++ جـــيـــنــــارو غـاتــــوزو: قوة دفاعية مثالية و هشاشة هجومية ++
... يكاد ايفان جينارو غاتوزو أن يكون حالة فريدة من نوعها في تاريخ كرة القدم الحيث بصفة عامة و خصوصية حالته لا تقتصر على الملاعب الايطالية فحسب بل و تمتد الى الملاعب الاوروبية و حتى العالمية..
فالخصوصية لا تحيط به فقط لجهة كونه أحد ابناء فقراء الضواحي الايطالية و الذي تسيطر على محياه مسحات من الحزن و القسوة و العبوس في ان معا، فعالم كرة القدم في تاريخيه الحديث و القديم عرف نجوم في كرة القدم انطلقوا من الضواحي الفقيرة لبلادهم ليصبحوا مع الزمن من مرور الزمن من مشاهير اللعبة الشعبية الاولى في العالم.
بل ان الخصوصية التي تحط به و التي جعلته حالة فريدة من نوعها تتجسد في طبيعة الاعب من ناحية و دوره كلاعب على
أرضية الميدان من ناحية أخرى.
فمن النواحي الشخصية يظهر لكل من يتابع تنقلات الكرة في ملاعب الروسينيري، القسوة او العبوس ممزوجين مع الحزن يظهرون بشكل لا يكاد يفارق محيا الاعب و يذهب من تابع حياة ايفان بدقة في هذا المجال الى القول ان بيئة الطفولة الي ترعرع في كنف فقراها هذا الشخص جيلته بهذه الطباع و يؤكد المقربون منه ان الاعب عانى من مرارة العيش و شظف الحياة قبل ان يصطحبه والده و يرميه في أحد ملاعب كرة القدم في الضاحية الايطالية ومن هناك اخذ الاعب يصقل نفسه شيئا فشيئا الى اتوج مجهوده الشخصي بارتداء قميص الميلان و يقول غاتوزو في هذا المجال " بالنظر الى الايام الصعبة التي قضيتها في طفولتي و شبابي و رغم اني لم اختر هذه المهنة بنفسي الا ان لم اكن احلم بالانضمام الى ناد بحجم ميلان و العب فيه هذا الدور مما جعلني شخص اخر دون ان تقتلع من نفسي ذكريات بعض القسوة التي عشتها.."
حتى في لحظة تسجيله الاهداف لا تراه مبتسما!!
و اذا كانت انطلاقة غاتوزو و شخصيته تمثل حالة فريدة منذ الصغر فان حياته التي يعيشها في ميلان التي تخلو من الشغف و اثارة الاهتمام فهو بقدر ما عانى في صغره بقدر ما هو مشاكس الان حتى على صعيد علاقته بزملائه و ليس فقط في الملعب و يدرك الجميع ان غاتوزو هو "كاميكاز" التدريبات و هو الشخص الوحيد الذي يسعى زملائه الى النيل منه والى اثارة غضبه وفي طليعة هؤلاء يأتي مالديني.
و رغم ذلك يبقى الاعب صاحب النكتة هو العلامة الفارقة فيضيف من خبروه في التدريبات انه الاعب الوحيد الذي يعيد الى زملائه بسمة مفقودة بعد خسارة ما أو تأدية غير مرضية في مبراة سابقة كما انه الوحيد القادر على التخفيف من حجم المسؤوليات الملقاة على عاتق الفريق قبل اي دربي او مباراة كبيرة، فهو شخصية محببة لدى الزملاء و لدى كارلو أنشلوتي بصفة خاصة فغاتوزو هو الوحيد الذي يستطيع ان يرمي نكتة أو تعليق في لحظة يكون فيها أنشلوتي في فورة بركان من الغضب...
أما المفارقة الاخرى التي تميز ايفان من الناحية االفنية فهي قدرته البدنية الهائلة و لياقته المرتفعة فهو الاكثر اصرار على التدريب و هو لا يكل و لايمل فيركض اليوم الواحد و بصفة فردية و دون أن يطلب منه النادي أو المدرب ذلك العديد من الكيلومترات و يقود الدراجة الهوائية لمسافات طويلة و اذا خسر احدهم الشرط معه فالثمن و الجزاء يكونان الجري و الهدو لنفس المسافة التي يعدوها ايفان وما ادراك ما هذه المسافة..
و يلاحظ المقربون منه ان بيئته الطفولية الصعبة التي عاشها تمزجه بالطيبة و الطبيعية فلا ضير لديه ان يتنقل من منزله الى مركز التدريب في ميلانو على دراجته الهوائية في حين يأتي زملائه بعرباتهم الوارفة و الفخمة.
كل هذا المجهود و كل هذه الايام التي قضاها غاتوزو في الضواحي الفقيرة لايطاليا و كل هذا الجري و المسافات التي يقطعها في اليوم جعلت منه مقاتل من الطراز الرفيع على أرضية الميدان لا يكل و لا يمل و يكاد ان يكون الاعب الوحيد الذي يلعب لمدة اطول من زملائه قد تفوق بعضهم بأضعاف و هو يكاد ان يكون الاعب الاقل عرضة للاصابات رغم خشونته المعهودة في الملعب و يكاد ان يكون الاعب المشاكس الوحيد بين الروسينيري فهم قلما يلعب مبارة و لا توكل اليه مهمة مراقبة احد مفاتيح لعب الخصم و تراه يطفائه و هو لا يكاد يخرج من مباراة الا و قد اختلف مع احد لاعبي الخصم او حتى الحكم.
