مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #14  
قديم 25/04/2007, 08:37 AM
العـــــراب العـــــراب غير متواجد حالياً
زعيــم جديــد
تاريخ التسجيل: 08/04/2007
مشاركات: 43
اتجه ببصره نحو جهاز التكييف ، و رأى نوارا صغير لمفتاح تشغيله ، رأى معه بصيص أمل لما سيكون غدا .

اتجه ببصره نحو الأعلى إلى سقف الغرفة ، و لكن قلبه يكاد يطير إلى السماء ملتجأ إلى ربه متضرعا إليه يسأله التوفيق .

يقول في نفسه " يا رب هل من كريم يماثل كرمك ، هل من رحيم وسعت رحمته الخلائق كرحمتك ، يا من تفرد بالكرم كله ، و جعل لغيره شيء من كرم ، أنا عبدك الضعيف ، انقطعت حيلتي بالناس و تصرمت حبال الصلة بهم ، ويبقى حبلك المتين ، أنا عبدك المذنب الفقير ، اللهم لا تلجأني إلى فقير مثلي و آوني إلى ركن شديد .... "

و استمر يدعو في تضرع ، و ختم دعائه بالرضى بقضاء الله و قدره ..

بدأت أجفانه تثقل شيئا ما ، و بدأت خيالاته تطوف في أركان رأسه المثقل بالتفكير ، فمرة يرى والده الكبير في السن ، و هو يدعو له بالتوفيق ، و مرة يرى والدته الحبيبة التي لا تدخر جهدا في مد يد العون له و مساعدته فيما يعرض له ..

"آه يا والدي ، لولا البطالة لكانت النفس أكثر راحة ، و كان الصدر أرحب سعة " و أصبح يكلم خيال والده ثم أكمل " لقد صرفتني البطالة عنك أيها الشيخ الجليل ، و لا يعرف هم البطالة إلا من عاشها و ذاق مر طعمها ، يا والدي أعلم منك أملك فيّ ، و رجائك مني ، و لكني أراني مخيبًا ظنونك ، و مفسدا عليك آمالك ، و محولا رجائك إلى يأس و سراب "

تخيل والده كثيرا و هو يحادث الرجال عن عمل لابنه فمنهم من يعده خيرا لم يراه إلى اليوم ، و منهم من يعتذر بأسلوب رقيق لا يسمن من جوع ، و منهم من يتبرأ من المساعدة و يدعي عجزه و هو قادر عليها ، و لكن بأي حق أطالبهم بمساعدتي ...

تذكر تلك المرة التي أتى فيها والده .

الوالد " يا بني أين أوراقك ؟ "

الابن " لمَ يا أبت ؟!!"

الوالد " ألا تعرف أبا صالح ، لقد عرض علي أن يقدم أوراقك للشركة التي يعمل بها "

الابن " و لكن يا أبت أبا صالح موظف لا يستطيع حيلة "

الوالد " يا بني ، لا تعرف ربما يكتب الله لك العمل على يديه "

الابن " حسنا يا والدي ، سأعطيك الأوراق "

بعدها أعطى والده الأوراق لأبي صالح فغاب فترة ، ثم عاد إليه والدي بالسؤال عنها ، فأكد أبو صالح على تقديم أوراق الابن لمسؤوليه ، و لكن تحتاج إلى وقت لن يطول ، و لم تمر أيام حتى اتصل هو بوالده و دار بينهم كلام بعد سلام ..

أبو صالح " قل لابنك أن يذهب لموظف في قسم التوظيف يقال له إبراهيم "

الوالد " و ماذا يقول له ؟"

أبو صالح " ليخبره أنه قَدِم من قِبَلي ، و هم سوف يتولون الباقي "

الوالد " أحسن الله إليك أبا صالح "

و فورا اتصل الوالد بابنه ، و أعطاه المعلومات على أن يقابل الموظف إبراهيم غدا ..

و من الغد ذهب إلى الشركة و سأل عن الموظف إبراهيم فدُل عليه ، و تمت مقابلة الابن بعد أسئلة وجهها إبراهيم للابن " منذر " انتهت المقابلة على وعد بالاتصال .

و أيام قلائل حتى جاءه اتصال من الموظف لمقابلة مدير إدارة أحد الأقسام .

و أثناء المقابلة تبين للمدير أن منذر ليست لديه الكفاءات اللازمة لملء الشاغر ، و بالمقابل فإن وظيفة أخرى لدى المدير يرى أن من الظلم لمنذر أن يضعها فيها ..

و بذلك انتهت محاولة أبي صالح عند هذا القدر ، و هو يبرم الوعود للوالد بعمل اللازم لتوظيف منذر ، و لكن منذر أغلق هذا الباب في نفسه ، و علم أنه لا نصيب له هناك ...


أما أمه فطالما كانت تدعو له ، يشعر بانشراح الصدر لمّا يدعو له والداه ، كان يحب برهما ، و لكنه مثل الشباب لا يخلو من خطأ ....

فمرة قامت بالاتصال على قريبها بشأن ابنها ، فوعدها خيرا ، و أيام حتى أرسله إلى شركة يعمل بها صاحبه مديرا لها ، كان هذا المدير من أرض الكنانة ، استبشر منذر به خيرا ، و لكن خاب أمله بعد عدة جلسات مع ذلك الوغد ، فوجد منذر أن ذلك المدير كثير التهرب كثير الأعذار ، مخلفا الوعد ، و لم يغضب منه منذر لأنه لم يوظفه و لكن الغضب يعود إلى سوء طوية ذلك المدير ، فهو لا يريد أن يخسر العلاقة بينه و بين ذلك القريب بأسلوب وقح للغاية ، و لكن الحياة تجارب تصقل الخبرة بالناس ...

خيط الأفكار بترها صوت الحق عاليا ، أذن العم أبو عبد الله لصلاة الفجر بصوت جميل لا تكلف فيه ، جاء صوته رحمة لعينين سهرت بفعل فاعل ، كان الأرق فيها قاسيا لا يرحم ، لا يرعى حرمة الظلام .

استنهض نفسه من الفراش بدأ يتجول في الغرفة الباردة و مع ذلك كان يشعر بدفء الأمل و حرارة الشوق إلى قتل اليأس و لا بأس أن يُثنِّي بالبطالة معه ...

تحرك سريعا نحو مكان الوضوء فتوضأ . و اتجه للباب خارجا بعد تدثره باللباس .

خطواته للمسجد في جنح الظلام يتذكر منها البشارة للمشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة ، حتى وصل إلى المسجد ، و دخله بانشراح تام ، و خلع الدنيا و لكن بعد جهد جهيد ، وصلى ما كتب له ..

بدأ التعب بعد الصلاة ينتشر في مفاصل جسمه ، و كأن دمائه في عروقه جفت ، و كأن اللحم انكمش على عظامه ، أحس بالوهن لا من السهر ، ولكن من قسوة الأرق ..

انتهت الصلاة ، و خرج من المسجد ميمما وجه شطر البيت ، لا يرى إلا فراشه ، بعد أن تركه الأرق ضحية مضرجة بالتعب و الهم..

وضع رأسه حال قدوم المنزل على وسادته ، فبدأ النوم يرخي سدوله على جسمه و يضمه إليه ، و هو يخشى فوات موعد المقابلة في 8:30 هذا اليوم ، ولكن لابد من النوم ، و سوف يقضي الله أمرا كان مفعولا ..