هنــــا..
سأبدأ من عمق النهاية..لأعود مجدداً إلى حنيـــــن البداية!!
هنـــا..
وقبل أن أسرد الحكايــــة..
أعتذر-مسبقاً-لكل من ستحرك حروفي حزنـــه!!
أعتذر لكل من تُسيل قصتي دمعته!!
أعتذر لكل من سيُفتحُ جُرحه!!
هنـــا..
وبحبر من دمعي..
سأكتب قصتي والقـــــدر!!!


((ضحايا قصتي))
هم ضياء مهجتي..
هم من أضاءوا عتمة ليلي..
هم من شاركوني حنيـــن غربتي..
لا..لا..
بل هم.......ريحانة فؤادي........

*نـــورة*
زهـــرة سقيتها بماء قلبي للتو أكملت ربيعها العاشر..

*عبدالله*
بذرة حب غرستها بيدي..له في الدنيا سنينٌ خمس..

في شهادة ميلادهم..
كانوا مجرد إخوتي..
وفي حقيقة أمرهم..
كانوا أبناءي وصغاري..

أنا..هو..وهي..
عشنا في الغربة طوال سنين حياتنا..
كنت أنا الأكبر..
وهما..كانا سراجاً استضيء به في ظلمة الطريق الموحش..

أنا..
من ربيتهم..
من يدي..طعموا!!
ومن كأسي شربوا!!
وفي أحضاني ناموا وسكنوا!!
بدموعي في ليل الوحدة اغتسلوا!!
وبحبي وحناني في وحشة الغربة هنئوا وسعدوا!!
ملكتني براءتهم..
وأقلقني صراخهم..
ملأوا جوانب الدار بضجيجهم..
وفي قلبي..غرسوا سهام حنينهم..

معي..
ذاقوا مرارة الغربة بعيداً عن والدتي..
معي..
عاشوا خوف الوحدة في تأخر والدي..


في غربتي..
آنسوا وحدتي..
مسحوا دمعتي..
رسموا بسمتي..
ملكوا قلبي..

بقدرٍ من الإله غبت عنهم ثلاثين يوماً بسبب سفري للعلاج..
ما إن وصلت إلى أحضان الوطن..في تلك الليلة بدأت حكايتي..
وصلت إلى الرياض متأخرة..
مع شدة تعبي لم أتمالك نفسي من حنين اللقاء..
قدمت لهم الدعوة ليناموا-كالعادة-في أحضاني..
حتى آذان الفجر..
وكل واحد منهما يتسابق ليخبرني ماذا جرى أثناء غيابي؟؟
أخبروني ماذا أكلوا؟؟
وماذا شربوا؟؟
وأين خرجوا؟؟
بعد طول حديث..استسلمنا لسيوف النوم!!

استيقظت على منبه العاشرة..
لم أجدهم على سريري..

خرجت وعلى عجالة بدأت ألبس عباءتي فلدي موعد في أحد البنوك!!
أتاني صوت صغيرهم من الخلف..
(لا تروحين وتخلينا مرة ثانية..خذينا معك)!!

أشفقت عليهم من حرارة الشمس..
وبعد شد وجذب..
ولكي أجبر بخاطرهما..
قلت:أنتم تروحون مع السواق الثاني للسوبر ماركت واشتروا اللي تشتهون أنا بأتأخر..

على مضض وافقا..
مضوا في طريقهم..ومضيت في طريقي..
وجميعنا لا نعلم ما الذي يخبأه لنا القدر؟؟؟

بعد ساعة..
وأنا خارجة من البنك..
سمعت رنين هاتفي..
نظرت فإذا به السائق..
هنــا..
لا أتذكر جيدا كيف بدأت المكالمة وكيف انتهت؟؟
فقط كل ما أتذكره أنه أخبرني بأنه لابد وأن آتي إلى المستشفى.....!!
بصمت..بقلق..بوجوم..ذهبت إلى هناك..

