كباقي المعتقلين، اُعتقل إبراهيم
بنفس الطريقة، يمشي في إحدى الطرقات مع قليل من أصدقاء الثورة وأصدقاء الدم،
يرمقهم شاب على ملامحه الجمود وُسم على جبهته بخائن ، يعجل بخطواته ، يؤشر لمجموعة بعيدة فيأتوا مسرعين، تجتمع الكثرة على الشجاعة ، يحملونهم، يضربونهم، يضعونهم في سيارة ثم يتوجهون إلى المجهول.
شخص في الدور الرابع يصور مايحدث ثم يخفتي فجأة !
ستة عشر يوماً ، قضاها في السجن في منتصف اللامكان حيث لاشيء إلا الروائح القبيحة وصراخ المساجين ، أستطيع أن أشم الرائحة هناك، عزة المساجين وخيانة الجنود وصديد الجروح ، وبعض الأطفال التي لم تتعدى أعمارهم العشر سنين، لم تدمع عيونهم بعد، وكأن كبراء القوم يرون موتهم في عيون الذين تربوا على كلمات طيور الجنة، الأطفال هؤلاء هم من سيحرر لنا فلسطين، لا لشيء فقط لأنهم لايخشون شيئاً ولا يقدسون رمزاً.
ستة عشر يوماً، تماماً نفس عدد الأشخاص الأبرياء الذين اُتّهموا بالإرهاب في بلدي، هل هي مصادفة حقاً ؟ أم أن الكون يخبرنا بأن الأنظمة متشابهة؟
هذا كله تحت الأرض
أما خارج الأرض: فأمّه تبكي وتدعي طوال الليل، لا أن يفرج الله عنه بل أن يسقط الله الظالم !
أخوه يسعى في الأرض، راشياً كل المسؤولين من النائب العام حتى عامل نظافة قصر العدل- الذي ليس له من اسمه نصيب - محاولاً الوصول إليه أو على الأقل عدم تعذيبه !
الحكومة البريطانية تم إعلامها بالأمر بحكم أن المعتقل احد حاملي جنسيتها، لم تتخذ أي خطوة
الجزيرة، العربية ، حتى البي بي سي والسي ان ان، حتى البيت الأبيض عرف عنه !
لكن ليس هناك أي صدى للأمر، مجرد مواطن عربي تم سجنه لأنه تحدث، لماذا يتحدث؟
في آخر يومين له، أخرجوه إلى سطح الأرض معصوب العينين مقيد الأيدي والقدمين، صفوه بجانب عدد من السجناء حالهم كحاله، لاتعلم أين أنت ولا ماذا تفعل هنا وما هي تهمتك ولا حتى إن كنت في ليل أو نهار.
مكانٌ موحِل، روائح نتنة كقلوب أصحابها، الأرض مليئة بالمياه والقاذورات، ضربوهم على التوالي مُنادين بالبعث والحزب الوطني الاشتراكي وبشار وحافظ – على قبره لعائن الله-، حتى مروا بستّيني أوشك على الهلاك صاح عليهم بأن لديه مرض في الكبد، فضربوه على كبده حتى أُغشي عليه !
صاح إبراهيم، “ياللي مابتخافوا الله” قام أحدهم راغبا بضربه، صاح صوت من بعيد:” هاد موصّى عليه”. اختلفوا فيما بينهم فأخبروهم بأنه يحمل الجنسية البريطانية ، ورغم ذلك تلقى ماتلقى من ضرب.
قضوا ليلتهم على الأوساخ معصوبين مقيّدين مبللّين بماءٍ قذر.
في يوم غد أرسلوهم لقسم الشرطة وتمت معاملتهم باحترام وكأن شيئاً لم يكن. ليرى الإعلام هذا الوجه منهم فقط ، حتى أنهم سألوه إن كان يريد أجرة التكسي، رفض إبراهيم وقال:” المال الحرام مابدنا ياه” تلقى ضربة على وجهه جعلته يلفظ حشوة ضرسه!
تم التوقيع على تعهدات وأوراق، تم خرقها خلال هذا المقال.
رفض سائق سيارة الأجرة أن يأخذ “ليرة واحدة” لتوصيله الأحرار لمنازلهم.
وصل لأمه : فدار ذاك المشهد حين جلسوا على الأرض يقبّل كل منهما قدما الآخر مع بكاء شديد، تجمع أهالي الحارة كلهم لهذا المشهد، ذاك الذي رأينا معتزاً يفعله في مسلسله الشهير، معتز ليس أسطورة خيالية يارجال، معتز في كل سوري اليوم.
حين أشرقت الشمس من جديد: خرج إبراهيم مع الجموع يصيح, “يسقط بشار يسقط” !
-عبدالله بن خالد
تفضلوا مدونتي
عبدالله بن خالد
الوضع الشجري
