نفسك لوامة؟..أمارة؟...أم مطمئنة؟... [align=center]1 - النفس اللوامة
هي التي تكون وسطاً بين أمرين بين الخير والشر ، فهي تفعل الخير وتحبه ، وتعمل المعصية وتكرهها ، بل تميل إلى فعلها لتأثير عوامل اجتماعية أو بيئة عليها ، وتجدها إذا فعلت المعصية ، شعرت بالندم والحسرة ، وتلوم نفسها أي حال فعلها ، وتمنت أنها لم تفعلها ، وتوصف هذه النفس بالنفس اللوامة . وهذه الحالة في النفس يكون فيها صراعاً بين الخير والشر في داخلها .
والإنسان في بداية أمره إذا ارتكب ذنبا , أو ارتكب خطيئة ، شعر في داخله بإحساس يؤنبـه ، لارتكابه ذلك الذنب , وهذا يظهر واضحاً جلياً ، عند من لم يرتكب ذنبا أو عملاً سيئاً قبل ذلك ، فإنه إذا ارتكب ذنباً أو خطيئة إبتداءً ، يشعر بمحاسب يحاسبه ويؤنبه , لماذا فعلت هذا , ويتمنى أنه لو لم يفعله , وإذا عاد إليه ثانية ضعفت خاصية الشعور بالذنب والخطيئة ، وضعفت النفس المؤنبة تدريجياً , وتستسلم لعنصر المادة الثقيل ، وينتقل صاحبها إلى مرحلـة الميل إلى المعصيـة واستحسانها, وتصبح المعصية أليفة نفسه ، وميزان أفعاله ، في هذه الحالة تنتقل نفسه إلى نفس أمارة ..
ومن الفطرة أن الإنسان حين يرتكب خطأً ، يشعر في داخله بشيء يؤنبه ويلومه على فعله , وقد عبرنا عن هذا المؤنب والمحاسب بالنفس , وسماها الله بالنفس اللوامة ، وهي أيضاً تلوم صاحبها على فعل الخير إذا فاتها فعله لِمَ لَمْ تفعله . وقد ذكر الله النفس اللوامة في القرآن الكريم لما لها من تأثير طيب على صاحبها في تبديل حاله من الشر إلى الخير ومن الخطيئة إلى الطاعة , فقال تعالى في سورة القيامة 1 ( لا أقسم بيوم القيامة , و لا أقسم بالنفس اللوامة , أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نُسَوِّي بنانه ) فقد أقسم الله بيوم القيامة لتحقيق وقوعه ، وبيان هولـه ، وإيقاظ النفوس النائمة التائهة والغافلة عنه ، فتصحو وتتنبه من غفلتها وسباتها ،. قال الحسن البصري رحمه الله : إن المؤمن والله ما تراه إلا يلوم نفسه : ما أردت بكلمتي ؟ . وما أردت بأكلتي ؟ . ما أردت بحديث نفسي ؟ .
فإن النفس تُعَـِللُ فجورَها واستمرارَها في الخطأ والمعصية ، بنسبةِ كل ما يفعله الإنسان إلى البيئةِ والمجتمع الذي يعيش فيه ، وقد حكى الله تعالى على لسان المشركين في سورة الأعراف 28 - 29 { وإذا فعلوا فاحشة قالوا : وجدنا عليها آباءنا } ينسب المشركون فعلهم الفاحشة لآبائهم , ويَدَّعُون أن الله أمرهم بفعلها , ولهذا أمر الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يخبرنا بالحق فقال تعالى في نفس الآية { قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون .}
2 - النفس الأمارة :
1 - حين تتغلب المعصية على النفس ، تتصف بها ، ويطلق عليها النفس الأمارة بالسوء ، لكونها تميل إلى السوء وحب العصيان ، والغفلة عن الطاعة والعبادة .
النفس الأمارة هي التي تأمر صاحبها بالمعصية , واستحسانها والتلذذ بفعلها , وكراهة الطاعـة , وتدعو إلى المعصية والخطيئة , مفتخرة بفعلها ، وتستهجن العفة والفضيلة .
وهذه النفس قد استحوذ عليها الشيطان ، وسيطر على ذوقها ، وأمات فيها عنصر الحياء والخجل ، وقد ذكرها الله في القرآن الكريم في سورة الشمس 7 - 10 : حيث قال تعالى { وقد خاب من دساها } أي غذاها بالفجور والخوض في المعصية, والميل عن الفطرة السليمة ، عن طريق حاسة الهوى والشهوة , والإبتلاء بتغلغل الشيطان فيها , فتصبح هذه النفس لا عدوَ أعدَى لابن آدم منها .
وهذه النفس لا تريد الا الدنيا ولا تحب الا الدنيا وتأخذ بالبـدن إلى الدنو لعالم المادة والشهوات والملذات , وإلى حب الرئاسة و الإستعلاء على جنسها , و استغلال غيرها بالسيطرة والنفوذ ، وجمع المال الفاني . .
ووصف الله اصحاب تلك القلوب والنفوس الضالة عن الحق والهدى قال تعالى في سورة الحج 46 { إنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور }
فإذا ابتليت النفس بمثل هذه الحالات المريضة ، فإنها تؤثر على الروح ، وتجرها في متاهـات الضلال والإنحطاط , وتهبط الروح مع النفس عن منـزلتها القيادية , ، وتفقد خاصيتها الكريمة , وتخسر كل شيء قال تعالى في سورة الشورى 45 ( إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ) فكان سبب خسرانهم تكبرهم وعتوهم في الأرض قال تعالى في سـورة الفرقان 21 ( لقد استكبروا في أنفسهم وعتو عتواً كبيرً ا ) فجحدوا أنعم الله قال تعالى في سورة العنكبوت 40 ( وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) فاستحقوا العذاب والعقاب بظلمهم أنفسهم ...
