![]() |
[بيان الأدلة على كفر من طعن في القرآن أو في الرسول ] بيان الأدلة على كفر من طعن في القرآن أو في الرسول - عليه الصلاة والسلام: إذا علم ما تقدم، فإن الواجب الإسلامي والنصيحة لله ولعباده، كل ذلك، يوجب علينا بيان حكم الإسلام فيمن طعن في القرآن بأنه متناقض، أو مشتمل على بعض الخرافات، وفيمن طعن في الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأي نوع من أنواع الطعن غيرة لله سبحانه، وغضبا له -عز وجل- وانتصارا لكتابه العزيز، ولرسوله الكريم، وأداء لبعض حقه علينا، سواء كان ما ذكر عن أي شخص واقعا, أم كان غير واقع، وسواء أعلن إنكاره له، أو التوبة منه، أم لم يعلن ذلك، إذ المقصود بيان حكم الله فيمن أقدم على شيء مما ذكرنا من التنقص لكتاب الله، أو لرسوله - صلى الله عليه وسلم فنقول: قد دل كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وإجماع الأمة على أن كتاب الله، سبحانه محكم غاية الإحكام، وعلى أنه كله كلام الله -عز وجل- ومنزل من عنده، وليس فيه شيء من الخرافات والكذب، كما دلت الأدلة المذكورة على وجوب تعزير الرسول -صلى الله عليه وسلم وتوقيره، ونصرته، ودلت أيضا- على أن الطعن، في كتاب الله أو في جناب الرسول -صلى الله عليه وسلم- كفر أكبر، وردة عن الإسلام، وإليك -أيها القارئ الكريم- بيان ذلك: قال الله تعالى، في سورة يونس الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ وقال في أول سورة هود: الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ وقال -عز وجل- في أول سورة لقمان: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ وذكر علماء التفسير -رحمهم الله- في تفسير هذه الآيات، أن معنى ذلك أنه متقن الألفاظ والمعاني، مشتمل على الأحكام العادلة، والأخبار الصادقة، والشرائع المستقيمة، وأنه الحاكم بين العباد فيما يختلفون فيه، كما قال الله سبحانه: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ الآية، وقال سبحانه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ الآية. فكيف يكون محكم الألفاظ والمعاني، وحاكما بين الناس وهو متناقض مشتمل على بعض الخرافات، وكيف يكون محكما وموثوقا به إذا كان الرسول الذي جاء به إنسانا بسيطا لا يفرق بين الحق والخرافة، فعلم بذلك أن من وصف القرآن بالتناقض أو بالاشتمال على بعض الخرافات، أو وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم- بما ذكرنا فإنه متنقص لكتاب الله، ومكذب لخبر الله، وقادح في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي كمال عقله، فيكون بذلك كافرا مرتدا عن الإسلام -إن كان مسلما قبل أن يقول هذه المقالة-، وقال الله سبحانه في أول سورة يوسف: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ وقال سبحانه، في سورة الزمر: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ الآية، ومعنى "متشابها" في هذه الآية -عند أهل العلم- يشبه بعضه بعضا، ويصدق بعضه بعضا، فكيف يكون بهذا المعنى، وكيف يكون أحسن الحديث وأحسن القصص وهو متناقض، مشتمل على بعض الخرافات، سبحانك هذا بهتان عظيم. الشيخ ابن باز رحمه الله ومواقفه الثابتة |
أضواء على مصحف عثمان "رضىالله عنه" و رحلته شرقا وغربا بحث مختصر قدمته الدكتورة / سحر السيد عبد العزيز سالم فى ندوه تاريخ الأمه الأ سلأ ميه بين الموضوعيه والتحيز فى الفتره من 21 /10: 23/10 سنه 1989 فى الزقازيق. تجمع المصادر العربيه على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابة كل ما ينزل عليه من آيات . وكان يتولى كتابة الآيات أربعه لايختلف فيهم أبى بن كعب ومعاذ بن جبل و زيد بن ثابت وأبوزيد(1) , وكلهم من الأنصار, واختلفوا فى رجلين من ثلاثة هما أبو الدرداء(2) وعثمان. كتبوه فى الرقاع والأكتاف والعسب (3) واكتفى بتدوينه فى هذه المواد فكانت الآيات مفرقه وبالأضافه إلى ذلك وجد الحفاظ من كان يستظهره فى صدره , بعضهم تيسر له أن يعرض ما حفظه على الرسول (ص) والبعض الآخر عن الصحابه(4). وبذلك يكون المقصود بجمع القرآن فى زمن الرسول( ص ) التدوين فى الرقاع والعسب واللخاف والأكتاف , وكذلك بمعني حفظه فى الصدور . وبهذا أصبح للقرآن صورتان صورة صوتية , وصورة مكتوبة(5). وكانت الصورة الصوتية أسهل فى التحقيق من التدوين لقلة عدد الكتاب. وعلى هذا النحو كان هناك مصدران للقرآن الكريم الأول المواد سالفه الذكرالتى سجل عليها دون ترتيب والثانى سماعى فى صدور حفاظ القرآن الكريم 0 ولم يكد الرسول (ص) يلحق بالرفيق الأعلى حتى أضطربت أحوال الدوله الأسلأميه وقامت حركة الردة واضطر أبوبكر الصديق رضىالله عنه أن يقف موقفا حازماَ من المرتد ين و لم يتردد فى محاربتهم فى كل أنحاء الجزيرة العربية ودفع المسلمون فى ذلك ثمنا فادحا اذا استشهد منهم نحو ألف فى موقعة اليمامة من بينهم عدد لا يستهان به من حفاظ القرآن الكريم يقرب من أربعمائه وخمسين شهيدا (6) و عند ئذ رأى أبو بكر الصديق ضرورة جمع القرآن الكريم خشيه ضياعه 0 و عهد إلى زيد بن ثابت بجمعه لثـقته فى حفظه وصدقه(7) وهكذا قدم أبو بكر الصديق للإسلام أعظم الخدمات وعاونه فى ذلك عمر بن الخطاب وقام زيد بن ثابت بدوره الذى عهد إليه به على أكمل وجه فكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد عليه شاهدان (8)" مبالغه " منه فى الحيطة ويعتبرأبوبكرأول من جمع القرآن بين اللوحين بعد أن كان متفرقا فى قطع من العظم والعسب والحجر والجلد . وعرف هذا القرآن " بالمصحف " كما كان يطلق الأحباش (9)على كتابهم وأودع المصحف عند أبى بكر ثم عند عمر بن الخطاب فى حياته وأنتهى به المطاف عند حفصه بنت عمر التى كانت تجيد القراءة والكتابة (10) وأغلب الظن أنه بالخط اللين ( المكى ). وقيل أنه كتب بكل من الخطين الجاف ( المدنى ) الذى عرف بالخط المزوى , والخط المكى اللين (11) . مصاحف عثمان فى الأمصار الأسلاميه : وفى خلافه عثمان اتسعت الفتوحات الاسلاميه وشملت بلاد أرمينيه وأذربيجان. وكان حذيفة بن اليمان من بين من شهدوا فتح هذين البلدين(12), ورأى اختلاف الناس فى قراءة القرآن بسبب اختلاف اللهجات مما أدى إلى تعدد القراءات . فسار إلى المدنيه والتقى بعثمان بن عفان وقال له " أدرك هذه الأمه قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى (13). فقرر عثمان بن عفان رضى الله عنه جمع القرآن فى نسخ موحده على قراءة واحدة بلسان قريش ترسل الى الأمصار. وبعث الى السيدة حفصة أم المؤمنين أن ترسل مصحف أبى بكر ليأمر بنسخه وأسند عثمان بن عفان إلى زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام مهمة نسخ المصحف مرتب السور بلسان قريش (14) . ولما فرغ النساخ من نسخ المصحف وكتابته أمرعثمان رضى الله عنه بإحراق ماعداه من مصحف أو مصاحف خاصة كان يحتفظ بها الصحابة. وقد اختلف فى تحديد السنه التى تم فيها استنساخ المصاحف والأرجح أن ذلك (15) تم سنه 30 هـ. ورغم هذا الموقف المحمود الذى وقفه عثمان بن عفان رضى الله عنه لتوحيد المصحف على قراة واحدة واحراق الصحف الأخرى التى تسببت فى اختلاف كلمة المسلمين وتكفير بعضهم لبعض فقد كان هذا الموقف سببا من أسباب (16) الثوره عليه. وعرفت هذه المصاحف " بالمصاحف الأئمة " أو " المصاحف العثمانيه " وقد اختلف فى عدد المصاحف العثمانية التى أرسلت الى الأمصار: فأبو كرالدانى جعلها أربعة وزعت على الكوفة والبصره ودمشق , وترك عثمان عنده نسخة لنفسه (17). وحذا الزركشى فى البرهان حذو الدانى فى المقنع (18). أما السجستانى فيورد فى كتاب المصاحف روايتين : الأولى :- على لسان حمزة الزيات جعلها أ ربعه مصاحف . والثانية :- جعلها سبعة مصاحف توزعت على مكة والشام واليمن والبحرين والبصره والكوفة و المدنية (19). وينفرد اليعقوبى برواية حدد(20 ) فيها عدد المصاحف فيها بتسعة فى حين جعلها ابن الجزرى ثمانيه (21 ) من بينها مصحف استبقاه لنفسه يقال له " الأمام" ويميل جمهور من الباحثين إلى أن المصاحف الأئمه كانت سته (22) وينبغى أن نفرق بين المصاحف التى أرسلها عثمان رضى الله عنه إلى الأمصار ومن بينها مصحف المدينه , وبين مصحفه الخاص به الذى كان يقرأ فيه ساعة استشهاده , وهو الذى قيل أنه خطه بيمينه , وهو موضوع بحثناهذا . مصحف عثمان الشخصى تجمع المصادر العربية على أن عثمان بن عفان عنه عندما أقدم المحاصرون لداره على اقتحامها يوم استشهاده أخذ مصحفه الخاص ووضعه على حجره ليتحرم به ويقرأ فيه واستشهد وهو يتلو القرآن . وتناثرت قطرات من دمائه على بعض ورقات من مصحفه " الامام " منها قطرات على قوله عز وجل " فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم " (23) وقد واكبت المصحف الامام منذ استشهاده صاحبه ادعاءات مختلفه بحيازته , ومن هنا تبدأ مشكلة مصير هذا المصحف . وفيما يلى عرض موجزلأهم هذه الادعاءات والمزاعم . أ- من المصاحف التى زعموا أنها مصحف عثمان الذى يحمل آثار قطرات دمه مصحف مصر. ويذكر المقريزى أنه استخرج من خزائن المقتدر بالله العباسى , ونقل الى جامع عمرو فى 5 من المحرم سنه 378 فى خلافة العزيز بالله (24) , وإن كان نقله لم يثبت بأى نص تاريخى , وظل مصحف مصر الذى زعموا أنه مصحف عثمان محفوظا بمدرسه القاضى الفاضل الواقعه قرب المشهد الحسينى ثم نقل بعد تخريب المدرسة الى القبه التى أنشأها الساطان الغورى تجاه مدرسته وظل محفوظا بها حتى سنه 1275 هـ عندما نقل آثار نبوية الى المسجد الزينبى ثم الى خزائن الأمتعه بالقلعه ثم الى ديوان الأوقاف سنه 1304 هـ. ومن هناك نقل فى العام التالى الى قصر عابدين , وأخيرا الى المسجد الحسينى فى نفس السنة (25) ويستبعد السمهود أن يكون هذا المصحف هو نفس مصحف عثمان الخاص به(26). ويرجح أن يكون أحد المصاحف التى كان قد بعثها عثمان الى الأمصار. وللرد من جانبنا على هذا الزعم لابد أن نشير الى حقيقه هامه و هى أن عثمان لم يبعث الى مصر نسخه من المصاحف العثمانيه فان اسم مصر لم يرد بين الأمصار التى تلقت مصاحف عثمان وفقا لما ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام والسجستانى وأبو عمرو الدانى مما يدفعنا الى ترجيح الرأى القائل بأن عثمان لم يرسل نسخة من مصحفه الى مصر(27). ولما كانت الأستاذة الدكتورة سعاد ماهر قد درست خط مصحف مصر وأثبت أن خطه يرجع الى عصر متأخر عن عصر عثمان بن عفان (28) فاننا نرى أنه ربما كان هذا المصحف قد استنسخ من أحد المصاحف العثمانيه كمصحف الشام مثلا فإن حركه استنساخ المصاحف كانت قد نشطت كثيرا فى العصر الأموى وقد ذكر أن الحجاج بن يوسف الثقفى قد أرسل نسخا من مصحفه الى الأمصار ومن بينها مصر وأن ذلك التصرف قد استثار غيره عبد العزيز بن مروان والى مصر الذى بادر بنسخ مصحف لمصر رصد له القراء والمراجعين المتخصصين بحيث صدر مطابقا للمصحف العثمانى وبذلك يكون هذا المصحف أول