مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 19/05/2008, 11:09 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ الظــاهـرة
الظــاهـرة الظــاهـرة غير متواجد حالياً
كاتب هلالي مميز
تاريخ التسجيل: 06/04/2006
المكان: بين أوراقي القديمة ..!!
مشاركات: 1,155
قصـــة.. (عندما يدوي صراخ الطفل في حضن الشيخ ) ..!!





عندما .. يصرخ الطفل .. في حضن الشيخ ..!!



على غير العادة أقلب أوراق الماضي بصوت مسموع رغم حرصي أن يكون حروفها في غياهب النسيان لا أدري لمــا أصبح ذلك شعور سوار يقيد يدي فألزمني كثيرا التقوقع حول أوراقي حتى لا يفر منها ورقة فتقع على يد عابر أو متطفل حين يفتش في دهاليز عالمي الخـــاص .. رغم أنها لا تخلو من مواقف تستحق أن تنثر هنا بين الأوراق .. ولكن أظنه بخل أمتطى صهوة الشح .. وأعني قلة وقت .. رغم أني أعشق الكتابة حتى الثمالة .. بلا ترنح بدن ..!!

فرغم أني كثير الترحال لأسباب مختلفة وبكل تأكيد لم يكن للسياحة نصيب منها .. بل عمل أحببته في البداية ليصبح فيما بعد كابوس يقلق مضجعي .. بل أظن الأمر كومة هم وضع في مظروف أزرق اللون بداخله تذكرة سفر تعني أستعد مرة أخرى .. ورغم كل ذلك أجد قلمي يصاب بالدور من كثرة ما يلامس الورق قبل ساعة نوم ..!!

وليتك أيها القارئ تجد لي وقتا تشاركني أحداث موقف لازال خالدا في ذاكرتي بكل تفاصيله التي تمر كلما دنوت من بوابة الصعود .. رغم أني لم أدون منها حرفــا على غير العادة .. فأحداثها فرضت نفسها في قلب الذاكرة ولم يعد للأحداث نصيب تسمر بالحبر خشيت ما يفعل الزمن بكل حدث عابر ..!!

ففي منتصف شهر ربيع الأول من عام 1426 هـ وجدت على مكتبي ذلك المظروف الأزرق الذي يعني استعد للسفر .. رضيت أم لم ترضى .. ولم يكن مني إلا أن لملمت أوراقي كالعادة لأتوجه بعد ذلك لمطار الملك خالد صبيحـــة يوم الخميس مستعينا بالله على سفر العشر ساعات ومنذ أن وطأت قدماي المطار وأنــا أفكر في العودة لأني كما ذكرت أصبح الترحال كابوسا يجثم على القلب .. ولكن ما يهون تلك الرحلة أنها كفاح حياة لا بد منها .. وطمعا في زيادة رزق .. وعلى الله كان التوكل ..!!

وبعد استراحة قصيرة سمعت صوت المنادي يعلن فتح بوابة صعود الطائرة لتتجه يدي صوب الحقيبة ترفعها لتعلن بعدها خطوات المسير دخول تلك القرية الصغيرة التي تسمى طائرة .. لأتجه نحو مقعدي المخصص وكحال الجميع يد تمد بلاشعور يسحب حزام السجن الذي أظنه عبث لمن كان بين السماء والأرض .. ولكن ليس لنا إلا أبشروا .. !!

لتبدأ رحلتي المعتادة حين أقلب نظري في كل الوجوه القريبة مني أتمعن في تفاصيلها .. وفي كل مرة أردد لا جديد فالكثير منهم يخفي خلف تلك الابتسامة التي ترتسم على محياهم حالة القلق التي تنتاب أغلب مسافري الطائرة .. لأعيد نظري لأقرب صحيفة تطولهــا يدي لأقطع بها طول الرحلة كعادة .. وبينما أنا منغمس في فصفصة حروفها .. قاطعني صوت رخيم الحرف هل هناك جديد يستحق القراءة .. أدرت رأسي أتأمل في من رمى تلك الحروف وإذا برجل في السبعين من عمره .. ارتسم على وجه علامات السنين التي لم تترك من بلغ ذلك العمر إلا وحطت رحالهـــا على كل جزء من جبينه ..!!

