مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 03/02/2008, 10:39 AM
المحيط الهلالي المحيط الهلالي غير متواجد حالياً
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 06/11/2004
المكان: بني تميم
مشاركات: 2,829
نهاية أخر شيخ لنا بي العراق محزنة

ثماني سنوات علي اغتيال الشيخ طالب السهيل في بيروت (4) ثلاثة آلاف شريك مفترض للسهيل اعتقلتهم المخابرات وأعدمت أغلبهم - اسماعيل زاير.. كاتب عراقي مقيم في هولندا
في الثاني عشر من ابريل (نيسان) عام 1994 جري حادث اغتيال معارض عراقي بارز هو الشيخ طالب السهيل في شقته ببيروت. ولم تمض ساعات قليلة علي حادث الاغتيال حتي نجحت أجهزة الأمن اللبنانية في القبض علي المتورطين في العملية الذين تبين انهم اربعة دبلوماسيين عراقيين يشكلون طاقم السفارة العراقية المعتمد في لبنان بينهم الملحقان الثقافي والتجاري والقنصل.
ومع أن، القائم بالأعمال العراقي عوض فخري آنذاك، حاول نفي علاقة حكومته بالجريمة الا ان الإعترافات التي أدلي بها الدبلوماسيون الاربعة وبحضور عميد السلك الدبلوماسي السفير البابوي بابلو بونتي في العاصمة اللبنانية اغلقت الطريق، وجري بالتالي ما كان مقدراً وهو: إصرار لبنان علي رفع الحصانة الدبلوماسية عن الجناة وهو ما رفضته الحكومة العراقية، الأمر الذي افضي الي قطع لبنان علاقاته الدبلوماسية مع بغداد آنذاك.
عمد السهيل الي توجيه الإتهام لاحقاً للأمريكان، وراء تسريب الأسماء. خاصةً أن النظام العراقي أقدم وبسرعة علي إعدام عدد كبير من المتورطين في العملية بعد الإعلان عن المؤامرة في 15 تموز 1993. ومع ان واشنطن عبرت عن غضبها من ترديد الشيخ السهيل انه سيواصل السعي الي اكتشاف مصدر التسريب، واتهمت مصادره في لندن بـ(الثرثرة وعدم الانضباط)، الا انه أبدي صلابةً مشهودة بمواجهته الأطراف المشكوك فيها بموقفه واصراره عليه حتي تتبين الحقيقة.
الي جانب الغضب الذي استبد بالشيخ طالب السهيل بسبب انكشاف عمل من هذا العيار، فقد عاش فترة من الإحباط الشديد علي المستوي الشخصي، إذ تلقي خلال الأشهر التي سبقت اغتياله انباء متواترة عن اعدام شركائه واصدقائه واقاربه واحداً بعد الآخر، واعتقال عدد كبير آخر ممن ليس لهم علاقة مباشرة بالعملية وصل وفقاً لبعض التقديرات الي اكثر من ثلاثة آلاف شخص.

تصفية شركاء طالب السهيل
واغتياله مسألة وقت
وكانت مصيدة المخابرات العراقية قد استغلت فشل التحرك في تصفية حسابات دامية طالت ابرياء كثيرين من اصدقائه واقربائه ممن لا علاقة لهم بالعملية. علي الرغم من تشبثه بالرؤوساء والمسؤولين العرب ممن كانت لهم ايادٍ بيضاء ومشهودة علي بعضهم وصرخات الاستغاثة الأخيرة التي اطلقها السهيل لإنقاذ ما يمكن انقاذه من الإبرياء، لم تصل الي اسماع احد، لا سيما أن حلقة علاقاته تلك كانت تكاد تخلو من طرف واحد بوسعه التوسط لدي الرئيس العراقي صدام حسين لإنقاذ أحدٍ من الموت. واستمرت عملية التصفية شهوراً عديدة ابتدأت بالتصاعد حتي اكتمال جميع الخيوط بيد النظام العراقي. وكانت آخر حلقة من الخيوط تلك المرتبطة بالدكتور راجي التكريتي الذي كان وقتها في عمان بدعوة من مؤسسة شومان لإلقاء محاضرة عن التراث العربي. وقد جري استدراجه الي العراق عبر السفير العراقي في الأردن آنذاك نوري اسماعيل الويس، وهو تكريتي وقريب للرئيس صدام حسين والدكتور راجي في آنٍ. حيث جري اعدامه بطريقةٍ وحشية، وذلك بأن اطلقت عليه كلاب جري تجويعها ومزقته، تحت انظار قيادات حزبية قيل ان راجي التكريتي وصفها بأنها (كلاب صدام)! كما نقلت اوساط السهيل ومصادر عربية وعراقية.
الطريقة التي جري فيها استدراج الدكتور راجي الي العراق بناء علي طلب شخصي ومباشر من الرئيس صدام حسين ابلغه للسفير الويس. حيث أبلغ الدكتور بضرورة العودة الي العراق علي وجه السرعة لتكليفه تولي حقيبة وزير الصحة في تعديل وزاري يوشك الرئيس علي اعلانه. ووفقاً للمصدر ذاته اقترح السفير العراقي علي قريبه ان بوسعه ان يرافقه في العودة بسيارته الدبلوماسية الي العراق حيث انه عائد ايضاً. وصدقه راجي التكريتي وركب معه في سيارته الدبلوماسية حتي الحدود العراقية مع الأردن حيث جري تسلمه من قبل المخابرات العراقية حالما وصل الي نقطة طريبيل الحدودية ليواجه مصيره.

