المنتديات الموقع العربي الموقع الانجليزي الهلال تيوب بلوتوث صوتيات الهلال اهداف الهلال صور الهلال
العودة   نادي الهلال السعودي - شبكة الزعيم - الموقع الرسمي > المنتديات العامة > منتدى المجلس العام
   

منتدى المجلس العام لمناقشة المواضيع العامه التي لا تتعلق بالرياضة

إضافة رد
   
 
LinkBack أدوات الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 06/05/2003, 06:30 PM
موقوف
تاريخ التسجيل: 05/03/2003
المكان: أبــــهــــــــا البهية الي ترد العجوز صــبــيــة
مشاركات: 256
Post صلاح عمر العلي يروي قصة صدام.((الجزء الثاني))

البكر وصدام... حسابات العشيرة انتصرت على حسابات الحزب.

يقول صلاح عمر العلي، السياسي العراقي المعارض والعضو السابق في مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية لحزب "البعث"، ان المأساة بدأت حين انتصرت العشيرة على الحزب. ويروي كيف ضلع الرئيس أحمد حسن البكر في مناورة خطيرة مكنت صدام حسين من انتزاع موقع "الرجل الثاني" ليبدأ منه عملية الزحف على كل المواقع ومصادرة القرار.

لم يخطف صدام منصب "الرجل الثاني" ليقيم فيه الى الأبد. لم يتنبّه أعضاء القيادة الى الاحلام الكبيرة والخطيرة التي يحملها الشاب الذي لن يرحم كل من يعترض طريقه في الدولة والحزب والجيش.

ويروي العلي ايضاً كيف نجحت "الموساد" في اجتذاب طيار مدني عراقي في أحد كازينوهات لندن وضمته الى شبكة اخترقت بواسطتها اجهزة الأمن العراقية. وهي مسألة انتهـت بسلسلة اعدامات خلال مشاركة العلي في أرفع دوائر القرار في بغداد. وهنا الحلقة الثالثة:

< ما هو أبرز حدث وقع في رأيك بين 1968 موعد تسلّمكم السلطة والعام 1970؟

- انه بلا شك تعيين صدام نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة بعد شهور من تسلمنا السلطة. انه حدث كبير وخطير لأنه غيّر مجرى الأحداث ودفع العراق الى ما عاشه. انه سبب الكارثة.

< كيف حصل ذلك؟

- بعد 30 تموز (يوليو) أصبحنا أعضاء في مجلس قيادة الثورة بصفتنا أعضاء في القيادة القطرية. وكانت هناك اجتماعات دورية للهيئتين. في الأولى نناقش شؤون الدولة وفي الثانية شؤون الحزب. وكان كل عضو يقترح نقاطاً لوضعها على جدول أعمال مجلس قيادة الثورة ونناقش الأمور بهدوء وروية. ذات يوم طرح تساؤل: في حال وجود الرئيس أحمد حسن البكر خارج البلاد من يحل محله؟ كان لدينا نائب لرئيس الجمهورية، هو صالح مهدي عماش، لكن لم يكن هناك نائب لرئيس مجلس قيادة الثورة. قلنا نناقش هذه الفقرة لاحقاً. ولم نكن نعير المسألة كبير اهتمام ولم نفكر في أن يكون المنصب مهماً.

كان هناك انطباع عام بأن الشخص المؤهل لتولي هذا المنصب هو صالح مهدي عماش. الأسباب موضوعية: عمق تجربته وكبر سنه ودخوله القيادة القومية قبل الآخرين وتوليه حقيبة الدفاع في 1963 ثم انه رجل دولة وثقافته عالية ورتبته العسكرية رفيعة. أرجئت مناقشة هذه الفقرة أكثر من مرة، إذ اعتبرت البنود الأخرى التي تمس شؤون الناس أكثر إلحاحاً.

ذات يوم وفي احد الاجتماعات استهل البكر الحديث بالقول: "نحن تسلمنا السلطة وهذا البلد مهم وشهد أحداثاً مأسوية والصورة قاتمة بالنسبة الى الاخوان العرب. أنا أقترح إذا لم يكن لديكم مانع أن نكلف بعض الاخوان جولات عربية يحملون خلالها رسائل من رئيس الجمهورية للقاء المسؤولين وعقد مؤتمرات صحافية. وجدنا الاقتراح وجيهاً، ووقع الخيار على صالح مهدي عماش لبدء جولة في دول المغرب العربي. واقترح البكر أن يقوم مروان التكريتي، بعد عودة عماش، بجولة في دول الخليج العربي.