لتأخذ الرحلة منحى أخر من المتعــة والشد والجذب بيني وبين ذلك الرجل السبعيني .. ليكون من بين حروفـــه قصــة تستحق أن تنثر أوراقها هنا لكل متأمل في هذه الحياة المليئة بكل العبر ولكن من يستفيد .. فهي تعلن أن السعادة لها معاني متفاوتة في نظر كل محروم من نعمة يتنعم بها غيره .. وأليك الحديث بتصرف لضمان المتعة ليس إلا .. رغم أن حروفها هي الواقع الذي عشته أثناء تلك الرحلة ..!!

لأرد على الشيخ : لا أخفي عليك أن قراءة الجريدة أصبحت حروف تسليـــة نقطع بها طول الطريق كما يفعل غيري .. لأن الأعلام أصبح مملكة صعبة الفهم .. فلم يعد بمقدورنا فك رموز صحيحها من سقيمها .. فلقد اختلط الحابل بالنابل ليصبح عالم متلاطم الأمواج .. وتحتاج إلى من يجد الغوص .. ولست إلا متطفل يحاول أن يكون له نصيب من فهم واقعه رغم أني وفي كل مرة افشل وبكل أسف .. هي حروف بدأت بها حكايتي مع ذلك الشيخ ..!!

ليرد ذلك الرجل السبعيني بعد أن سمع تلك الكلمات .. رغم أني بلغت من العمري عتبا إلا أني لم اقلب ورقة واحدة من تلك الصحف لأني أظنها هدرا للوقت .. فهي بضاعة تسوق على حساب كل المفاهيم التي يجب أن تسود وتبقى ..فهي من وجهة نظري بضاعة رخيصة من العيب أن تقتنـــى .. فهي أصوات تقمعنا أكثر من كونها صوت تبث همومنا ..!!

لأقطع حروف الشيخ السبعيني .. وما الذي يمنع أن أقلب تلك البضاعة رغم أني أدرك ذلك .. لتكون حروفها بكل ما فيها كلمات متقاطعة تقطع بعد المسير .. ومثلك يعلم أن السفر قطعة من عذاب .. والوحدة قاتلة لا شك ..!!

ليقول دعك منها .. فالقبيح قبيح مهما ألبس من الحلي .. ليبدأ الرجل بلا سابق أنذار يسرد قصة حياته المثيرة مع هذه الحياة اخترت منها ما كتب المقال من أجله .. ليقول نشأت طفلا يتيما في كنف أحد أقاربي .. بعد أن توفي والدي وأنا صغر .. لتتزوج والدتي من رجل أخر .. والتي لم يمهلها القدر لتكون بجوار والدي أسأل الله أن يسكنهما الفردوس الأعلى .. لأصبح اليتم الذي لم يبلغ العاشرة بعد ..!!

حياة قاسية عشت كل معانيها المريرة .. طفولة لم أتذوق فيها طعم جمالهـــا فلقد أثقلت الحياة كاهلي منذ الصغر .. جبت الأسواق أبيع التمور في بادئ الأمر .. ومرة أجوب الأسواق أعرض ما بين يدي للمتبضعين .. حتى بلغت الثلاثين من عمري لتستقر رحلة الكفاح والكد والتعب فلقد أستقر وضعي المادي بعد أن نحت الصخر أبحث عن قوت يومي .. ليتطور الأمر ولله الحمد والمنة وأصبح ذا محل بسيط لم ألبث طويلا حتى أصبحت فروعه تنتشر في عدد من مدن مملكتنا الحبيبة .. تدر على بمال ضمن لي حياة كريمه .. !!

