الذين لا يعجبهم العجب!!!! ( محطات القوافل ) الذين لا يعجبهم العجب
للأستاذ مشعل السديري - عكاظ
أغلب الناس لا يقبلون شيئا ولا يرضون عن شيء, إذا كان لدى غيرهم, أو صادراً عن غيرهم,-ومن الممكن أن أستثني نفسي من هذه الصفة-
فمثلا ياعزيزي القارئ لو كنت موظفاً في شركة, وعملتَ زيادة على ساعات الدوام, فأنتَ تتظاهر بالإخلاص, وإذا خرجتَ مع آخر دقيقة في نهاية الدوام, فأنتَ غير مخلص للشركة..وإذا جاملتَ الناس فأنتَ مُنافق, وإذا صارحتهم فأنتَ جلف وليس لديك كياسة.. وإذا تأخّرتَ قليلاً عن دوامك, فأنت قدوة سيئة, وإذا جئتَ على الوقت اعتبروك (كلب حراسة).. وإذا تحمّستَ لقضاياك السياسية, وطالبتَ بالحرب ضد الأعداء, وصفوك بالمتطرّف, وإذا دعوتَ للسلم, والركون للعقل اتهموكَ بالتخاذل والجبن.. وإذا لبستَ الشورت وأخذتَ تعدو في الشوارع, فأنتَ استعراضي تُريد أن تتباهى بقوامك, أو أنتَ لا تستحي من عرض كرشك, وإذا تركتَ هذا كله وقبعتَ متكوّراً على كرسيّك في بيتك,فأنتَ من حيوانات (البيات البيتي).. وإذا كنتَ لطيفاً وليّناً مع من يعملون تحت امرتك, فأنتَ تُفسدهم, وإن أنت حمّرت عينك في وجوههم, وأجبرتهم على الانضباط الشديد, فأنتَ مُتعجرف.. وإذا نظرتَ إلى النساء عَرَضاً, فأنت (بصبصاتي), وإذا أشحتَ بوجهك عنهن, فأنتَ (مُعقّد)..وإذا أصبح همّك شغلك, (فناموسيّتك كحلي), وإن أهملتَ (قطّعوا ذيلك بالسكاكين).. و إنْ أنتَ أصررتَ على رأيك بالنقاش على اساس المبادئ التي تُؤمن بها, اعتبروك مُتعصِّباً وعنيداً, وإنت انت أخذتَ وأعطيتَ وتساهلتَ, اعتبروك مائعاً و(إمعة).. وإذا تحدثتَ مع الناس بصوت مرتفع لأنك معجب بصوتك, فأنتَ لجوج, وصوتك يُشبه نهيق الحمار, وإن تحدّثتَ معهم همساً بأدب بالغ, شبّهوا صوتك بفحيح الأفعى.. وعندما تمتدح الآخرين, فوراء مدحك ما وراءه من أحابيل من أجل المكاسب, وإن أنتَ قلتَ للأعور منهم: أنتَ أعور في عينك, فأنتَ أخرق ولا تفهم (بالاتيكيب).. وإذا رقصتَ فرحاً, قالوا عليك (فاصخ ومجنون), وإن أنتَ كتمتَ فرحتك, ولم تهتز أعطافُك, فأنتَ عديم المشاعر وبليد.. وإن درستَ وتعبتَ وحصلتَ على الدكتوراه, واضفتها في كل محفل كلقب قبل اسمك, قالوا عليك: شايف حاله ومتباهي بحرف (الدال).. وإنْ أنتَ رضيتَ بحالك من الطُّموح الدراسي, ولم تحصل على أيِّ حرف قبل اسمك, قالو أنتَ قليل الطموح وغير مُتعلّم.. وإذا كان عمرك كبيراً وتُريد أن تعمل, قالوا عنك إن سنك لا تساعدك على العمل, وإذا كنتَ شاباً صغيراً, قالوا: ليس لديك خبرة.. وإذا كنتَ اجتماعياً تُلبّي الدعوات, وتحضر المجالسات والمسامرات, فأنتَ ارزقي فاضي(لا شغلة ولا مشغلة) عندك, وإن ابتعدتَ عن الناس قليلاً (حالك في حال سبيلك) فأنت انطوائي, حياتك (تجيب الغم)..وإذا انصرفتَ للعبادة, وأداء السنن, وخضت في محاججة الآخرين, أطلقوا عليك صفة (المُتنطّع), وإذا تباسطتَ مع الأمور أكثر, وابتعدتَ عن المظاهر, وجعلتَ من ضميرك نبراساً لك, تكالبوا عليك, ووصموك بالمُتساهل المفرّط.. وإذا كان غرامك هو السفر في جميع أنحاء العالم, للمعرفة, والعمل, والمتعة,قالوا عنك انّك (تبعزق) فلوسك, ولا تحب بلادك, وإذا مرّت السنوات وراء السنوات, ولم يختم بجواز سفرك ختم واحد, فأنتَ (ماء آسن) لا ترى أبعد من طرف خشمك.. وإذا أكلتَ مايُعجبك, ولبست مايُعجب الناس, قالوا وهم يسدّون أنوفهم: (الله يقرفك),وإذا كان العكس, أخذوا يتضاحكون وهم يشيرون إلى لباسك الذي تهواه, وكأنّهم يشيرون الى (أراجوز).. وإذا أحببتَ زوجتك, ونفّذتَ أوامرها ونواهيها, فأنتَ (دجاجة), وإذا (شكمتها) وأوقفتها عند حدّها, فأنتَ (سي السيد البدوي) الذي خرج لتوّه من القرون الحجرية.
هذا ياسادتي (غيض من فيض), ولو لم يكن لهذا المقال حيّز محدد,(لأدبكت) في ضرب الأمثال إلى (بكرة), فالناس فعلاً لا يرضيها العجب, ولو أنّني شخصيّاً علكتُ علكة على فكي الأيسر, فمن الممكن ان يقول لي احدهم: لماذا لا تعلكها على الفك الأيمن- مع أنني بالمناسبة أكره العلكة وعالكيها من النساء والرجال وأشباههم-, ولو أنني صفعتُ أحدهم على خده الأيسر- بالحلم طبعاً-, لقفز آخر وقال: لماذا لا تصفعه على خدّه الأيمن.. ولو أنني ذهبتُ إلى موعد (بزنس),قالوا: أكيد راح(يفسد).. ولو أنني ذهبتُ إلى المسجد, قالوا: ذهب ليخفف من ذنوبه التي هي أكبر من الجبال.. وأنا أقول لهؤلاء: نعم, نعم, إنها لا تقل عن جبال (الهملايا) وفوقها (الألب)- لا (القلب)-, وعلّ الله يقبل مني ويخفِّفها.
فعلاً مقالة رائعة جداً جداً تحاكي واقع عصرنا وواقع هلالنا وواقع مايدور حولنا !!! |