مصحف رسمى لمصر (29). ب_ والأدعاء الثانى يتعلق بمصحف البصرة فقد ذكر ابن بطوطة فى جملة ماكتب عن رحلته الى البصره أنه شاهد فى مسجد أمير المؤمنين على المصحف الكريم الذى كان عثمان رضى الله عنه يقرأ فيه لما قتل وأثر تغيير الدم فى الورقة التى فيها قوله " فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم " (30) . ونستبعد أن يكون هذا المصحف هو نفس مصحف عثمان الذى كان يقرأ فيه ساعة استشهاده لأن بنى زيان كانوا يحتفظون بهذا المصحف فى خزائن سلاطينهم فى تلمسان الى أن استرده أبو الحسن على المرينى منهم فى سنه 738 هـ (1337م ). ثم إن العراق وقت زيارة ابن بطوطة له كان يخضع لدولة ايلخانات المغول فى ايران الذين كانوا قد اعتنقوا الإسلام منذ أن تولى سابعهم غازان خان الإسلام (1295م). ولوافترضنا جدلا أن المصحف الذى رآه ابن بطوطه فى البصرة هو مصحف عثمان وأنه انتقل الى بغداد الى البصرة فى أعقاب سقوط بغداد سنة (656) فى أيدى المغول فكيف نفسر ظهور مصحف آخر عليه قطرات دم عثمان فى خزائن المرينيين فى المغرب اللهم الا إذا كان أحدهما مزيفا. ونحن لا نشك فى المصحف المغربى , وكان فى الأصل محفوظا فى جامع قرطبة , ثم حمله الموحدون الى مراكش خشيه أن يتعرض للضياع فى قرطبه التى كانت تتهددها قوات القشتاليين ولم يكن الموحدون من السذاجه بحيث يحملون المصحف مع جامع قرطبه عندما تهدده الخطر القشتالى الى عاصمتهم مراكش ويتفننون فى الإحتفال به و ترصيعه بأنفس الدرر واليواقيت ويجندون المهندسين وأرباب الحيل الهندسيه لحفاظ عليه داخل خزائن تفتح وتغلق آليا و يحمله خلفاؤهم فى حملاتهم تبركا مالم يكن هذا المصحف موضع التبجيل والتكريم هو أو على الأقل بضع ورقات منه من مصحف عثمان الأصلى . وهذا يدعونا الى الشك فى أصالة مصحف البصرة الذى رآه ابن بطوطة ولا يبقى أمامنا سوى افتراض أن يكون هذا المصحف المحفوظ بالبصرة أحد المصحفين اللذين أرسلهما عثمان بن عفان الى العراق (31) وأن تكون آثار قطرات الدم التى تركزت على الآية " فسيكفيكهم الله " قد وضعت عمدا للتمويه واقناع البسطاء من بأنه مصحف الخليفة الشهيد . ج-والادعاء الثالث يتعلق بمصحف طشقند , فمكتبة الإدراة الدينية بطشقند تحتفظ بمصحف مكتوب على الرق يزعمون أنه مصحف عثمان ويتميز هذا المصحف بأنه خال من النقط وأن كل صفحة من صفحاته تشتمل على 12 سطرا وان عدد ورقاته عددها 353 ورقة وقياسها 68 سم * 53 سم (32 ) . ويتساءل البعض عن كيفيه وصول هذا المصحف الامام الى سمرقند الى أن نقل سنه 1869 م الى موضعه الحالى بطشقند (33) . ويفترض حلا لذلك افتراضين : الأول أن يكون هذا المصحف قد وصل الى سمرقند إبان حكم القبيلة الذهبيه (621 - 907 هجرية ) وأنه كان هدية من الظاهر بيبرس الذى تحالف مع بركة خان رئيس هذه القبيله وأول من أسلم من المغول وصاهره . والا فتراض الثانى : فى أقوال هؤلاء المؤرخين أن يكون هذا المصحف الذى رآه ابن بطوطه عند زيارته للبصره (34 ) ثم نقل الى سمرقند على يد تيمور لنك(771- 807 هـ) . و الافتراض الأول مرفوض تماما لأنه لايقوم على أساس صحيح لأ ن نسبة مصحف مصر الى عثمان بن عفان أمر مشكوك فية أساسا . وفى هذه الحالة يصبح مصحف بيبرس الذى أهداه لبركه خان مزيفا فى نسبته الى عثمان لأن ذلك يعنى أن مصر كانت تحتفظ زمن المماليك بنسختين من المصاحف العثمانيه وهذا محال بطبيعه الحال لأن مصحف عثمان الذى اصطبغت بعض أورقه بدم عثمان واحد فقط يضاف الى ذلك الحقيقه بأن عثمان بن عفان لم يرسل أصلا الى مصر نسخه من المصاحف التى أمر بنسخها وأن عبد العزيز بن مروان هو أول من نسخ مصحفا رسميا فى مصر على نسق المصحف العثمانى. أما الافتراض الثانى فقد لقى قبولا (35) عند بعض الباحثين ورفضا من البعض الآخر (36) فالذين يؤيدون فكرة انتقال المصحف من البصرة الى سمرقند يقصدون به واحدا من النسخ التى بعث بها عثمان الى الامصار الاسلامية ويستندون فى ذلك الى أن صور الخط الذى كتب به مصحف طشقند أقرب مايكون الى صورة الخط الذى كتب به مصحف الامام أى أن تأييدهم ينحصر فى أن مصحف سمرقند يمكن أن يكون نفس المصحف العثمانى الى البصرة أما الرافضون لهذا الافتراض فيرون ان الصنعه الفنيه تظهر واضحة فى مصحف طشقند ممثله فى رسم الحروف مما يشير الى أن الخط الذى كتب به لايرجع تاريخه الى خلافة عثمان وإنما يرجع الى القرن الثانى أوالثالث للهجرة فالخطوط المستقيمة تبدو كأنها رسمت بمسطرة . د- الادعاء الرابع : يتعلق بمصحف حمص فقد شاهد الشيخ اسماعيل بن عبدالجواد الكيالى فى مسجد قلعة حمص المصحف العثمانى محفوظا فى خزانة والخزانة موضوعة داخل صندوق لحفظه (37) . ويذكر الشيخ الكيالى أنه كان مكتوبا بالخط الكوفى الغليظ وأنه شاهد آثار دماء فى بعض الكلمات ولكن العلماء المتخصصين فى علم الخط والنقوش الكتابية يرون أن الخط الكوفى الذى كتب به مصحف حمص يرجع الىعصر متأخر مما يؤكد أنه كتب فيما بعد القرن الأول الهجرى. هـ - والادعاء الخامس : هو مصحف استنبول فمتحف طوب قابو سراى باسطنبول يحتفظ بمصحف مكتوب على الرق يزعمون أنه نفس المصحف الذى كان بيد عثمان يوم استشهد وأن آثار الدماء ما تزال واضحه على ورقاته حتى اليوم ولكن بالرجوع الى وصف المصحف يتضح أن هذه النقاط الحمراء التى يزعمون أنها آثار دم عثمان ليست سوى رقوش ودوائر بداخلها خطوط هندسية وفى ذلك ما يؤكد بأن المصحف لا يمت بصله إلى المصاحف العثمانية اذا لم يكن الرقش والتنقيط من خصائص تلك المصاحف. وهناك من المصادر العربيه ما يؤكد أن مصحف عثمان الخاص به والذى تحتفظ بعض أوراقه بآثار دمه كان محفوظا فى جامع قرطبه حتى سنه 552 هـ عندما نقله عبد المؤمن بن علي خليفة الموحدين الى مراكش وأنه ظل بالمغرب حتى عصر بن مرين ونحن نعتقد أن المصحف المذكور كان يشتمل على بضع ورقات من مصحف عثمان أضيف اليها صفحات أخرى منسوخه من مصحف فى الأندلس ولاثبات ذلك لابد من تتبع مصحف عثمان الخاص به من تاريخ استشهاده حتى وصوله الى الأندلس فالمغرب. ونستنتج مما ذكره السمهودى فى " وفاء الوفا " أن مصحف عثمان الذى كان يطالع فيه وقت استشهاده انتقل بعد وفاته الى أحد شخصين كلاهما اسم خالد. نقلا عن محرز بن عثمان بن عفان (38). والثانى وفقا لروايه ابن قتيبه هوخالد بن عثما ن بن عفان (39) من زوجته أم عمرو بنت جندب . أماخالد الحفيد فهو ابن رملة بنت معاوية بن أبى سفيان (40) ومعنى ذلك أن خالد بن عمرو بن عثمان المذكور فى رواية محرزكان حفيدا لكل من عثمان بن عفان من جهة الأب ومعاوية بن أبى سفيان من جهة الأم . ونميل الى الأخذ برواية محرز التى أوردها السمهودى وفيها ما يؤكد أن المصحف الامام المنقط بدم عثمان ظل محفوظا لدى خالد بن عمرو بن عثمان لعاملين, الأول قرابته من معاوية بن أبى سفيان فهو حفيده ومن المنطقى أن يسمح الجد (معاوية ) لحفيده (خالد) بأن يحتفظ بمصحف جده ( عثمان بن عفان ) وذلك لثقة معاوية التامة فى أن حفيده لن يفرط فى هذا المصحف أبدا والثانى أن دار عثمان آلت الى عمرو بن عثمان وأخوته وهى الدار التى كان قد تصدق بها وفقا لرواية السمهودى على ولده (41) وعرفت دارعثمان لذلك بدارعمرو بن عثمان مما يؤكد أنه كان أكثر أولاد عثمان اهتماما بدار أبيهم وأنه أكثر من الاقامة بها حتى عرفت باسمه وفى ذلك ما يشير الى أن ولده خالد بن عمرو نشأ فى هذه الدار وأقام بها وأنها نفس الدار التى قتل فيها عثمان وكان بها مصحفه المنقوط بدمائه. ولهذين العاملين نرجح أن يكون مصحف عثمان فى حوزة حفيده خالد بن عمرو باعتباره أقرب الى معاوية بن أبى سفيان و بينه من خالد بن عثمان , بالاضافه الى أنه كان يقيم مع أبيه فى دارعثمان بن عفان نفسها وهذا يؤكد عدم خروج المصحف من دار عثمان حتى ذلك الحين وأيا ما كان الأمر وسواء كان المصحف المنقوط بدم عثمان محفوظا عند خالد بن عثمان أو عند خالد بن عمرو بن عثمان فان هذا يعنى بقاء المصحف فى حوزة آل عثمان بن عفان وأن بنى آمية لم يسعوا الى انتزاعه منهم لاطمئنانهم الى سلامته فى حمى أقربائهم أبناء عثمان بن عفان. ويعتقد ابن عبد الملك الأنصارى ونحن نؤيده فى رأيه أن هذا المصحف المنقوط بدم عثمان فقد فى المدينة فى بعض الفتن الطارئة عليها ( 42 ), وهذه الفتن تنحصر فى واحدة من الفتن الثلاثة التى وقعت فى المدينة :- الأولى :- وهى التى حدثت فى سنة 50 هـ فى خلافة معاوية بن أبى سفيان عندما صمم معاوية على انتزاع البيعة بولاية العهد لابنه يزيد من أبناء الصحابة , فقدم بنفسه إلى المدينة فى ذللك العام وأرسل للقاء العبادلة من أبناء الصحابة , وخاطبهم فى مبايغة يزيد فاعترضوا على ذلك ورفضوا ان تكون الخلافة هرقلية كلما مات هرقل تولى هرقل , فعاد معاوية إلى دمشق غاضبا بعد ان طلب من سعيد بن العاص عامله على المدينة بان يحمل الناس على مبايعة يزيد , فأبى اهلى المدينة , واضطر معاوية إلى العودة الى المدينة فى ألف من الخيالة لارغام المعارضين على المبايعة ليزيد , وكانوا يتمثلون فى الحسين بن على وعبدالله بن عمر, وعبد الرحمن بن أبى بكر , وعبد الله بن الزبير فأوقف على رأس كل منهم حارسين يحمل كل منهما سيفه (43), وخاطب معاوية اهل المدينة معلنا موافقة المعارضين الأربعة على مبايعة يزيد , فاضطر المعارضون الأربعة الى السكوت , وبايع الناس ليزيد. والفتنة الثانية وقعت فى عام 63 هـ ,فقد دعا عبد الله بن الزبير لنفسه بعد استشهاد الحسين فى كربلاء فبايعه الناس فى تهامة والحجاز وكان أهل المدينة قد غضبوا لمقتل الحسين بن على , فخلعوا عثمان بن محمد بم ابى سفيان عامل يزيد عليهم وطردوا مروان (44) بن الحكم وسائر بنى أمية وأقاموا عليهم عبد الله بن حنظلة فسير اليهم يزيد قوة كثيفة من الشاميين عدتها 12 ألف مقاتل (45) وقيل خمسة آلاف (46) بقيادة مسلم بن عقبة المرى لتأديب أهل المدينة والقضاء على حركة ابن الزبير أما اهل المدينة فقد ولوا على انفسهم عبد الله بن مطيع العدوى عن قريش وعبد الله بن حنظلة (47) عن الأنصار , وتلوملوا بخندق حفروه حول المدينة بعد معركة ضارية دارت بالحرة فى 27 ذى الحجة سنة 63 هـ قتل فيهاثمانون من صحابة الرسول (ص) وآلاف من سائر الناس واستباح عسكر الشاميين المدينة ودعوا أهل المدينة إلى البيعة على أنهم عبيد فبايع الناس على ذلك. والفتنة الثالثة : وقعت فى المدينة فى خلافة ابن جعفر المنصور فقد آثار استئثار العباسيين بالخلافة دون العلويين سخط العلويين وغضبهم وكان الحسنيون أول من تحرك منهم للمطالبة بحقهم فى الخلافة وتزعم الثورة محمد النفس الزكية بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن على فى جمادى الآخرة سنة 145 هـ ودعا الناس فبايعته (48) ولم يتردد المنصور فى اخماد هذه الحركة التى أصبحت تشكل خطرا جسيما يتهدد كيان الدولة العباسية فسير الى المدينة عيسى بن موسى ولى عهده على راس قوة عدتها أربعة آلاف