وفي بداية تلك المرحلة أصبح الزواج أحد أهم أهدافي فالوحدة والهدوء أصبح هما لا أطيق تواجده حين أعود إلى فراشي منهك من عمل سلب كل جهد من أطرافي .. لتزف لي الأقدار زوجتي الغالية .. لتصبح في عين كل الدنيا وزينتها .. فلقد أحببتها حب الأم والأب والصديق .. وكانت وبكل بساطة تستحق كل ذلك فهي من جعلت القلب بطيب معدنها خاتم بين يديها .. لتمر السنين وبعد كل يوم يلوح في الأفق مرحلة ألم قادمــة ..!!

يتوقف قليلا وكأنه يعود لعالم ذكرياته ليلتقط من خلالها أنفاسه ليتمتم بنبرة حزن .. مرت أربع سنوات بلا بوادر مولد قادم .. فلقد كنت أنتظره بكل لهفة ولكن العلي القدير لم يشاء بعد .. ليصبح المولد حلم أقلبه في صمت رهيب رغم أني أنتظر بزوغ فجـــره .. ولا أخفيك سرا أني كلمــا رأيت طفلا يلعب بقرب أسرته دعوت الله أن يكون لي نصيب من تلك النعمة التي لا يشعر بها إلا من حرم منها ..!!

لأبلغ الأربعين بلا بارقة أمل أو حتى مجرد بصيص أمل .. فلم أترك طبيبا في الغرب ولا الشرق سمعت عنـه إلا ودن اسمي أحد مرضاه الذين يبحثون عن علاج يأملون أن يكون في دهاليز عيادته .. وفي كل مرة أسمع ليس هناك أمل .. بل لازلت أتذكر ذلك الطبيب الألماني حين ردد علي عباراته القاتلة التي مزقت أجمل حلم كنت أمني النفس به .. ( لا أمل لك بالإنجاب فالنسبة لديك صفر مكعب ) ..!!

ليخلع الشيخ نظارته ذات الإطار الأسود بعد أن طأطأ رأسه ليتناول منديلا يمسح به جميع أجزاء وجهه .. وإن كان الهدف أن يخفى أثار حزن بدأ يلوح من عينيه .. ولم يكن مني إلا أن رددت هذه الدنيا وليس لنا ألا الصبر على مقادير السميع العليم ومن يدري فقد تكون السعادة في عدم قدوم الولد ..!!

ليرد .. بنبرة حزن قاتله .. أصدقك القول كم تمنيت ذلك الولد .. بل والله كم أملت النفس في صراخه يدوي في كل أرجاء بيتي .. و كم تمنيت أن أداعبه قبل نومه .. وكم تمنيت أن اصحبه في الصباح الباكر صوب مدرسته وقد مسكت بيده حتى أدخله بابهـــا وقطرات عرق يديه تداعب أطرافي .. بل كم تمنيت أن يجري صوبي بعد أن أعود إلى منزلي متعبا مرهقا من عملي .. و كم تمنيت أن أحضنه قبل ساعات نومي استنشق أنفاسه وضحكاته وطيش يديه ..!!

ولكن القدر أوأد ذلك الحلم بكل معانية حين دنوت من الخمسين .. رغم أني الثري الذي بلغت حسابته الملايين ولكن .. لم تغني عن تلك الصرخة التي نسفت كل رغد عيش أتقلب فيه ..!!

وبكل عفوية و تطفل سألته هل السبب منك أم من زوجتك .. فقال بل مني .. لأجدني مجبرا أن أخير زوجتي بين البقاء و الطلاق فلم يكن من المقبول أن أحرمها من حلم تمنيته أكثر من أي شئ آخر .. لتختار البقاء لأكون لها الوفي ما بقيت .. وهنــا حاولت أن أغير الموضوع شفقة به ولكنها .. عاد مرة أخرى ليكمل فصول قصته

في أول يوم من أيام شهر ذي الحجة من عام 1400 وأثناء دخولي لمنزلي .. إذا بزوجتي تقول لي لم تأت الدورة بعد .. فلم استوعب تلك الحروف جيدا وظننت أن الأمر يتعلق بأمراض النساء .. لأتناول وجبة الغداء كعادتي قبل أن أغط في نوم عميق .. وبصدق كان الحمل أبعد ما يكون .. فلقد رضيت بما قسم الله لي ..!!

