لا أحد يشك في نوايا رعاية الشباب، حين تمنح الفرصة تلو الأخرى للاعبين المشاغبين أو الخارجين عن الروح الرياضية (إن جاز لي التعبير)، حين تصدر عفوا شاملا عن الموقوفين، بغض النظر عما حدث منهم .. فالأمر لا يحتاج اجتهادات في التفسير أو اتهامات من البعض بأن العفو جاء ليستفيد منه نادٍ معين .. فحسن النوايا في القرار واضحة جدا، وجميع الأندية استفادت منه، ولكن هل حسن النوايا كافية لنجاح عمل ما! أعني هل حسن النوايا وحدها تكفي ليصبح العمل ناجحا .. وهل هذا العفو يفي بالغرض؟ من وجهة نظر شخصية، أرى أن قرارات العفو هي ليست محاولة لمنح اللاعبين فرصة فقط، بل لأن القرار أحيانا يكون بسبب غضب من تصرف أرعن قام به لاعب، لم ينتبه أنه لا يمثل نفسه بل يمثل ناديه أو منتخبه. هذا ما أكدته قرارات الإيقاف (لن أتحدث عن الإيقافات التي طالت لاعبي الأندية حتى لا ندخل في جدل عقيم)، بل سأكتفي بالإيقافات التي طالت بعض لاعبي المنتخب في فترات متفاوتة، وبقرارات مختلفة أيضا .
في الثمانينات تم إيقاف بعض اللاعبين بعد بطولة الخليج الحادية عشرة، لعدم انضباطهم لمدة سنتين ومنعوا من السفر أيضا .. بعدها بسنوات أُبعد بعض اللاعبين من معسكر المنتخب في جدة، لعدم انضباطهم دون أن يطالهم الإيقاف .. هناك لاعب أُبعد من المنتخب في المكسيك إبان بطولة القارات دون أن يطاله إيقاف، وكان لنفس السبب الذي أوقف به البعض الآخر .. في كأس العالم الأخيرة شاهدنا كسر أصابع (أي عدم انضباط) ولم يتم الإبعاد، وبالتأكيد لم يكن هناك إيقاف .. فلماذا لم يطبق عليهم نظام واحد .. كيف حدث هذا؟
البعض يرى أن المسألة مرتبطة بالأمزجة، وأن نتائج المنتخب تحدد كيفية العقاب وحجمه .. البعض الآخر يقول إن العقوبة من جنس العمل، وإن عدم الانضباط وحجمه هو ما يحدد العقوبة . وبين هذه الفئة وتلك، ظلت العقوبات متفاوتة، وأصبح العفو شبه موسمي، وكل من يخرج عن الروح الرياضية يسخر من قرار الإيقاف، لأن العفو سيلغي العقوبة .. وأصبح اللاعب المنضبط يتساءل : ما قيمة أن أتمسك بالروح الرياضية طالما من لا يتمسك بها يشاركني اللعب ولا فرق بيني وبينه؟ لنبتعد قليلا عن هذا وذاك، وسؤال اللاعب المنضبط، الذي هو سؤال منطقي ومبرر .. ولنتأمل المشهد من بعيد. قلت في البداية إن ما تقوم به رعاية الشباب قائم على النوايا الحسنة، قلت أيضا إن النوايا الحسنة لا تكفي وحدها لننجح .. فما الذي نحتاجه لتصبح القرارات لها قيمتها ولها سلطتها، ويكف اللاعب المنضبط عن طرح سؤاله (ما قيمة أن أتمسك بالروح الرياضية طالما من لا يتمسك بها يشاركني اللعب ولا فرق بيني وبينه)؟ كل ما نحتاجه لائحة واضحة ومحددة للعقوبات، ومدونة على الورق، ولا تخضع لاجتهادات أعضاء الاتحادات، أي يجتمعوا ليقرروا حجم العقوبة .. فمثل هذه الاجتماعات تجعل الأندية الكبيرة تضغط بسلطتها على أعضاء الاتحادات، لتصبح القرارات ضعيفة، إن لم أقل مثيرة للضحك .. فأنا ما زلت أذكر ذاك اللاعب الذي حاول التعدي على الحكم، فتم شطبه نهائيا، فيما لاعب آخر صفع الحكم، فتم إيقافه ست مباريات .. ومن أخرج هذين القرارين نفس الاتحاد ونفس الأعضاء . وأظن بهذه الطريقة تصبح العقوبات واضحة، ولا تحتاج لاجتماعات، ليبت في الأمر، ولا تتدخل الأمزجة في تحديد العقاب فتطال من لا تحب . أيضا علينا أن نستفيد من تجربة لجنة الاحتراف ولوائحها الملتبسة، فنمنح الفرصة لقانونيين لوضع لوائح واضحة، وتنزع للعدل، نحتاج مع القانونيين متخصصين في اللغة العربية .. فالجمل حمالة أوجه إن لم يكتبها متخصص . وحين نضع لوائح واضحة ومعلنة للجميع، لن ينتظر الشارع الرياضي ما الذي سيسفر عنه اجتماع الاتحادات للبت في العقوبة، ولن يخرج أحد ليعلن أن هناك ظلما، أو أن يضع مقارنة بين من صعد المدرجات ليشتبك مع الجماهير ولم يطله عقاب، وبين من صعد وطاله العقاب . فالعقوبة واضحة ومعلنة قبل أن يقع فيها اللاعب، هذا اللاعب الذي يوهم نفسه في بعض الأحيان بأنه مظلوم، لأنه حاول التعدي على لاعب الخصم، فأوقف عشر مباريات، فيما لاعب آخر تلفظ على الحكم فأوقف مباراتين فقط.. وأجزم أن أي لاعب يقف هذا الموقف لن يرى خطأه ولن يصححه، لأنه ظلم في حجم العقاب .
أعرف أن هناك لوائح للعقوبات أعدت على عجل، ويوزعها بعض الاتحادات، لكنها لا تفي بالغرض ولا هي تلم بكل الأمور، لأن من وضعها مجتهدون، وليسوا قانونيين. فهل تعمل رعاية الشباب على وضع لوائح واضحة تشمل جل العقوبات، لتتضح الصورة، ومن ثم توقف العفو، لأن المسألة أصبحت واضحة للجميع، ولا يحق لأحد أن يتظلم طالما خرج عن الروح الرياضية، طالما هو يعرف مسبقا ما العقاب الذي سيطاله جزاء عمله، ويتوقف اللاعب المنضبط عن تكرار سؤاله (ما الفرق ...الخ)، ويكف اللاعب المشاغب عن الضحك على العقوبات التي يلغيها العفو .. هذا العفو الذي ينبئ عن النوايا الحسنة .. لكنه لا يحقق العدل؟