مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 17/10/2007, 06:37 AM
صفـوق الشمري صفـوق الشمري غير متواجد حالياً
موقوف
تاريخ التسجيل: 30/11/2002
المكان: حايل
مشاركات: 359
Thumbs up نساء وبنات القصيم (عنيزة)

إخوتي وأخواتي من مسؤولين وأعضاء وزوار
لا بد لمدينة حضرية مهمة مثل عنيزة أن يكون في تاريخها دور وإسهام للمرأة بمعنى أنه لابد - ونحن نتناول جوانب من صفحات مضيئة سطرها رجال عنيزة - ، أن نتساءل عن صفحات مضيئة للنساء أين هي؟
بمناسبة مرورمائة عام على تأسيس المملكة، صدر في عام 1419/1998 عن دارة الملك عبد العزيز كتاب فريد من نوعه، بعنوان " نساء شهيرات من نجد " للدكتورة دلال بنت مخلد الحربي - قسم التاريخ – كلية التربية للبنات- الرياض. جاءت فكرة الكتاب بناء على ما نهجه المؤرخون المسلمون من تدوين إسهامات المرأة في المجتمع العربي الإسلامي على مدى العصور، كما تقول الدكتورة المؤلفة جزاها الله خيراً على جهدها الذي تشكر عليه.

يهمني هنا أن أشرك قراء مجلس عنيزة ممن لم يتمكنوا من الإطلاع على الكتاب المذكور في أخذ فكرة عن نساء عنيزة اللاتي ذكرتهن المؤلفة الكريمة.

ودون الدخول في تفاصيل منهج الكتاب، فلا بد حتى نفهم مجال من سنتحدث عنهن من ملاحظة أن المؤلفة الكريمة وضعت منهجاً لاختيارمن تراهن من نساء نجد الشهيرات، يقوم باختصارعلى ثلاثة معايير:
1- أن تكون المختارة من المعروفات بالشعرالذي يتداوله الناس في فترات لاحقة.
2- أن تكون من المساهمات في العمل الخيري إجتماعياً أو تعليمياً.
3- أن تكون قريبة لحاكم.

وقد تحدثت الدكتورة الحربي ضمن هذا الإطارعن العديد من نساء نجد في الماضي، آخذة بالإعتبارظروف المجتمع وضع الرأة في نجد في تلك الأوقات وندرة المجالات التي يمكن بروزها فيها وذلك في جميع من اختارتهن .
على أي حال، كان نصيب مدينة عنيزة منهن ثلاث من خيرة النساء المشهورات والمعروفات لكثيرمن أهل عنيزة، ممن انطبق عليهن المعيارالأول والثاني في اختيار المؤلفة لهن.

هؤلاء الثلاث سأذكرهن حسب ترتيب الوفاة لنكون في الإطار التاريخي لفترة كل واحدة منهن، وحسب العاييرالسابقة، وليس حسب ورودهن في الكتاب الذي يرتب الأسماء لكل النساء المختارات تبعاً لأحرف الهجاء.
كما أني سأحرص على الإختصارمع التصرف، ولكن بالإشارة في الأخير للصفحات في الكتاب لمن يريد المزيد وقراءة ما قالته المؤلفة بالنص الحرفي.

الأولى: " نورة المحمد الهطلاني "

ولدت وعاشت في عنيزة بين عامي 1280هـ/1863م تقريباً وعام 1322هـ/ 1904م. اشتهرت بالشعر ولها قصائد كثيرة. من أهم قصائدها ما قالته في رثاء زوجها الذي قتل في المليدا عام 1308هـ/1891م، قالت من ضمنها تصورأحاسيسها وهي تسمع بكاء ابنتها هيا على أبيها الذي حرمت منه:
بكوة هيا جزت عن النوم عيني ...... قالوا يتيمة قلت ألا واعناياه
لو ان أبوك ابديرة يذكرني ...... ....تسعين ليلة بيننا بعد ممشاه

وفي قصيدة أخرى ترثي قتلى أهل عنيزة في المليدا التي اعتبرت - وهي بحق – كارثة كبرى على أهل عنيزة والقصيم كلهم، حيث لم يسلم منها بيت تقريباً، تقول الشاعرة ضمن أبيات تصورالمعاناة والآلام التي مر بها أهل عنيزة في ذلك الوقت نتيجة فقد كل هؤلاء من أبناء البلد:
لعل جو الضلفعة للدمار .......... ولا يدب به الحيا دايم حاف
إلى أن تقول
ترى السعيد اللي قعد له بدارا...... ولا حضر كون المليدا ولا شاف
توفيت نورة الهطلاني وهي في الأربعينات من عمرها.
> ص 165- 167<