"مؤامرة" عماش؟

سافر عماش، وبعد يومين دعانا البكر الى اجتماع طارئ لمجلس قيادة الثورة. ومثل هذا الاجتماع لا يُدعى اليه إلاّ في حال وجود خطر أو مؤامرة أو مسألة بهذه الأهمية. وفي بداية الاجتماع تحدث البكر بحسرة وألم، قائلاً انه توافرت لديه معلومات موثوقة بأن صالح مهدي عماش يتآمر على الحزب والثورة ويخطط لإطاحة حكم الحزب وطلب من الحاضرين اتخاذ القرار المناسب.

كان لكلام البكر وقع القنبلة وسرعان ما حصل انقسام واضح بين المجتمعين. وكان هناك فريق يتمسك بالأصول العادية التي تقضي بعدم اتخاذ قرار في غياب المتهم ومن دون الاستماع اليه. واقترحنا أن يعود عماش ونواجهه بالتهمة ونسمع دفاعه وإذا لم نقتنع نتخذ القرار المناسب. الطرف الآخر أصر على ضرورة اتخاذ قرار بالإعدام وكان من أعضائه طه ياسين رمضان وعزة إبراهيم. حاول صدام أن يظهر أنه غير متحمس الى درجة كبيرة لمثل هذا القرار. توتر الجو واحتدم الجدل وتبودلت الإشارات ووصل الأمر الى أن معظم الحاضرين وضعوا أيديهم على مسدساتهم استعداداً لكل الاحتمالات. الحقيقة أننا اعتبرنا ان المسلسل يمكن أن يبدأ بعماش ثم ينتقل الى الآخرين.

صدام بدل عماش... وبدأت الكارثة
بعد نقاش وصياح تحدث البكر. قال أنا أوافق على تأجيل البت في القرار الى حين عودة صالح مهدي عماش. الفريق الذي كان يدعو الى ارجاء القرار بانتظار عودة الرجل اعتبر ان رأيه انتصر. فرحنا لأن العقل انتصر على التهور والقرارات الهوجاء بعد يومين أو ثلاثة، وكان عماش لا يزال في المغرب العربي. عقد الاجتماع العادي لمجلس قيادة الثورة. بدأنا مناقشة جدول الأعمال الى أن وصلنا الى فقرة تتعلق بتعيين نائب لمجلس قيادة الثورة. قرأ البكر الفقرة وسأل من يحب أن يرشح نفسه. كنا نعتبر أن عماش هو المؤهل، لكن من يجرؤ علي طرح اسم رجل متهم بالعمل على اطاحة حكم الحزب والثورة. كان مجرد طرح اسم الرجل يعني تعريض النفس لتهمة الضلوع معه في المؤامرة المزعومة. فور انتهاء البكر من سؤاله رفع أحد الأعضاء يده وقال أنا أرشح الرفيق صدام. وهذا العضو كان طه ياسين رمضان. تبعه عزة ابراهيم مؤيداً الترشيح. هكذا عُيِّن صدام نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة، إذ اكتفينا نحن بالصمت.

هنا يجب الاعتراف بأننا لم نتوقع أن يكون لهذا المنصب دور خطير. اعتبرناه رمزياً وشكلياً ولكن ما حصل هو العكس. فور صدور قرار تعيين صدام بدأت عملية تقاسم السلطة بين صدام والرئيس. هكذا ولد محور يملك السلطة ويحول الآخرين مجرد موظفين. تم اختصار السلطة برجلين. حصلت انتكاسة تمت خلالها العودة الى الحسابات العشائرية والعائلية وأخرج أعضاء مجلس قيادة الثورة وأعضاء القيادة القطرية للحزب من دائرة القرار. أعتقد أن الكارثة بدأت من هناك. لو بقي صدام عضواً عادياً في القيادة لما ارتكب ما ارتكب.

< وبدأ صدام رحلة الإمساك بالقرار؟

- نعم. انه نائب رئيس مجلس قيادة الثورة وعضو القيادة القطرية للحزب والمشرف على الأجهزة الأمنية.

