الموضوع: من الأهبل
مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 14/10/2007, 02:31 AM
هلالي وامقصر هلالي وامقصر غير متواجد حالياً
زعيــم نشيــط
تاريخ التسجيل: 11/09/2006
المكان: الرياض
مشاركات: 690
من الأهبل

تتفق لهجات الدول العربية على مفهوم كلمة "الأهبل" فمن العبارات الدارجة في قواميس لغاتنا العامية حول هذه الكلمة باللغة المصرية "دابيستهبل" وباللغة الحجازية السعودية "بلا بلاهة" وفي اللغة الشامية "عَمْ يستهبل".

وكل هذه العبارات لا تشير لو تأملنا إلى الإنسان فاقد الوعي، وإنما إلى كامل الوعي ولكنه الذي "يستهبل"!

بمعنى آخر: هل يمكن أن يكون التاجر الفطن الذي يخطط لمشاريعه "أهبل"؟

وهل يمكن أن يكون الذكي المفكر المبدع مؤلفاً كان أو كاتباً أو مخرجاً سينمائياً "أهبل"؟

وهل يمكن للشاب الوسيم النضر المتكامل الجسم، المتعافي، التام الصحة أن يكون "أهبل"؟

هل يمكن للقوي المتمكن المتمرس بكل عوامل القوة أن يكون "أهبل"؟

هل يمكن للمرأة الرقيقة الرشيقة البالغة الخبيرة أن تكون "هبلاء"؟

هل يمكن للأستاذ القارئ المتخصص الموجه أن يكون "أهبل"؟

هل يمكن للمجتمع الواعي المتحضر المثقف العارف بتاريخ ما قبله وما هو عليه حالياً أن يكون مجتمعاً "أهبل"؟

قبل الإجابة عن هذه الأسئلة السخيفة ربما، أذكِّر بتلك الكلمات العامية المستقرة في الأذهان "دابيستهبل" و"بلا بلاهة" و"عَمْ يستهبل".

وحين نتأملها نجد أنها تتحدث عن الإنسان الذي "يستعبط" أو "يستهبل" أو "يخادع" نفسه قبل الآخرين!

نعم يمكن أن يكون كل واحد ممن سبق ذكره، التاجر والمثقف والمعلم والشاب والمرأة والمجتمع "أهبل" لأنها كلمة يتصف بها كل من تحلى بأخلاقها.

فالتاجر المسلم الذي يملك الملايين، ويطلق في جو السماء قنوات رخيصة راقصة، وأفلام مهيجة، وتسأله عن ذلك فيقول: الحمد لله، أنا عندي برامج إسلامية طيبة، وهذه البرامج للتسلية ولا تمنع الإنسان عن الصلاة! فيا ترى هل هذا "يستهبل"؟

وعندما تسأل الشاب المملوء نضارة وحيوية وجمالاً وهو في تمام صحته، لماذا تنظر إلى النساء اللواتي لا يحل لك النظر لهن؟

فيقول: أنا "أكحّل عيني فقط"، وتسأله: أليس هذا عيب؟، فيقول: لا، أنا عندي حدود وخطوط حمراء!، فيا ترى هل هذا "يستهبل"؟

وعندما تسأل شاباً يعمل في مهنة شريفة، وليس عنده أي عوائق أو عاهات: لماذا تسافر لتبحث عن الحرام، أو تتجه صوب الأماكن المحرمة للمتعة التي تقترف بسببها ذنوباً، وأنت بكامل عافيتك؟ فيقول: الأمر أكبر من قدراتي وتصرفاتي!، وتتساءل: هل هذا يا ترى "يستهبل"؟

وتفاجؤك مخرجة مسلمة تصور اللقطات المثيرة الآثمة، فتسألها: لماذا تصورين اللقاءات الحميمة؟ فتقول: ليعيش المشاهد الصورة على حقيقتها، فتقول: ولكنه يقع فريستها بسببك، فتقول: أنا مجرد مصورة ومخرجة للواقعة، ولست مسئولة عن تصرفات الإنسان!، وتتساءل: يا ترى هل هذه "تستهبل"؟

ويتقلد مسئول أمانة شعب، فيرى الدماء تُسال صباح مساء، وتدك البيوت على الرؤوس أمام الأشهاد، وتسأله: أين دورك؟ فيقول: لابد من حلٍّ عادل وسلمي للموقف، وإذا تكلم أحد عليه، قلب الدنيا، وطالب بإقامة الحدود القانونية والعرفية والشرعية!، فتسأله: أليست حقوق الناس متساوية لديك يا سيادة المسؤول؟ فيقول: نعم، ولكنها الأولويات والاستراتجيات وخارطة الطريق!، وتتساءل: يا ترى هل هذا المسؤول "يستهبل"؟

وتقلّب النظر في حال فئام من الشعوب فتجدها "مهيصة" وكأنه ليست هناك قضية وتآمر وتغريب وتخريب وتفتيت لبنيتهم، ويقولون: "الذنب على الليِّ جاب المشكلة ونحن اللي فينا مكفينا" وتتساءل هل هذه الشعوب جادة في كلامها وتصرفاتها ام أنها "تستهبل"؟

إنه من المعتمد والمقرر عرفاً وعقلاً وقانوناً وشرعاً أن الأهبل لا أهلية له!

إذاً، فليحاسب كل منا نفسه ويتساءل هل هو فاقد الأهلية أم لا؟!، ولتحاسب الأمة نفسها كذلك هل هي فاقدة الأهلية أم لا؟!

* ومضة:

نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير جرم *** ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليس الذئب يأكل كل لحم ذئب *** ويأكل بعضنا بعضاً عيانا


"إن الله أراد لنا أن نكون في العالم الأول، ولكننا اخترنا لأنفسنا العالم الثالث"، الغزالي.

للشيخ علي العمري
اضافة رد مع اقتباس