حسبنا الله ونعم الوكيل، ما زالت الدماء تسيل في سوريا ولا جديد.
التقيت بشخص سوري أمس وسألني من أين أنت؟ أجبت من السعودية فكانت ردة فعله بعد كم جملة من المجاملات: حرام اللي تعمله دول الخليج في سوريا وبشار، قلت له باختصار: لا أعلم أهل مكة أدرى بشعابها، ثم انصرفت.
هنا في الولايات المتحدة، التقيت تقريباً بخمسة أشخاص من الشام وجميعهم من مؤيدي بشار، وفي البدايات كنت أتصور بأنهم يتظاهرون بذلك خوفاً من مخابرات المجرم، ولكن يبدو لي الآن ورغم انفراط السبحة بأن لذلك النظام من يدعمه، بل إنهم ليسوا قلة!
في تصوري ما حدث ويحدث كالتالي:
إن كان غالبية السوريين ضد النظام، فقد ظلموا أنفسهم ولم يستفيدوا من التجربة المصرية، ففي مصر عندما بدأت الثورة كانت تحت سيطرة النظام حتى جاء ذلك اليوم الذي تواجد فيه أكثر من مليون إنسان على الأقل في ميدان التحرير، وأمام ذلك الحشد والمشهد الرهيب، استحال على الجيش إلا أن ينضم إليهم وينقلب على الحكم.
في المقابل فإن تعداد سكان سوريا يزيد على 23 مليون نسمة، حسباً لبعض المواقع الإلكترونية، وفي الأيام الأولى للثورة السورية، لم أرقب، حسب الأخبار الواردة وما شاهدته في شاشات التلفزة، أكثر من عشرات الآلاف خرجوا في درعا وحماة، وحتى بعد أن تسارعت الأحداث لم نسمع أو نشاهد أن الملايين تتظاهر في كل أنحاء سوريا! وهنا قد يقول قائل بأن تعداد سكان مصر قرابة الثمانين مليون وهو رقم أكثر بكثير من تعداد السكان في سوريا، ولكن لا ننسى أن المليون مصري الذين أشرت إليهم كانوا في القاهرة فقط، وإجمالاً أظن بأنه لو خرج من دمشق 300 ألف فقط من أصل أربعة ملايين، كما تذكر بعض الإحصاءات، فإن الحال بالتأكيد لن يكون كما هو عليه الآن.
بالمناسبة نفس السيناريو كان سيتكرر في ليبيا لولا إرادة الله ثم التدخل الغربي، وذاك كون الثورة تركزت في الشرق الليبي والذي كان ومازال يهدف إلى الإستقلال أكثر من اهتمامه بطرابلس.
وقد يقول آخر بأنها ليست بالعدد وإنما بالتسليح، وهذا برأيي غير دقيق، فالشواهد التاريخية تثبت أن السلاح لا يمكن أن يقاوم إرادة أغلبية الشعب، هذا ما حدث في فرنسا قديماً، وفي مصر حديثاً، وبطريقة معاكسة فإن الكثير ممن كتبوا عن الحرب العالمية الثانية نسبوا النجاح المبهر الذي حققه السفاح هتلر في الثلاث سنوات الأولى من الحرب كان الدعم الكبير الذي لقيه من قبل شعبه في السنوات التي سبقت اشتعال الحرب، وهو الشعب الذي كان منزوع السلاح وأنهكته تبعات الحرب العالمية الأولى ورأى بأنه لا سبيل للتغلب على صعوبات العيش إلا التغذي على خطابات هتلر ودعمه بلا حدود، وبالفعل بدأوا بالتسلح رغماً عن أنف معاهدة فرساي، وكان لسان حال قوى التحالف حينها لا نستطيع بقوتنا وأسلحتنا ردع شعب بأكمله!
لست هنا لألقي باللوم على الشعب السوري، وأعلم أنهم الآن في موقف هم أشد حاجة فيه إلى الدعم لا الملامة، ولكنه أمر برأيي يجب أن نقف عنده بل سأهذب بعيداً لأقول بأن في هذا الطرح ما قد يكون داعماً لهم وسبيلاً للخروج من أزمتهم ولو كان مكلفاً.
خلاصة التصور، إن كان غالبية الشعب السوري يرغب في الخلاص من هذا المجرم، فليخرجوا جميعاً كسيل هادر يقتلع كل ما يقف في طريقة، وفي هذه المرحلة وبعد أن رأينا أطفالاً يحملون السلاح هناك، فإن مصطلح الخوف من سلاح النظام وشبيحته يجب أن لا يكون له معنى في قاموس السوريين، فما وقع قد وقع ولا سبيل للرجوع وإن كان الثمن باهضاً، وأما إن كان أغلبية الشعب في صف النظام، وأن عواطفنا قد حجبت عنا رؤية المشهد الصحيح، فإن للأغلبية الحق في تقرير مصيرهم وإن لم نلتق معهم في ملة أو مذهب.
أخيراً إن كانت النسبة متساوية بين مؤيد ومعارض، فلعل حل الدولتين، آسفاً، هو الأقل ضرراً!
ختاماً أسأل الله العلي القدير أن يحقن دماء المسلمين هناك وفي كل بقاع الأرض.
* تحية صادقة لكل الأحبة هنا