فارس وألفى راجل وأردف هذه القوه القوق بجيش كثيف تولى قيادته حميد بن قحبطة والى الجزيرة وأحد كبار القادة العباسيين ودخلت قوات عيسى بن موسى المدينة يوم النصف من رمضان سنة 145 هـ وفوجىء أهل المدينة بخيالة العباسيين تطوقهم واشتد القتال واستشهد عدد لا يستهان به من أنصار النفس الزكية فتفرق كثير منهم عنه وأيقن بالهزيمة فدخل دار مروان واغتسل وصلى الظهرثم خرج لمواصلة القتال بين من تبقى من أصحابه حتى استشهد على يد حميد بن قحطبة الذى احتز رأسه (49) وبذلك قضى المنصور على ثورة الحسنيين فى المدينة ثم تجددت ثورات الحسنيين فى المدينة سنة 169 هـ فى خلافة الهادى وتولى زعامتها هذه المرة الحسين بن على بن الحسن بن الحسن وكان يتولى المدينة من قبل الخليفة العباسى آنذاك عمر بن عبد العزيز بن عبدالله بن عمر بن الخطاب الذى اصطنع مع الحسنين بالدعوة لنفسه فبايعه أهل المدينه ثم خرج فى أنصاره الى مكه فى 24 من ذى الحجة فتصدت له عند فخ فرب مكه قوه كثيفه العدد من العباسيين بقياده سليمان بن المنصور ودارت بين الفريقين معركة عنيفة انتهت بمصرع الحسين ومعظم من كان معه (50). وهكذا نجد أنفسنا أمام أكثر من أحتمال الا أننا نرجح الاحتمال الثالث استنادا الى رواية أوردها السمهودى على لسان الامام مالك بن انس الذى قال ان مصحف عثمان رضى الله عنه تغيب فلم نجد له خبرا بين (51) الأشياخ ومن المعروف أن مالك توفى سنة 179 هـ . كذلك يذكر السمهودى أن القاسم بن سلام المتوفى سنة 223 هـ رأى (52) مصحف عثمان المنقوط بدمه وقد استخرج له من خزائن بعض الأمراء وشاهد آثار الدماء بورقاته . وهناك نص أورده كل من ابن عبد الملك الأنصارى (53) فى الذيل والتكملة وابن مرزوق فى المسند الصحيح (54) يذكر فيه أن شخصا يدعى أبو بكر محمد بن يعقوب بن شيبة بن الصلت ذكر أنه سمع عن والده أحمد وراى بخط جده يعقوب ما يؤكد أن يعقوب هذا رأى سنة 223 هـ وقد بعث به المعتصم العباسى لتجدد دفتاه ويحلى وأنه شاهد فى أورق كثيرة من مصحف اثر دم كثير وأن أكثر هذا الدم فى سورة " النجم " , وعلى قوله تعالى " فسيكفيكهم الله " وألفى أن طول المصحف يبلغ نحو شبرين وأربعة أصابع وأن كل ورقة تشتمل على 28 سطرا . ونخرج من هذه الرواية بالحقائق الآتية :- 1 – أن المصحف الامام كان محفوظا بالعراق زمن الخليفة المعتصم بالله . 2- أن طول المصحف كان يصل الى نحو شبرين وأربعة أصابع ون كل ورقة منه كانت تشتمل على 28 سطرا. 3- أن نقاط من الدم كانت تصبغ عددا كبيرا من أورق المصحف . من ذلك كله نرجح أن المصحف الامام قد اختفى من المدينة فى حياة مالك بن انس وهذا يدعونا الى رفض الاحتمالين الاولين وتقبل الاحتمال الثالث ويقضى بأن المصحف الامام فقد من المدينة مع احداث الفتنة الثالثة أو وقعة فخ سنة 169 هـ و إذ أن التاريخ يتفق منطقيا مع الفتره الزمنية التى عاش فيها الامام مالك ومع طبيعة الأحداث وعلى هذه الأساس يمكننا القول بأن المصحف الامام كان محفوظا عند أحفاد عثما ن بن عفان بالمدينة وهؤلاء كانوا أقرباء للأمويين ولا يعقل ان ينتزع الأمويون مصحف عثمان من اقربائهم أحفاد عثمان بن عفان سواء فى فتنة سنة 50 هـ التىاخذت فيها معاوية بيعة أهل المدينة لا بنه يزيد قهراء إذ ليس منطقيا ان يقتحم معاوية دار حفيده خالد بن عمرو بن عفان لينتزع منة المصحف الامام فهو مهما كان الأمرحفيده وأقرب الناس الية واكثرهم موالاة له أو فى فتنة المدينة سنة 63 هـ إذ ليس من المنطقى أن يامر يزيد بن معاوية جنده الشاميين باستباحة حرمة دار خالد بن عمرو بن عثمان الذى هو ابن اخته رمله . يضاف الى ذلك أن هذين التاريخين سواء عام 50 هـ أو 63 هـ لا يعاصران حياة مالك بن انس الذى أكد أن مصحف عثمان الذى كان يقرأ فيه ساعة استشهاده تغيب . ونلخص من ذلك كله بأن المصحف الامام الخاص بعثمان بن عفان زالمنقوط بدمه ظل محفوظا فى دار عثمان بالمدينة طوال العصر الاموى وانه تغيب عنها على حد قول الامام مالك فى بداية العصر العباسى وربما فى الوقت الذى اقتحم فيه العباسيون المدينة سنة 169 هـ وهذا يدعونا الى الاعتقاد بأن هذا المصحف انتقل الى أرض العراق فى أعقاب الموقعة اذ ان استيلاء العباسيين على هذا المصحف الذى كان يحتفظ به بنو عثمان بن عفان أقرباء الامويين يعنى الكثير بالنسبة اليهم ومما يؤكد صحه استنتاجنا ان السمهودى المؤ رخ المشرقى وابن مرزوق وابن عبدالملك الانصارى المؤرخان المغربيان يتفقون على أن المصحف الامام المنقوط بدم عثمان كان بالعراق فى حدود سنة 223 هـ فالسمهودى يؤكد ان أبا عبيد القاسم بن سلام رأى المصحف المذكور ةقد استخرج له خزاين بعض الأمراء وانه شاهد آثار دم عثمان به (55) ولكنه لم يحدد البلد الذى رأى فيه هذا المصحف كما انه لم يعرف بالأمراء الذين كانوا يحتفظون به فى خزائنهم . ومع ذلك فاننا استطعنا من خلال ترجمة أبى القاسم بن سلام الهروى البغدادى ومقارنة رواية السمهودى برواية ابن عبد الملك الأنصارى أن نتوصل الى تحديد الموضع الذى كان المصحف الامام محفوظا فيه , فابن سلام المذكور كان يعرف بالبغدادى لطول اقامته فى بغداد , وكان من أشهر تلاميذ الأصمعى أخذ عنه بالبصرة , كما سمع بالكوفة عن ابن الاعرابى والكسائى , واستقر به المقام بعد ذلك فى بغداد الى أن رحل الى مكة (56) سنه 214هـ ( 829 م) لآداء فريضة الحج ثم توفى بها سنة 214هـ, ونستنتج من هذه الترجمة أنه عاش فى العراق حتى سنة214هـ , وهذا يعنى أنه شاهد مصحف عثمان المنقوط بدمه فى العراق خلال هذه الفترة حيث استخرج من خزائن أمراء الدولة العباسية ببغداد التى نسب اليها سلام بحكم اقامته الطويلة بها . ومعنى ذلك أن المصحف الامام حمل من المدينة الى بغداد فى أوائل العصر العباسى الأول , وبالذات فى سنة169هـ . وهو العام الذى دارت فيه موقعة فخ , وهناك احتفظ به أمراء بنى العباس فى خزائنهم , ويؤكد ذلك رواية كل من ابن عبد الملك الأنصارى وابن مرزوق التى تؤكد أن يعقوب بن شيبة رأى بنفسه مصحف عثمان المنقوط بدمه فى العراق سنة223هـ , وهذا الإستنتاج يخالف الرأى الذى أدلى به ابن عبد الملك الانصارى والذى يذكر فيه إحتمال إنتقال المصحف إلى الأندلس مع الأمير عبد الرحمن الداخل , ويدعونا الى ترجيح الرأى القائل بوصوله أوعلى الأقل جزء منه كما سنوضح فى الصفحات التالية فى عهد الأمير(57) عبداللرحمن الأوسط (206- 238هـ). . وتختلف آراء مؤرخى الأندلس بشأن أن هذا المصحف: فابن بشكوال يرى أن هذاالمصحف هو أحد المصاحف الأربعة التى بعث بها عثمان رضى الله عنه إلى الأمصار , وأن ما اصطبغ به من آثار دماء زيف ووهم ولا أساس له من الحقيقة وبرجح ان يكون هذا المصحف هو نفس المصحف العثمانى الشامى (58) . ويرى ابن عبد الملك الانصارى أن هذا المصحف الذى احتفظ به الامويون فى جامع قرطبة واهتم عبد الرحمن الناصر بتزويقه والاحتفال به ثم غربمن قرطبة سنة 552 هـ إلى مراكش لم يكن النسخة الخاصة بالخليفة الشهيد عثمان بن عفان ويرجع بدوره أن يكون الأندلس سنة 138 هـ او بعثت اليه أخته من الذخائر والتحف أو يكون مما اجتلب الى غيره من ذريته (59) ومع ذلك فهو يذكر نقلا عن الرازى أن المصحف المحفوظ بجامع قرطبة هو مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان (60) مما خطه بيمينه كما يذكر نقلا عن ابن حيان فى أحداث سنة 354 هـ أنه مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه خطه بيمينه (61). ويذكر المقرى أن هذا المصحف كان مصحف عثمان بن عفان وكان يقرأ فيه عندما استشهد وكان يزدان بحلية من الذهب مكللة بالدر والياقوت وعليه أغشية الديباج (62) وفى موضع آخر يؤكد أنه مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه مما خطه بيمينه (63).ومن خلال هذا العرض للآراء المختلفة يتبين أن هناك فريقين : الأول:- يؤكد أن المصحف الذى كان بجامع فرطية هو مصحف عثمان بن عفان الخاص به كتبه بخط يده وكان يقرأ فيه لحظة استشهاده فتناثرت قطرات من دمه وتركت آثارها عليه ومن هذا الفريق الرازى وابن حيان والادريسى أما الفريق الثانى :- فينفى أن يكون المصحف المذكور مصحف عثمان الخاص به ويميل أصحاب هذا الرأى الى أن المصحف هو أحد المصاحف الأربعة التى بعث بها عثمان الى الأمصار الأربعة ويرجحون أن يكون نفس المصحف الشامى وأنه دخل دخل الاندلس فى عهد عبد الرحمن الداخل ومن هذا الفريق ابن بشكوال وابن عبد الملك الانصارى. ونميل الى الأخذ بالرأى القائل بأن مصحف جامع قرطبة هو نفسه أو بضع أوراق منه بمعنى أصح , المصحف الامام الذى كان يقرأ فيه الخليفة الشهيد وقت استشهاده وإن كنا لانوافق أصحاب هذا الرأى على أن عثمان بن عفان هو الذى خطه بيمينه لأن المصادر العربية تجمع على أنه عهد إلى عدد من الصحابة بنسخ المصحف على قرأءة واحدة بلسان قريش , وأنه لمن يكتب أو ينسخ بنفسه أيا من هذه المصاحف . كما نرفض رأى ابن بشكوال وابن عبد الملك الانصارى بشأن المصحف المحفوظ بجامع قرطبة ويذهب كل منهما على أن هذا المصحف هو أحد المصاحف الأربعة التى أرسلت على الأمصار الأربعة البصرة والكوفة ومكة ودمشق , وإن كانا يرجحان أن يكون مصحف دمشق . ونعتقد أن مصحف الكوفة ربما ضاع فى غمرة القلاقل والإضطرابات التى احتدمت فى الكوفة فى خلافة على بن ابى طالب وفى العصر الأموى عندما أصبحت مركزا للتشيع , وحتى لو افترضنا بوجوده فى الكوفة فلا يعقل أن يفرط أهل الكوفه فى مصحفهم العثمانى الامام ليرسل إلى الأندلس التى كان يتولى حكمها أمراء من البيت الاموى السنة . وأما مصحف مكة فقد وصلتنا أخبار عنه حتى القرن الثامن الهجرى , ومن ذلك أن ابن جبير رآه بمكة أثناء زيارته لها (64) , كما تحدث عنه الرحاله الطنجى ابن بطوطه عند زيارته للحرم المكى الشريف (65) , كما عينه أبو القاسم التجيبى السبتى فى قبة اليهودية بمكة فى أواخر سنه 696هـ وكذلك تحدث عنه السمهودى فى مصنفه وفاء (67) الوفا , وعلى هذا الأساس لا يمكن أن يكون مصحف مكة هو مصحف قرطبة . أما مصحف البصرة فقد أشرنا فيما سبق أن ابن بطوطه رآه فى البصرة ورجحنا أن يكون نفس المصحف الذى أرسله عثمان بن عفان إلى البصرة , وربما أنتقل فيما بعد إلى سمرقند ثم إلى طشقند , وأيا ما كان الأمر فإن رؤية ابن بطوطة لمصحف البصرة يتعارض مع الرأى القائل بأنه هو ذاته المصحف الذى كان بجامع قرطبة. بقى علينا أن نناقش قول كلا من ابن بشكوال وابن عبد الملك بأن مصحف قرطبة هو أصلا المصحف العثمانى بدمش أنه دخل الأندلس مع عبد الرحمن الداخل سنة 138 هـ وهو قول مردود نستبعده تماما لما يأتى: --- أولا :- أن الرحاله الذين زاروا دمشق وصفوا المصحف العثمانى الشامى فى فترات زمنية متأخرة مما يتعارض مع رأى ابن عبد الملك الانصارى فى أنه انتقل الى قرطبة زمن عبد الرحمن الداخل . فقد رآه ابن جبير (68) ووصفه كما شاهده الهروى (69) (سنة 611هـ ) وشاهده أبو القاسم