رحم الله شاعرة عنيزة، فمما ذكرته المؤلفة على رغم قلته ولكنه ما استطاعت الحصول عليه وفقها الله، أستطيع أن أقول إن نورة الهطلاني عن طريق شعرها قامت بتأريخ أحداث وظروف معركة " المليدا " حيث رسمت صورة صادقة ومعبرة ومعاصرة للأحداث ومشاعر الصدمة التي أصابتها في أسرتها وأصابت أهالي عنيزة من جراء تلك الكارثة، فقد كانوا يدافعون عن كرامتهم واستقلالهم ضد ابن رشيد ولكن أمرالله كان مفعولاً.
ولعل لنا وقفة أخرى عند المليدا وأحداثها وآثارها إن شاء الله.


الثانية: " موضي بنت عبد الله بن حمد البسام "

" إذا جاك ولد سمه موضي " ! مثل معروف لدى بعض أهل عنيزة في الماضي .

لا يعرف بالضبط تاريخ ولادة هذه المرأة الخيرة المعروفة في عنيزة بـ:
" موضي العبد الله "، ولكن الأرجح أنها كانت في الربع الأخير من القرن 13هـ ، ولا تحتاج أسرة البسام التي تنتمي إليها إلى تعريف فهي من الأسر العريقة والمشهورة في عنيزة. اشتهر كثير من أفراد أسرة البسام بالتجارة ة والثروة ومنهم والد موضي " عبد الله بن حمد العبد القادر البسام " ، الذي توفي وهي صغيرة وكانت وحيدته. تلقت موضي على أسلوب ذلك الزمان قسطاً لا بأس به من التعليم من قراءة وكتابة وحفظ للقرآن الكريم وشيء من العلوم الشرعية وهذا يعتبر تعليماً عالياً بمقاييس ذلك الزمان. توالت عليها أحداث فاجعة بوفاة زوجها 1320 هـ /1902 ثم أكبرأبنائها ثم بناتها الأربع فيما بعد (اثنتان في يوم واحد) واثنتان بعد ذلك بسنوات.

تأتي شهرة السيدة موضي العبد الله البسام من تميزها على مستوى البلد بأعمال الخير والإنفاق دون أن تخشى الفقر، ولعل لما أصابها من فواجع بفقد المقربين لها دافع للإنصراف إلى هذا المجال بشكل ملفت للنظر بحيث يترحم عليها ويدعو لها بسببه القاصي والداني. عاصرت موضي العبد الله أحداثاً جساماً وتقلبات سياسية وحربية في المنطقة كانت فيها موضي مضرب المثل في قوة الإرادة والصلابة وعمل الخير بغض النظرعما يمكن أن يصيبها بسببه. فمثلاً بعد معركة الصريف المشهورة عام 1318هـ /1901م لجأت إلى عنيزة بعض فلول جيش الشيخ مبارك بن صباح أميرالكويت ومن تبعه من أهل نجد بعد هزيمتهم المنكرة أمام عبد العزيز بن رشيد، ورغم أن عنيزة كانت وقتها تحت سلطة آل رشيد (تابعة لحائل) وكان جنوده يلاحقون المهزومين في بلدان القصيم، إلا أن موضي استضافتهم سراً وبعد فترة سهلت عودتهم إلى بلدانهم.
كذلك بعد معركة البكيرية ( بين الملك عبد العزيز رحمه الله وعبد العزيز بن رشيد) 1322هـ/1904م ساعدت موضي العبد الله المهزومين من أهل العارض وآوتهم واستضافتهم حتى استطاعوا العودة إلى مناطقهم. كما أن موضي العبد الله أحسنت إلى من أساء إليها وإلى أسرتها في مواقف معروفة.
إضافة إلى كوارث الحروب وانعدام الأمن تلك الأيام، فقد كان للكوارث الطبيعية التي أصابت البلاد دورها في زيادة مشاكل الناس. في عام 1327هـ /1909م أصابت نجد عامة مجاعة شديدة نتيجة القحط وعرفت لدى الناس بـ: " سنة الجوع " وهنا كانت موضي العبد الله البسام سباقة للخيرات فقد خزنت كمية كبيرة من التمروغيره واستعانت – إضافة إلى قيامها بنفسها - ببعض النسوة لتوزيع مقادير محددة يومياً على عدد كبيرمن الفقراء والمساكين بشكل منتظم.
وهكذا استمرعطاء هذه السيدة ذات الجود حتى وفاتها عام 1363هـ/1944م.
> ص 129-131 <