أعمال التعذيب
كما تلقي الشيخ طالب معلومات انباء مفصلة عن التعذيب الشديد الذي تعرض له جاسم مولود مخلص، الذي انتهي بجسد مسلوخ الجزء الأسفل وقد اخترقت رأسه رصاصتان احداهما لجهة الإذن والثانية اخترقت الدماغ من الخلف.
وأخيراً وصلت المخابرات العراقية الي عتبة دار السهيل في عمان.

الخرق المخابراتي
وبلغت معاناته ذروتها، وفقاً لسعد صالح جبر بعد ان لمس (عدم وجود اهتمام جدي) بموضوع الخرق المخابراتي العراقي، قبل مجيئه الي بيروت واغتياله. وفي حقيقة الأمر حولت المخابرات العراقية حياة الشيخ السهيل الي جحيم حيث واظب عملاؤها علي ملاحقته اينما كان، عبر التهديدات المكتوبة او الهاتف، مع انه لم يكن قد استقر به المقام سوي ساعات في المكان الذي فيه. كما عمدت الحكومة العراقية الي مصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة والتي تعد بــملايين الدينارات.
وذكر مصدر مقرب للسهيل، له صلة بالقيادة السورية، التقاه في دمشق قبل اسبوع علي اغتياله انه كان مرجلاً من الغضب والحزن علي تخلي الآخرين عنه والمصير الذي لقيه اصدقاؤه، وكان عاتباً علي الجميع لأنهم لم يمدوا يدهم للمساعدة علي التخلص من نظام الرئيس صدام حسين.
ولكنه، من جهة أخري، ظل حتي اللحظة الأخيرة من حياته، متمسكاً بإتهامه الأمريكان وطرف خليجي معين بأنهما وراء التسريبة القاتلة.