التجيبى السبتى سنة 697 هـ (70) وكذلك ابن فضل الله العمرى (71) فى القرن الثامن الهجرى وابن بطوطه فى نفس القرن (72). ثانيا :- يذكر ابن الملك الانصارى ان حجم مصحف قرطبة يختلف عن حجم المصحف الذى رآه أبو بكر بن شيبة فى العراق كما أن آثار الدم فى مصحف العراق تبدو فى أكثر من موضع. وأعتقد لكشف الغموض الذى يكتنف مصحف عثمان الامام أن المصحف الذى كان يقرأ فيه يوم استشهاده وانما كان يشتمل على أربع ورقات فقط أما بقية أوراق المصحف فقد تكون نسخت على نفس نظام المصحف العثمانى. ونستند فى هذا الرأى على رواية الادريسى الجغرافى الثبت المعروف بأمانته وصدقه فى الوصف ويذكر فيها أن مخزن الجامع الواقع على يسار المحراب فيه مصحف يرفعه رجلان لثقله فيه 4 أوراق من مصحف عثمان بن عفان وهو المصحف الذى خطه بيمينه رضى الله عنه وفيه نقط من دمه (73) ونخرج من ذلك بأن مصحف الاندلس اكتسب شهرته ورفيع مكانته من تلك الورقات الاربعة التى انتزعت من المصحف الأصلى واصطبغت بنقاط دمه . ومن هنا عظم أهل قرطبة مصحفهم وبجلوه وتوارثت الأجيال فى قرطبة هذا الشعور العميق بالتعظيم لهذا المصحف حتى ارتحل هذا المصحف على أيدى الموحدين فى السنوات الاولى من دخولهم الاندلس الى المغرب وبالذات سنة 552 هـ حماية له من التعرض لأى مكروه بعد الغارة الوحشية التى قام بها النصارى على قرطبة سنة 540 هـ ودخزلهم أورقة الجامع بخيولهم وانتهابهم لذخائره. واذا كنا قد رجحنا دخول مصحف عثمان الخاص به الاندلس فى عصر الامير عبد الرحمن الاوسط فلأنه عصر الانفتاح فى الأندلس على المشرق وبالذات على العراق ووصل كثير من التحف والذخائر التى ضاقت بها خزائن بغداد والتى انتهبت فى فتنة الأمين والمأمون الى قرطبة ونستدل على ذلك من نص أورده ابن حيان نقلا عن ابن القوطية القرطبى جاء فيه أن الفتى حبيب الصقلبى دعا بعد وفاة الأمير عبد الرحمن الأوسط بالمصحف المنسوب إلى عثمان بن عفان رضى الله عنه فاستحلف جميعهم لمحمد وتوثق منه ( ابن حيان المقتبس من أنباء أهل الاندلس , تحقيق دكتور محمود على مكى بيروت 1973 , ص 113 ) وظل هذا المصحف محفوظا بموضعه من جامع قرطبة فى عهد عبد الرحمن الناصر فلما شرع الحكم المستنصر فى زيارته المنسوبة اليه بالجامع من جهة القبلة فى 8 جمادى الخرة سنة 354 هـ أمر بأن ينقل الى دار صاحب الصلاة الثقة المأمون محمد بن يحيى بن عبد العزيز المعروف بابن (74) الخراز احتراسا به ومبالغة فى حرصه عليه وأن يظل محفوظا لديه الى أن يفرغ البناءون (75) فى الزيادة الحكمية فيعود الى مكانه الجديد من المقصورة (76) حيث اختزن داخل الغرفة التى يؤدى اليها الباب المعقود على يسار جوفة المحراب. وكان يتولى العناية بالمصحف الامام وكرسيه سادون الجامع وذكر ابن سعيد المغربى أنه كان يتولاه فى عهد بنى جهور زمن الطوائف وزير مما يعبر عن أهمية هذا المصحف وظل المصحف الامام محفوظا فى موضعه من الجامع فى عصر بنى جهور وعصر دولة المرابطين وقد وصفه الادريسى (سنة 560 هـ) الذى انتهى من تأليف كتابة مصنفه المسمى " بنزهة المشتاق " سنة 548 هـ قبل أن تخضع الاندلس لدولة الموحدين ومن الجدير بالذكر أن المرابطين اهتموا بهذا المصحف إهتماما كبيرا فقد وضعوا لرعايته 3 رجال من قومة المسجد لاخراجه صباح كل يوم جمعة وذكر الأدريسى ان هذا المصحف كان مغلفا بغلاف من الجلد قايم اللون (77) بديع الصنعة منقوش بأغرب ما يكون من النقش وأدقه وأعجبه(78). وكان أمام الجامع يقرأ من المصحف صبيحة كل يوم نصف حرب ثم يرده الى كرسيه بالمصلى مرة ثانية (79) وعندما انضوت الاندلس فى فلك دولة الموحدين كان عبد المؤمن بن على أول خلفاء الموحدين يشعر بالقلق الشديد على هذا المصحف الجليل منذ أن تعرض الجامع القرطبى لعبث القشتاليين وانتهابهم لتفافيح المنار وأوصال المنبر ودفعه حرصه على سلامة هذا المصحف الى أن يقدم على نقله الى مراكش وتولى مهمة نقل المصحف السيدان أبو سعيد وأبو يعقوب ولدا الخليفة فى 11 شوال سنة 552 هـ (80) . وفى هذه المناسبة نظم الوزير أبو زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن عبد الملك بن طفيل قصيدة منها :- جزى الله عن هذا الأنام خليفة به شربوا ماء الحياة فخلدوا وحياه ما دامت محاسن ذكره على مدرج الأيام تتلى وتنشد لمصحف عثمان الشهيد وجمعه بين أن الحق بالحق يعضد تحامته أيدى الروم بعد انتسافه وقد كاد لولا سعده يتبدد فما هو إلا أن تمرس صارخ بدعوته العليا فصين المبدد (81) وقد اهتم الموحدونواعتنوا بكسوته فكسوه بصفائح الذهب المرصعة باللآلىء النفيسة والأحجار الكريمة من يواقيت وزمرد وجواهر وحشدوا غلافه على تلك الصورة الرا ئعة والصنعة المتميزة عددا كبيرا من الصناع المتقنين والمهرة المتفننين فى بلاد المغرب , وكانوا يحملونه على هودج تحمله ناقة حمراء (84) قد كسيت بنفيس الديباج واحيانا جمل أبيض . وعلى الهودج أربع علامات حمر , ويتبعه الخليفة وابنه وراءه ثم يلى ذلك البنود والاعلام والطبول ثم الامراء المدبرون للدولة واستمر الموحدون يحملون هذا المصحف المكرم معهم فى رحلاتهم وتنقلاتهم وأسفارهم الى أن حمله الخليفة الموحدى المعتضد بالله أبو الحسن على بن المأمون أبى العلاء ادريس حين توجه الى تلمسان على عادة خلفاء الموحدين وكان ذلك فى نهاية عام 645 هـ , فقتل على مقربة من تلمسان فى آخر صفر سنة 646 هـ فاختل جيش الموحدين ووقع النهب فى خزائن السلطان واستولى العرب وغيرهم على معظم المعسكر ونهب المصحف الكريم ولم يدرك منتهبوه مدى القيمة التاريخية والروحية لهذا المصحف فدخلوا به تلمسان وعرضوه للبيع ونودى عليه بسوق الكتب بتلمسان بسبعة عشر درهما وضاعت منه أوراق فلماعلم أبو يحيى يغمرا سن بن زيان أمير تلمسان من بنى عبد الواد بذلك بارد بانتزاع المصحف المكرم من أيدى منتهبيه وأمر بصيانته والحفاظ عليه وأورثه أبناءه وظل المصحف فى حوزتهم حتى 702 هـ . وهكذا ظل مصحف عثمان محفوظا فى خزائن ملوك تلمسان من بنى عبد الواد حتى قدم أبو الحسن على بن عثمان بن أبى يعقوب المرينى الى تلمسان فى أواخر شهر رمضان سنة 737 هـ (1336م) وافتتحها سنة 738 هـ فظفر بهذا المصحف فاهتم به اهتماما خاصا وكان يقدمه أمامه على عادة الموحدين عند خروجه للقتال . واتفق أن وقع هذا المصحف غنيمة فى أيدى البرتغاليين الذين اشتركوا مع القشتاليين والآرجونيين فى موقعة طريف المعروفة فى المصادر المسيحية بموقعة نهر سلادو فى 7 جمادى الاولى سنة 741 هـ ( 1340م ) وانتهت بهزيمة نكراء منى بها المرينيون ولم يدخر السلطان المرينى جهدا لاسترداد المصحف فارسل الى البرتغاليين التاجر ابا على الحسن بن جمى من مدينة آزمور ليخلص المصحف بما يطلب فيه من مال (86) ونجح أبو على الحسن فى مهمته وأعاده الى السلطان أبى الحسن المرينى بفاس فى سنة 745 هـ وذكر ابن مرزوق أنه أنفق فى إفتداء المصحف آلاف من الدنانير الذهبية . وهكذا أعيد المصحف الأمام الى فاس بعد أن جرد البرتغليون أغشية ومزقوا ماكان على دفتيه من وشى وأحجار كريمة. واستمر المصحف محفوظا فى خزائن المرينيين . وكان ذلك آخر العهد به اذا نقطعت أخباره منذ ذلك التاريخ. تم بحمدالله. د. ســحـرالسيد عبدالعزيزسالم مدرس التاريخ الأسلامى والحضارة الأسلاميه بكلية الآداب – جامعة الأسكندرية |
ما هو ثوابي عند حفظ القرآن ؟ . الجواب: الحمد لله إن من حفظ القرآن وعمل بما فيه ، أثابه الله على ذلك ثوابا عظيما ، وأكرمه إكراما بالغا ، حتى إنه ليرتقي في درجات الجنة على قدر ما يقرأ ويرتل من كتاب الله . فقد روى الترمذي (2914) وأبو داود (1464) عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها " والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (5/281) برقم 2240 ، وقال بعده : ( واعلم أن المراد بقوله : " صاحب القرآن " حافظه عن ظهر قلب على حد قوله صلى الله عليه وسلم : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله . . أي أحفظهم ، فالتفاضل في درجات الجنة إنما هو على حسب الحفظ في الدنيا ، وليس على حسب قراءته يومئذ واستكثاره منها كما توهم بعضهم ، ففيه فضيلة ظاهرة لحافظ القرآن ، لكن بشرط أن يكون حفظه لوجه الله تبارك وتعالى ، وليس للدنيا والدرهم والدينار ، وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم : أكثر منافقي أمتي قراؤها ) انتهى . وجاء في فضل حافظ القرآن : ما رواه البخاري (4937) عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران ". وحافظ القرآن يسهل عليه أن يقوم الليل به ، فيشفع فيه القرآن يوم القيامة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام أي رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه يقول القرآن رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان " رواه أحمد والطبراني والحاكم ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم : 3882 والله أعلم . ينبه هنا على حديث ضعيف ورد في فضل حفظ القرآن وهو : ( لحامل القرآن إذا عمل به فأحل حلاله وحرم حرامه يشفع في عشرة من أهل بيته يوم القيامة كلهم قد وجبت له النار ) رواه البيهقي في الشعب عن جابر ، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع . |
ما هو الوقت الصحيح لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة ؟ وفقا للسنة , ما هو الوقت الصحيح لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة ؟ هل نقرأها من بعد الفجر إلى ما قبل صلاة الجمعة , أم في أي وقت من ذلك اليوم ؟ وأيضا , هل قراءة سورة آل عمران يوم الجمعة من السنة ؟ وإذا كان الجواب بنعم , فمتى نقرأها ؟. الجواب: الحمد لله ورد في فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلتها أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها : أ. عن أبي سعيد الخدري قال : " من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق " . رواه الدارمي ( 3407 ) . والحديث : صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 6471 ) . ب. " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين " . رواه الحاكم ( 2 / 399 ) والبيهقي ( 3 / 249 ) . والحديث : قال ابن حجر في " تخريج الأذكار " : حديث حسن ، وقال : وهو أقوى ما ورد في قراءة سورة الكهف . انظر : " فيض القدير " ( 6 / 198 ) . وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 6470 ) . ج. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء له يوم القيامة ، وغفر له ما بين الجمعتين ". قال المنذري : رواه أبو بكر بن مردويه في تفسيره بإسناد لا بأس به . " الترغيب والترهيب " ( 1 / 298 ) . وتقرأ السورة في ليلة الجمعة أو في يومها ، وتبدأ ليلة الجمعة من غروب شمس يوم الخميس ، وينتهي يوم الجمعة بغروب الشمس ، وعليه : فيكون وقت قراءتها من غروب شمس يوم الخميس إلى غروب شمس يوم الجمعة . قال المناوي : قال الحافظ ابن حجر في " أماليه " : كذا وقع في روايات " يوم الجمعة " وفي روايات " ليلة الجمعة " ، ويجمع بأن المراد اليوم بليلته والليلة بيومها . " فيض القدير " ( 6 / 199 ) . وقال المناوي أيضاً : فيندب قراءتها يوم الجمعة وكذا ليلتها كما نص عليه الشافعي رضي اللّه عنه . " فيض القدير " ( 6 / 198 ) . ولم ترد أحاديث صحيحة في قراءة سورة " آل عمران " يوم الجمعة ، وكل ما ورد في ذلك ، فهو ضعيف جدّاً أو موضوع . عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه و ملائكته حتى تحجب الشمس " . رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " ( 6 / 191 ) ، و" الكبير " ( 11 / 48 ) . والحديث : ضعيف جدّاً أو موضوع . قال الهيثمي : رواه الطبراني في " الأوسط " و " الكبير " ، وفيه طلحة بن زيد الرقي وهو ضعيف [ جدّاً ] . " مجمع الزوائد " ( 2 / 168 ) . وقال ابن حجر : طلحة ضعيف جداً ونسبه أحمد وأبو داود إلى الوضع . انظر : " فيض القدير " ( 6 / 199 ) . وقال الشيخ الألباني : موضوع ، انظر حديث رقم : ( 5759 ) في " ضعيف الجامع " . ومنها ما رواه التيمي في " الترغيب : " من قرأ سورة البقرة وآل عمران في ليلة الجمعة كان له من الأجر كما بين البيداء أي الأرض السابعة وعروباً أي السماء السابعة " . قال المناوي : وهو غريب ضعيف جداً . " فيض القدير " ( 6 / 199 ) . |