مؤامرة صدام والبكر
< وماذا حصل بعد عودة عماش؟

- أكدت عودته صحة شكوكنا. اتصل بي البكر وطلب مني أن أستقبل عماش في المطار. ذهبت واستقبلته وقدت السيارة وأجلسته الى جانبي في الطريق الى بيته. قلت له غداً ستحاكم بتهمة التآمر على الحزب والقيادة وعليك أن تجهِّز نفسك. فوجئ مفاجأة غريبة. لم يكن على علم بالتهمة ولا باختيار صدام. حدّق بي وكأنه غير مصدق وسألني إن كنت أمازحه. أكدت له أن الأمر جدي تماماً. فكر للحظات ثم طلب مني أن أبلغه إذا كان حصل في غيابه شيء آخر. فكرت، لكن لم يخطر ببالي موضوع اختيار صدام وكأن ذهني بكامله كان منصباً على موضوع عماش. تذكرت كل القرارات إلاّ قرار تعيين صدام، إذ لم نعتبر يومذاك ان المنصب مهم. أعاد عماش طرح السؤال ففكرت ملياً، وتذكرت وقلت له ان الرفيق صدام عُيِّن نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة. حدّق بي طويلاً وقال: "هذه مؤامرة البكر وصدام على صالح مهدي عماش وليست مؤامرة صالح مهدي عماش عليهما. هذه مؤامرة نسجها البكر وصدام لتمرير التعيين. وبمجرد حصوله انتهى موضوع المؤامرة الأخرى. أؤكد لك ان موضوعي لن يبحث ولن يطرح عليكم. في أول اجتماع حضره عماش بدأ بتقديم تقرير عن رحلته. قاطعناه وقلنا: لماذا الحديث عن الرحلة؟ هناك قضية خطيرة للغاية تتعلق بتآمر. تدخل البكر وقال: أرجوكم هذا الموضوع تم فهمه وتسويته ولا ضرورة أبداً لمناقشته. وهذا ما حصل.

بين صدام وعماش
< كان صدام يكره عماش كثيراً؟

- كان حاقداً عليه. قبل وفاة عماش بنحو عامين تحدث صدام الى الكادر الحزبي. وقال ان عماش حزبي لكنه جبان، في حين ان مروان التكريتي غير حزبي لكنه شجاع. طبع الحديث في كراس صغير ووصل الى الشخص المعني. كتب عماش رسالة الى القيادة القومية لحزب البعث قال فيها: هل ترضى القيادة القومية أن يكون أحد أعضائها موصوفاً بالجبن. فإذا كانت تعتقد بصحة التهمة يجب أن تتخذ قراراً بفصله. وبعث برسالة الى القيادة القطرية يعترض فيها على الكلام ويطلب التصحيح.

رداً على ذلك، استدعى صدام قيادات سابقة من مجلس قيادة الثورة وقيادة الحزب في 1963 لتقويم عماش وكنت بين المدعوين. طلب صدام من الحاضرين تقويم عماش الذي قال أيضاً في رسالته: هل يصح ان توجه تهمة الجبن الى من كان مسؤولاً عن المكتب العسكري في الحزب في 1963 حين تسلَّم البعثيون السلطة ثم خسروها. كان صدام يصر على ان عماش لم يكن مسؤولاً عن المكتب العسكري في 1963. كان بين الحاضرين شخص يدعى محسن الشيخ راضي، وهو كان عضواً في القيادة القطرية في 1963 ومن البارزين ولا يزال حياً ويقيم في العراق. تحدث أعضاء في القيادة القطرية التي باتت بزعامة صدام، فشنوا هجوماً عنيفاً على عماش. وحين وجه السؤال الى محسن الشيخ راضي رد مؤكداً ان عماش كان مسؤول المكتب العسكري في القيادة وأنصف الرجل. طبعاً كانت جرأة منه. ذلك ان قول الحقيقة كان عملية شاقة يمكن أن تدفع صدام الى ارتكاب أي حماقة يمكن المرء أن يتصورها.

نظر صدام الى عماش كخطر محتمل وراح يقلل من شأنه وعينه سفيراً في فنلندا، وهي دولة ذات دور محدود، الى أن استدعي الى الجبهة ومات مسموماً.

