(الـغـروب)
في ظهر يوم سمائه ملبدة بالغيوم كان خالد وعائلته وأخوته يتناولون
الغذاء في أحد المنتزهات في آبها وبعد الغداء قام خالد وغسل يديه ومن
ثم ذهب ليتمشى ، تسلق بعض الجبال وتمشى بينها وعندما أراد العودة
ضل الطريق وأصبح يمشي بلا هدى و وجد أمامه قطعة أرض صغيرة
ومنبسطة بين الجبال وفيها بيت عبارة عن غرفتين وجلس يتأمل..وحس
بيد توضع على كتفه والتفت مذعور واذا به يجد رجلا كبير في السن
بين الستين والسبعين عاما ،كانت الطيبة في وجه هذا الرجل فقال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ياولدي.
رد خالد السلام عليه.
قال :ياوليدي وش فيك واقف هنا..!!!
قال خالد: مدري ياعم غريب وضع هالبيت وين سكانه شكلهم قريب
تاركين هالمكان.
سكت الرجل ثم قال: تعال ياوليدي نجلس هناك.
ويوم جلسوا سكت الرجل طويلا وأصبح وجهه مليء بالحزن
ثم خرج من صمته وقال: ياوليدي في البداية أنا أسمي طاهر ،يماني
وطول عمري عايش في هالمنطقة.
قاله خالد :ونعم وأنا خالد جاي هنا سياحة.
قاله طاهر: بقولك وش قصة هالبيت الصغير

الكلام هذا كان من زمن بعيد كنت أمشيء في الصبح ويوم مريت
من هالمكان لفت نظري شابه تضم طفله صغيره الى حضنها ولما قربت
منها جفلت قليلا وسلمت عليها وردت بأحسن من ذلك
وقلت لها : يأختي تبين خدمة شيء؟؟؟
قالت: أبي عمال ببني هنا سكن لي ،،، فاستغربت كثيرا وخاصة اني المح
علامات التمدن واضحة على وجهها .
وقلت لها: أنا عامل واذا تبين من بكره نبدأ نبني .
قالت على بركة الله.
وبدأت من الصبح البناء وذهبت هي للقرية وأثناء عودتها لهنا شاهدت
شاهدت شابه جالسه على صخرة وتبكي بشدة اقتربت منها وحاولت
أن تواسيها وعندما هدئت الفتاة سئلتها عن قصتها فسكتت طويلا
ثم تحدثت قائلة: أنا أسمي نورة …قصتي هي أنني من عائلة معروفة جدا
في البلد ، أحببت شخصا مستواه أقل من مستواي بكثير وتزوجته
رغما عن أهلي ورفضوني أهلي وأصبح ليس لدي في هذه الدنيا
بعد الله الى زوجي وجئنا الى ابها لنبتعد عنهم وسكنا في بيت متواضع
وكان زوجي ينتقل من وظيفة الى اخرى ومن حرفة الا غيرها،،،
حتى توفي زوجي في الشهر الماضي وأصبحت بلا معين في هذه الحياة
القاسية وحاصرني الديانا فهربت من البيت وآنا الآن حامل،،،
والآن أنتي من تكونين وليش أشوف الحزن عامل عمايله في وجهك؟؟