دخلت وأنا موقنة بسوءٍ مسهم..
(ربما-أقول ربما-لأن قلب المؤمن دليله)

سألت عنهم..
دقائق..وجاء أحدهم..
دار بيننا حوار سريع..
أثناءه!!
جاء أحدهم..
(دكتور طارق الولد نزلت نبضات قلبه عن العشرين)
عمن يتحدثون لا أعلم؟؟
كل ما كنت أرجوه أنني لا أعرف ذلك الولد!!!

تركني الطبيب على عجالة..
وبقيت انتظر رحمة الكريم المنان تتنزل علي..
نصف ساعة..
عاد لي الطبيب..
قال لي:أنت مؤمنة بقضاء الله وقدره وهذا طريق الكل فيه سيمضي..اصبري فإن الله مع الصابرين..الولد مات..
هذا فقط ما استطعت أن أعيه في تلك الأثناء..


عيناي لم تذرف الدموع وكأنها تعي جيدا أنه مازال الطريق صعب..شاق..
عبدالله..ذلك القلب البريء مات..
نورة..لا أعلم عن أمرها شيء..
وهناك في المنزل..
أم..وأب..أخ..وأعمام..جد..وعمات..
أنا فقط من يعلم..
كيف سأخبرهم؟؟
كيف سيكون حال تلك الأم المكلومة وقد فقدت طفلها؟؟
لا..بل لا أعلم كيف ستحملني قدماي حتى أصل لباب السيارة؟؟

سرحت أتذكر آخر حروفه..
أتذكر سحر ابتسامته..
أتذكر عتابه وبكاءه..

أثناءها..
جاء الطبيب مجددا..
البنت عندها نزيف ولازم نبتر قدمها اليمنى دخلت غرفة العمليات الآن..ادعي لها..

الهي ساعدني..
الهي أكرمني بثباتٍ من عندك..

كم هو مؤلم الشعور بالعجز..

عدت إلى البيت..
تمالكت نفسي..أخبرتهم..
لا أتذكر شيء سوى حروف حزينة من أمٍ مكلومة(عبدالله حبيبي ما يموت لا ما يموت!!)
هنــا..
ذرفت الدموع..
كوتني نار حروف أمي..
يا رب جُد بفضلك علينا..فما لقلوبنا سواك..


صباح الأربعاء..
عبدالله..في يدي أقلبه تحت الماء!!
كيف استحملت المنظر..لا أعلم؟؟

أنظر إليه وأنا أعلم بأنها النظرة الأخيرة..
يالبراءته..
الطهر يملأ وجهه حتى بعد أن فقد روحه..
سالت الدمعة بحرارة..فما أبشعها من لحظات تلك حينما كنت أكفنه!!

في آخر يوم من عزاء عبدالله..
كنت في المستشفى بجوار نورة..
بعد الفجر..
أتاني الطبيب..
أخبرني بأنه لابد أن نبتر المزيد من قدمها اليمنى فهي في وضع صحي حرج..

الهي..
لا يخفى عليك حالي..
ارحم عبادك الفقراء..

دخلت غرفة العمليات..
لم تلبث طويلاً..

ثم...نورة ماتت...

يارب..
اليوم انتهى عزاءنا في عبدالله..
واليوم سنبدأ عزاء نورة..
الهي هم ضيوفك فأكرمهم..
ونحن عبادك فارحمنا..

شردت بذهني لتلك الأم المكلومة..
لم تحتمل فراق عبدالله..
فكيف سنخبرها بخبر نورة؟؟
في ثلاثة أيام..فقدت اثنين من أبناءها..


الآن..
وقد مضى على رحيلهما سبعة أيام..
أكتب لكم..
تسبقني دموعي..
ما زلت أشعر بالحنين لأطفالي..
أرى صورهم..فلا أعلم أأبتسم..أم أبكي!!
أتذكر حروفهم الأخيرة..
فأكتوي بنار الشوق..ولوعة الفراق..