مقتل عماش
< كيف قتل عماش؟

- يقول المقربون جداً ان تشريح جثته أكد أنه قضى مسموماً. والقصة هي الآتية: استدعي عماش الى بغداد للمشاركة في ما كان يسمى المعايشة، أي ارسال عدد من السفراء الى الجبهات خلال الحرب العراقية - الايرانية. طبعاً لا يحتاج عماش الى مثل هذه المعايشة، فهو عسكري كبير ومعروف، أمضى سنوات طويلة في الجيش. وعلى رغم ذلك أشركوه في الدورة وأمضى بين شهرين وثلاثة أشهر ثم عاد الى فنلندا. بعد عودته بدأ يعاني مشكلات صحية وتوفي خلال فترة قصيرة، علماً أنه كان رياضياً ولم يكن يعاني أي مرض. المقربون يجزمون أنه مات مسموماً.

الخلاف مع القيادة

صالح مهدي عماش.
< تولى صدام منصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة. ماذا فعل بعد ذلك؟

- اتخذ مقره في مبنى المجلس الوطني المعطل آنذاك. هنا بدأت عملية تقاسم السلطة والموازنة. أدرك صدام انه يحتاج الى مظلة البكر فلم يبخل عليه بالنعوت لكنه كان يؤسس سلطته. صدام شاب يعمل ساعات طويلة ويحلم بمستقبله. والرئيس لم يبق لديه ما يحلم به. منذ الساعات الأولى بدأ صدام، وتحت لافتة الولاء للرئيس، خطة ازاحة خصومه وفي الوقت نفسه إحكام قبضته على دوائر الأمن والإعلام والحزب. وهكذا كنت أول من أطيح به. حصل ذلك في تموز (يوليو) 1970 ومن حسن حظي ان القتل لم يكن كرس بعد كأسلوب تخاطب مع الحزبيين.

< لماذا وقع الخلاف بينك وبين القيادة؟

- أخرجت في شهر تموز 1970، وسأختصر المسألة بالآتي: كنت عضواً في مجلس قيادة الثورة وكذلك في القيادة القطرية للحزب حيث كنت مسؤولاً عن تنظيمات الحزب خارج بغداد وعن مكتب العمال. ثم انني من مدينة تكريت التي يتحدر منها البكر وصدام. هذا الواقع أتاح لي أن أطلع باكراً على الخروقات والتجاوزات التي بدأت عناصر من عائلة صدام بممارستها ضد المواطنين والمؤسسات. هنا لعب خيرالله طلفاح دوراً بارزاً في هذه الممارسات ومعه عدد كبير من الأقارب. وصلتني تقارير من المنظمات الحزبية حول هذه التجاوزات والتقى مضمون هذه التقارير مع ما نقله أصدقاء. تنفيذاً لنظام الحزب كان عليّ أن أبلغ قائد الحزب وهو رئيس الجمهورية بما يجري. بدأت بإطلاع البكر على التجاوزات وكان يعدني كل مرة باتخاذ الاجراءات اللازمة، لكنه لم يفعل.

تجاوزات خيرالله طلفاح
أذكر هنا حادثة طريفة جداً. أبلغتني قيادة الحزب في تكريت أن خيرالله طلفاح كان يتوجه في عطلة الأسبوع، وتحديداً يوم الجمعة، الى تكريت. ومن دون علم القائمقام كان يفتح مكتبه ويداوم فيه، وخلال وجوده هناك كان طلفاح يقوم بمصادرة بساتين وتوزيع أراض. عندما يأتي القائمقام في اليوم التالي يرى ان خطوات عشوائية اتخذها شخص لا صفة له وهي تمس الملكية والقوانين وتثير نزاعات في المجتمع. كان من واجب القائمقام اطلاع قيادة الحزب في المدينة التي اتفق أعضاؤها على التحدث الى طلفاح إذا جاء الأسبوع المقبل الى المقر. وهذا ما حصل. التقوه وحاولوا أن يشرحوا له ان هذه المسألة تؤذي الحزب. تحدثوا اليه بودٍ وأدب. فهم صغار وهو كبير في السن. ورد طلفاح بأن أمر بوضعهم في السجن. كانت القضية محرجة تماماً. رجل ينتهك القوانين ويسجن مسؤولين حزبيين لأنهم تجرأوا على لفت نظره الى خطورة ما يقوم به. شعرت بحرج شديد وتوجهت لمقابلة البكر وطرحت الأمر عليه بحدة. وأذكر أنني قلت له انه إذا كان يمكن التسامح في أمور صغيرة، فهذا الأمر لا يمكن التهاون فيه، لأنه سيعطي الناس انطباعاً أننا انتقلنا من حكم الحزب الى حكم العائلة. حاول البكر استرضائي وقال: هذه المسألة سأحلها وأنت أخي ورفيقي. لم يتمكن البكر من حل المشكلة إلاّ بعد إلحاح متواصل مني تخلله استخدام عبارات قوية بيني وبينه. أنا في الحزب كنت أعتبر حتى ذلك التاريخ الأقرب الى البكر، لكن المسألة لا علاقة لها بالعلاقات الشخصية.

