
19/08/2004, 11:28 PM
|
موقوف | | تاريخ التسجيل: 11/04/2002 المكان: الخبر
مشاركات: 171
| |
أول ليلة في القبر بسم الله الرحمن الرحيم
فبالله كيف تكونُ الليلةُ الأولى في القبر ؟
يومَ يوضعُ الإنسانَ فريداً وحيداً مملقاً إلا من العمل، لا زوج ولا أطفال ولا أنيس:
(ثم ردو إلى اللهِ مولاهم الحق، ألا لهُ الحكمُ وهو أسرع الحاسبين).
أولُ ليلةٍ في القبر بكاء منها العلماء، وشكاء منها الحكماء، ورثاء إليها الشعراء، وصنفت فيها المصنفات.
أولُ ليلةٍ في القبر.
أولُ ليلةٍ في القبر.
أُتيَ بأحد الصالحين وهو في سكراتِ الموت لدغته حيه.
وكان في سفر، نسي أن يودع أمه وأباه وأطفالهُ وإخوانه، فقال قصيدةً يلفظُها مع أنفاسه هيَ أم المراثي العربيةِ في الشعر العربي. يقولُ وهو يُزحفُ إلى القبر:
فلله دري يوم اُتركُ طائـعاً ……… بنيَ بأعلى الرقمتينِ وداريا
يقولون لا تبعد وهم يدفنونني …….و أين مكانُ البعد إلا مكانيا
يقول كيف أفارقُ أطفالي في لحظة ؟
لماذا لا أستأذنُ أبوي ؟
أهكذا تُختلسُ الحياة، اهكذا أذهب ؟
أهكذا أفقدُ كل ممتلكاتي ومقدراتي في لحظة ؟
ويقولُ عن نفسه:
يقولُ لي أصحابي واللذينَ يتولونَ دفني، لا تبعد أي لا أبعدك الله.
وأين مكانُ البعد إلا هذا المكان ؟
وأين الوحشةُ إلا هذا المنقلب ؟
وأين المكان المظلم إلا هذا المكان ؟
فهل تصورَ متصورٌ هذا.
(حتى إذا جاء أحدهم الموتُ قال ربي ارجعون لعلي أعمل صالحا في ماتركت، كلا إنها كلمة هو قائلها، ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون).
كلا، آلان تراجع حساب ، آلان تتوب، آلان تنتهي عن المعاصي.
يا مدبرا عن المساجد ماعرف الصلاة.
يا معرضا عن القرآن، يا متهتكا في حدود الله.
يا ناشئا في معاصي الله.
يا مقتحما لأسوار حرمها الله.
آلان تتوب، أين أنت قبل ذلك ؟
وفي ليلةٍ من الليالي نامَ هوَ الصحابة، وكانوا في غزوةٍ في سبيل الله.
قال ابنُ مسعود رضي الله عنه و أرضاه:
قمتُ أخرَ الليل فنظرتُ إلى فراش الرسولِ (ص) فلم أجده في فراشه.
فوضعتُ كفي على فراشهِ فإذا هوَ بارد.
وذهبتُ إلى فراشِ أبي بكر فلم أجده على فراشه.
فألتفت إلى فراش عمر فما وجدته،
قال وإذا بنورٍ في أخر المخيم وفي طرف المعسكر، فذهبتُ إلى ذلك النور ونظرتُ.
فإذا قبرٌ محفور، والرسولُ عليه الصلاة والسلام قد نزلَ في القبر.
وإذا جنازةٌ معروضةٌ، وإذا ميتُ قد سجي في الأكفان.
وأبو بكرٍ وعمر حول الجنازة، والرسولُ(ص) يقول لأبي بكر وعمرَ دليا لي صاحَبكما.
فلما أنزلاهُ، نزلهُ (ص) في القبر، ثم دمعت عيناه عليه الصلاة والسلام ثم التفتَ إلى القبلةِ ورفع يديه وقال:
( الهم إني أمسيتُ عنه راضٍ فأرضَ عنه)، ( الهم إني أمسيتُ عنه راضٍ فأرضَ عنه)،
قال: قلت من هذا ؟
قالوا هذا أخوك عبد الله ذو البجادين مات في أولِ الليل.
قال ابنُ مسعود فوددت واللهِ أني أنا الميت : ( الهم إني أمسيتُ عنه راضٍ فأرضَ عنه).
وإذا رضي اللهُ عن العبدِ أسعده.
وإنما هي مسألةٌ لمن نسيَ اللهَ و أوامرَ الله وانتهكَ حدودَ الله.
نقولُ له هل تذكرتَ يا أخي أولُ ليلةٍ في القبر ؟
( القبرُ روضةٌ من رياض الجنةِ أو حفرةٌ من حُفرُ النا).
كان عثمانُ بنُ عفانُ الخليفةَ رضي الله عنه إذا شيعَ جنازةٍ بكى حتى يغمى عليه فيحملونَه إلى بيتهِ كالجنازة إلى بيته. قالوا مالك ؟ قال سمعتُ الرسولَ (ص):
( يقول القبرُ أولُ منازلِ الآخرة فإذا نجا العبدُ فيه أفلح وسعُد، وإذا خسرَ والعياذُ بالله خسرَ أخرتَه كلها).
كان عمر بن عبد العزيز أميراَ من أمراء الدولةِ الأموية، يغيرُ الثوبَ من حرير في اليومِ اكثرَ من مرة، الذهبُ والفضةُ عنده.
الخدم القصور، المطاعم المشارب كلَ ما اشتهى وكل ما طلبَ وكلَ ما تمنى.
ولما تولى الخلافة، مُلك الأمة الإسلامية انسلخَ من ذلك كلِه لأنه تذكرَ أولَ ليلةِ في القبر.
وقف على المنبرِ يوم الجمعةِ فبكى وقد بايعتهُ الأمة.
وحولَه الأمراء الوزراء والشعراء والعلماء وقوادَ الجيش، فقال:
خذوا بيعتَكم.
قالوا ما نريدُ إلا أنت.
فتولاها فما مرَ عليه أسبوعٌ أو أقل إلا وقد هزُل، وضعف وتغير لونه ما عنده إلا ثوبٌ واحد.
قالوا لزوجتهِ مالِ عمرَ تغير ؟
قالت واللهِ ما ينامُ الليل، والله إنه يأوي إلى فراشه فيتقلبُ كأنه ينامُ على الجمر ويقول:
آه توليت أمر أمةِ محمد، يسألني يوم القيامةِ الفقير والمسكين والطفلُ والأرملة.
يقولُ له أحد العلماء يا أمير المؤمنين:
رأيناك قبل أن تتولى الملك وأنت في مكة في نعمةٍ وفي صحة وفي عافيه، فمالك تغيرت؟
فبكى رضي الله عنه حتى كادت أضلاعَه تختلف، ثم قال للعالم وهو أبن زياد:
كيف بك يا ابن زياد لو رأيتني في القبرِ بعد ثلاثةِ أيام.
يومَ اجرد عن الثياب، و أوسد التراب، وأفارقُ الأحباب وأترك الأصحاب.
كيف لو لرأيتني بعد ثلاث والله لرأيت منظراً يسوءك.
هذا والله اعلم |