قبيلة (تميم) وصدام والبعث: صعود القبيلة وهبوطها
و(انقلابات) شيخها
يشكل الوجود السكاني لقبائل تميم في العراق ابرز نقاط قوتهم. فهم يقيمون علي اراضٍ شاسعة تحيط بالعاصمة بغداد كما يحيط بها الحزام. وبقيت تميم، علي عكس القبائل الأخري قريبة من الأراضي التي تمتلكها في محيط العاصمة. وهي اراضٍ ازدادت قيمتها المالية والسياسية اثر توسع العاصمة، وخاصة خلال العقدين الأخيرين من حكم حزب البعث مما جعل اراضيهم ضمن بغداد الكبري. وتقاسم تميم وقبائل تكريت طموحاً مشتركاً هو انهم كانوا يتطلعون الي دور سياسي اكبر في مواجهة القبائل التقليدية وبيوتات بغداد الثرية، كالباجه جي والجلبي والدامرجي والخضيري والشابندر، والتي احتكرت المال والسلطة خلال العقود الخمس الأولي من تأسيس الدولة العراقية. ووجدوا في الإصلاح السياسي والتطوير العمراني للمناطق الريفية منطلقاً لمطالبهم وتحالفاتهم البرلمانية.
وتعود أصول قبيلة (بني تميم) التي ينتمي اليها الشيخ طالب السهيل، الي شمال الجزيرة العربية ولكنهم تخلفوا في سكني العراق عن (ربيعة) التي استوطنت ضفاف دجلة، وعن (مضر) التي سكنت ضفاف الفرات. وفي التاريخ اشارات الي تميم، وهي قبائل بدوية متنقلة، بوصفهم (عرب خراسان) الذين استعمر سوادهم البصرة. ولكن تميم هاجرت ايضاً الي الكوفة والي ما يعرف بـ(حوطة بني نجد) في جزيرة العرب. ولا يزال للآن قسم من عرب تميم يسكن ايران.
ولكن القبيلة، التي صاهرت شمر وعنزة، كبري قبائل العرب البدوية السنية، امتدت الي سهل العراق وتوطنت فيه، فيما بقيت فروع منها في البصرة، اهمهم (بني كنعان). في السهل العراقي سكنت فروع من تميم هي آل بوحسان والمصالحة والعتاتبة ما بين شمالي بغداد الحالية وغربها (الكاظمية وابي غريب) وصولاً الي التاجي وعكركوف وبلد والخالص وديالي. كما تفرعت منهم افخاذ وعشائر منها الرماحي في النجف والعمارة والشريفات المنضوين الي (عنزة). وجال فرع آل رميلان من تميم في المناطق الغربية حتي استقر في المناطق الأردنية، ومنهم تحدر آل المجالي، رجال الدولة الأردنية المعروفين وبينهم رؤوساء وزارات. ومع ان تميم كانت في الغالب قبيلة شيعة عراقية الا ان فروعاً منها تحولت الي المذهب السني ايضاً، ومنهم خاصة آل بوحشمة. وهذا تقليد مألوف في المناطق والولايات الإسلامية التي كانت مسرحاً للنزاع الديني الذي شغل الحكم الإسلامي طوال قرون. ولم تكن تميم في التاريخ العراقي الحديث، قبيلة اقطاعية كبري، ولم تمتلك قوة اقتصادية حاسمة كما امتلكت عائلات وسط العراق كالجلبي والدامرجي والخضيري والشابندر وغيرها. ولكنها مع ذلك لعبت ادواراً قوية في دعم بناء الدولة العراقية، وناصرت الثورة العربية والدعوة الهاشمية بقوة. غير انها بقيت اكثر تمسكاً بتقاليدها البدوية من مضافات ونزعة ريفية والتصقت بالأرض التي تمتلكها.
ولكن تميم حازت منذ الستينيات قوة مالية غير منتظرة بدخولها المضاربات العقارية علي أثر توسع بغداد عمرانياً. حيث ارتفعت القيمة التجارية للأرض الشاسعة التي تعود ملكيتها لشيوخها آل السهيل، خاصة بعد ضم مناطق من تلك الأراضي الريفية الي مخطط العاصمة المدني. ولكن الموقع ذاته قادهم الي سلسلة من المواجهات غير السارة مع الحكومة، خاصةً البعثية، والتي لم تستوعب بإرتياح وجود (تميم) في المناطق الحساسة التي تحيط ببغداد مثل الحزام، لا سيما وأن هذا الوجود يمتد حتي منطقة المنصور الراقية، موقع سكني القيادات البعثية المجاور للقصر الجمهوري.

حزب الأمة
في العهد الملكي دخل حسن السهيل، عم الشيخ طالب، البرلمان العراقي ممثلاً لحزب الأمة الذي شكله صالح جبر، احد رؤساء الوزراء العراقيين، ولكنه استقال من النيابة مع 27 نائباً آخر احتجاجاً علي التزوير الحكومي للانتخابات النيابية.
اما الشيخ طالب الذي ولد عام 1930، فقد ورث من العائلة علاقاتها العربية الواسعة وبني لنفسه قصراً كبيراً في ابي غريب يعرف حتي الآن بـ(قصر طالب)، وكان قريب الصلة بالعائلة الملكية في العراق والأردن، وجمعته بالملك حسين علاقات طفولة امتدت حتي آخر أيامهما. وكانت اول مواجهة سياسية له في العراق عام 1959 عندما اعتقل بأمر من المخابرات في عهد قاسم مع شقيقه غالب لعلاقاته ولقاءاته مع الملحق العسكري المصري آنذاك الصاغ بدر. ولكن الشيخ حسن السهيل توسط لدي الزعيم عبد الكريم قاسم، الذي يعتبر تميم أخواله، لإطلاقه. وخرج الشيخ طالب الي المنفي بعد ذلك مباشرة وتنقل ما بين عمان وبيروت.
وخلال السنوات التي فصلت بين هربه وعودته بعد سقوط قاسم نسجت اطراف وشخصيات من القبيلة علاقات مع مختلف الحركات السياسية المعاصرة ومنها حزب البعث. وتشير الوثائق الرسمية لحزب البعث ان احد المؤتمرات القطرية السرية لحزب البعث عام 1966 عقد في بيت عبد الرحمن السهيل ابن عم الشيخ طالب. وكان السهيل قد اشتغل في التجارة وتربية الخيول العربية خلال سنين نفيه قبل عودته الي العراق اثر اصدار حكومة الرئيس عبد الرحمن عارف عفواً عاماً في 1968 شمله.