رحم الله هذه المرأة التي يشهد لها من عاصروها ومن سمعوا أخبارها بالأعمال الجليلة وحتى الذين عرفوها أو سمعوا عنها من خارج القصيم ، ولهذا أقول لم تأت مقولة الناس قديماً عبثاً : " إذا جاك ولد سمه موضي "


الثالثة: نورة بنت سليمان الرهيط


لئن قلت إن السيدة الأولى (نورة المحمد الهطلاني) هي شاعرة عنيزة، والسيدة الثانية (موضي العبد الله البسام) هي أم الخير والإعمال الجليلة، فإن هذه السيدة الثالثة (نورة السليمان الرهيط) هي معلمة عنيزة الأولى دون منازع. ذلك لأنها جمعت بين أساليب التعليم القديم والحديث فهي بحق " المعلمة والمربية المخضرمة" لأنها أدركت نظام التعليم القديم والجديد وعاشت إلى وقت قريب.
كنا نسمع ونحن صغار في عنيزة الأمهات والجيران يرددون اسم " المطوعة رهيطة " فمعظم البيوتات كانوا يرسلون بناتهم للدراسة في كتابها أي مدرستها الخاصة في بيتها، اشتهرت "الزفة " لخريجات مدرسة هذه المربية وكانت أشهرزفة للكتاتيب يحتفى بها في عنيزة قبل بدء التعليم النظامي، كان البنات الصغار يحتفلون بالخريجة أو الخريجات اللاتي يمشين في المقدمة بلباس مميزعبرالأسواق ومن ورائهن مجموعة كبيرة ينشدن أهازيج جميلة،
منها :
حافظ حافظ جزو عم ....... حافظ حافظ كل القران
وكان القصد من هذا إشهارهذا التحصيل العلمي والتشجيع عليه.

بعد مقدمتي السابقة:

نرى ما تقول مؤلفة الكتاب الدكتورة الحربي، وكما أشرت باختصار وتصرف.

نورة الرهيط ولدت عام 1344هـ /1925م ، كان والدها من طلبة العلم على الشيخ عبد الرحمن السعدي، تعلمت منه ابنته مبادىء القراءة والكتابة وعلوم الدين بشكل عام. في حدود عام 1360هـ/1941م وهي في السادسة عشرة من العمرفتحت في منزلها كتاباً للفتيات التحق يه القليل ثم زاد العدد شيئاً فشيئاً وذاعت شهرتها، واستمرت هذه المدرسة الخاصة تخرج العديد من الطالبات بحدود عشرين عاماً.
طريقة التدريس لم تختلف عما سائد آنذاك من تركيز على حفظ القرآن ومعرفة بعض الأمورالشرعية من توحيد وفقه ومعها القراءة والكتابة وذلك على فترتين في اليوم. ومع أن المدرسة خاصة فإن هذه السيدة الفاضلة لم تكن تشترط أو تحدد مبلغاً من المال لقاء جهدها، ولكن كان الناس يعطون بناتهم أشياء عينية لتقديمها إلى معلمتهن مثل شيء من القمح أو الحطب أو أكلات معينة أو ماشابه ذلك مما تيسر.
عندما بدأ التعليم النظامي عام 1380هـ/1961م تم تعيين الأستاذة نورة الرهيط مع عدد قليل من أمثالها من أهل عنيزة ضمن أوائل المعلمات المستقدمات من الخارج لتدشين مرحلة جديدة ونقلة كبرى. أخذت نورة الرهيط الشهادة الرسمية وتدرجت في عملها من معلمة إلى مساعدة مديرة ثم مديرة للمدرسة الأولى لمحو الأمية للسيدات بعنيزة ، استمرت في العطاء حتى أحيلت للتقاعد عام 1409/1989 وفي عام 1415هـ/1995م وافاها الأجل وهي في الحادية والسبعين من عمرها.
ص > 146-147 <

رحم الله هذه المعلمة الفاضلة التي تميزت بجمعها بين الأسلوب القديم والحديث ولهج بذكرها وفضلها أجيال من نساء وبنات عنيزة وأهاليهن على مدى سنين طويلة.



بقلم /د.عبدالعزيزالشبل
اضافة رد مع اقتباس