مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 09/10/2002, 01:54 AM
شووووووووق شووووووووق غير متواجد حالياً
زعيــم متواصــل
تاريخ التسجيل: 20/02/2002
المكان: القصيم
مشاركات: 67
شوفوا 000دلع وغنج البنـــــــــــــت00اللي على اصوله******

كان الناس قد فرغوا من الصلاة ، وأخذوا ينصرفون من المسجد زرافات ووحدانا
منهم المستعجل ، وفيهم المتأني ، وآثر هو أن يتأخر قليلا بعد الصلاة ،
فقد كانت تلك عادته ، ينشغل بالدعاء والمناجاة ، يستمطر شآبيب الرحمة ،
حتى إذا أحس بنفحة روحية تهب على قلبه ، قرر أن يخرج في تلك اللحظة بالذات ،
ليواجه الحياة وأحداثها بروح منتشية بفيض من نفحات الله ،
كانت روحه في تلك اللحظة ترفرف عاليا ، حتى شعر بأن الدنيا لا تسعه ..

لقد أدى فريضة الصلاة في الجماعة ، على أروع ما يكون الأداء ،
ولقد أحس بقلبه إحساسات إيمانية راقية ، ، وجد لها في روحة
لذة تتقاصر عنها كل لذاذات الدنيا مجتمعة ..
إنها لحظات إيمانية راقية سامية تقصر عن التعبير عن حقيقتها أقوى العبارات .
. ومن ثم شعر أنه يخرج على الدنيا جديدا بروح فياضة بالنور ..

يكاد يجزم أن لروحه إشراقاً يفيض على محياه ، وأن هذا الإشراق
يعرفه أهل السماء قبل أن يظهر لأهل الأرض ..
كان يسير وهو يدير لسانه بذكر الله تعالى ،

وفجأة يجد نفسه أمام امرأة عجوز تتوكأ على عصا ، قد اضناها الدهر ،
وإذا هي تبادره في ضراعة أن يساعدها ، وتلح عليه أن يفعل
وأنها لن تجد في هذه الساعة من يعينها غيره ، ونحو هذه المعاني الشاكية الباكية
..وفاضت دموعها على خديها ..

فاستوضحها عن الأمر ، فأخبرته أنها تعاني من بعض الألواح الكبيرة
سدت عليها بئرها ، فلم تستطع أن تشرب منها ..

وعجب من كلامها ، كيف يكون لها بئر في بيتها في هذا العصر الذي تيسرت فيه الأمور ،
غير أنها أقنعته بدموعها وتوسلاتها ، وهي تؤكد له أن هذا البئر كان منذ عهد ابيها ،
فحافظت عليه كما هو ، وأنها تعودت أن لا تشرب إلا منه ..!

لاحظ ملاحظة قوية ، لاحظ أن هناك بعض الناس يتحركون قريبا منه ،
وفيهم من هو اشد منه قوة ، واصلب عوداً .. وسأل نفسه :
لماذا اختارته بالذات دون هؤلاء جميعاً ؟؟
غير أنه لم يتوقف عند هذه الملاحظة كثيراً ، لا سيما والعجوز لا تزال تسترحمه مستعطفة إياه ،
فلان قلبه لها ، وأشار عليها أن تمشي أمامه لتريه الطريق ، فتهلل وجهها
حتى كان أن يشرق ، وسارت به شوطاً طويلا بخطى حثيثة تعجب من سرعتها ونشاطها ، لقد لاحظ أنها تقطع الخطوتين بخطوة !..

ودلفت العجوز إلى دار منزوية عن بقية الدور ، كان داراً متواضعاً فيما يبدو ،
لا يميزه عن غيره شيء يذكر ، وأشارت إليه أن يتبعها إلى الداخل ،
وفي تلقائية عجيبة ، يجد نفسه يخطو وراءها وهو يتمتم ..

ولما أصبح في وسط الدار حملقت عيناه في ذهول ، وتوقفت شعيرات جسده كلها
، ودار رأسه دورة كاملة ، لقدكان البيت على أبدع ما يكون ..
حديث التصاميم ، مليئا بالتحف والزينات ، واللوحات الرائحة ، والروائح العبقة الشذية ،
كان المكان كأنه قد أعد لإقامة عرس كبير ، أو أن عروساً ستزف إلى زوجها هذه الليلة .. إلى هذه الحجرة الواسعة المزخرفة بالذات ..
وسأل نفسه : أيعقل أن يكون في هذا المكان الرائع بئر ؟؟!

ثم طوى شفتيه وهو يقول : لله في خلقه شؤون .. علينا أن ننتظر لنرى..!
طلبت منه العجوز بصوتها الأجش أن ينتظر قليلا،
توهم أنها ترغب أن توسع له الطريق إلى الداخل ليعالج أخشاب البئر ..

وظل المسكين يقلب بصره مدهوشاً في هذه الدنيا الجميلة من حوله ،
هجس في نفسه أن الداخل إلى هنا كأنما انتقل إلى بلد آخر بعيد ، وبعيد جداً .