تأوهت وقالت: أنتي حالك أخف مني بكثير ،أنا قصتي أنني تعرفت
على شخص له مكانه مرموقة في المجتمع وحبيته بأخلاص وتوهمت أنه
يبادلني المشاعر وفي يوم من الأيام كنت معه…ياربيه قد ايش أنا غبيه
،،،وأكملت قائلة وفعل بي مايفعله الرجل الرجل بزوجته وخرج وأنا واثقة انني زوجته بس كلها أيام.
بعد كم يوم اتصلت عليه وقلت له : متى راح تخطبني ..
قال: من قال أني بتزوجك ……..جائتني الكلمة كالطعنة على قلبي وقلت له: وشرفي الي طيرته أنت…
قال: ياغبية روحي شوفي شنطتك حطيت لك فيها خمس الآف ريال
هذا حقك ولااسمع صوتك مره ثانية.
وتواصل قائلة: اغمى علي وبعدها أصبحت سجينة لغرفتي
أنا ودموعي ..وجائت الطامة الكبرى بدأت بوادر الحمل وكبرت بطني وانتبه أهلي لذلك،وبدأت المصايب …ضربوني وعذبوني
يضربوني على بطني يردون قتل أبنتي (أماني ) وفي الأخير هربت منهم
وجئت الى هنا لأعيش أنا وابنتي بعيدا عنهم.
وش رايك نعيش مع بعض فيبدو أننا متشابهتين..
وافقت نورة على طلب (ايمان)..
وسكنوا مع بعض وبعد فترة رزقت نورة بولد سمته (بدر )
كبر (بدر ) و(أماني) ولايعرفنان في الدنيا الى أمهاتهم والخادم والخادمة
والعم طاهر.
كانت الأميين ينسجون الثياب والخوص ويساعدون الخادمة في تنظيف البيت والاعتناء بالحضيرة ،وكان الخادم يشتغل في الحقل
وفي كل يوم جمعة تنزل النساء الا القرية القريبة ليبيعون ماصنعوا
من ثياب وخوص ويشترون ضروراتهم..
كانوا جميعا أسرة واحدة بل كانوا روحا واحدة…
كبر بدر وأماني ،أصبح بدر يساعد الخادم في الاعتناء بالحقول وأماني
تساعد أمها وخالتها والخادمة..
يخرج الطفلين ليلعبوا مع بعض دائما..وعندما بلغ بدر (10 سنوات) طلبت مني والدته أن اعلمه القراءة والكتابة فأصبحت أعطيه
دروسا ولكن بدر كان يرفض أن يدرس الى وأماني معه ،فأصبحت
أدرس الاثنين معا..
فصدقني لم أشاهد أحد بنباهة وذكاء هذين الصبيين فبخلال فترة قصيرة
تعلما القراءة والكتابة وأصبح يتنافسان في تطوير مستوياتهم..
كبرا الصبيين وأصبحا شابين بالغين ،، في يوم من الأيام وبدر
يشتغل في الحقل جائت أماني اليه وجلسا يتضاحكان
فقبلها قبلة صغيرة ، أنتفضت أماني وتغير وجهها وهربت الى البيت..
وجلست يومين في حالة غريبة جدا حاولت أمها التقرب منها لتعرف
وش فيها بس ماقدرت ، فقد أصابتها القبلة بمزيج حيرها من المشاعر
خاصة بالنسبة لفتات توها مخلصة مرحلة الطفولة وداخلة مرحلة الشباب.
بدر بدوره كان محتار مره، رجع ثاني يوم من الحقل ولم يجد أماني
سئل عنها قالوا انها من الصبح طلعت تتمشى وماجت للحين
راح الى المكان الي دايم يتجمع هو وياها فيه ويجلسون فيه
راح ولقاها حاطه رأسها على ربكتها وجالسة تبكي قرب منها وقالها:
أماني وش فيك..!!!!
رفعت رأسها وجلست تناظره وعينها تدمع وقالت: بدر مدري أنت يوم
حبيتني مدري جاني شعور غريب أحس أنك منت أخوي وبس، أحس
انك شيء فوق كلمة أخوي.
قاطعها بدر وقال: أماني هذي ماهي أول مره أسوي فيها كذا
وش الي تغير؟
قالت: ايه هذاك أول يوم كنا أطفال بس الحين غير…
وقامت فجئه تركض الى البيت ،، وجلس بدر يفكر وش فيها أماني
ليه تغيرت كذا….!!!!
يوم راح البيت ودخل غرفته هو وأمه أعطته أمه ورقة مصفطة يوم فتحها يبي يقرأ وش مكتوب، لقاها رسالة من أماني مكتوب فيها:

الى ..بدر ،،
السلام عليكم، ماأدري بصراحة وش الى صار لي بعد ماقبلتني ذيك القبلة
ذاك اليوم،،، أصبح جسمي يرتعش وقلبي وصدري مشتعل وأحس انه كانه في نيران في صدري الصغير،،، بدر أحس..آه مدري وش أقول ، تعرف الي كان بين قيس وليلى..ايه أحس ان الي بيننا أسمه (الحب ) ولاشيء غير ذلك
بدر قيد يكون كلامي غريب عليك ولكن صدقني شعوري نحوك يختلف عن شعوري نحو أمي وأمك، فالحب يختلف .
بدر ..أحبك حبا يعجز القلم عن بيانه لأن القلم مادة من مواد العالم
الأرضي والحب روح من أرواح الملأ الأعلى..
بدر أتمنى أن تكون رسالتي وصلت لك كما أتمنى وكما أريد ..
محبتك/أماني

جلس بدر يفكر محتار لايعلم ماذا يفعل خاصة أن أمر كهذا يعتبر
جديد وغريب عليه في هذا العالم المحدود بالنسبة اليه..
لم ينم الليل وعندما ذهب الصباح الى الحقل كان مشتت الذهن
واستمر طول يومه هكذا وعندما أراد العودة الى غرفته وجد أماني أمامه
اقترب منها..واقترب وعندما أراد أن يتكلم تلعثم لأول مره ولم يستطع
الكلام الا بصعوبة فسلم عليها وصحبها الى مكان اجتماعهم الدائم..
وجلسا فترة طويلة ساكتين حتى كسرت أماني الصمت قائلة ، بدوري
الى متى بنضل ساكتين، تكلم ياحبيبي..
فرفع راسه لها وقال: يا أماني أحس بلذة غريبة وحلوه بقلبي الحين
يمكن أنتي كسرتي الحاجز الوهمي الي بيننا، كم انا ممنون لك على هذا
الجميل..
وجلسا يتناجيان تحت ضوء القمر وارتميا في أحضان بعض..
مع الأيام ازدادت علاقتهما ببعض وتطورت العلاقة بينهما مع الايام..
وفي يوم جاء العم طاهر بخطاب الى أم أماني فلما قرئته قالت لابنتها:
بكرى برسلك لعمتي في جدة هي غنية وتبيكي تعيشين عندها..
وراح ..وراح تأمن لك مستقبلك أكثر من هنا وراح ترفهك..
جلست أماني تبكي وتقول مستقبلي أبيه مع بدر ولكن أمها أصرت
عليها فأذعنت لكلام امها..
جت أماني الى بدر والدمع مغرق وجهها وحاولت أن تتكلم أكثر من مره وماقدرت،،،وطار لب بدر وبعد فترة من البكاء أخبرته بالخبر الي نزل عليه كالصاعقة ،،وانظلق كالمجنون الى أم أماني وحاول أن يجعلها تتراجع عن قرارها ولكن محاولاته بائت بالفشل الذريع..