عمليات تعذيب أدت الى الفراق
توالت الخروقات وتلقينا تقارير من مدن أخرى، استيلاء على بساتين وأراض. وكنت أراجع البكر باستمرار لكنه كان يعد بالمعالجة ولا ينفذ. بدأت العلاقة بيننا بالتدهور تدريجاً الى أن تفجرت تماماً وكان موضوع الخلاف التعذيب.

تزايدت لدينا المعلومات عن عمليات تعذيب تجرى في مراكز الاستخبارات والأجهزة الأمنية. لم نكن في السابق على اطلاع تفصيلي على ما يجري. وقعت حادثة لفتت أنظار الجميع الى ما يجري. اعتقل طبيب مشهور من دون أسباب واضحة وتعرض لتعذيب مخيف. في اجتماع مجلس قيادة الثورة طرحت الموضوع وقلت ان علينا ألاّ نناقش أي بند آخر قبل هذا البند وحسمه. والواقع ان الافتراق بدأ في ذلك الاجتماع.

< هل اصطدمت خلاله مع صدام؟

- الصِدَام الأساسي كان مع البكر لأنه صاحب القرار والمسؤول الأول. طبعاً موقف البكر وصدام واحد. كان الصدام شديداً جداً وقلت انني لن أحضر أي اجتماع آخر ما لم تحسم مسألة التعذيب حتى ولو كلفني ذلك الطرد أو السجن أو النفي. حاولوا استرضائي بالقول ان القصة عابرة ولا تستحق مثل هذا الخلاف. تمسكت بموقفي وقلت انني أعتبر المسألة من الكبائر. وقلت اننا جئنا لخدمة الناس وليس لممارسة الانتقام. وذكرت بما اتفقنا عليه سابقاً لجهة عدم تكرار ممارسات 1963. كان ذلك الاجتماع الأخير. وبعد أيام أصدر البكر مراسيم بإعفائي من عضوية مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية.

حاولوا اقناعي بقبول منصب سفير في فرنسا ووسطوا عبدالخالق السامرائي فرفضت. أبعدوني الى مصر لأن لا وجود لتنظيم حزبي فيها. ثم غادرت سريعاً الى بيروت بعدما تفجرت الأزمة في أيلول 1970 بين المقاومة الفلسطينية والنظام الأردني. قررت الالتحاق بالمقاومة، لكن المسألة كانت حسمت. وكان عبدالخالق شرح لي أنهم اختاروا إبعادي الى مصر لأن لا وجود لتنظيم حزبي فيها وتمنى عليّ قبول الإبعاد لأنه كان يخشى أن أتعرض للأسوأ. أمضيت شهرين في مصر ثم ذهبت الى بيروت ومكثت فيها الى ما بعد تأميم النفط في العراق في 1972.

عدت الى بغداد فجددوا عرض السفارة عليّ ورفضت. بدأت أتعرض لضغوط من داخل الحزب ومن أصدقاء لقبول العرض. كان مرتضى الحديثي وزيراً للخارجية، وهو صديق عزيز، فألح عليّ بالقبول وقال: "لا نريد أن نخسرك". ففهمت الرسالة. في 1973 كنت سفيراً لدى البلدان الاسكندينافية في السويد. وفي 1977 - 1978 في اسبانيا ومنها الى الأمم المتحدة كممثل دائم للعراق الى 1982 حين قدمت استقالتي عبر برقية قصيرة وتركت منصبي. جرت اتصالات ومساومات معي من داخل بغداد وخارجها لكنني تمسكت بقراري.