و لعل المقابلة التي جمعته في آب الماضي مع صديقه في النادي اللدود فييري و الى جانب اشهر حكام العالم بيار لويجي كولينا يمكن ان يستشف منها المزيد من العنواين العريضة عن شخصيته وبشهادة كولينا نفسه اذ يقول عن ايفان
" لم ار لاعب مشكسا مثله رغم ما خبرته من التحكيم في ملاعب كرة القدم، الا ان ايفان يتمتع بذوق رفيع و نطرة احترافية عالية فما ان يتجاوز خط الاحلعب باتجاه غرف الملابس حتى تراه شخصا اخر ذو شخصية محببة.."
مقاتل من الدرجة الاولى مقاتل بكل ما للكلة من معنى !!
و اذا كان غاتوزو يتمتع بهذه الصفات الشخصية فانه يتمتع بصفات تميزه عن باقي الاعبين فهو يملك قدرات دفاعية هائلة تمكنه ببساطة من اطفاء لاعبين الخضم بكل ما للكلوة من معنى ففي موقعة بين ميلان و روما مثلا تكاد الجماهير و المشاهدين و الجهاز الفني ان ينسى وجود لاعب على أرض الملعب اسمه توتي، و لعل ما يعبر خير تعبير على هذا الموقف الذي يؤديه ايفان هو ما قاله لاعب ميلان السابق و مدرب برشلونة الحالي عن غاتوزو نفسه في المباراة التي جمعته مع ميلان في جيوزيبي مييازا التي فاز فيها ميلان بهدف مقابل لاشئ باقدام المبدع شيفا حيث قال ريكارد " لم اكن اتوقع أن يضبط ميلان رونالدينيو الى هذه الدرجة ..... و اعتقد ان غاتوزو قام بدروه و اكثر مما هو مطلوب منه.."
و علقت الصحف الاسبانية في اليوم التالي على واقعة سان سيرو بالقول "رونالدينيو شمعة انطفأت في سان سيرو"
اما المفارقة الاخرى في هذا المجال ان هذا الاعب ورغم ما يمتلكه من هذه القدرات الدفاعية فانه لا يستطيع ان يقوم بدور نيستا أو مالديني أواي لاعب اخر يلعب في منطقة الجزاء لان مخالفاته الكثيرة المرتكبة بحق الخصم تكلف فريقه غاليا و قد سئل غاتوزو عن هذا الامر في المقابلة التي جمعته مع فييري و كولينا على احدى القنوات الايطالية فرد غاتوزو تعليقا على ما ورد اعلاه من غاتوزو نفسه ممازحا بالقول " ساكلف فريقي 90 صربة جزاء فقط ..." نسبة الى الدقائق التسعون للمباراة.
و اذا كان غاتوزو يتمتع بهذا المستوى الدفاعي الرفيع فانه يعاب عليه بالمقابل انه لا يملك حد أدنى من القدرات الهجومية فهو يكاد لا يستطيع تمرير كرة واحدة بشكل صحيح خاصة اذا كان الكرات من النوع الطويل و في هذا المجال يذهب البعض الى حد التهشيم بالاعب بانه ينقصه الحس الحرفي وذهب احد الصحافيين الى التطرف برأيه الى حد القول ان :"غاتوزو لا يملك نظرة احترافية ودوره يمكن ان يؤديه ان شخص حتى لو كان غير محترف..!!"
الا ان هذا الراي تجد تطرفه في كلام مارتشيلو لبي مدرب اليوفي الاسبق و مدرب المنتخب الايطالي الحالي الذي قال تعليقا على مباراة اليوفي و الميلان في نهائي البطولة الاوروبية و التي فاز فيها ميلان بالركلات الترجيحية بعد تمديد الوقت الاضافي و الي أصيب فيها المدافع البرازيلي روكي جونيور الذي لعب انذاك في مركز الجناح الايمن و التي اجبرت أنشلوتي التي كان قد استنفذ التبديلات الى ارجاع كل من غاتوزو ز شيفشنكو الى الجهة اليمنى للقضاء على الثغرة و يومها ادى ايفان دور اكثر من رائع و قاتل و تقدم مرارا بتجاه مرمى بوفون و علق المدرب بالقول " يملك ميلان قائدان ، الاول مالديني وهو الواقعي، و الثاني هو غاتوزو و هو جندي مجهول في الملعب و يؤدي دور قيادي رائع.."
و لكن مهما يكن من أمر فان مناصري ميلان و مشجعيه و لاعبيه و جهازه الفني يدركان تماما ان غاتوزو لا يتمتع باالقدرات الهجومية التي يتمتع بها من الناحية الدفاعية و لعل ما يبرز اهمية الاعب ما يقوله أنشلوتي نفسه " هناك لاعبان لا يمكن الاستغناء عنهم سيدورف و غاتوزو.."
وفي الختام رغم هذا الكلام اظهر منافس انشلوتي في العالم السابق فايبيو كابيللو تشددا في اللهجة تجاه غاتوزو و عندما سئل كابيلو عن اذا توفرت بين يديه اسلحة ميلان ماذا يفعل فقال بلغة انفعالية استبدل غاتوزو و بيرلو بلاعب واحد يملك قدراتهما معا هو امرسون !!!
فرغم هذا الكلام الكبير يبقى غاتوزو من نوع اخر يبقى شخصية فريدة في كل شئ و خاصة على أرضية الميدان.
منقول