فضل قراءة القرآن عن أبِي أمـَامـَة رضي اللهُ عنه قال : سـَمـِعتُ رَسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " اقرؤوا القرآن فـَإنهُ يـَأتيِ يَومَ القِيامةِ شـَفيعاً لأصْحَابه " ـ رواه مسلم ـ -------------------------------------------------------------------------------- عن عـَثمان َ بن ِ عفانَ رضيّ الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم " خـَيْرُكم من تـَعـَلـمَ القُرْآن وعَلـَّمه" ـ رواه البخاري ـ -------------------------------------------------------------------------------- عنِ ابنِ عباس ٍ رضيَ الله عنهما قال : قال رسول ُ الله صلى الله عليه وسلم " إنَّ الَّـذي لـَيسَ في جـَوفهِ شـَيء من َ القرآن ِ كالبـَيْتِ الخـَرِبِ " ـ رواه الترمذي ـ -------------------------------------------------------------------------------- عـَنِ ابنِ مسعودٍ رضي َ الله ُ عـَنه ُ قالَ : قال َ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مـَنْ قـَرأ حـَرْفـَاً مـِنْ كـِتابِ الله ِ فـَلـَهُ حـَسـَنـَة والحـَسـَنـَةُ بـِعـشر ِ أمثالِها لا أَقولُ ، ألم حـَرْفٌ ، ولـَكـِنْ ألـفٌ حـَرْفٌ ، ولامٌ حـَرْفٌ ، ومـِيمٌ حـَرْفٌ ـ رواه الترمذي ـ |
فضل القران 1- فضل تلاوته القرآن الكريم كتاب الإسلام الخالد، ومعجزته الكبرى، وهداية للناس أجمعين، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} (إبراهيم:1) من قال به صدق، ومن عمل به أُجر، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم. فيه تقويم للسلوك، وتنظيم للحياة، من استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، ومن أعرض عنه وطلب الهدى في غيره فقد ضل ضلالاً بعيداً. وتلاوة كتاب الله من أفضل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} (فاطر:29) وفي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) رواه مسلم . والقرآن مأدبة الله لعباده، ورحمة منه للناس أجمعين، وقد صح عند الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: "ألم" حرف، ولكن "ألف" حرف، و"لام" حرف، و"ميم" حرف) . وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قراءة القرآن ورغب فيها، فقال: (تعلموا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شافعاً لأصحابه، وعليكم بالزهراوين البقرة وآل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو فرقان من طير، تحاجان عن أصحابهما، وعليكم بسورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة) رواه مسلم . وبشَّر صلى الله عليه وسلم قارئ القرآن بأنه مع السفرة الكرام البررة فقال: (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران) متفق عليه. وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وسلم قال: (يُقال لقارئ القرآن: اقرأ وارقَ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها) رواه أبو داود و الترمذي ، وقال حديث حسن صحيح. وكان من وصيته صلى الله عليه وسلم لأمته عامة ولِحَفَظَة كتابه خاصة تعاهد القرآن بشكل دائم ومستمر، فقال: (تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلُّتاً من الإبل في عقلها) رواه مسلم . ولو تأملت - أخي الكريم - في قوله صلى الله عليه وسلم: "تعاهدوا هذا القرآن" لأدركت عِظَمَ هذه الوصية، ولعلمتَ أهمية المحافظة على تلاوة كتاب الله ومراجعته، والعمل بما فيه، لتكون من سعداء الدنيا والآخرة. وقد جاء في السنة استحباب ختم القرآن في كل شهر، إلا أن يجد المسلم من نفسه نشاطاً فليختم كل أسبوع، والأفضل أن لا ينقص عن هذه المدة، كي تكون قراءته عن تدبر وتفكر، وكيلا يُحمِّل النفس من المشقة مالا تحتمل، ففي الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأ القرآن في شهر، قلت: أجدُ قوة، حتى قال: فاقرأه في سبع، ولا تزد على ذلك) ثم قال عمرو بعد أن أدركه الكِبَرَ: "فليتني قبلتُ رخصة رسول الله". وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم، قوله: (يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دُووم عليه وإن قَلَّ، وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملاً أثبتوه) رواه مسلم . ومعنى "أثبتوه" كما قال النووي : أي لازموه، وداوموا عليه. فتنبه لذلك - أخي الكريم - ولا تكن من الذين يهجرون كتاب الله، ولا يذكرونه إلا في مواسم معينة، ولتحرص كل الحرص وأنت تتلو كتاب الله أن تستحضر نية الإخلاص لله سبحانه، وأن تكون على حالة من الخشوع والوقار، لأنك تتلو كتاب رب العالمين. وقد كان من وصية بعض أهل العلم لولده قوله له: "اقرأ القرآن وكأنه عليك أنزل". وأخيراً يا أيها الآباء ويا أيها الأمهات ويا أيها المربون، استوصوا بالأجيال خيراً، نشئوها على حب كتاب ربها، علموها العيش في رحابه، والاغتراف من معينه الذي لا ينضب، فالخير كل الخير فيه، وتعاهدوا ما أودع الله بين أيديكم من الأمانات، بتربيتها تربية قرآنية، كي تسعدوا في الدنيا قبل الآخرة، فما هانت أمة الإسلام إلا بهجرها لكتاب ربها وبعدها عنه. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وحبِّب أبناءنا تلاوته وحفظه والتمسك به، واجعله نوراً على درب حياتهم، آمين. 2- فضل تدبره قال تعالى في محكم قرآنه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} (ص:29) وتدبر القرآن مقصد أساس من مقاصد نزول القرآن الكريم، فهو السبيل لفهم أحكامه، وهو الطريق لبيان غاياته ومقاصده؛ فلا يُفهم القرآن حق الفهم، ولا تُعرف مقاصده وغاياته حق المعرفة، إلا بالوقوف عند آياته وتدبرها حق التدبر، لكشف ما وراءها من حكم ومعانٍ. ومع أننا - والحمد لله - لا نزال نرى كثيراً من المسلمين يقرؤون القرآن آناء الليل وأطراف النهار - وهذا أمر طيب على كل حال - إلا أن الكثير منهم لا يزال يقرأ القرآن من غير تدبر ولا فهم، الأمر الذي أدى إلى تفويت المقصد الأساس الذي أنزل القرآن لأجله، ألا وهو العمل بأحكامه، واتباع أوامره واجتناب نواهيه . ونحن - وعملاً بقوله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (الذاريات:55) - ارتأينا أن نخصص هذا المقال للحديث عن بعض القواعد المهمة، التي تساعد على تدبر القرآن الكريم، وفهمه الفهم السليم . فمن تلك القواعد معرفة لغة العرب وأساليبهم البيانية، فلا يخفي أن القرآن الكريم نزل بلغة العرب وبلسانهم، وهو لا يُفهم إلا بفهم ما به نزل، ولذلك وجدنا أهل العلم كافة يهتمون بمعرفة لغة العرب، ويوصون طلبة العلم بذلك؛ وبيان ذلك أن من لا يعرف أساليب العرب في البيان لا يستطيع - مثلاً - أن يفهم قوله تعالى: {واسأل القرية} (يوسف:82) ولا يمكنه كذلك أن يفرِّق بين قوله تعالى: {إياك نعبد} و(نعبدك) أو (نعبد إياك) ونحو ذلك من الأساليب العربية . ولا بد أن نشير هنا إلى أنه لا يُطلب من كل قارئ للقرآن الكريم أن يكون نحويًا، كسيبويه ومن كان على شاكلته، بل المطلوب أن يحصل قارئ القرآن على الحد الذي يُمكَّنه من فهم كتاب الله وتدبره . ومن القواعد المهمة والمساعدة على تدبر القرآن، دراسة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالمعروف أنه صلى الله عليه وسلم كان الترجمان الحقيقي للقرآن، وأنه كان خُلُقُه القرآن، وأنه كان قرآنًا يمشي، فهو المبين لمجمله، والموضح لمشكله، وإذا كان الأمر كذلك، فإن تدبر القرآن وفهمه لا يتأتَّى إلا بالرجوع إلى ما ثبت من سيرته صلى الله عليه وسلم وما صح من سنته. ثم إن معرفة أسباب النزول تُعدُّ من القواعد المهمة في تدبر القرآن؛ لأن كثيراً من الآيات ارتبط نزولها بمناسبات ووقائع معينة، ولا يمكن أن تُفهم إلا بمعرفة المناسبات والوقائع التي نزلت لمعالجتها، فالقارئ لكتاب الله - مثلاً - قد لا يدرك المقصود من قوله تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ*إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} (آل عمران:139-140) إلا بمعرفة أسباب نزولها . ومن الأمور المساعدة على تدبر كتاب الله، الرجوع إلى كتب التفاسير المعتمدة، والنظر في أقوال أهل العلم فيها، فقد حوت تلك الكتب كثيراً من تفاسير السلف، كتفاسير الصحابة، وتفاسير التابعين وتابعيهم، كتفسير الطبري، وتفسير القرطبي، وتفسير ابن كثير، وغيرها كثير، فبالرجوع إلى هذه التفاسير وأمثالها عون لقارئ كتاب الله على تدبر آياته وفهمه الفهم السليم . ومما يصبُّ فيما نحن بصدد الحديث عنه، العكوف على قراءة القرآن مع التأمل والنظر والتفكر في آياته، وهذا ما حثَّ عليه القرآن نفسه؛ يرشد لهذا العديد من الآيات الداعية إلى التفكر والتدبر في آيات الله، من ذلك - مثلاً - قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} (سـبأ:46) فالتفكر والتدبر والنظر والتأمل يفتح لقارئ كتاب الله كثيراً من المعاني، التي لا يمكن أن يكتسبها قارئ كتاب الله إلا من خلال ذلك . ومن أهم القواعد المهمة في تدبر القرآن الكريم، قاعدة إنزال القرآن على الواقع، وتعني هذه القاعدة باختصار أن القرآن الكريم لم ينزل لزمان معين ولا لمكان معين، وإنما نزل صالحاً للعمل والتطبيق في كل زمان وفي كل مكان، وهو لا يفهم حيًا غضًا طريًا، إلا بإنزاله على واقع الأمة وقضاياها، فلكل زمان كُفَّاره ومنافقوه، ولكل مكان فراعنته وظالموه. لذا كان من الخطأ والزلل إنزال القرآن على غير