شاهدت قبل فترة برنامجا وثائقيا يتناول الحياة البرية للحيوانات ( وانتم بكرامة ) .. وكانت تلك الحلقة تسلط الضوء حول حياة الكلاب البرية في الغابات .. وتبدأ الحلقة عندما يسلط مخرج البرنامج الصورة نحو قطيع من تلك الكلاب وهي تسير على غير هدى وبخطوات متثاقلة ورأسها منحني نحو الأرض وقد سمحت للسانها ان يتدلى من فاهها وقطرات اللعاب تتبعثر ميمنه وميسرة .. مضى بعض الوقت والمخرج بواسطة فريق التصوير لا زالوا يتتبعون مسيرة تلك الكلاب البرية التي تبعث على الملل ! .. فجأة يتوقف القطيع بمجمله عن الحراك .. وتنتصب قامات تلك الكلاب .. وتعود ألسنتها الى داخل أفواهها .. وتتصلب نظرات الأعين نحو هدف لم يظهره لنا المخرج في لحظتها ! .. ثم تبدأ الكاميرات بأخذ جولة بجوار تلك الكلاب لتصور لنا رؤوسها وهي تعلو وتهبط بسرعة متناهية بين تلك الاحراش كأنها تتلصص على شئ ما .. ثم تنتقل كاميرا المخرج الى الجهة الأخرى لتصور لنا غزال صغير يبدو انها قررت الإبتعاد عن والدتها لتستكشف العالم من حولها دون أن تتنبه لتلك الكلاب التي تحيط بها عازمة على إفتراسها دون وازع او رادع .. فهم حيوانات وتلك شريعة الغاب !

كنت أسير ذات يوم في شارع بإحدى المدن العربية .. كان الشارع يسير بهدوء بمركباته التي تعددت اشكالها والوانها والغرض منها ! .. وكان هذا الشارع مليئ بالعمائر التي تقدم خدمة الشقق المفروشه لمن لا يرغب بالسكن بالفنادق .. وكانت هنالك فتاة متحجبة تخرج من أحدى تلك العمائر ومصطحبة في يدها طفل صغير .. لم يكن في مظهر الفتاه ما يسيئها أو يلفت النظر حيالها ويبدو انها قادمة من مدينة اخرى ورغبت بالمسير قليلا في هذه المدينة وشراء بعض الحلوى للطفل الذي معها .. ما كادت هذه الفتاه ان تقطع الشارع وتحط على الرصيف الآخر حتى شاب الشارع ما يشبه التيار الكهربائي ! .. فالأنوار الخلفية لكثير من السيارات قد ازدادت احمرارا كنايه عن استخدام الفرامل للتوقف .. هنالك سيارات بدأت تحاذي الرصيف ومن بداخلها يطلون برأسهم يحدثون الفتاه ويدعونها للصعود معهم وهنالك من أمتدت اياديهم نحوها حاملة قصاصة ورقية او محاولة للمس الفتاة ! .. توقف الشارع عن المسير مع توقف تلك السيارات .. واخذ الطفل يبكي والفتاه تتلفت ميمنة وميسرة وقد بدى انها تفاجئت مما يحدث حولها ولم تستطع معرفة ماذا يمكن أن تفعل ! .. هنالك سيارة تقل بضع شباب ترجل اثنين منهم متجهين نحو الفتاه وسط ضحك مجنون ممن يشاركونهم السيارة .. هنا حملت الفتاه الطفل وقطعت الشارع الأول المزدحم بالسيارات وهي تركض وأكملت ركضها تقطع الشارع الثاني الذي لم يكن مزدحما .. وكان لطف الله أن لم تكن هنالك سيارة في تلك الاثناء مسرعة والا لكانت حصدت الفتاه والطفل بين يديها .. اكملت تلك الفتاة ركضها الى داخل العمارة السكنية التي تسكنها وهي التي كادت تتعثر عدة مرات اثناء ما يبدو انها تجربة الركض الأولى لها في حياتها ! .. بضع دقائق وتفرق الجمع كأن شيئا لم يكن !

المنظر اعلاه منظر جدا مهين .. فان تحدثنا بلسان الدين فالجميع يعلم ان الدين لا يقبل هكذا عدوان على محارم الله .. حتى لو فرضنا ان هنالك امرأة ليس لها دين أو ملة أو خلق وقررت في مظهر متطرف الخروج عارية دون ما يسترها .. فلا اتذكر ان هنالك في شرع الله ما يجيز التحرش بها ؟! .. وان تحدثنا بشرع القبيلة وعادات المجتمعات العربية وتقاليدها فالجميع يرفض ان يتصف بهكذا خلق وضيع !

فكرت لماذا أذن هذا الجنون ؟! .. هل هي شهوة الجنس ؟! .. لا اعتقد اننا بلغنا درجة من السعار وراء شهواتنا دون مراعاة لحرمة أو خلق .. هل هي الرغبة في المغامرة ؟ .. ولكني ايضا لا اعتقد ان روح المغامرة تكمن في افزاع الاخرين وترويعهم .. هل هي التسلية ؟ .. وهل اصبحت اعراض الناس لعبة حتى يبحث اخرين التسلية من خلالها ! .. هل هو الفراغ ؟ .. وما ذنب الآمنين المستأمنين في ان تقضي فراغك في أذيتهم والعدوان عليهم ! .. كما هنالك أمر آخر .. أين الرحمة ونحن مع كل سورة نردد الرحمن الرحيم ؟ .. وانت تروع تلك الفتاه ومعها طفل صغير !

ماذا يحدث ؟ .. لست أدري ! .. فهنالك خطأ ما ! .. خطأ يكمن في هكذا سلوك اجرامي يتم بجرأة متناهية دون ان تظهر على معالم من قاموا بهكذا تصرف ملامح الرهبة او التردد ! .. خطأ ان تمارس هكذا جريمة وهي جريمة فعلا امام جمهور الناس عيانا بيانا دون خوف أو وجل ! .. الخطأ ان تجد من في الشارع يشاهد تلك الجريمة تحدث امامه وكأنه أمر اعتيادي جدا !

حقيقة لقد عجزت في هذا الموضوع ان أجد تفسير منطقي لهكذا تصرفات اصبحت تتنامى يوما بعد آخر واصبحت من السلوكيات المشاهدة في كل المدن والعواصم العربية المحسوبة على دين الاسلام ! .. ولم اجد في ذاكرتي سوى ذلك العجوز اليمني البسيط وهو يوجه حديثه ويشير بعصاه نحو شباب عابث بالقول : خافوا الله .. يا خلق الله !