أقبلت العجوز ووجهها يتهلل ويبرق وقد بدت أسنانها الصناعية ، فزادت بشاعة ،
كانت تحمل في يدها صرة متوسطة الحجم .. وسارعت ترمي ما تحمل إلى حضنه ،
وهي تتبسم في انتشاء ، ثم وقفت صامتة وعيناها تحدقان في وجهه المتلألئ بأنوار السجود .
وفي شيء من التريث والتمهل والعجب نظر إلى الصرة ،
فإذا مبلغ كبير يسيل له اللعاب ، بعض القطع الذهبية الخالصة ، تلمع وتبرق أمام عينيه ..
سارعت العجوز تقول في نبرات يتضح فيها شيء من الارتباك :

إنما أردت أن أطمئنك إلى أن جهدك معي سيكون ذا ثمار كثيرة وكبيرة ..
وأخذت تكرر ( كثيرة وكبيرة ) وهي تضغط عليها ، وتمط فيها وتبتسم معها ..!
ثم قالت مؤكدة :
إن إقبالاً علينا منك سيدر عليك خيراً كثيرا لم تحلم به ..!

لا يزال صاحبنا يقلّب نظره ، وعقله يموج بآلاف الأسئلة ،
وقبل أن يتفوه بكلمة ما يجول في نفسه ، إذا بها تستمهله ثم تنصرف من جديد
وهي تفرك يديها ، وتعض على شفتها السفلى ..!
وبمجرد أن توارت العجوز وراء الباب ،
خرجت عليه فجأة فتاة ريانة العود ، كالزهرة متفتحة ،
تحمل كأساً من شراب الورد البارد ، وقدمته إليه وهي تبتسم ابتسامة مملوءة بالإغراء ،

وكانت قد أقبلت عليه في دلال وغنج وميوعة ، تعثرت الكلمات في فمه ،
ثم سألها وهو يتلعثم عما يجري هنا ، فأفهمته الفتاة من خلال
ترقيق عبارة وتمطيط كلمات ، وتبسم مقصود ، وحركة يديها على خصلات شعرها تتلاعب بها ،
أفهمته أنها خادمة لتلك المرأة العجوز ، وأن فتيات كثيرات مثلها لا عمل لهن
إلا خدمة هذه العجوز والسعي معها ، وتنفيذ أوامرها ليل نهار ،
وأخذت تؤكد له أن الحياة معها نعيم مقيم ، وجنة حافلة ،
ومتعة متجددة، وفرح وسرور ، وبهجة وحبور ..
ثم أخذت تضحك في غنج ، وهي تنصرف في دلال مثير ..
كانت حركاتها وهي تمشي .. تتكلم أيضا هي الأخرى ..!

نفض رأسه ، كأنما يريد أن يصرف بعض الأفكار السيئة التي بدأت تتوالد فيه ،
ولجأ إلى الدعاء والذكر وبعض الآيات القرآنية ..
وشعر أن قلبه يضطرب بقوة ، ويخفق على غير اعتياد ..
وشرع يفكر في الخروج من هذا المأزق الذي وجد نفسه فيه ..

ولما همّ بالمغادرة ظهرت العجوز من جديد وهي تقهقه ،
وحدق فيها في ذهول ، لقد قامت بتخطيط وجهها بألوان الطيف ،
وتزينت بحلي كثيرة متنوعة براقة ، ولبست ثوباً جذاباً ، يلفت النظر بقوة ،
وغدت وكأنها فتاة تزف إلى عريسها في ليلة خالدة _ رغم بشاعة منظرها_…!

ثم فجأة وبلا مقدمات قالت له في دلال مقزز ، وقد اقتربت منه كثيرا ،
قالت وهي تبتسم : ما رأيك أن تتزوجني ؟؟!
نظر إليها في ذهول ودار رأسه ، وقطرات عرق باردة أخذت تتحدر على جبينه ،
ولم يتمالك نفسه فصاح بقوة في شيء من الفزع :
من أنتِ ؟ بالله عليك من أنتِ؟
كان صدى صوته يتردد في جنبات الدار بقوة ، قالت في برود وهي تمط كلماتها مطاً :
أنا ؟؟أنا ؟؟ وارتفع صوتها بالضحك . ثم قالت : أنا …. أنا الدنيا ..!!

صرخ في وجهها بقوة كإنسان فقد السيطرة علىنفسه :
بل أنتِ الشيطان بعينه !
ثم اندفع كالمجنون إلى الخارج ، وأخذ يركض لا يلوي على شيء ، كأنما يسابق ظله ، حتى توارى عن الأنظار ..

أما العجوز فقد فوجئت تماماً بحركته وسرعة خروجه ، فقطبت وجهها قليلا ،
ثم لم تلبث أن أخذت تقهقه عاليا كأنه أصابها شيء من جنون .. ثم قالت :

إن كنتَ نجوتَ مني هذه المرة ، فلأن إيمانك معك ،
ولكنك لن تنجو مني في المرات القادمة ، والحرب سجال ،
ومن يضحك أخيراً يضحك كثيراً ..!

أما الفتى المتطهر فقد آوى إلى مسجد قريب وأخذ يركع ويسجد ويستغفر
ويناجي ويتضرع ويبكي ويتوسل أن لا يكله الله إلى نفسه طرفة عين ...
ثم أخذ يردد في ثقة :
لن يلدغ المؤمن من جحر مرتين ..
لن أخطو معها مرة ثانية الخطوة الأولى اصلاً ، وإن توسلت حتى تخرج روحها بين يدي !
اليوم نجوت ، وما يدريني هل سأنجو في المرة القادمة أم لا ..!
وهل أنا إلا بشر من لحم ودم وأعصاب ..!
لولا أن الله ادركني اليوم لكنت الآن عبدا تحت أقدام تلك العجوز المتصابية !
اضافة رد مع اقتباس