مكان للاختباء
اضطر الشيخ طالب السهيل للهرب مجدداً بعد اتهامه في مؤامرة وهمية اعتقلت السلطات البعثية علي اساسها المئات من الضباط والسياسيين القوميين وعدداً من المواطنين المعتبرين ضمن النخب التقليدية العراقية. وكتب السيد احمد الحبوبي كتابه (ليلة الهرير في قصر النهاية) عن تلك الحملة ــ المجزرة التي حصدت ارواح الكثيرين والتي نجا منها بأعجوبة.
بعد عام واحد من ذلك التاريخ انضم طالب السهيل الي سعد صالح جبر والمرجع الشيعي مهدي الحكيم والعميد عبد الغني الراوي والعقيد عبد الرزاق النايف (وهو شريك سابق لحزب البعث في انقلابهم الثاني عام 68 وتولي رئاسة الوزارة لإسبوعين قبل ان يقتاده صدام حسين شخصياً تحت تهديد السلاح الي طائرة عسكرية غادرت به الي المغرب كسفير). ونجحت المجموعة في اجتذاب دعم الولايات المتحدة وايران الشاه للعملية، وهما بدورهما توليا اقناع الملا مصطفي البارزاني بالمساهمة في العملية. ولكن الإنقلاب، او عملية (الغزال) كما اطلقت عليها المخابرات العراقية، فشلت فشلاً ذريعاً وأودت بغالبية المساهمين فيها علي يد صدام حسين، الذي كان وقتها نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة وشقيقه برزان مدير (مكتب العلاقات العامة)، وهو ما سيعرف لاحقاً بالمخابرات العامة.
ووفقاً لسعد صالح جبر فإن السهيل تولي معالجة الملف الاردني ــ اللبناني من التحرك (حيث فاتح المسؤولين الأردنيين لمساندة الإطاحة بالنظام العراقي والاتصال بالعراقيين المتواجدين في بيروت).
ويضيف سعد صالح جبر ان كشف العملية السابقة أدي الي توجه الأنظار عام 1972، نحو الأردن حيث كانت العلاقات مع العراق ليست علي ما يرام. ونجح السهيل في ترتيب لقاء بين الملك حسين ووفد المعارضين العراقيين الذي ضم مهدي الحكيم والشيخ السهيل واللواء محمود عريم، القائد السابق للقوات العراقية في الجبهة الشرقية وسعد صالح جبر. ولكن اللقاء لم يخرج بغير (دعاء مستفيض من جلالة الملك لنجاحنا)، كما قال جبر بعد اغتيال الشيخ السهيل.
ولكن تحسن العلاقات العربية مع العراق ولا سيما العلاقات العراقية ــ الأردنية ما بين سنوات 1974 و1980 التي شهدت الفورة النفطية وما تبعها من ازدهار مالي، اوجد صعوبات شتي في طريق تحركه ضد بغداد من الأردن، وصلت به الي حد اعطاء تعهدٍ للعاهل الأردني بعدم الإنخراط في أي مخطط جديد، كما يؤكد سعد صالح جبر.
ولكنه خلال هذه السنين بالذات طوّر علاقاته مع العائلة التكريتية ورموزها التاريخية ولا سيما عائلتي مولود مخلص والندا. ونسج خيوطاً من الصلات التي تمتنت مع انهيار الوضع السياسي في العراق حتي قاد الي النهاية المأساوية لسهيل وآل مخلص علي حدٍ سواء.

اخر تعديل كان بواسطة » المحيط الهلالي في يوم » 03/02/2008 عند الساعة » 11:34 AM
اضافة رد مع اقتباس