في البداية يبدو لي ان ليس هنالك ثورة تحدث بتوافق الشعب بمجمله .. ولكن ما يحدث غالبا هو ان يتخذ حزب ما أو جماعة ما قرارا يسعون من خلاله الى اسقاط النظام القائم نتيجة قناعات معينة .. ويسعى هذا الحزب او هذه الجماعة الى محاولة ترويج افكارها قبل الثورة واثناؤها من اجل استقطاب التعاطف الشعبي .. والمنتصر في النهاية بين الدولة والثوار هي قدرة كل طرف على اقناع المجتمع بصحة موقفه والقناعات التي يتبناها ،،،
كما يجب ان ننسب اسباب نجاح الثورات او تأخرها بعد توفيق الله.. للعوامل التالية :
- في مصر وتونس : العائلة الحاكمة لم تكن كبيرة جدا حتى تفرض وجودها على المؤسسة العسكرية والأمنية .. لذلك كان الحسم مبكرا بمساهمة المؤسسة العسكرية التي لم يكن لأسرة مبارك أو أسرة زين العابدين دور ريادي ومؤثر فيهما .
- في ليبيا : كانت أسرة القذافي في المقام الأول وبعض المقربين من قبيلته في المقام الثاني لهم نفوذ ودور قيادي في المؤسسة العسكرية والأمنية في ليبيا .. لذلك عندما قامت الثورة كانت الأنشقاقات من الجيش ليست ذات أثر كبير وذلك لأن جميع الألوية العسكرية الرئيسية في ليبيا تخضع لقيادة ابناء القذافي .. لذلك نستطيع القول ان نجاح الثورة الليبية كان عطفا على التدخل الخارجي الذي جرد جيش القذافي من عوامل تفوقه .
- في اليمن : أسرة الرئيس علي صالح كان لها حضور قوي في المؤسسة العسكرية .. ولكن امام هذه القوة كانت هنالك قوة مكافئة من الناحية العسكرية وهي قوة القبيلة وقدرة افرادها وعتادها العسكري على خوض الحروب والمعارك لذلك حاول الرئيس السابق انتهاج ( سياسة التجويع ) التي عانى منها شريحة واسعة من اليمنيين خلال العقدين الماضين كمحاولة منه لأسقاط هذه القوة ولا نستطيع ان ننكر انه تمكن من تحقيق بعض النجاحات .. كما هنالك قوة مكافئة اخرى من حيث التعبئة السياسية والشعبية وهي قوة الأحزاب السياسية .. لذلك كان الرئيس السابق على قدر عال من الذكاء في قراءة الثورة اليمنية .. فبالرغم انه قادر على خوض هذه الحرب وربما ايضا ينتصر ولكن يبدو انه وضع في اعتباره حجم الخسائر التي سوف يتلقاها ووجد انها ستكون كبيرة جدا حتى في حال الانتصار .. لذلك كانت المبادرة الخليجية التي وفرت الضمانات للرئيس السابق وفي نفس الوقت حافظت على تواجد شخصيات في صناعة القرار اليمني يملكون علاقة ايجابية مع دول الخليج .
- في سوريا : لا يختلف الوضع كثيرا عن ليبيا واليمن باستثناء ان الركيزة الرئيسية للنظام ليست الأسرة او القبيلة ولكن المذهب الديني أو الطائفة وفي مقابل ذلك لا توجد قبائل بالعدد والعتاد كما باليمن ولا يوجد تدخل اجنبي كما حدث في ليبيا .. لذلك وجدنا الثوار في مواجهة النظام بمفردهم يراهنون في معركتهم على الوقت ! .. كما يراهن النظام السوري في الطرف الآخر على الوقت أيضا ! .. وفي قدرة كل طرف على المضي قدما في القتال دون رجعة .
سوف أطرح تساؤل آخر .. من هو المستفيد من سقوط النظام السوري ؟
ويمكن تقسيم ذلك وفق التالي :
1 - خارجيا :
الدول المحيطة بسوريا والتي يهمها بقاء النظام السوري من عدمه ويؤثر عليهم بشكل مباشر هم كالتالي :
العراق - الأردن - الكيان الصهيوني - لبنان - تركيا
العراق ولبنان وسوريا وايران : بينهم حلف قائم
الأردن : ليس من مصلحتها ان تقف في وجه سوريا .. ففارق القدرات والامكانيات بينهم كبير ويصب في مصلحة سوريا .. حتى انها في بداية الثورة حاولت مجاملة لدول الخليج ان تتخذ موقف حيال سوريا .. ولكنها تراجعت عنه
تركيا : القرارات السياسية التي تؤثر على حياة المواطن التركي كاعلان الحرب ليس بيد الرئيس بمفرده .. او اذا صح التعبير لا يستطيع ان يرتجل هكذا موقف اذا لم يضمن ان ما يتجاوز تقريبا 80 % من الشعب معه .. والشعب في تركيا لا يقبل هكذا حرب سوف تؤثر بشكل مباشر على حياته ولقمة عيشه .. كما ان هنالك اقلية علوية في الحدود المتاخمة لسوريا يجب ان تؤخذ بالاعتبار خاصة اذا ما تمكن النظام السوري من الترويج في الاوساط العلوية التركية ان هذه الحرب هي حرب طائفية ! .. كما ان النظام التركي بمجمله لن يكون الحرب ضمن اجندته .. لذلك ما تقوم به تركيا ليس سوى مغامرة مستقبلية في حال اسقاط النظام ان تكون هنالك مساحة كبيرة للشركات التركية في اعادة اعمار البلاد .
الكيان الصهيوني : بالرغم ان سوريا تعد هي الصوت الرافض الوحيد لهذا الكيان مؤخرا في العالم العربي .. الا انه من جانب اخر لم تشكل سوريا خطرا حقيقيا على الكيان الصهيوني منذ قرابة 40 عام .. وتحديدا من حرب 73 م .
قد يقول قائل ان سوريا تدعم حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية وهما عدوان رئيسيان للكيان الصهيوني !
واعتقد من وجهة نظري .. ان المؤسسة العسكرية في الكيان الصهيوني من مصلحتهم وجود عدو حتى يتمكنوا من الحصول على حصة كبيرة من موازنة الكيان الصهيوني في تطوير قدراتهم وادواتهم العسكرية .. كما ان الصهاينة يعلمون جيدا ان اي اتفاق مستقبلي مع سوريا على مسألة الحدود ( وهو وارد جدا ) سوف يعني انقطاع الدعم عن حزب الله وحماس وبالتالي اضعاف قدرتهما على المواجهة .. سوريا والكيان الصهيوني وحزب الله وحماس كل منهم يعرف حقيقة ذلك .. ولكنها المصالح وفق العرف السياسي .. وبالتالي لا اعتقد حقيقة ان الكيان الصهيوني قد يرغب حقيقة باسقاط النظام السوري .
من جانب آخر .. هنالك الدول من خارج المحيط السوري ومعنيين بالشأن السوري .. وهم كالتالي :
روسيا والصين : وكلاهما يرتبطان بمصالح اقتصادية كبيرة مع النظام السوري .. ولنا ان نتخيل ان مجمل أحتياجات سوريا الاقتصادية يتم استيرادها من كلا الدولتين مع غياب الشركات الاوروبية والامريكية .. اضافة الى النفوذ العسكري الروسي من خلال قاعدته البحرية الشهيرة في البحر المتوسط في مدينة طرطوس تحديدا .. ويقال ان سقوط الطائرة التركية كانت بصواريخ روسية وليست سورية .. والله أعلم ،،،
امريكا وحلفائها : هنالك عاملين رئيسين تضعهم امريكا في الاعتبار في موقفها حيال سوريا .. الأول : أمن الكيان الصهيوني .. الثاني : الموقفين الروسي والصيني .. وكلاهما حتى الآن يصب في مصلحة سوريا !
دول الخليج : وهي التي تحمل حقيقة على عاتقها هم الشأن السوري .. وذلك وفق وجهة نظري نتيجة انهم تنبهوا مؤخرا لخطر التنامي الايراني ولكنهم لا يملكون القدرة بمفردهم على اسقاط النظام .. كما لا يملكون القدرة على قيادة المنطقة نحو فرض اجندة سياسية معينة .. واذا لم تقتنع الدول الكبرى بمشروعهم .. فلن يكون بمقدورهم تغيير شئ !
بالتالي يبدو لي أن فكرة التغيير من الخارج تبدو ضعيفة جدا ..
2 - داخليا :
الأخوان المسلمون : وهم التنظيم الرئيسي في البلاد .. الا ان النظام السوري منذ عهد حافظ الأسد كان قد جفف منابعهم جيدا والبقية الباقية من قياداتهم فروا الى الخارج .
الأكراد : وبحثهم عن مشروع دولة .. وهم بسبب مشروعهم لا يوجد من يتعاطف او يقبل مساندتهم اقليميا .
السنة : لا يبدو ان هنالك مشكلة حقيقية سوى لمن يتطلعون بأحقية السنة باعتبارهم اغلبية بتناول سدة الحكم في سوريا .. وهذه الفكرة ليست رائجة او ذات اعتبار كبير بين السنة أنفسهم الذين يجعلهم يقبلون بتضحيات في اموالهم وارواحهم لأجل منصب سياسي .
الأقليات العرقية والدينية الأخرى : ليس لديها أطماع سياسية .. بل يعرف عادة عن الأقليات ولائهم للأنظمة السياسية حتى يكفون انفسهم الوقوع في صدامات مع الآخرين .
القبائل : وتواجدها ضعيف على الخارطة السياسية والاقتصادية في سوريا .. فمناطقهم نائية على الحدود العراقية والأردنية .. كما ان قدراتهم لا يمكن مقارنتها بقدرات جيش نظامي .
لذلك اعتقد ان الخصوم الحقيقيين للنظام السوري هم ضحايا هذه الحرب الداخلية .. لذلك كلما ازدادت حماقات النظام في تعاملها الدموي مع الشعب .. كلما ساهم ذلك في تنامي عداء المجتمع السوري لها .. وانا اعتقد ان الحكومة السورية لو تعاملت بذكاء وبعد نظر مع بداية المشكلة وحلها في مهدها لكانت قد قطعت الطريق امام شرارة هذه الثورة .. ولكن روح فرعون عندما يتملكها البعض فانها تغرقه وتغرق الآخرين معه كما غرق فرعون وجنده في اليم .
يبدو لي ان الحسم السوري سوف يكون داخليا نتيجة حمامات الدم التي يمارسها النظام .. والتي فرضت على الشعب السوري قرار المواجهة لسببين :
1 - الرغبة في الثأر ممن قتل اهلهم ودمر ممتلكاتهم وقام بتشريدهم .
2 - الخوف من قبول اي مصالحة او تسوية سياسية تعرضهم لانتقام النظام الحاكم بعد ذلك .
وبالرغم من ذلك فأن احتمال استمرار النظام وفشل الثورة السورية وارد جدا ،،،
ختاما .. ينتابني احيان تساؤل مرعب ! .. ماذا لو ان ما نشاهده في قناتي العربية والجزيرة ليس سوى افلام من صناعة القناتين !
آسف على الإطالة
ولكنني سعيد بهذه الصفحة وهذه المساحة من العصف الذهني 
كما انني سعيد بمشاركات الأحبة فقد كانت مشاركاتهم ثرية جدا .. وكنا نفتقد ذلك مؤخرا 
شكرا اخي العزيز
وفقك الله في غربتك ووفقنا الله في هموم حياتنا والمسلمين ،،،