< لماذا استقلت؟

- خلال فترة عملي في السلك الديبلوماسي قدمت أكثر من استقالة. مرة عندما كنت في السويد وأخرى في اسبانيا. عندما قدمت استقالتي خلال وجودي في مدريد استدعاني البكر فذهبت اليه. أعرب البكر بعد أن شرحت وألححت عن موافقته المبدئية، لكنه طلب مني أن أزور صدام وقال إذا اتفقتما على الاستقالة فأنا موافق.

زرت صدام وحكيت له ان مزاجي مخالف لمزاج الديبلوماسية والعمل في السفارات وأنني لا أحب العيش خارج العراق وأعاني مشكلات صحية. وطلبت منه تفهم موقفي وقبول الاستقالة. جرى نقاش طرح صدام خلاله الموضوع بطريقة ملتوية. قال لي: "إذا استقلت يا صلاح سترجع الى بغداد. هل ستقفل باب بيتك وتجلس وحيداً. يجب أن تخرج وتتحدث وأنت عضو في القيادة (سابقاً). حين ترى أخطاء تمارس ستتحدث وهذا الكلام سيصلنا في التقارير وحين يصل الكلام ستحدث مشكلات بيننا وبينك. أي ان صدام اعتبر عودتي الى بغداد مصدر احراج قد يضطره الى اتخاذ اجراءات قاسية، شعرت ان الباب مسدود وعدت الى اسبانيا. في نيويورك أضيف موضوع الحرب العراقية - الايرانية الى جملة الأسباب التي تدعوني الى المغادرة.

صدام تغيّر فجأة
< هل تغير سلوك صدام بعد توليه منصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة؟

- تغير وبسرعة مذهلة ويمكنني القول انه تغير منذ الأيام الأولى لتوليه هذا المنصب. لم تعد لسلوكه علاقة بكوننا اشتراكيين ملتزمين قضايا الشعب والجماهير ويفترض ان يكون سلوكنا بسيطاً وبعيداً عن البرجزة. تغير صدام بصورة جذرية. فجأة صار موكب حراسته طويلاً. استقدم حراساً من قريته ومن عائلته. كانوا في معظمهم من الشبان الأميين يمتاز سلوكهم بقدر من الوحشية ولا فكرة لديهم عن الدولة والقانون والانضباط. لم يقدم أي شخص آخر على سلوك من هذا النوع.

فور توليه منصبه الجديد اتخذ صدام من مبنى المجلس الوطني مقراً له وهو المبنى الوحيد الفخم إذا استثنيا قصر الرئاسة. هنا بدأت لعبة الهالة والتميز عن الآخرين. ترافق ذلك مع بدء تقاسم الموازنة مع البكر والشروع في لعبة توزيع الأموال والأسلحة. كنا نعيب عليه هذه الأمور ونعتبرها مظاهر سلبية. ثبت لاحقاً انه كان أكثر دهاء من الآخرين وأكثر معرفة ربما بنفسية المواطن العراقي العادي. أطلق صدام ومن دون أن يعلن برنامجاً يرمي الى توسيع دائرة الموالين له. شراء الولاء بالمال أو التوظيف أو الحماية. وشبكة المصالح هذه ستتسع لاحقاً كلما وسع دائرة امساكه بالقرار الإعلامي والأمني وفرض نفسه معبراً الزامياً الى المواقع في دوائر الدولة والمؤسسة العسكرية والأمنية.

الحقيقة وعلى رغم اهتمام صدام بإبقاء المظلة التي يشكلها البكر، بدأ الناس يتحدثون عن السيد النائب أكثر مما يتحدثون عن رئيس مجلس قيادة الثورة ورئيس الجمهورية. طبعاً بعد تأميم النفط صارت الموازنة التي يستطيع صدام التصرف بها مذهلة وتصاعد الرهان عليه في الأوساط الحزبية والشعبية حتى الحزب الشيوعي وقع في الرهان على صدام والإشادة به.

< كوزير للإعلام، لمن كنت تعطي الأولوية في أخبار الصحف والإذاعة والتلفزيون؟

- علاقتي كانت مع البكر، والأولوية لأخباره وكان صدام يرغب في ذلك أيضاً ليتاح له الوقت الكافي لبناء فريقه. انه رجل يعرف كيف ينتظر.

