مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #15  
قديم 30/03/2008, 07:38 PM
القاضي القاضي غير متواجد حالياً
مشرف سابق بمنتدى المجلس العام
تاريخ التسجيل: 02/12/2001
المكان: حيث الأمل
مشاركات: 5,603

هذه نفسي أسائلها : هل تعرف النفوس الوفاء ، و هي تدور مع الدهر الدوّار كيفما دار ، تلبس لك حالةٍ لبوسها ، و تتخذ لكل يومٍ ميزانه. فيهون عندها اليوم ما عزّ بالأمس ، و يرخص ما غلا و يغلو ما رخص ، نرى الشخص فلا نباليه ، و قبلاً كان مناط حبنا ، و كنا نقنع أن كان وصله حظنا من دنيانا ، أو كان موضع إكبارنا و كان رضاه نهاية متمنانا ، و نمر بالمكان لا نلتفت إليه و فيه ذقنا حلو العيش و مره ، و فيه أثر من أنفسنا ، و فيه بقايا من أعمارنا !


حتى غدوت و قد رثّ حبلي و تصرم الا خيوطاً ، طائفة من الأصحاب لا يبلغون عد أصابع اليدين ، و أماكن هي أقل من ذلك ، لا ألقى سواهم و لا أرتاد غيرها ، و هذا الماضي أزداد كل يوم تعلقاً به و حنيناً إليه أما المستقبل فأخافه و لا أجرؤ على التفكير فيه.


لذلك تراني إن لقيت رفيقاً من رفاق الصبا استوقفته و شممته علي أجد في ثيابه عبقاً من أزاهير الماضي الحلو الذي سربنا جميعاً ، يحملنا مرح الطفولة و عبثها اللذُّ ، فجسنا خلال رياضه ، و أوغلنا في دروبه المعشبه ، و مسالكه التي فتَّح على جوانبها الأقحوان و ضحكت الشقائق ، أحاول أن أستطلع من وراء هذا الشاب الذي نالت منه الليالي حتى أشرف على الكهولة ، و هدته مطالب العيش و أخذت منه رواءه و بهاءه ، فبدا كالشجرة المنفردة القائمة على شفير الوادي ، عاجلها الخريف ببرده و عواصفه ... أحاول أن أرى من ورائه طلعة ذلك الصبي الفرح أبداً ، الضاحك اللاهي ، الذي كان رفيقي يوماً و الذي أحببته و قاسمته مرحه ولهوه ، فإذا لم أرها أبت أجر رجل خائب فجع في أعز آماله ، و فقد أحب أمانيه إلى قلبه ، و ان وقفت على معهد من معاهد الصغر ، أو ملعب من ملاعب الطفولة ، فتشت في زواياه و أركانه ، و تحسست الحجارة من جدرانه ، علّي أجد بينها ذكرى حلوة قد خبأتها يوماً و نسيتها.


بقلم الشيخ الجليل علي الطنطاوي من كتابه "من حديثِ النفسِ" ، جمعنا اللهُ و إياه و والدينا و من يقرأ في مستقر رحمته.


عفوك أبا ريمان عفوك ، فما أنا إلا أن وجدت موضوعك قد حرك كوامن النفس فلم أجد إلا أن أبث شكواي المتجددة من خلال قلم الشيخ عبر موضوعك.


أخوك.
اضافة رد مع اقتباس