العودة مجبرا ً إلى الماضي


تمر على الإنسان لحظات يجد نفسه مجبرا ً للعودة قليلا ً إلى الخلف , يكسوه الكثير من الحنين لا يخلو من العَبرات الخانقة , تجده يتقلب على فراشة يمنة ويسرة , ومرة مستلقيا ً على ظهره , يجول بناظريه سقف الغرفة وكانه يستكشفه من جديد .
على الرغم من أنه في تلك اللحظات قد سافر بروحه وما تحويها من مشاعر إلى الماضي , تاركا ً جسده الذي أنهكه الأرق وحيدا ً في وحشة الظلام إلا من بصيص من الضوء قد تسلل من ثقب صغير إلى داخل الغرفة .

كذلك أنا عدت البارحة مجبرا ً أجر أذيال الخيبة من واقعي المر إلى ذلك الماضي الجميل المفعم بالحياة , بالحب , بالإشتياق , باللوعة , بالهجر , بالوصل , المليء بكثير من المشاعر المختلفة والمتضادة حد التنافر .

عدت إلى تلك الليلة الشتوية التي أنهكتني فيها المذاكرة وأنا في صراع ٍ مرير بين حساب ٍ مدين وآخر دائن , بين قيد متساو ٍ وقيد ( يرقل ) , حتى قد قارب مني اليأس فركلت كل ماله علاقة بتلك القيود غير مأسوف ٍ عليها .
ومسكت كراستي الوفية التي أنثر فيها ما يختلج في داخلي من مشاعر متوقدة , التي كانت هي بمثابة المعين الوحيد لي في تفريغ تلك الشحنات التي تزاحمت في داخلي .

فخرجت في تلك الليلة ببضع ٍ من الأبيات تسمى مجازاً شعراً , وهي في الحقيقة أبعد ما تكون عن الشعر بعد النصر عن البطولات , ولكن كما قال العرب القدامى ( القرد في عين أمه غزال )

كثير من الأحيان أرى في نفسي شاعر لم يجد الزمان بمثله , وأنا في الحقيقة عارٌ على الشعر وأهله , حتى أن ما اكتبه تحت مسمى شعر أجبن في نشره خوفا ً من سياط النقد اللاذعة , وحتى لا أنكشف ويظهر الخافي المستور وأقع في شر أعمالي .
لذلك أحاول إقناع نفسي دائما ً بأني ذلك الشاعر القدير المكير الغزير ويكفي أن يكون ذلك بيني وبين نفسي دون أن يطلع عليه احد , كل ذلك خوفا ً من أن تظهر الحقيقة المرة .
ولأني لا أجيد المقدمات فسأعود بكم معي إلى تلك الليلة لعلكم تخففون القليل من معاناتي

عقلي وقلبي والنهار .. ودموع عيني والعويل
وأزهار وأشعار ومحار وبدر ٍتمناك اختيار

ماهو كذا حتى الرغيف اللي نتاجه من حصيل
يدّي ويدّك والسنين اللي قضيناها بعمار

حرام نبكيك وتنوح شامة على صدري النحيل
وورده سقيناها سوى ودربٍ تملّل الإنتظار

تذكر لقانا بالخريف ؟ والورد ذابل ما يميل
من كثر فرح الورد فينا عاد وتلبّس الإحمرار

وشدو العصافر انبلج وغنى على قاف الطويل
أروع تراتيل الغرام .. لعيون لقيانا وثار

والحب فوق السارية شامخ يبي يغيض النخيل
رفرف على موج النسيم وأنشد نشيد الإنتصار

خلّ اللقاء وأذكر معي العيد الأول يالخليل
كيف النسايم غضتها وأخجلنا بالحب النهار

وغنتنا ميّاده عشق ماله بهالدنيا مثيل
وطوق المحبة ضمنا وشكل حوالينا سوار

لا تبرر وتشرح ولا .. وافي وأنا عندي الدليل
منته من اللي ينكرون العيش وملحه والبهار

بس بغيابك أنسكب وأمسي أنا كلي عليل
وشموع عيني تنصهر وأنا ماأحب الإنصهار

ماعاد في الضحكة تغم ماعاد فـ الشمعة فتيل
ماعاد موسيقى الشعر تعرف معلمها نزار

ماعاد كراس الشعر لعابه لحروفي يسيل
والفكر من بعد الصعود اليوم ميّل فـ انحدار

حتى القوافي أبحرت من شط شعري للرحيل
وتحلف بيطّول صدها ولأجلك بتعلن الإنتحار

تم بتر بعض الأبيات حفاظا ً على الحقوق الفكرية , وحتى لا يتجرأ منصور الشادي وأمثاله لسرقتها وآكل هوى


ودمتم في رعاية الله وحفظه