وبعد أسبوع كامل رددت زوجتي تلك الكلمات مرة أخرى .. ليصبح في نظري مرض وجب أن ينظر في أمره .. وفي المساء صحبتها إلى اقرب مستوصف إلى منزلي ..فلقد كنت القلق عليها فهي الحياة بالنسبة لي .. وبعد ساعة من الانتظار خرجت زوجتي من طبيبتها المعالجة .. لنتوجه إلى خارج المستوصف ..!!

وحين هممت بتحرك السيارة وقبل أن اسألها عن نتيجة الكشف تمتم زوجتي بحروف لم تدر بخلدي أبدا .. حين قالت بصوت خافت : أن الطبيبة أجرت لي بعض التحاليل لأنها تظن أني حامل .. وسوف تكون النتيجة من الغد .. خبر نزل على مسامعي كالصاعقة بل إني لم استوعب في البداية تلك الحروف لأنها لم تراود مخيلتي أبدا .. فقد كنت أترقب مرض يحتاج إلى علاج .. وهذا ما ظننت وهذا ما كنت أنتظر .. ليتحول الأمر إلى أطراف حلم جميل دبت أول فصوله ..!!

ليسود الصمت قليلا .. وبلا سابق إنذار ترجلت من السيارة متجها إلى تلك الطبيبة .. مرددا على أسماعها هل فعلا زوجتي حامل فقالت الطبيبة التي لازلت أذكر اسمها جيدا ( منى ) فقالت هذا ما أطن وغدا النتيجة ..!!

لأطرح عليها سؤالا أخر أجبرني عليه الموقف .. لكني العقيم الذي لا يمكن أن ينجب .. لتقول الطبيبة مرة أخرى : زوجتك أظنها حامل وهذا ما أعرفه .. وليس لي بما تقول .. وحين هممت بالخروج ركنت إلى كرسي قريب من غرفة الطبيبة وبدأت ابكي كما تبكي الأطفال وبلا شعور .. وحين أدركت أن الجميع يراقب تحركاتي قمت على عجل متوجها إلى سيارتي ..!!

لأجد زوجتي تبكي بكاء لم اسمعه من قبل .. ولم يكني مني إلا أن كنت ثاني من يبكي .. حاولت أن أكتم مشاعري حتى تظهر نتائج التحليل ولكن الفرحة لم تتركني وشأني .. لنتوجه إلى المنزل والفرحة تعم كل أرجاء عالمي الصغير ..!!

لتصبح تلك الليلة أطول الليالي .. فلقد قضيتها بين دعاء وبكاء واقسم بالله أن تلك الليلة لم يكن فيها نوم يداعب مقلتي .. فالصدمة كانت بالنسبة لي اكبر من أن تحتمل .. درت في كل الغرف واحدة واحدة .. ولم يكن هناك حديث بيني وبين زوجتي سوى لغة البكاء ..!!

وفي تمام الساعة التاسعة صباحا توجهت بمفردي إلى ذلك المستوصف بغير علم زوجتي خشيت أن يكون الأمر مجرد سراب .. فأمهد لها خبر تلاشي حلم لم يستمر سوى ساعات .. وما هي إلا لحظات وإذا بالطبيبة تدخل باب عيادتها لأترجل صوبها مستفسرا عن نتيجة التحاليل .. لترد لم تأت بعد ولكن أنتظر قليل في غرفة الانتظار ..!!

