وهذا رد الاستاذ الكبير صالح الورثان
من الجهل ما قتل !!
يقال من الحب ماقتل، وأقول بل من الجهل ماقتل! ويل للوسط الرياضي وللصحافة وعالم النقد والكتابة من متطفلين نقضوا علوم اللغة وفنون الكتابة وخلطوا الدقيق بالتراب والماء بالسراب؟ جهل أطبق على عقول ثلة من المشجعين بثياب صحافية أو هم تسموا صحافيين طمعا في شهرة أو مجد هم ليسوا من أهل داره؛ وإن قلت شر البلية مايضحك فعلي وعليكم أن تضحكوا كثيرا عندما يتحدث عن الكتابة وفنونها من يغرق في شبر إملاء ، فضلا عن جهله الفاضح بعلوم البلاغة والكتابة وأقسامها التي أسس لها علماء اللغة والبلاغة في عهود أدبية زاهية شهدت نقلة رائعة لفنون النثر والشعر، وفي الأيام الفارطة ضجت بعض الأوساط الجاهلة بالحديث عن سرقة المقالات وأقحم اسمي عنوة مع أولئك الذين سرقوا الجمل بما حمل ، وهنا لست في موقع النفي أو الإثبات لكنني سأشرح للمبتدئين في تناول الكتابة أن السرقة هي النسخ والانتحال بأخذ اللفظ والمعنى كله كمن يسرق قصيدة أو مقالة كاملة وينسبها إليه، أما الاقتباس والتضمين فهو من أقسام علوم البلاغة التي شدد البلاغيون على أن استخدامها حق مشروع للكاتب الذي يستطيع بملكته وموهبته أن يقتبس من القرآن الكريم والأحاديث النبوية وعيون الشعر وكتب الأدب للمتقدمين والمتأخرين ، وشخصيا أستفيد كثيرا من الإعجاز القرآني في البيان والمعاني والبديع ، كما أقرأ كثيرا للشعراء الأوائل كالمهلهل وقيس بن الملوح وشعراء العصر الأموي والعباسي وأتلذذ بمدرسة المتنبي في جزالة ألفاظه وقوة أسلوبه وشاعريته ، كما أرى أن الشيخ الأديب الأريب عائض القرني لايقل عن أولئك في بلاغته وكتاباته ومؤلفاته التي أقتبس منها وأتعلم الشيء الكثير، لكنني لم أسرق يوما مقالة من مقالات أديبنا الكبير كما يفعل مساكين الصحافة وجهلة العلم والقلم!... تعالوا إلى قول أبي تمام : هيهات لايأتي الزمان بمثله ... إن الزمان بمثله لبخيل
وانظروا إلى قول المتنبي : اعدي الزمان سخاؤه فسخا به
ولقد يكون به الزمان بخيلا
الشاعران اشتركا في ألفاظ بعينها ، كما تقاسما معنى واحدا وهو أن الممدوح لايتكرر في الزمان ، وقد أكد النقاد أن ذلك ضربا من ضروب البلاغة وقوة الأسلوب في فن الاقتباس والتضمين الذي لايعتبر بأي حال سرقة إلا عند الجهلة بعلوم اللغة والبلاغة، وعادة فالجهل أكبر حماقة يرتكبها الشخص بحق نفسه لأنه بذلك يناطح علوما أسست وثقافة كتابية لايفهم أصلا في أبسط قواعدها.. والاقتباس كما ورد في كتاب (علوم البلاغة ) للأستاذ أحمد مصطفى هو أن يضمن الكاتب أو المتحدث منثوره شيئا من القرآن أو الحديث تفخيما لشأنه وتزيينا لسبكه على وجه لايشعر بأنه منه كقول ابن نباتة الخطيب : " أما أنتم بهذا الحديث مصدقون " وقول الحريري " أنا أنبئكم بتأويله ، وأميز صحيح القول من عليله " .. ويقول ابن الرومي :
لقد أنزلت حاجاتي ... بواد غير ذي زرع
فهو مقتبس من قوله تعالى ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ) والسؤال لهؤلاء الجهلة : هل يحق لنا القول بأن ابن الرومي سرق كلام الله تعالى ونسبه إليه ؟ ليتكم بدلا من كيل الاتهامات عن غير ثقافة ووعي بما تقولون تتفرغون لتقوية أساليبكم وكتاباتكم بما هو مفيد لكن السماحة لاتنتظر من بخيل ؟ قولوا للناس أيضا بأنني سرقت ذلك من الشافعي رحمه الله تعالى ! بل قولوه كي تفصحوا عن جهلكم بالكتابة وطرقها وفنونها لأنكم أصلا في واد غير ذي زرع !.. أما التضمين ياهؤلاء فهو : أن يضمن الناثر أو الشاعر كلامه شعرا أو قولا من قول غيره مع التنبيه عليه إن لم يكن مشهورا لدى النقاد ، لاحظوا إن لم يكن مشهورا ( والكلام في كتاب علوم البلاغة ) وأعتقد أن لا أحد يختلف على شهرة القرني الأديب الداعية الذي أتشرف بالاستفادة من ألفاظه وتراكيبه ومعانيه ومواعظه وحكمته أيضا ، كما أستفيد من المتنبي ونزار قباني وكل مدارس الكتابة والشعر، أما أنتم أيها الناطقون جهلا مطبقا على الأفواه قبل الحروف فتعلموا أولا الكتابة بإملاء صحيح ولغة فصيحة ثم اقرأوا وتثقفوا بما يجعلكم أهلا لمناطحة الكبار!
رذاذ :
** الألفاظ والمعاني والتشبيهات الشهيرة ليست حكرا على الشيخ عائض القرني أو سواه فكما استفاد هو من الآداب والفنون البلاغية وعلوم السيرة والفقه فمن حق غيره أن ينهل من نفس المنبع العذب بشرط أن تختلف الصياغة والأساليب وقديما قال البلغاء : الأسلوب هو الرجل.. بمعنى أن لكل كاتب أسلوبه في حين تبقى الألفاظ والتراكيب اللغوية حقا مشاعا للكتاب والأدباء والشعراء الذين يشتركون أحيانا في شطر واحد أو بيت بأكمله مع اختلاف بسيط في تركيب العبارات0
** لاتحزن ياعبدالقاهر الجرجاني ولا تكترث يا أبا يعقوب السكاكي ولاجميع علماء البلاغة لوجود من لايفرق بين السرقة والاقتباس تماما كمن لايفرق بين العصا والألف!
** قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : صمت الجاهل ستره0
** أليس من البلوى بأنك جاهل .... وأنك لاتدري بأنك لاتدري
** كنت قد تحدثت عن ظلامهم ، فليت الظلام بقي عيبهم لكن الظلام التحف بجهل لظلمات فوقها ظلمات0