(الـرحيـل)
في يوم رحيل أماني جلست أماني مع بدر ساعات طوال يذرفون الدمع ويتوادعون، وعندما حانت ساعة الرحيل ركب بدر وأماني السيارة (لأول مره في حياتهم) مع أمهاتهم والعم طاهر وانطلقوا الى المطار والجميع في حزن شديد وفي الطريق كانت أماني ملتصقة ببدر وتبكي.
وصلوا المطار وكان بدر وأماني مبهورين بهذه المناظر الجديدة عليهم وحينما حانت ساعة الرحيل واعلن عن رحلة أماني بكتب بكاء شديدا
وهي تودعهم وودعتهم ثم ذهبت وتركتهم في حزنهم وهي في حزنها..
مجرد أن أبتعدت أحس بدر بشرخ بحياته عادوا الا البيته
الا بدر عاد بجسده فروحه في طريقها الى جدة..
عاد يشتغل في الحقول و كانه شخص اخر فقد شحب جسمه وهزل
بعد ستة أشهر جاء العم طاهر بخطاب الى أم أماني وكان الخطاب من أماني الى أمها تجمعوا جميعا عند أم أماني وفتحت الرسالة..
وبدأت الرسالة من أماني ببيانها لشوقها لأمها ومن ثم طلبت أن تبلغ شوقها وسلامها وتحياتها الى خالتها أم بدر وللعم طاهر وللخادم والخادمة وماجابت سيرة بدر أبدا وانقبض وجهه وقلبه..
ومن ثم عرجت في رسالتها تصف حياتها الجديدة وتصف ماشاهدته مبهورة بذلك.
وفي آخر الرسالة كتبت : ويا أمي أنا لم أنسى حبيبي وروحي بدر ولكنه يحتاج ليس الا رسالة بل الا كتب لبيان شوقي ولهفتي له وأن بعدي عن بدر هو الغربة الحقيقة وأني أرجو أن يكون بخير وأن لايكون قد نساني
وانتهت الرسالة وهبطت دمعة من عين بدر وهو يقول
مستحيل أن انسى روحي…
أخذ بدر الرسالة وضمها الى صدره وقبلها….

عادت الحياة الى مجاريها وان لم تكن كذلك بالنسبة لبدر..
كان حاله متغير عن قبل سفرها ،كان يتردد كثيرا على المكان الي
صارحته بحبها لاول مره..

( مـرت سـنـة)
وبعد سنة كاملة من سفر أماني الى جدة جائت رسالة منها تخبرهم بقرب موعد عودتها لهم وفي يوم العودة والقلوب فرحة وأول ماطلعت أماني من بوابة الخروج انطلقت تضم أمها وخالتها أم بدر وبدر في مشهد مؤثر جدا.
وعندما خرجت من المطار وهم فرحين جذلين ..لم تمهلهم الاقدار ليكملوا فرحهم، سقطت شنطة يد أماني فعادت لتأخذها و..جاء سائق مخمور وكان مسرعا بمكان لايسرع به ونقض الأقراح وصدم أماني،
لم يصدق بدر ماحصل ودخل في صدمة وغاب عن الوعي شهرا كاملا،
عاد الى بيته الصغير وهو ليس هو..عاد وهو حطام انسان فارقة القوة جسمه وانطفى بريق عينيه ،كان دائما مايهيم على وجهه ، يذهب الى الشارع ويرجم سائقي السيارات لان السيارة هي من حرمته من روحه..
كره أم أماني فبنظره هي السبب في موت أماني ،وكان طاهر دائما يتابعه عن بعد ليعيده الا بيته كلما ابتعد،وذات يوم اقترب منه قرب الغروب
وهم جالس في مكانه الذي كان يجلس هو وأماني به دائما ، يريد أن يصحبه الى منزله كالعادة فناداه ولم يرد،، اقترب منه فوجد جسمه بارد جدا..وفارق الحياة ولحق حبيبته..
بعد دفنه بأيام مرضت أمه مرضا شديدا وتوفيت ،وبعدها بشهر ماتت أم أماني بعد أن فقدت كل من تحب في هذه الدنيا و

عم طاهر عم طاهر (قالها خالد) ولم يرد عليه العم طاهر واقترب منه
وهو لايرى جيدا لان الليل قد أرخى سدوله فوجده قد لحق بهذه العائلة
الصغيرة الصغيرة.
بكى خالد كثيرا على العم طاهر وعلى العائلة التعيسة
فقام ومشى في طريق يعتقد أنه الطريق الصحيح..


مع تحياتي واشواقي أخوكم/الــكاسـر