من كل جانب فيزيده ضعفا على ضعفه .

اننا اليوم ونحن نشعر بالخجل العميق في انفسنا من انفسنا ونأسف على موقعنا في العالم وفي سلم الحضارة ونشتكي فراغنا وعدميّتنا نكون احوج مانكون الى العلماء والمبتكرين والمفكرين لتحقيق النهضه المرجوة لأمتنا , بحيث تأخذ مكانها اللائق بقيمها الرفيعة وتاريخها المجيد ومساهمتها الكبيره في تنوير الانسانية , هذا امر لن يتأتّى في ظل مجتمعات ماتت فيها دوافع التطلّع والبحث الكامنه في اعماق النفس , وعوامل الابداع والانتاج المبذوره في العقل , وفي ظل مجتمعات لاتحترم العلم والعلماء ولا تعتبرهم نجومها المفضّلين ولا قدواتها المعتبرين - كنتيجه حتميه لما سبق - ! , ان الانظمة التي تحكم الشعوب العربية والاسلامية – في اغلبيتها - لاتقوم بالجهد اللازم والعمل الصحيح للخروج من هذا النفق المظلم الى نور العالم المتقدّم , وهي لا تمتلك حتى الساعة استراتيجية واضحة تعيد لهذه الامة التائهه - هيبتها وحقوقها ومجدها الذي افل , ومالم تتدارك اخطائها عاجلا فأنها ستكون يوما موضع نقمة التاريخ , وضحية من ضحايا تقلبات الجغرافيا .