ولم يكن مني إلا أن جلست في غرفة الانتظار أتقلب كل دقيقة على كرسي يدنو من الباب .. انتظر ساعة فرح أو حزن .. وحين الساعة العاشرة والنصف تقريبا توجهت إلى الطبيبة مرة أخرى مستفسرا .. لترد أجلس .. لترفع سماعة الهاتف تسأل قسم التحاليل عن النتيجة .. وما هي إلا لحظات ليقع الخبر السعيد على مسمعي ( مبروك المدام حامل ) لأسجد للقوي العزيز في وسط الغرفة بلاشعور على تلك النعمة التي كانت سرابا في عالمي ..!!

لأركض كالطفل الفرح ساعة نجاحه .. ولم يكن مني حين دخلت منزلي سوى الصراخ سارة .. سارة .. مبروك مبروك .. أنت حامل .. لتسجد زوجتي شكرا للعلي العزيز .. لأحضنها حضنا لم يمر على طيفي ألذ منه .. ليصبح الفرح مركب نتقلب فيه وقت من الزمن ..!!

لتقطع مضيفة الطائرة حروف الشيخ .. سمك أم لحم .. معلنــة حلول وجبة الغذاء .. ليحرك الفضول حروفي لأجيب عنـــه بل سمك ليرد على عجل لكني لا أكله .. ليصبح السمك لي واللحم له .. وإثناء تناول جبة الغداء .. حاولت أن أعيده ليكمل حروفه .. ليرد هل لديك أولا فقلت له نعم .. ليسعد قلبي بحروف رددها كثيرا اللهم أصلحهم وبارك فيهم وارزق أبيهم برهم .. ولم يكن مني بكل تأكيد إلا أن أردد اللهم آمين ..!!

ليرفع الملعقة مرة بعد مرة وأنــا أترقب بقية حروفه .. ليعود مرة أخرى يكمل حكايته .. أصبح الحمل واقعا لم نعرف كيف نتعامل معه .. فزوجتي دنت من الأربعين .. وهذا حملها الأول .. وفي سنها يصبح ثبات الحمل صعبا لتلزم الفراش أكثر من أربعة أشهر .. لأكون الخادمة والزوج الذي ينتظر المولود ..!!

ليدخل ذلك الحلم عالم أخرى من المتعة التي أصبحت حروف نتسامر بها طوال الليل أن وزوجتي ( ولد أم بنت ) فلقد كنت أمني النفس بولد وهي ببنت .. ورغم كل فضولنا إلا أنـّـا اتفقنا أن نترك ذلك الأمر لحين الولادة .. بلا سؤال أو استفسار ..!!

ليمر شهر تلو شهر .. وقبل دنو التاسع .. اكتمل تجهيز الغرفة ولم يبق إلا أن يتشرف الضيف المنتظر .. لتخبرنا الطبيبة أن الولادة سوف تكون عن طريق عملية قيصرية .. فعضلات زوجتي لن تسعفها على دفع الجنين كما فهمت من تلك الطبيبة .. والتي رددت مرارا وتكرارا أن الوضع مطمئن ولكن للسن أحكام .. رغم حالة القلق التي ظهرت على ملامح زوجتي إلا أنها سرعان ما رضخت لذلك الواقع بعد عدد من الاتصالات بصديقاتها وأخواتها اللاتي سبقنها بالإنجاب ..!!

وقبل يوم من الولادة .. أعلنت حالة الاستنفار لاستقبال ذلك الضيف الذي طال انتظاره .. لترقد زوجتي بالمشفى .. ليصبح الحديث بين وبينها عن اسم القادم .. لنتفق إن كانت بنت فهي ( نورة ) على والدتي وهي من اقترحت .. وإن كان ولد فــ( عبدالله ) على والدي رغبة مني .. لأودعها واعدا إياها أن أكون في الصباح الباكر بقربها ..!!