< استقلت في 1982. الى أي موعد ظل النظام يسعى الى اعادتك؟

- لم يتوقف يوماً. حتى في رأس السنة الحالية كانت هناك محاولات. لم يوقف النظام محاولاته. أوفد إليّ في نيويورك حسين كامل. وجاء طارق عزيز حاملاً إليّ رسالة من صدام. مدير الاستخبارات فاضل سلفيج جاءني حاملاً رسالة من صدام وهو ابن خالته أيضاً. أدخل كثيرين في هذا الموضوع. يريدني كما يقولون أن أقبل منصباً أو أن يحدث نوع من التفاهم. موقفي قاطع ونهائي.

اختراق الموساد
< بعد توليكم السلطة في 1968 بفترة تحدثتم عن كشف جواسيس ونفذتم عمليات إعدام أثناء وجودك في مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية، ما هي القصة؟

- في الحقيقة إنها قصة معقدة. قبل وصولنا إلى السلطة حدثت واقعة مع شاب عراقي يعمل طياراً في "الخطوط الجوية العراقية" من عائلة الربيعي، وهي قبيلة كبيرة. كان يعمل على خط بغداد - لندن. اعتقد بأن الطائرة كانت تتوجه إلى لندن ويمكث طاقمها هناك 24 ساعة قبل القيام برحلة العودة إلى بغداد. يبدو أن هذا الشاب كان مولعاً بالعيش، أي أنه كان يشرب ويرتاد الكازينوهات في العاصمة البريطانية. أخذ الربيعي يتردد على كازينو معين. يربح ويخسر. ذات يوم منيّ بخسارة كبيرة ولم يبق معه أي فلس. بسبب تردده صار يعرف بعض الزبائن. احتار كيف يغطي نفقاته إلى يوم غد. رآه رجل انكليزي فسأله هل تمانع في أن أساعدك بمبلغ ما دمت خسرت كل شيء، فأجاب أنه سيكون مسروراً جداً. المساعدة أدت إلى صداقة بين الرجلين وصارا يترددان على المطاعم.

بعد فترة تبين أن البريطاني إسرائيلي وفاتح الطيار العراقي باقتراح العمل مع الموساد. لم يعط الربيعي جواباً قاطعاً، وقال لصديقه إن الأمر يحتاج إلى تفكير ودراسة وطلب مهلة للرد. عاد إلى بغداد وعن طريق أحد أقاربه أبلغ دائرة الاستخبارات العراقية بما حصل معه. هنا طلبت الاستخبارات العراقية منه أن يتجاوب مع طلب صديقه وأن يفتح علاقة مع الموساد.

عاد الربيعي إلى لندن وأبلغ الرجل بموافقته فراح الأخير يعده بأموال وحياة مرفهة. اعتقد الطيار بأن الأمر فرصة له. الاستخبارات العراقية على اطلاع، وبالتالي فهو يقدم خدمة لوطنه ثم أن الأمر يوفر له بعض الأموال من دائرة الاستخبارات. راح الإسرائيلي يكلفه بمهمات. طلب منه مثلاً أن يحضر له آخر خريطة لمدينة بغداد. ذهب الربيعي إلى دائرة الاستخبارات فأعطوه خريطة لبغداد، لكنها ليست الأخيرة. حملها إلى لندن وسلّمها.

في اللقاء التالي قال البريطاني - الإسرائيلي للطيار العراقي: "نحن اتفقنا أن نكون صادقين مع بعضنا، وأنا تحدثت معك بصراحة. هذه الخريطة ليست الأخيرة". تذرع الربيعي بأن هذه هي الخريطة التي استطاع الحصول عليها. كلفه ضابط الموساد بمهمات أخرى وكان الربيعي ينقل الأجوبة التي تزوده بها الاستخبارات العسكرية.

الجاسوسة الشقراء في بغداد
في أحد اللقاءات قال رجل الموساد للربيعي: "أحب أن أقول لك وبحكم الصداقة. اتفقنا على شيء ولم تلتزم به، سأعطيك فرصة لمراجعة حساباتك. عليك أولاً أن تقطع صلتك بالدائرة التي تعطيك هذه المعلومات، وأن يتصف تعاونك معنا بالأمانة". اصيب الطيار العراقي بالرعب. فالأمر يعني أن دائرة الاستخبارات العراقية مخترقة من قبل الموساد.