منازله، فمن أنزل آيات المؤمنين في الكافرين أو العكس، أو جعل المؤمنين الصالحين هم المنافقون الكافرون، فقد ضل سواء السبيل . ونختم مقالنا هذا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده) رواه مسلم وواضح أن الحديث قَرَنَ بين التلاوة والمدارسة، ورتب عليهما السكينة والرحمة وحفظ الملائكة وذكر الله لقارئي كتابه . ولعل واقع المسلمين اليوم وما هم عليه من وضع لا يحسدون عليه، ما يُشير إلى أن غياب تدبر القرآن وفهمه الفهم الصحيح، ومن ثَمَّ العمل به، أقول: لعل في ذلك سببًا وراء ما هم عليه، والله أعلم. 3- فضل حفظه من خصائص القرآن الكريم أنه كتاب يسره الله تعالى للحفظ والذكر، قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} (القمر:17) وهذا طريق من الطرق التي هيأها الله لحفظ كتابه الكريم من التبديل والتحريف والضياع، تصديقاً لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر:9) فالقرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي حفظه الله بحفظه، وسلّمه من كل تبديل أو تغيير، ليكون حجة على الناس يوم الدين. ولقد استفاضت الأحاديث النبوية المرغِّبة بحفظ القرآن، نذكر منها قوله صلى الله عليه وسلم: ( يجيء صاحب القرآن يوم القيامة، فيقول: يا رب حلِّه، فيُلبس تاج الكرامة، ثم يقول: زده، فيُلبس حُلَّة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارضَ عنه، فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ وارق، وتزاد بكل آية حسنة ) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، ورواه الحاكم وصححه. ومن ذلك أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارقَ، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها) رواه أحمد . ولمنـزلة حافظ القرآن وفضله، فقد أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحقيته وأفضليته في إمامة الصلاة، فقال: ( يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله ) رواه مسلم. وبلغ من إكرام رسول صلى الله عليه وسلم لِحَفَظَةِ كتاب الله أن قدَّمهم على غيرهم في اللحد في غزوة أحد، فكان صلى الله عليه وسلم، إذا أراد أن يدفن رجلين سأل: ( أيهم أكثر أخذًا للقرآن - أي حفظًا لكتاب الله - فإن أُشير له إلى أحدهما قدَّمه في اللحد) رواه البخاري . ويكفي أهل القرآن شرفًا أن أضافهم الله إلى نفسه، واختصهم بما لم يختص به غيرهم، ففي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (إن لله أهلين من الناس، فقيل: مَن هم؟ قال أهل القرآن، هم أهل الله وخاصته ) رواه أحمد . ولما كانت هذه مكانة حفظ القرآن وحفظته، فقد وجدنا صغار الصحابة وشبابهم رضي الله عنهم، كعمرو بن سلمة، والبراء بن عازب، وزيد بن حارثة، وغيرهم كثير، يحرصون على تعلم القرآن وحفظه، حتى إن زيد بن ثابت رضي الله عنه كان من الحفظة الأثبات، الذين اعتمد عليهم أبو بكر وعثمان في جمع القرآن الكريم. وقد سار سلف هذه الأمة من التابعين ومَن بعدهم على هدي الصحابة، في حفظهم لكتاب الله، ولو رجعنا إلى تراجم أهل العلم لوجدنا أن جُلَّهم قد حفظ القرآن الكريم، ولمَّا يجاوز الخامسة عشرة من عمره. ثم لْتَعْلَمْ - أخي الكريم - أن لحفظ القرآن الكريم آداب ينبغي مراعاتها والحفاظ عليها، ويأتي في مقدمة هذه الآداب الإخلاص لله، فإن الله لا يتقبل من العمل إلا ما كان خالصًا له، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ له الدين} (البينة:5). ولا يكن حفظك للقرآن لدنيا تصيبها، أو سمعة تقصدها، أو منصباً تبتغيه. وقد ثبت في الحديث، أن من تسعَّر بهم النار يوم القيامة ثلاثة، منهم ( رجل تعلَّم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن، فأُتيَ به فعرَّفه الله نِعَمَه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه ثم أُلقي في النار ) رواه مسلم . ثم يأتي بعد الإخلاص العمل بالقرآن والالتزام بأوامره ونواهيه، وهذا هو المقصد الأٍساس الذي نزل القرآن لأجله، فالحفظ ليس غاية في ذاته، بل هو وسيلة لغاية، فلا تفرَّط بالعمل لأجل الحفظ، ولكن لِتَحْفَظَ لأجل العمل، ولهذا كان القرآن حجة للعاملين به، وحجة على المعرضين عنه، وقد صح في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (والقرآن حجة لك أو عليك ) رواه مسلم . ويدخل في موضوع العمل بالقرآن التخلق بأخلاقه، فعلى حافظ كتاب الله، أن يكون قرآناً يمشي بين الناس في سلوكه وأخلاقه، فلا يكون متكبراً أو مستعلياً على عباد الله، بل ليكن عليه سمت الخشوع والوقار والخضوع لله، والتذلل لإخوانه المؤمنين. ومن آكد ما ينبغي لحافظ القرآن الاهتمام به، تعاهد القرآن بالمراجعة والمدارسة، كيلا ينفلت منه ما أكرمه الله بحفظه. وقد ثبت في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفسي محمد بيده لهو أشد تفلُّتاً من الإبل في عُقُلِها ) رواه البخاري و مسلم . ثم اعلم - أخي وفقك الله - أن حفظ القرآن لابد أن يُتلقى عن أهل العلم، المشهود لهم بالعلم والصلاح أولاً، ومن ثَمَّ تأتي الوسائل المساعدة على ذلك، كالمذياع والمسجلة وغيرها من وسائل التعليم المعاصرة، لتكون عوناً وسنداً لما تم تلقِّيه بداية. ومن الأمور التي تساعدك على حفظ القرآن الكريم وتيسِّرَه عليك، تخصيص ورد يومي لتحفظه، كصفحة مثلاً، ولا نرى لك حفظ مقدار كبير بشكل يومي، كيلا تدخل السآمة على نفسك، وحتى تستطيع مراجعة وتثبيت ما تم لك حفظه، ولا تنسَ الدعاء في ذلك، ففيه عون لك - إن شاء الله - على الحفظ، واستعن بالله ولا تعجز. وفقنا الله وإياك لصالح العمل. 4 - فضل تجويده كان القرآن الكريم وما يزال هدى الأمة الذي اهتدت به في درب حياتها، فمنه استمدت قوتها وحيوتها، وبالاعتصام بحبله كانت عزتها وكرامتها، وهو سيظل مصدر قوتها وعزتها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولقد اجتهد المسلمون - ولا يزالون - في خدمة القرآن الكريم، اجتهاداً لم يحظَ به كتاب آخر، حفظاً وكتابة وجمعاً، فأنشؤوا المعاهد ودُور العلم الخاصة بتعليمه وتحفيظه جيلاً بعد جيل، كل ذلك تصديقاً وتحقيقاً لقوله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} (الحجر:9). وكان المسلمون الأوائل - لسلامة فطرتهم وسليقتهم العربية الصحيحة - يتلون كتاب ربهم تلاوة مجوَّدة، كما تلقوها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنه وبعد اختلاط العرب بالعجم، ودخول عدد كبير من العجم في دين الإسلام، بدأ اللحن يتسرب إلى الألسنة، وبدأت العُجْمَة تفشو في كلام الناس، فهبَّ العلماء لوضع قواعد تضبط قراءة القرآن الكريم قراءة صحيحة وسليمة، واعتبروا مراعاة تلك القواعد عند قراءة القرآن فرض عين على كل قارئ لكتاب الله الكريم. وكان مما عُني به المسلمون من علوم القرآن علم التجويد، الذي هو من أشرف العلوم وأجلُّها، إذ بمعرفته تُعرف القراءة الصحيحة لكتاب الله، وبالجهل به يكون الجهل بكتاب الله. وقد بحث علماء التجويد في هذا العلم، أحكام التلاوة من إظهار وإقلاب وإدغام وإخفاء، وصفات الحروف ومخارجها، ونحو ذلك من الأبحاث التي تكفلت كتب علم التجويد ببيانها. وقد قسَّم علماء التجويد التلاوة القرآنية إلى ثلاثة أقسام: الأول الترتيل: وهو القراءة بتؤدة واطمئنان، مع إعطاء الحروف حقها ومستحقها، من المخارج والصفات. الثاني الحَدْر: وهو سرعة القراءة. الثالث التدوير: وهو التوسط بين الترتيل و الحدر. والأحكام التجويدية ينبغي أن تُلحظ في هذه الأقسام الثلاثة، ولا ينبغي تفويت شيء منها، في أي قسم من هذه الأقسام. وكم هو جميل - أخي الكريم - وحَسَنٌ أن نقرأ كتاب ربنا كما أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكما قرأه صلى الله عليه وسلم على صحابته الكرام، وكما أقرأه أصحابه الكرام لتابعيهم، إلى أن وصل إلينا محفوظاً بالسند الصحيح، مبرَّأً من كل عيب وتلويث. وبالمقابل لا عذر للمسلم أن يهجر كتاب ربه، أو أن يعرض عن تلاوته وقراءته القراءة الصحيحة، بعد أن هيأ الله له من الوسائل والأسباب ما يستطيع معها تعلم القراءة الصحيحة للقرآن الكريم. وَلْتَعْلَم - أخي الكريم - أولاً، أن التلاوة الصحيحة تُعين القارئ لكتاب الله على فهمه الفهم الصحيح، أما القراءة غير الصحيحة فلا تأتي بالفائدة المرجوة، ومن هنا كان تعلُّم أحكام التجويد أساساً لقراءة القرآن الكريم. ثم لتعلم - أخي الكريم - ثانياً، أن هناك فرقاً بين تعلم أحكام التجويد ومعرفتها من جهة، وبين تطبيقها التطبيق الصحيح من جهة ثانية، وأن العلم والمعرفة شيء، والتطبيق والممارسة شيء آخر. ومع أن تعلُّم علم التجويد ومعرفته وسيلة وسبب للتطبيق، إلا أن الأمر المهم هنا، تطبيق تلك الأحكام حال قراءة القرآن. وليس كل مكلف مطالبٌ بمعرفة علم التجويد معرفة تامة، بل المطلوب والمهم، قراءة القرآن قراءة صحيحة، وهذا يكون عن طريق تلقي القرآن الكريم عن أهله، والقراءة عليهم، ثم لا حرج عليك بعد ذلك إن لم تكن على معرفة تامة بتفاصيل علم التجويد. وأخيراً لا آخراً، لا أحسب أن يغيب عنك، أن المقصد الأساس من تلاوة القرآن، التدبر والفهم والعمل، فلا يكن قصدك من القراءة الإتيان بالأحكام التجويدية فحسب، وإنما عليك أن تعلم أن تلك الأحكام وسيلة، وطريق لفهم القرآن حق فهمه، ومن ثَمَّ العمل بما جاء به من أحكام وإرشادات. وفقنا الله وإياك لصالح الأعمال، ونسأله تعالى أن يرزقنا تلاوة كتابه التلاوة الصحيحة، آناء الليل وأطراف النهار، إنه خير مسؤول، ونعم المجيب، |