3 - النفس المطمئنة
هي نفس تحب الخير وتفعله ، وتكره المعصية وتجتنبها فعلاً وقولاً ، ولا تشعر بالسعادة إلا بفعل الخير والطاعة لله ، وتوصف هذه النفس بالنفس الراضية المطمئنة .
والنفس في الإسلام في غاية الراحة والإطمـئان ، إذا تحققت في طاعة خالقها ، وصدق الإيمان بالله الواحد سبحانه وتعالى …
وإن أعلى مرتبه تنالها النفس ، هي مرتبة الإطمئنان والرضى ، فإذا تحققت النفس بهذه المنزلة ، كان صاحبها فعلاً عبداً لله ، ومنقطعاً عن دعوى الإستقلال لنفسه ، وراضياً بما هو الحق ، وراضياً بكل ما يأتي مـن ربـه مستسلماً إليه بكامل الرضا والقناعة ، وهي منزلة العبودية الخالصة لله رب العالمين ، وهي أعلى المراتب . وقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه ، فقلت له : لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، قال : أفلا أكون عبداَ شكوراً ) .
والنفس الراضية المرضية , التي عناها الله في سورة الفجر 27 ( يا أيها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) تدخل النفس المطمئنة في زمرة عباد الله الصالحـين الذين تتحقق فيهم صفات العبودية الخالصة , وذلك حـين تسمو بأعمالها الصالحة النابعة من حقيقة الروح .
والروح في حقيقتها وطبيعتها السمو , إذا فاقت النفس تسمو بالبدن الى عالم الملكوت , عالم الملائكة والمثال , بطاعـة لله وعبادته , وتحتـل بالنفس منزلة الإ طمئنان بالكمال والرقي الإنساني , فلا تفعل ما إلاَّ تيقن وتأكد من صلاحيته ، مبتعدة عن ريب أوشك ، روى الترمذي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) باليقين في فعلها تتوقى الشك ، وتعمل اليقين ، مُطْمَئِنَةً بكل ما تفعله ، راضِيَةً بما قسم الله لها ، مرْضيَةً لله خالقها سبحانه كما بينا آنفا ، ثم قال الله تعالى في سورة السجد 16 { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون } .
ولهذه النفس صفات تتحلى بها وهي الورع , والإخلاص ، قال الله تعالى في سورة الرعد 28 { الذين آمنـوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ، ألا بذكر الله تطمئن القلوب } لا يجد الذاكر لذة أعلى من لذة الذكر لله ، ولا يجد راحة واطمئناناً أكثر من ساعة الذكر ، إنه مع خالقه مالك الكائنات يذكره ويحاكيه ويجالسه ، ومـن أعز ممن يحاكي ويجالس هذا المالك العظيم ولو عرف الملوك وأصحاب المناصب الدنيوية ما عليه الذاكرون من لذة لجالدوهم عليها بالسيف والقـوة ، ولكن الشيطان شغل أهل الدنيا بدنياهم ، والملوك ببهجة الرئاسـة والقيـادة ، وأصحاب الأموال بأموالهم ، فتراهم منهمكين بما شغلهم شيطانهم بـه ، يخافون ضياعه ، وهم في غفلة عن حقيقتهم وحقيقة حياتهم القصيرة الزائلة ، غافلين عن الساعة التي يُلَفُّون بخرقة ، ويُوضَعون في حفرة ، لا تزيد عن مترين بمتر ، وقد تركوا ما كانوا يتحاسدون ويقتتلون من أجله في هذه الدنيا التي هي أحقر عند الله من جيفة ملقاة في فلاة …
وأما أصحاب النفوس المطمئنة الراضية ، فإنهم عرفوا حقيقة الدنيا وزينتها ، فاستهانوا بها ، وسمت نفوسهم بالإنشغال عنها بعمارة عالم الآخرة الباقية الخالدة ، فخضعت لهم الدنيا ، وكانت لهم أعلى المنازل والدرجات فيها ، وهي الراحة والطمأنينة ، ونالوا في الموت راحـة وسعادة ، لما أعدوا ليوم يجمع الله فيه الناس ليواجهوا أعمالهم ، ولا منزلة أعلى منهم وقت ذاك ، إنهم أصحاب اليمين ، الذين عناهم الله . فقال تعالى في سورة الواقعة من الآية رقم 10 { السابقون السابقون أؤلئك المقربون , في جنات النعيم , ثلة من الأولين , وقليل من الآخرين , على سرر موضونة , متكئين عليها متقابلين , يطوف عليهم ولدان مخٍلدون , بأكواب وأباريق وكأس من معين , لا يصدعون عنها ولا ينزفون, وفاكهة مما يتخيرون , ولحم طير مما يشتهون , وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون , جزاء بما كانوا يعملون لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيماً, إلاَّ قيلاً سلاماً سلامًا, وأصحاب اليمن ما أصحاب اليمين , في سدرٍ مخضودٍ ، وطلحٍ منضودٍ , وظلٍ ممدودٍ وماء مسكوب , وفاكهة كثيرة , لامقطوعة ولاممنوعة , وفرش مرفوعة }
فأي نفس أنت ؟............[/align] |