وبعد صلاة الفجر .. عدت إلى منزلي أنتظر ارتفاع الشمس قليلا .. لأفي بوعدي لزوجتي .. وفي تمام الساعة التاسعة كنت على بعد خطوات من غرفتها وقبل أن أطرق الباب بادرتني الممرضة .. لقد شعرت زوجتك بقرب الولادة وتم نقلها إلى غرفة العمليات .. لترشدني إلى مكانها التي تقع في الدور الأولى .. لأتوجه مسرعا صوبها ..!!

وقبل أن أصل إلى أبواب تلك الغرفة إذا بالطبيبة على مقربة مني و قبل أن أنطق بحرف رددت مبروك رزقت بمولد ( ذكر ) والزوجة والمولد بصحة وعافية .. لأردد عبارات لم أدري ما هي ولكن أظنها حروف شكر .. لتطلب مني العودة بعد ثلاث ساعات لأن زوجتي لن تخرج إلى غرفتها قبل ذلك الوقت .. ولم يكن مني إلا أن ذهبت لغرفتي زوجتي .. لأستلقي على أحد الكراسي التي تحيط سريرها .. ليجوب فكري عالم لا أطراف له .. ولم أفق إلا على صوت سرير يدخل الغرفة ..!!

وذا بها زوجتي الغالية .. لأدنو منها وبلاشعور قبلت جبينها .. لأسأل بعد ذلك عن المولد فقالت لي الممرضة التي ترافق زوجتي في تلك اللحظة : في الحضانة .. لأستأذن زوجتي لألقي نظرة على ولي العهد القادم .. وحين دنوت من تلك الغرفة عرفت أن للفرح دموع لا يعادلها سعادة .. وقبل أن أدخل ألقيت نظرة من الزجاج الخارجي على من بداخلها أقلب نظري أبحث بكل تأكيد عن ابني القادم ..!!

وقبل أن تشير الممرضة عليه أدركت أن ذلك الحبيس في قفص الحضانة هو ابني .. وما هي إلا لحظات حتى فتحت الممرضة باب الحضانة تطلب من الدخول لأشاهده عن قرب .. لأدنو من تلك الغرفة التي لم يسبق أن زرت أروقتها من قبل .. و التي أصبح أبني أحد ساكنيها .. لتسقط الدموع بغزارة وأنا أردد اللهم لك الحمد ..!!

لتلوح من عيني الشيخ السبعيني كل معاني الحزن حين أخذ يردد : أصبح صوته أجمل وأعذب صوت يطرق سمعي .. وأصبحت أنفاسه عالم ينتشلني من كل هم وحزن وألم .. وأصبح بكاؤه لحن طرب أستمتع بصداه .. فلم يفارق سريري منذ أن أطلق أول صرخاته الأولى .. لقد ملأ ساعات يومي .. أما زوجتي فلقد أصبحت وإياه توأمان لا ينفكان .. بل أحبته حبا يفوق الوصف ..!!

ليرفع رأسه بلا سابق إنذار بعد أن أحمرت عيناه : لقد أصبحنـــا ثلاثة بعد أن مر زمن لم تتجاوز فيه أسرتي الاثنين أنا وزوجتي .. لنعود مرة أخرى نصارع نغمة الحزن أشد وأقسى .. لم أفهم مغزى تلك الحروف ..!!

إلا حين أكمل حروفـــه بنبرة تفوق الحزن بكل رحاله : لم يمهل القدر تلك البسمة إلا شهور معدودة فلقد تلقيت اتصالا من زوجتي وهي تبكي بكاء من لا أمل له في الحياة وهي تردد عبدالله .. عبدالله .. وعلى الفور أغلقت السماعة وتوجهت إلى البيت ليكون ابني نزيل غرفة العناية ..!!