السؤال: ما معنى البسملة ؟ وهل تقرأ البسملة من منتصف السورة ؟ ولماذا ؟ وما معنى اقرأ بسم ربك ؟. الجواب: الحمد لله قول القائل : " بسم الله " قبل الشروع في العمل معناه : أَبتدأُ هذا الفعل مصاحبا أو مستعينا بـ (اسم الله ) ملتمسا البركة منه ، والله هو المألوه المحبوب المعبود الذي تتوجه إليه القلوب بالمحبة والتعظيم والطاعة ( العبادة ) وهو( الرحمن ) المتصف بالرحمة الواسعة ، ( الرحيم ) الذي يوصل رحمته إلى خلقه . وقيل المعنى : أبدأ هذا الفعل بتسمية الله وذكره . قال الإمام ابن جرير رحمه الله : " إن الله تعالى ذكره وتقدست أسماؤه, أدب نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بتعليمه تقديم ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله, وأمره أن يصفه بها قبل جميع مهماته, وجعل ما أدبه به من ذلك وعلمه إياه منه لجميع خلقه سنة يستنون بها, وسبيلا يتبعونه عليها, في افتتاح أوائل منطقهم وصدور رسائلهم وكتبهم وحاجاتهم; حتى أغنت دلالة ما ظهر من قول القائل {بسم الله} على ما بطن من مراده الذي هو محذوف .إ .هـ بتصرف يسير . ويوجد محذوف في عبارة باسم الله قبل البدء بالعمل ، وهذا المحذوف تقديره : أبتدئ عملي باسم الله ، مثل باسم الله أقرأ ، باسم الله أكتب ، باسم الله أركب ، ونحو ذلك . أو ابتدائي باسم الله ، ركوبي باسم الله ، قراءتي باسم الله وهكذا ، ويمكن أن يكون التقدير أيضا : باسم الله أكتب ، باسم الله أقرأ , فيقدر الفعل مؤخرا ، وهذا حسن ليحصل التبرك بتقديم اسم الله ، وليفيد الحصر أي أبدأ باسم الله لا باسم غيره . ولفظ الجلالة ( الله ) : هو الاسم الأعظم وهو أعرف المعارف الغني عن التعريف ، وهو علم على الباري جل جلاله مختص به دون سواه والصحيح أنه مشتق من أله يأله ، ألوهة وإلهة فهو إله بمعنى مألوه أي معبود فهو : ذو الألوهية . و( الرحمن ) : اسم من أسماء الله الخاصة به ، ومعناه ذو الرحمة الواسعة لأن وزن فعلان : يدل على الامتلاء والكثرة وهو أخص أسماء الله بعد لفظ الجلالة ، كما أن صفة الرحمة هي أخص صفاته ولذا غالبا يأتي ترتيبها بعد لفظ الجلالة كما في قوله تعالى ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن .. الآية ) و( الرحيم ) : اسم من أسماء الله : معناه الموصل رحمته إلى من يشاء من عباده . قال ابن القيم رحمه الله : "الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه ، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم ، فكان الأول للوصف والثاني للفعل فالأول دال على أن الرحمة صفته ، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته ، وإذ ا أردت فهم هذا فتأمل قوله "وكان بالمؤمنين رحيما " وقوله " إنه بهم رءوف رحيم "ولم يجئ قط ( رحمن بهم ) فعلم أن رحمن هو الموصوف بالرحمة ، ورحيم هو الراحم برحمته "إ.هـ بدائع الفوائد ( 1/ 24 ) . ثانياً : وأما عن حكم قراءة البسملة قبل قراءة القرآن فلها أربعة أحوال : الحالة الأولى : أن تكون في أول السورة ـ غير سورة براءة ـ فقد نص أكثر الأئمة على أنه : " َتُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ الْبَسْمَلَةِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وينبغي أن يحافظ عليها حتى أن بعض العلماء اعتبر ختمة القرآن ناقصة إذا لم يأت بالبسملة في أول كل سورة غير براءة "ِ ولما سئل الإمام أحمد رحمه اللهَ عن قراءتها في أول كل سورة قال : " لا يَدَعَهَا " . الحالة الثانية : أن تكون في أثناء السورة ـ وهو محل السؤال ـ فالجمهور من العلماء والقراء على أنه لا مانع من الابتداء بها ، قِيلَ للإمام أحمد في البسملة ـ بعد قوله : لا يدعها في أول السورة ـ : فَإِنْ قَرَأَ مِنْ بَعْضِ سُورَةٍ يَقْرَؤُهَا ؟ قَالَ : " لَا بَأْسَ ." ، ونقل العبادي عن الشافعي رحمه الله استحبابها في أثناء السورة. قَالَ الْقُرَّاءُ : وَيَتَأَكَّدُ الابتداء بالبسملة إذا كان في الآية التي سيقرأها بعد البسملة ضميرٌ يعود على الله سبحانه نَحْوِ قوله : { إلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ } , وقوله : { وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ } لمَا فِي ذِكْرِ هذه الآيات بعد الاستعاذة مِنْ الْبَشَاعَةِ وَإِيهَامِ رُجُوعِ الضَّمِيرِ إلَى الشَّيْطَانِ . الحال الثالثة : قراءتها في ابتداء سورة براءة ، فلا يكاد يختلف العلماء والقراء في كراهة ذلك . َقَالَ صَالِحُ فِي مَسَائِلِهِ عَنْ أَبِيهِ أحمد رحمه الله : وَسَأَلْتُهُ عَنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ وَسُورَةِ التَّوْبَةِ هَلْ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ أَبِي : يَنْتَهِي فِي الْقُرْآنِ إلَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يُزَادُ فِيهِ وَلا يَنْقُصُ . الحال الرابعة : قراءتها في أثناء سورة براءة : فقد اختلف القراء في ذلك كما نقل ذلك ابن حجر الهيثمي في الفتاوى الفقهية ( 1 / 52 ) فَقَال : " قال السَّخَاوِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ : لا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُسَنُّ الْبُدَاءَةَ أَثْنَاءَهَا بِالتَّسْمِيَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أَثْنَائِهَا وَأَوَّلِهَا لَكِنْ بِمَا لا يُجْدِي وَرَدَّ عَلَيْهِ الْجَعْبَرِيُّ مِنْهُمْ ( أي من القراء ) وَهُوَ الْأَوْجَهُ ( أي أن القول بالكراهة هو الأقرب للصواب ) إذْ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِتَرْكِ الْبَسْمَلَةِ أَوَّلَهَا , مِنْ كَوْنِهَا نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ , وَفِيهَا مِنْ التَّسْجِيلِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ بِفَضَائِحِهِمْ الْقَبِيحَةِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا مَوْجُودٌ فِي أَثْنَائِهَا , فَمِنْ ثَمَّ لَمْ تُشْرَعْ التَّسْمِيَةُ فِي أَثْنَائِهَا كَمَا فِي أَوَّلِهَا لِمَا تَقَرَّرَ . " انظر ( الآداب الشرعية لابن مفلح 2 /325 ) و ( الموسوعة الفقهية 13 / 253 ) و ( الفتاوى الفقهية الكبرى 1 /52 ) . ثالثاً : وأما معنى قوله تعالى : ( اقرأ باسم ربك ) فقد قال الإمام ابن جرير رحمه الله : " القول في تأويل قوله تعالى: ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) يعني جل ثناؤه بقوله: {اقرأ باسم ربك} محمدا صلى الله عليه وسلم يقول: اقرأ يا محمد بذكر ربك {الذي خلق} " . والله أعلم . الشيخ محمد صالح المنجد |
إذا أراد الإنسان حفظ القرآن فبماذا تنصحونه؟ الذي ننصحه به أن يبدأ من البقرة، إلا إذا كان حفظه من المفصل أسهل له فليكن من المفصل؛ لأن بعض الناس يسهل عليه الحفظ من المفصل من أجل قصر سوره وآياته وكونه يسمعه من الأئمة في المساجد كثيراً، فإذا كان هذا سهل عليه فليبدأ بما هو أسهل، وننصحه أيضاً بتعاهد حفظه كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، وننصحه أيضاً أن يهتم بما كان حفظه أكثر من اهتمامه بكثرة الحفظ؛ لأن العناية بالموجود أولى من العناية بالمفقود. (( كتاب العلم )) الشيخ محمد بن صالح العثيمين |
الوصية بكتاب الله ( القرآن الكريم ) الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه وصفوته من خلقه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين . أما بعد : فإن كتاب الله فيه الهدى والنور ، وهو حبله المتين وصراطه المستقيم ، وهو ذكره الحكيم ، من تمسك به نجا ومن حاد عنه هلك . يقول الله عز وجل في هذا الكتاب العظيم : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا هذا كتاب الله يهدي للتي هي أقوم ، يعني : للطريقة التي هي أقوم ، والمسلك الذي هو أقوم الذي هو خير الطرق وأقومها وأهداها فهو يهدي إليه ، يعني : يرشد إليه ويدل عليه ، ويدعو إليه ، وهو توحيد الله وطاعته ، وترك معصيته والوقوف عند حدوده ، هذا هو الطريق الأقوم ، وهو المسلك الذي به النجاة أنزله الله جل وعلا تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين . كما قال سبحانه في سورة النحل : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ فهو تبيان لكل شيء ، وهدى إلى طريق السعادة ورحمة وبشرى ، يقول جل وعلا : قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ هدى لقلوبهم للحق وشفاء لقلوبهم من أمراض الشرك والمعاصي والبدع والانحرافات عن الحق ، وشفاء للأبدان من كثير من الأمراض . وهو بشرى للإنس والجن لكنه سبحانه ذكر المؤمنين لأنهم هم الذين اهتدوا به وانتفعوا به وإلا فهو شفاء للجميع كما قال جل وعلا : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ وقال سبحانه : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ فالقرآن شفاء ودواء للقلوب من جميع الأدواء المتنوعة ؛ أدواء الشرك ، والمعاصي ، والبدع ، والمخالفات ، وهو شفاء لأمراض الأبدان أيضا وأمراض المجتمعات . شفاء لأمراض المجتمع ، وأمراض البدن لمن صلحت نيته وأراد الله شفاءه ، ويقول جل وعلا : كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ فهو كتاب يخرج الله به الناس من الظلمات ؛ من ظلمات الشرك ، والمعاصي ، والبدع ، والفرقة والاختلاف إلى نور الحق والهدى والاجتماع على الخير ، والتعاون على البر والتقوى ، وهذا هو صراط الله المستقيم وهو توحيد الله ، وأداء فرائضه ، وترك محارمه ، والتواصي بحقه والحذر من معاصيه ، ومن مخالفة أمره . هذا هو صراط الله المستقيم ، وهذا هو النور والهدى ، وهذا هو الطريق الأقوم . وقال سبحانه في سورة الأنبياء : وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ وقال سبحانه في سورة يس : إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ والمقصود أن الله جل وعلا جعل كتابه ذكرا ، وجعله نذارة ، وجعله شفاء ، وجعله هدى ، فالواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس أن يهتدوا به ، وأن يستقيموا عليه ، وأن يحذروا مخالفته . قال جل وعلا : كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ وقال سبحانه : وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وقال جل وعلا : أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا وسئلت عائشة رضي الله عنها فقيل لها : يا أم المؤمنين ماذا كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قالت كان خلقه القرآن قال تعالى : وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يتدبر القرآن ، ويكثر من تلاوته ، ويعمل بما فيه ، فكان خلقه القرآن تلاوة وتدبرا ، وعملا بأوامره ، وتركا لنواهيه ، وترغيبا في طاعة الله ورسوله ، ودعوة إلى الخير ، ونصيحة لله ولعباده . إلى غير ذلك من وجوه الخير . وقال تعالى : نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ فالقرآن هو أحسن القصص ، وهو خلق النبي صلى الله عليه وسلم . ونصيحتي لجميع المسلمين رجالا ونساء ، جنا وإنسا ، عربا وعجما ، علماء ومتعلمين ، نصيحتي للجميع أن يعتنوا بالقرآن الكريم وأن يكثروا من تلاوته بالتدبر والتعقل بالليل والنهار ، ولا سيما في الأوقات المناسبة التي فيها القلوب حاضرة للتدبر والتعقل ، والذي لا يحفظه يقرؤه من المصحف ، والذي لا يحفظ إلا البعض يقرأ ما تيسر منه . قال تعالى فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ وإذا كان يعرف الحروف يتهجى ويقرأ من المصحف حتى يتعلم زيادة ، والذي لا يعلم يتعلم من أمه ، أو أبيه ، أو ولده ، أو زوجته إن كانت أعلم منه ، والتي لا تعرف يعلمها أبوها ، أو أخوها ، أو زوجها ، أو أختها ، أو غيرهم . وهكذا يتواصى الناس ، ويتعاونون . الزوج يعين زوجته ، والزوجة تعين زوجها ، والأب يعين ولده ، والولد يعين أباه ، والأخ يعين أخاه ، والخال والخالة ، وهكذا الكل يتعاونون ، ويتواصون بهذا الكتاب العظيم تدبرا ، وتعقلا ، وعملا ، لقول الله عز وجل : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وقوله سبحانه : وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ولما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للناس في خطبته يوم عرفة في حجة الوداع : إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله هكذا يوصيهم عليه الصلاة والسلام بكتاب الله ويخبرهم أنهم لن يضلوا إذا اعتصموا به . وفي اللفظ الآخر كتاب الله وسنتي وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم من كتاب الله ، لأن الله سبحانه يقول : وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فكتاب الله يأمر بطاعة الله وطاعة رسوله . قال تعالى : قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ويقول جل وعلا : وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ويقول : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ فالرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالقرآن فوصيته بالقرآن وصية بالسنة وهب أقواله وأفعاله وتقريراته كما تقدم . ويروى عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : تكون فتن فقيل له يا رسول الله فما المخرج منها؟ قال كتاب الله فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم الحديث . فهو المخرج من جميع الفتن ، وهو الدال على سبيل النجاة ، وهو المرشد إلى أسباب السعادة والمحذر من أسباب الهلاك ، وهو الداعي إلى جمع الكلمة وهو المحذر من الفرقة والاختلاف . قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ويقول جل وعلا في هذا الكتاب العظيم : وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ويقول سبحانه وتعالى : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا فهو يدعو إلى الاجتماع على الحق ، والتواصي بالحق . كما قال سبحانه : وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا وهذه السورة العظيمة القصيرة قد جمعت الخير كله ما أبقت شيئا من الخير إلا ذكرته ولا شيئا من الشر إلا وحذرت منه . وهؤلاء المستثنون فيها هم الرابحون ؛ من الجن والإنس من الذكور والإناث ، من العرب والعجم ، من التجار والفقراء ، من الأمراء وغيرهم ، هم الرابحون وهم الناجون من الخسران ، وهم الذين اتصفوا بأربع صفات : وهي الإيمان ، والعمل الصالح ، والتواصي بالحق ، والتواصي بالصبر . وهؤلاء هم السالمون من الخسران ومن عداهم خاسر على حسب ما فاته من هذه الصفات الأربع . فمن آمن بالله ورسوله وصدق الله في أخباره ، وصدق الرسول علي فيما صح عنه ، وآمن بكل ما أخبر الله به ورسوله من أمر الآخرة والجنة والنار والحساب والجزاء وغير ذلك ، وآمن بأن الله سبحانه هو المستحق للعبادة وأنه واحد لا شريك له وأن العبادة حقه ، وأنه لا تجوز العبادة لغيره وصدق بهذا كما أخبر الله في كتابه العظيم حيث قال سبحانه : فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ وقال تعالى : وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وقال سبحانه : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وقال تعالى : وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وقال تعالى : وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وقال سبحانه : اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ وقال سبحانه : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ وقال عز وجل : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ فهذا هو أصل الدين وأساس الملة أن تؤمن بأن الله هو الخالق والرازق وأنه هو المعبود بالحق ، وأنه سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلى لا شبيه له ، ولا كفو له ، ولا شريك له في العبادة ، ولا في الملك والتدبير . كما قال سبحانه : اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وقال سبحانه : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ وقال سبحانه : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وقال سبحانه في سورة الحج : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وقال سبحانه : وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا والآيات في هذا المعنى كثيرة . والخلاصة أن الواجب على كل مكلف من الجن والإنس أن يخص الله بالعبادة ، وأن يؤمن إيمانا قاطعا بأنه الخلاق الرزاق ، لا خالق إلا الله ، ولا رب سواه ، وأنه سبحانه المستحق للعبادة لا يستحقها أحد سواه ، وهو المستحق لأن يعبد بالدعاء ، والخوف والرجاء ، والصلاة والصوم ، والذبح والنذر وغيرها ، كل لله وحده لا شريك له . قال تعالى : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا وقال تعالى : وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وهذا هو معنى لا إله إلا الله ، فإن معناها لا معبود بحق إلا الله كما قال تعالى : فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يعني : فاعلم أنه لا معبود بحق إلا الله فهو المستحق أن يعبد. ومن عبد الأصنام ، أو أصحاب القبور ، أو الأشجار ، أو الأحجار ، أو الملائكة ، أو الأنبياء ، فقد أشرك بالله وقد نقض قول لا إله إلا الله وخالفها ، وقد خالف قوله تعالى : وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وخالف قوله تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ فصار من جملة المشركين عباد القبور ، والأصنام ، والأشجار ، والأحجار ، الذين يستغيثون بأصحاب القبور ، ويتبركون بقبورهم ، ويدعونهم ، أو يطوفون بقبورهم يرجون نفعهم وثوابهم ، أو يستغيثون بهم ، أو يطلبون منهم الولد أو المدد أو ما أشبه ذلك مما يفعله عباد القبور ، وعباد الأصنام أو يستغيثون بالنجوم ، أو بالجن ، أو بالملائكة أو بالأنبياء أو بغيرهم من المخلوقات كل هذا نقض لقول لا إله إلا الله ، وشرك بالله ينافي التوحيد ويضاده ، ومخالف لقول الله جل وعلا : وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وقوله تعالى : وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ولقوله تعالى : وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ وقوله سبحانه : إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وقوله تعالى : إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ فلا بد من توحيد الله والإخلاص له في صلاتك ، وصومك ، وسائر عباداتك ، وفي ذبحك ، ونذرك . ، وخوفك ، ورجائك ، لا بد في كل ذلك من ترك الإشراك بالله والحذر منه مع الإيمان بالله ربك وأنه خالقك لا خالق غيره ولا رب سواه مع الإيمان بأسمائه وصفاته ، وأنه سبحانه ذو الصفات العلى والأسماء الحسنى لا شبيه له ولا كفو له ولا ند له كما قال سبحانه وتعالى : وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وقال تعالى : فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا والمراد أشباه ونظراء . وقال تعالى : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وقال تعالى : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ وعليه أيضا أن يؤمن بأن كل إنسان مكلف يجب أن يؤمن بأن الله سبحانه هو خالقه ، وموحده ، وأنه خالق كل شيء ومالكه وأنه هو المستحق أن يعبده ، وأنه هو الإله الحق ، وهو المعبود بالحق ، ولا يكون المرء مؤمنا إيمانا كاملا إلا إذا اعتقد أنه سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلى ، وأن أسماءه كلها حسنى وصفاته كلها على وأنه لا شبيه له ، ولا مثل له ، ولا كفؤ له كما قال سبحانه : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ قال تعالى : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا يعني لا سمي له ، ولا كفؤ له ، ولا شريك له . وقال تعالى : فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ والمعنى لا تجعلوا له أشباها ونظراء تدعونهم معه . وقال سبحانه وتعالى : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فهو يسمع أقوال عباده ويسمع دعاءهم ويراهم ومع ذلك لا شبيه له في ذاته ، ولا في أسمائه ولا في سمعه وبصره ، ولا في جميع صفاته فهو الكامل في كل شيء وخلقه لهم النقص ، أما الكمال فهو له سبحانه وتعالى في كل الأمور . فعليك بتدبر القرآن حتى تعرف هذا المعنى ، تدبر القرآن من أوله إلى آخره من الفاتحة وهي أعظم سورة في القرآن وأفضل سورة فيه إلى آخر ما في المصحف قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين تدبر القرآن واقرأه بتدبر وتعقل ، ورغبة في العمل والفائدة ، لا تقرأه بقلب غافل ، اقرأه بقلب حاضر بتفهم وبتعقل ، واسأل عما أشكل عليك ، اسأل أهل العلم عما أشكل عليك مع أن أكثره بحمد الله واضح للعامة والخاصة ممن يعرف اللغة العربية مثل قوله جل وعلا : حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ وقوله تعالى : وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وقوله سبحانه : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وقوله عز وجل : وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ وقوله تعالى : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ وقوله سبحانه : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وقوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وقوله عز وجل : وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فكله آيات واضحات بين الله سبحانه وتعالى فيها ما حرم على عباده وما أحل لهم وما آمرهم به ، وما نهاهم عنه . محاضرة لسماحة الشيخ عبد العزيز في مسجد الأمير متعب بن عبد العزيز بجدة مساء الخميس 13/8/1416هـ |
خطوات التأثر بالقرآن : 1) استحضار الجو الإيماني ومعايشة الحالة الإيمانية التي سيتقدم بها الفهم والتدبر وذلك بان يراعى آداب تلاوة القرآن والتي سنذكرها فيما بعد إن شاء الله . 2) تلاوة القرآن الكريم والوقوف على كل آية وتدبرها والانفعال معها . 3) تسجيل الخواطر والمعاني لحظة ورودها أو بعد الانتهاء من القراءة . 4) الاطلاع على تفسير مختصر لبيان كلمة غريبة أو تحديد معنى غامض أو معرفة حكم خاص ، فهذا الاطلاع للتوضيح أو التصويب أو الاستدراك مثل كتاب زبدة التفسير للشيخ محمد سليمان الأشقر . 5) محاولة تطبيق كل آية في كتاب الله تمر أثناء القراءة في الواقع واستخراج العبر والعظات من قصص السابقين وتدوينها والرجوع إليها بعد الرجوع إلى تفاسير السلف . 6) الحرص على حفظ الآيات في الصدر كما فعل سلفنا الصالح وكما كان يفعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يحفظ العشر آيات ولا ينتقل إلى غيرها حتى يطبقها وتكون واقعا عمليا في حياته . 7) الاطلاع على تفسير مطول يتوسع صاحبه في مباحثه ويستطرد في موضوعاته ويعرض ألوانا مختلفة من المعارف والثقافات مثل تفسير ابن كثير وتفسير الطبري وتفسير السعدي وأضواء البيان للشنقيطي .. وغيرها . |
الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 07:05 PM. |
Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd