مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 17/08/2002, 11:53 AM
شيروكي شيروكي غير متواجد حالياً
مشرف سابق بمنتدى الثقافة الإسلامية
تاريخ التسجيل: 15/12/2000
المكان: القصيم
مشاركات: 2,953
من لأسرى المسلمون..................... للشيخ سلمان العودة

من لأسرى المسلمين ؟ (1/3)
سلمان بن فهد العودة
25/5/1423

تعيش مجموعة من الأسرى المسلمين في معسكر " إكس راي " بجوانتانامو وضعاً متفرداً صعباً يستوجب من أهل الإسلام وقفة تعاطف ومناصرة جادة ، ولابد من تحريك هذا الموضوع على أكثر من صعيد ، ولعل هذه الكلمة مشاركة في هذا المجهود الواجب .
ويتعين مثل هذا العمل لأسرى الفلسطينيين في إسرائيل ، وأسرى المسلمين في سجون روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها.
والأسر ظاهرة مرتبطة بالحياة البشرية ، وبالحرب على وجه الخصوص ، والأسير أخيذ الحرب ، وقد تطلق على من يؤخذ سلماً ، أو من يسجن أو يؤسر .
وكان الأسير في الأمم المتوحشة مهدر الحقوق ، من حقهم أن يصلبوه أو يُحرقوه أو يقتلوه أو يعذبوه بما شاءوا دون مسائلة بل يوجد عند بعض الأمم والشعوب القديمة كالشعب الأقيانوسي عادة أكل لحم الأسير .
والأسر بمرارته وغربته وغموض مستقبله وانقطاع الإنسان عن أحبته وأهله وزوجه وولده وقرابته يشوي الأسير بنيران الشوق واللهفة والمحبة والتوقع ، ولذلك كان الأسر فرصة للإبداع وللشعر وللكتابة ، وهذه المعاناة الصادقة الجادة كانت وراء الكثير من الإبداع العلمي والأدبي والحيوي ، ويحفظ التاريخ لنا من ذلك ما لا يمكن حصره ، خصوصاً وأن المأسور والمسجون غالباً ما يعيش نوعاً من الفراغ .
المعتمد بن عبّاد الأمير الشهير أسر في الأندلس وسيق للمغرب وسجن بأغمات إلى أن مات ، فكان يقول لما زارته بناته في الأسر يوم العيد :

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا
فساءك العيد في أغمــات مأسورا

ترى بناتك في الأطـــــمار جائعة
يغزلن للـــــناس لا يملكن قطميرا

خرجن نحوك للتـــــــسليم خاشعة
أبصارهن حـــــــسيرات مكاسيرا

يطأن في الــــطين والأقدام حافية
كأنها لم تطــــــــأ مسـكاً وكافورا

من بات بعدك في ملك يُســــرُّ به
فإنما بات بالأحـــــــــلام مغرورا

وللمتنبي شاعر العربية قصائد مشهورة منها القصيدة التي قالها وهو سجين :

دعوتك لــما براني البــــلى
وأوهن رجــــليَّ ثقلُ الحديدِ

دعوتك عند انقطاع الرجا ء
والمــوت مني كحبل الوريدِ

وقد كان مشيــهما في النعال
فقد صــار مشيهما في القيودِ

ومنها ما كتبه لرجل يقال له أبو دلف حين أرسل له هدية في سجنه ، وكان قد ذكره عند السلطان بسوء :

أهون بطول الثـــــواء والتلف
والسجـــــــن والقيد يا أبا دلفِ

غير اختيـــــــار قبلت برّك بي
والجوع يرضي الأسود بالجيفِ

كن أيها الســجن كيف شئت فقد
وطنت للموت نفـــــس معترفِ

لو كان سكــــــناي فيك منقصة
لم يكن الدر ساكن الصــــــدفِ

ومن غرر قصائد علي بن الجهم التي قالها في الأسر ، وهو شاعر فحل مشهور سُنّي :

قالوا:حبستَ فقلت:ليس بضائري
حبـــــسي وأيُّ مـــــــهند لا يُغمدُ

لا يؤيســــنك من تفـــــــرج كربة
خطب رمــــــاك به الزمان الأنكدُ

كم من عليل قد تخـــــــطاه الردى
فنــــجا ومات طــــــــبيبه والعُوَّدُ

صبرًا فإن الصـــــبر يعقب راحة
ويَدُ المــــــهيمن لا تـــــطاولها يدُ

ولــــــــكل حال مـــــعقب ولربما
أجلى لك المــــــــكروه عما يُحمدُ

و لصالح بن عبد القدوس قصيدة متداولة ، وروي بعضها لعبد الله بن معاوية :

خرجنا من الدنيا ونحــن من أهـلها
فلسنا من الأموات فيها ولا الأحـــيا

إذا جاءنا الســـــجّان يومـــاً لحاجة
عجبنا وقلنا : جاء هــــذا من الدنيا

ونفرح بالرؤيا فـــــــــجل حديثــــنا
إذا نحن أصحبنا الحديث عن الرؤيا

فإن حـــــــسنت كانت بطيئاً مجيئها
وإن قبحـــــت لم تنتظر وأتت سعيا

ومن شهير هذا الباب القصائد الرومية لأبي فراس الحمداني ، ومن غررها ودررها القصيدة المشهورة :

أراك عصــــيَّ الدمع شيمتك الصبرُ
أما لــــلهوى نهيُ عليـــــك ولا أمرُ

بلى أنا مشـــــتاق وعـــــندي لوعة
ولكن مـــــــثــــــلي لا يذاعُ لـه سرُّ

تكاد تضــيء النار بيــــــن جوانحي
إذا هـــي أذكتها الصـــــــبابة والفكرُ

مــعللتي بالوصل والمـــــــوت دونه
إذا مــــتُ ظمــــــئاناً فلا نزل القطرُ

أسرتُ وما صحبي بعزل لدى الوغى
ولا فرسي مـــــــــــهرٌ ولا ربه غمرُ

ولكن إذا حم القـــــــضاء على امرئ
فليـــــس لـه بر يقيه ولا بحـــــــــــر

وقال أصيـــحابي : الفرارُ أو الردى
فقلت :هما أمـــــــــران أحلاهما مُرُّ

ولكنني أمــــــــــــضي لما لا يعيبني
وحسبك من أمرين خــــيرهما الأسرُ

تهون علـينا في المـــــــعالي نفوسنا
ومن خطب الحــسناء لم يغلها المهرُ

ومن عيون الشعر المعاصر قصيدة " رسالة في ليلة التنفيذ " للشاعر هاشم الرفاعي :

أبتاه مــاذا قد يخط بناني ؟
والسيف والجلاد ينتظراني

وقصيدة الأستاذ سيد قطب " من وراء القضبان " :

أخي أنت حر وراء السدود
أخي أنـــت حر بتلك القيود

إذا كنــــــت بالله مستعصماً
فماذا يضــيرك كيد العبيد ؟

ولأن الأسر جزء من الحياة البشرية كما هو الشأن في الحرب ذاتها ، فإن الإسلام قد نظم شأن الأسير وكيفية التعامل معه وفق المنهج الرباني القائم على العدل والإحسان ، ومن خلال عرض سريع نتبين طريقة الإسلام في التعامل مع الأسير ، وطريقة القانون الوضعي الذي جاء بعد الحرب العالمية الثانية ، وبعد المشاكل الطويلة العريضة والقتلى والأسرى بمئات الآلاف ، بينما النظام الإسلامي جاء ابتداءً دون معاناة ولا اعتبارات وقتية ولا ضغوط خاصة .

نظام الأسرى في الإسلام
شرع الله سبحانه الأسر كما في قوله تعالى : "حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق" والحرب الشرعية العادلة لابد منها لمقاومة المعتدين والظالمين ودفع العدوان وإزالة العقبات التي تحول بين الناس وبين معرفة الحق واتباعه ، فإن الأسر جزء من مقتضيات الحرب ، ولهذا قال سبحانه : " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب " وهذا طبيعي فلا يتوقع أحد أن يقال : إذا لقيتم الذين كفروا فانثروا الورود والرياحين في وجوههم ؛ لأن المقام مقام حسم ومصارمة ، يقول المتنبي :

ووضع الندى في موضع السيف بالعلا
مضر كوضع السيف في موضع الندى

وقال أحمد شوقي :

والشر إن تلقه بالخير ضقت به
ذرعـــاً وإن تلقه بالشر ينحسم

ولآخر :

والناس إن تركوا البرهان واعتسفوا
فالحرب أجدى على الدنيا من السلم

فالحرب جزء من الحياة متى كانت حرباً عادلة لا يُقصد بها مجرد التوسع الإمبراطوري الظالم ، ولا العدوان والبغي بغير حق ، وكم لهذه الحروب من أثر في بناء الحضارة وتجديد نسيجها واستئصال آفاتها .
وفي كتاب الله تعالى آيتان تتحدثان عن الأسرى :
الأولى : قول الله سبحانه وتعالى : " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض " وهذه الآية نزلت بعد معركة بدر لما أسر المسلمون من أسروا من المشركين .
الثانية : قوله تعالى : " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منّا بعد وإما فداءً حتى تضع الحرب أوزارها " وفي كلام أهل العلم اختلاف ، لكن الراجح أنه ليس بين الآيتين تعارض ولا نسخ فإن المعنى واحد ، فالله تعالى يقول في الآية الأولى : "ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض " فإذا أثخنوا في قتل أعداءهم حتى يكون عندهم خوف ورعب فبعد ذلك يأتي النص الآخر الذي يأذن بالأسر بعد الإثخان " إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق " فالأسر يكون بعد الإثخان وليس معه أو قبله ، فليس ثمت نهي عن الأسر ، وإنما أمر أن يكون الإثخان هو الأول ، وبعده يأتي الأسر .
فالإثخان لتحطيم قوة العدو وكسر شوكته ثم يكون الأسر ، والحكمة فيه ظاهرة ؛ لأن إزالة القوة المعتدية المعادية هو الهدف الأول من القتال ، ولهذا يقول الشيخ رشيد رضا في تفسير المنار : [جملة القول في تفسير الآيات أنه ليس من سنة الأنبياء ولا مما ينبغي لأحد منهم أن يكون له أسرى يفاديهم أو يمنُ عليهم إلا بعد أن يكون له الغلبُ والسلطان على أعدائه وأعداء الله الكافرين ] .

اخر تعديل كان بواسطة » شيروكي في يوم » 03/10/2002 عند الساعة » 09:04 AM
اضافة رد مع اقتباس