** أيها الأحبة ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
** الـقـرّآن كلام الله المنزل بإحكام وإعجاز يقف لهما الكثيرون منّا عاجزين عن فهم وإدراك
هذه المعجزة الإلهية التي أنعم الله بها علينا وشرّفنا بها ، كيف لا ؟
وهو كلام الله سبحانه وتعالى الذي يسير بيننا ، ونقرأه ، ونحفظه ، ونملكه ، وفيه طريقنا
ودستورنا وتنظيم حقوقنا وواجباتنا ، وهو الحجة لنا أو علينا ..!!
** القرآن معجزة إلهية ستبقى كذلك حتى تقوم الساعة ، فهو معجزة لأنه كلام الحق والحقُ
لا يقول إلا حقا ، وهو معجزة في وقعه وتأثيره على النفس والقلب والعقل والجوارح ، وهو
معجزة في اللغة والبيان والوصف ،، وهو معجزة في سهولة حفظه والخشوع لآياته ،
وهو معجزة في تلاوته وتجويده وتنوع الأصوات العذبة به ... الخ
** أيها الأحبة :
** ما أكثر معاصينا وذنوبنا ، وما أحوجنا لحساب النفس التي لطالما أخذتنا إلى شهوة الدنيا
وزخرفها ، ولطالما زيّنت لنا أنفسنا الخلوة بالمعاصي ، ولطالما جعلت منا مراكب وثيرة
للشياطين ، ولطالما قادتنا نحو ما لا ينبغي لنا ..!!!؟؟؟
** فإن كنت أخي ممّن يجتهدون ويرجون رحمة الله ، فإنه لا بد لك أن تعيش لحظات
من ((حـصـّار الآيات)) ، وذلك في أوقات معينة ومناسبات معينة كالصلاة ، أو سماع تلاوة
القرآن بصوت عذبّ لشيخ تُحبه ، وفي لحظات خشوع وتدبّر .. ، وغالبا في الصلاة الجهرية
لقارئ تتوافر فيه وفي مسجده معظم أدوات الخشوع .
** ألا تُحاصرك الآيات أحيانا في صلاة (الفجر) مثلا ، وأنت خلف إمام قراءته وصوته جميل
ورائع ، والمسجد نظيف وخاشع ؟
ألا تُحاصرك آيات معينة تصف حالك البائس ومصيره ، أو تصف حال المجاهدين
والصادقين من المؤمنين في جنّات النعيم ،
أو تصف رحمة الله وغفرانه وبرّه وإحسانه وجوده وكرمه وفضله وكل نعمّائه عليك
وأنت لم تشكرها حق شكرها ، أو تصف عذابه وحسابه وجنته وناره ؟
** سبحان الله ... على إعجازه في قرآنه ..!!

** يقرأ الإمام المتميز (تلاوة وصوتا وتجويدا) مثلا ، سورة من السّور الطوال فلا تشعر
بطولها حين يُوفقك الله إلى الخشوع ، وحين يوفقك الله فتتعرّض إلى حصار شديد من الآيات
الدامغات التي تقشعر لها الأبدان ، وتنخلع لها القلوب ، وكأنك تسمعها ولأول مرة ،
كما حدث للخليفة (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
حينما لم يُصدّق خبر وفاته ، حتى سمع الخليفة (أبو بكر الصديق) رضي الله عنه يتلو عليه
قوله تعالى (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، أفإن مات أوقتل إنقلبتم على أعقابكم .. ) ،
فقال الخليفة (عمر) : كأنني أسمع هذه الآية لأول مرة ، أو قال : كأنني لم أقرأ هذه الآية
أو أسمع بها من قبل .
** سبحان الله ... يخرج من المسجد عشرات المصلين الصادقين والمقصرين والعُصاة ، وكلهم
قد حاصرته الآيات وبحسب عمله وإخلاصه ودرجة إيمانه ، لكن ردّة الفعل عند هؤلاء على
هذا الحصار تختلف من شخص إلى أخر ، ومن مجموعة إلى مجموعة في تأثيرها المعنوي
والسلوكي على المسلم ، وعلى تقوى الله .
** حينما تُحاصرنا آيات القرآن وتقع في قلوبنا وتعيّها عقولنا فإن البعض منا يقشعر بدنه
ويخشع قلبه وتذرف دموعه ، وينعكس ذلك على سلوكه وتقواه ، فيكون من الذين رحمهم الله
بإعجاز آياته وتدبرها ، فطوبى لهؤلاء ، ونسأل الله أن نكون ممّن يقرأون القرآن فيتدبّرونه
ويعملون به ، وإجعلنا ممّن يشهد لهم القرآن ولا يشهد عليهم ... آمين .
** والبعض منّا ((هداهم الله)) وأنا منهم ، ربما خشع قلبه ، وإقشعرّ بدنه ، وذرفت عينه ،
لكنه ...!!!! لكنه حينما قال (السلام عليكم ورحمة الله) الثانية ،
إلتفت يمنة ثم يسرة ، ورسم لنفسه مسارا إليه يكون سريعا ومُختصرا ، ثم قام ولم
يُعقّب ...!!! فقسى قلبه أو كاد يقسو ، وجفّت عينه وإستغلظ بدنه ،
فلم تُفيده آيات الله إلا حين حاصرته وشئ قليل من قول وعمل ،
لأنه مُعرض عنها وعن تلاوتها وتدبّرها والعمل بها وحفظها ،
ولأنه يضعف أمام شهوته حينا وأمام الشيطان حينا آخر ،
وربما تناسى أن هذه الآيات هي كلام الله ..!!
وهؤلاء على خطر من أن يتخطّفهم الموت على حين غـرّة و
هم يُسوّفون ويأملون ويخلطون عملا صالحا بأخر طالح ..!!
اللهم إن قلوبنا قاسية إلا من هدايتك ورحمتك ، اللهم وهبّ لنا قلبا خاشعا ولسانا ذاكرا ،
اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
** أحبتي في الله : هل حاصرتكم الآيات وشلّت أفكاركم فإنقلبتم نادمين خائفين ؟
م ن ق و ل .........