ليرقد على سريرها فترة من الزمن حتى ذبل جسمه بسبب جهاز التلفاز الذي سقط على رأسه ليهشم أجزاء كبيرة من الجمجمة .. ليصبح يومنا ما بين المنزل والمشفى حياة كرب أثقلت كاهلي .. فلم أعد أطيق منظر الحزن الذي ارتسم على ملامح زوجتي التي أصبحت ناحلة الجسم تعيش في عالم من السرحان ..!!

ليعود السكون إلى منزلي فلم يعد لصراخ زينة الدنيا أي نفس .. وبعد تقريبا اسبوعين تلقيت اتصالا من طبيب المشفى يفيد بتحسن حالة الطفل .. ولكنه يحتاج إلى عملية جراحية أخرى .. ففضلت أن تجرى له خارج المملكة .. ليتم التنسيق لنقله للولايات المتحدة الأمريكية .. وبالفعل تم نقله الى هناك وأجريت له العملية بعد حضورنا تقريبا بأسبوعين .. لتتحسن حالة الطفل شيئا فشئ و بدأ يرفع يده ويتحسس من حوله .. !!

لتجرى له عملية أخرى في الرأس .. لأعود معه مرة أخرى أفعل كما كنت فعل بعد كل عملية أجريت له أتحسس أنفاسه المثقلة التي اشعر بها من خارج تلك الغرفة الزجاجية .. وفي كل مرة أشاهده ممددا على ذلك السرير .. أدير نظري إلى زوجتي .. وكالعادة أرفع راسي من بعدها للمولى عز وجل .. مرددا .. تكفى يا عزيز فليس لنا إلا أنت ..!!

تصدقت كما لم أتصدق من قبل .. أنخت رحالي كل ليلة عند المولى .. وبعد شهر من العملية الثانية .. أجريت له عملية أخرى وأخيرة .. لتتحسن حالته شيئا فشئ .. حتى سمح لنا الطاقم الطبي هناك بالعودة .. وفي جعبتنـــا وصفة جلها .. علاج طبيعي .. وبعد اسابيع بدأت علامات استرداد العافية تظهر على أطرافه معلنة دون فرج طال انتظاره ..!!

ليخطو أول خطواته بعد أربعة أشهر من عودتنا .. بعد علاج قاسي كانت أم عبدالله الممرضة التي اجادت عملها ووهبت له جل وقتها .. لتعود البسمة تعانق مملكتي الصغيرة .. ليدب ذلك الطفل مرة أخرى في جميع أرجاء المنزل رغم أن استيعابه لم يكن كأقرانه بسبب جلوسه على تلك الحالة فترة طويلة .. ولكن كل شئ عاد كما كان بعد فترة من الزمن ..!!

وفجأة رفع الشيخ يده ليشير إلى شاب تجلس بجواره امرأة وطفلين وقال هو ذاك .. فلقد أصبح رجلا بعد أن اثقل الهم بابي .. ولكن السميع العليم لم يخيب رجاء من تعلق ببابه .. فها هو يملأ علي البيت بضجيج أبنائه .. فاللهم لك الحمد والشكر فلقد أصبحت الشجرة ذات فروع بعد أن دنى تلاشيها .. أما تلك العجوز فهي رأس المال التي لن أتخلى عنها ما بقيت .. ولكني تركتها هناك في الرياض بجوار والدتها التي ترقد على سرير المرض منذ ستة أشهر .. وسأعود لهــا بعد سبعة أيام بأذن الله ..!!


فسبحان الله .. نعمة لا يدرك معنى حروفها سوى من حرم منها .. بعد أن ردد تمنيت أخا له رغم كل معانتي مع عبدالله ولكن لم يكتب لي إلا هــو ..!!

وصدق من قال النعمة لا تعرف إلا حين جفولها .. فمنهم من يظنها في المال ومنهم من يظنها في رصيد جف .. ومنهم من يراها في عافية سلبت .. ومنهم من يظنها في دبيب طفل .. وكل نعمة من عند القوي العزيز .. ولكن من يدرك ذلك ..!!














الظــاهـرة



اضافة رد مع اقتباس