إسحاق نيوتن على مائدة السليق



كان الإغراء الغذائي وما زال وسيلة ناجحة لسرقة القلوب وجذب الميول , وتحقيق المعجزات وإنتقال الإنسان من حال إلى حال .

ودائماً ما يكون بطن الإنسان هو العضو الجسدي المتهم في هذا الشأن , فبطن الإنسان عندما يفرغ من الطعام وتصبح الحاجة ماسة وضرورية لتعبئة هذا البطن , فهنا قد يكون البطن سبباً لشقاء الإنسان وحزنه ومعاناته الدائمة , وقد يكون سبباً في سعادته وتقدمه وتحقيقه للمعجزات .

التفاحة هذه الفاكهة العجيبة التي صنعت المعجزات على كوكب الأرض , وأرتبط أسمها مع هبوط الإنسان وصعوده وسعادته وشقائه وفرحه وحزنه وضحكه وبكاءه . تفاحة أدم التي أرتبط أسمها مع هبوط الإنسان من الجنة إلى كوكب الأرض البائس معلناً بذلك بداية لكفاح الإنسان وجريه خلف لقمة العيش , فأصبح الإنسان يقتل الإنسان والحيوان والطير والزواحف من أجل تحقيق رغبات بطنه .

إسحاق نيوتن العالم الفيزيائي الشهير عندما كان يجلس تحت شجرة التفاح , ويُقال بأنه كان جائعاً في تلك اللحظات الخالدة , وعند سقوط التفاحة على الأرض أكتشف نيوتن قانون الجاذبية الأرضية ومع هذا الإكتشاف كانت الإنطلاقة الحقيقية للإنسان نحو التقدم وصعود عنان السماء .

وكأن التفاحة هنا تقدم إعتذارها للبشرية بعدما كانت سببا في بؤسها فقدمت لهم الإثبات العلمي الذي من خلاله تحسنت أحوال البشرية وعاشوا رفاهية ورغد من العيش .

ومع هذا ما زال الإنسان مستمراً في قتل الإنسان والحيوان والطير وحتى الزواحف لإشباع رغبات بطنه .

وإستغلالاً لرغبات البطون وإشباع جوعها الأزلي كانت الفكرة مطبقة في عالم الكرة السعودية لجذب إنتباه الإنسان وترسيخ ميوله وكسب محبته الدائمة , ولكن التفاحة ليست هي بطل الحكاية في هذه المحاولة الجهنمية في سبيل كسب الجماهير .

فالمعجزات الكونية والبشرية والإنقلابات التاريخية لم تكن حكراً على التفاحة , فوجبة السليق كان لها دور البطولة في عالم كرة القدم السعودية , بل أن وجبة السليق نافست التفاحة في أثرها على حياة المواطن السعودي .

في زمن إكتشاف البترول وزمن الفقر والجوع , كانت بداية ظهور فكرة تقديم وجبة السليق لجذب المشجع الرياضي , ونحن هنا نتحدث عن حقائق مثبتة لا ينكرها التاريخ الرياضي .

فهناك أندية من المنطقة الوسطى والمنطقة الغربية يشهد عليهما التاريخ الرياضي بتقديم هذه الوجبات في سبيل جذب الأنصار والمؤيدين , وهذا الكلام لا ينكره أحد وما زال متداولاً في ذاكرة كبار السن .

وهكذا يكرر بطن الإنسان حكايته في تحقيقه للسعادة أو تحقيقه للتعاسة فهناك من كانوا يجلسون على موائد السليق عاشوا بعد ذلك سعداء رياضياً وورثوا السعادة والهناء لأبنائهم وأحفادهم من بعدهم , وهناك من عاشوا تعساء وورثوا التعاسة لأبنائهم وأحفادهم من بعدهم .

هناك جماهير ما زالت تعاني من أنديتها وما زالت صابرة محتسبة على أمل عودة مهديها المنتظر عجل الله فرجه , حتى أرتبط الصبر والإنتظار بحالهم وبظروفهم .

نعم لقد صنعت وجبة السليق المعجزات في عالم كرة القدم السعودية , وحققت ما عجزت عنه المتعة الكروية والبطولات والإنجازات الرياضية .

ولك أن تتخيل يا عزيزي القارئ عندما يكتظ مدرج كامل بالجماهير في وقتنا الراهن , والسبب في ذلك يعود لجوع البطون في العصور الغابرة .

هل رأيت كيف يحقق إشباع رغبات البطن المستحيلات في هذه الحياة , فإشباع رغبات البطن قد يختصر عليك المسافات نحو تحقيق الأهداف والطموحات .

فصاحب فكرة الإغراء الغذائي المتمثلة في تقديم وجبات السليق لكسب الأنصار , رجل صاحب دهاء وحنكة , وقد تجلت حنكته ودهاءه في النتائج العظيمة التي حققتها فكرته المجنونة .

ونحن هنا لا نتحدث عن روابط المشجعين فهؤلاء جماهير مأجورة في أغلب أندية العالم ولا يهمنا أمرها , ولكن حديثنا متركز على الجماهير العادية , ووجبات السليق كانت تقدم للجماهير العادية وليست لرابطة المشجعين .

نعم هي حقيقة مؤلمة ومحزنة عندما نعلم بأن هذه الوسيلة الرجعية في جذب الجماهير تنفرد بها رياضتنا السعودية , وما يزيد الألم والحزن هو نجاحها الكاسح والمحطم لكل الأرقام والمقاييس .

إدارة الشباب الحالية وضعت نصب عينيها زيادة المدرج الشبابي وإبراز جماهيرية الشباب وإستخدمت لهذا الهدف ثلاثة أمور أساسية وهي :

المحافظة على تحقيق البطولات والإنجازات , وجلب النجوم الكبار والمحافظة عليهم , بالإضافة للإهتمام بالنواحي الإعلامية والصوت الشبابي في الإعلام .

طبعاً هذه الطرق في جلب المشجع هي طرق عقلية فكرية تسعى لإعطاء العقل مساحة كبيرة للتفكير والإختيار , بالرغم أن هناك من يحاول إتهام نادي الشباب بتهمة الإغراء الغذائي , وهذا للأسف كلام باطل من جميع النواحي .

نادي الشباب عن طريق المتعة الكروية التي يقدمها والتي تعد الوسيلة الأبرز لكسب الجماهير لم يستطع التغلب على المفعول طويل المدى لوجبات السليق التي ما زال أثرها سارياً حتى يومنا هذا .

نعم هناك تحسن ملحوظ في جماهيرية الشباب وزيادة مفرحة لكل أنصار العقل والمنطق , ولكن هذه التحسن لم يزال أقل من المطلوب .

ما زالت وجبات السليق منتصرة نوعاً ما على العقل والمنطق وهو دليل بأن المشجع الرياضي ما زال يفكر ببطنه لا بعقله للأسف الشديد .


المصدر

إسحاق نيوتن على مائدة السليق