عاد إلى العراق ووجد نفسه في ورطة. راح يفكر وانتهى به الأمر إلى قرار بترك الوظيفة والتخلي عن السفر إلى لندن والاختفاء. والواقع أنه اختفى في بغداد لكن الموضوع ظل يطارده. ذات يوم تعرض لحادثة غريبة جداً. لا تزال قبل 1968. في أحد أيام تموز (يوليو) وعند الظهر حيث يمكن أن تصل الحرارة إلى 50 درجة، خرج من البيت لشراء سجائر. لدى خروجه إلى المخزن القريب من البيت شاهد فتاة أجنبية شقراء تتلفت كأنها ضائعة. اقتربت منه وقالت: "ارجوك يمكن أن أسألك؟". فقال: "تفضلي". قالت: "اريد أن أذهب إلى منطقة الباب الشرقي في بغداد، هل يمكن أن ترشدني كيف أذهب؟". شرح لها، فتظاهرت بعدم الفهم. راودته رغبة في مساعدتها، فأوقف سيارة تاكسي وقرر أن يوصلها إلى الباب الشرقي.

في سيارة التاكسي، حدقت الفتاة الشقراء بالرجل وقالت له يا فلان، وأوردت اسمه. استغرب لكنها تابعت. قالت له: "أنا لست ضائعة، أنا جئت للبحث عنك ومكلفة بابلاغك الآتي: إذا لم تعد إلى اتصالك السابق معنا سنقتلك مهما تخفيت. أنا مكلفة أن أنقل اليك الرسالة". صعق الرجل وانتابته مشاعر غريبة. هل يعقل أن تأتي امرأة يهودية وتهددني في عاصمة بلدي؟ هل اقتلها أم أصمت؟ طبعاً دخلت اليهودية بجواز سفر آخر.

أوصلها إلى الباب الشرقي، وعاد إلى منزله، وأمضى أياماً وهو يقلّب الأمر قلقاً. في النهاية قرر أن يكتب ما حصل معه في رسالة سلّمها إلى قريب له بعثي على أمل بأن يرفعها القريب إلى قيادة الحزب الذي كان لا يزال خارج السلطة. وصلتنا الرسالة في القيادة فطلبنا من قريبه أن ينصحه بالاختفاء والابتعاد عن المشاكل. لم نكن نريد إثارة فضيحة، خصوصاً اننا نخطط للاستيلاء على السلطة. وهنا أريد أن أقول إن تلك الحادثة كانت المدخل إلى كشف أسرار خطيرة جداً تتعلق باختراقات الموساد في الأجهزة العراقية وكشف اسماء العراقيين المتورطين في شبكات لها علاقة بالمخابرات الإسرائيلية والغربية. عندما تسلمنا السلطة وباتت دوائر الأمن تحت سلطتنا أحضرنا الرجل وبدأنا البحث. وجدنا في الاستخبارات العسكرية معلومات عن شبكات تجسس وضلوع شخصيات في اتصالات بدوائر أجنبية. والأمر نفسه في أجهزة الأمن. ومن خلال هذا الشخص توصلنا إلى العناصر التي تعمل في دائرة الاستخبارات ولها ارتباطات أجنبية، مع إسرائيل وأجهزة أوروبية خصوصاً البريطانية.

طبعاً قيل لاحقاً إن بين من اعدموا ابرياء وغير متورطين. لا استطيع أن أنفي أو أؤكد. ربما لحق الظلم ببعض الأشخاص في عمليات الإعدام التي حصلت في 1969لكن استطيع التأكيد أن وجود الجواسيس كان فعلياً، واستمعنا في مجلس قيادة الثورة إلى تقارير عن ذلك.
اضافة رد مع اقتباس
   


إضافة رد


قوانين المشاركة
غير مصرّح لك بنشر موضوع جديد
غير مصرّح لك بنشر ردود
غير مصرّح لك برفع مرفقات
غير مصرّح لك بتعديل مشاركاتك

وسوم vB : مسموح
[IMG] كود الـ مسموح
كود الـ HTML مسموح
Trackbacks are مسموح
Pingbacks are مسموح
Refbacks are مسموح



الوقت المعتمد في المنتدى بتوقيت جرينتش +3.
الوقت الان » 07:59 AM.

جميع الآراء و المشاركات المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها فقط , و لا تمثل بأي حال من الأحوال وجهة نظر النادي و مسؤوليه ولا إدارة الموقع و مسؤوليه.


Powered by: vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd

Google Plus   Facebook  twitter  youtube