هناك في الدار..
كنا أربعة..
أنا..أحمد..نورة..عبدالله..
الآن..
أحمد منذ يوم العزاء مع جدي..
أبي..
في شهر..
فقد أمه..وخالته..ابنه..ومن ثم ابنته..
أعانه الله على مصيبته..
وتلك الأم المكلومة تستيقظ تنادي(يا رب يا حبيبي طمني على عيالي يا رب خلني أشوفهم في منامي)
وأنا..
ما زلت أكتوي بنار الحنــــين!!


قبل النهاية..
أسطر حروفي رسائل فقف هنا لتقرأ فلربما تجد رسالة لك من بين رسائلي..


رسالتي الأولى:
أسطرها لكل من قاد سيارته بلا مبالاة..
لكل شاب نسي أو تناسى أن فوقه إله يمهل ولا يهمل..
أقول له:
أتنتظر حتى تفجع أم في صغارها؟؟
من الذي روع تلك المسكينة في أبناءها؟؟
يا أخي شتان بين من يدخل السرور لقلب مسلم وبين من يكون سببا في حزن مسلم!!
يا أخي..
أمي وفقدت اثنان من أبناءها في غمضة عين والسبب تهور ولا مبالاة فمتى سترتدع؟؟
أتمنى أن ترتدع قريبا قبل أن تهلك أطفالاً أبرياء!!!
رسالتي الثانية:
أكتبها لكل مقصر ومقصرة في جنب الله..
أقول لكم:
نورة طفلة لم تتجاوز العاشرة من عمرها..
وربي لم تكن من أطفال الدنيا..
خرجت من الدنيا..
حافظة لكتاب الله..ولصحيح الإمام البخاري..متمة لكتاب الإمام المجدد(التوحيد)
خرجت بكل هذا قبل أن تكلف..خرجت بكل هذا وهي غير محاسبة..
فبماذا ستخرجون؟؟
وماذا قدمتم لأنفسكم حينما تقدمون بين يدي الله؟؟
وأنا أغسلها..كانت تزم بقوة على شفتيها ألما من سكرات الموت..
هذا وقد خرجت من الدنيا نقية طاهرة بلا ذنوب؟؟
فنحن أصحاب المعاصي..
كيف ستكون علينا سكرات الموت؟؟
غفر الله لي ولكم..
وألهمنا الرشد والصواب..


((خــــــــــــارج النص وكأن الشاعر يتحدث بلساني))
حزني عليك أخيتي أردانـــي
سأظل أحيا في لظى الحرمان
عصفت بقلبي من فراقك لوعة
من ذا يسكن لوعة الوجدان
واهاً عليك بنيتي وصغيرتي
واهاً عليك على مدى الأزمان
واهاً عليك حبيبتي وحشاشتي
قدري أعيش أسيرة الأحزان
نورة..يا نغماً تردد في الدنا
يحكي البراءة في بني الإنسان
نورة..يا رمزا لكل طفولة
عصفت بها أيدي العدو الجاني
نورة..يا سلوى حُرمتُ حديثها
كانت تردد أعذب الألحان
أنا لست أدري كيف أروي قصتي؟؟
أم كيف ينطق بالحديث لساني
خرجت كأجمل وردة فواحة
تسبي العقول برقة وحنان
نورة عمري..أين أنت أخيتي؟؟
طال انتظاري جُمدت أركاني
سأجن يا قومي أريد بنيتي
هيا ابحثوا عنها بكل مكان
نورة!وانطفأت حياتي بعدها
أنا لن أعيش بحسرة وهوان
ضاعت حياتك في تهور سائقٍ
باع الحياة بباخس الأثمان
هل ذاك إنسانٌ؟أجيبوا إخوتي
ماذاك إلا صورة الشيطان
أين النظام ليس ثمة عاقل
يزن الأمور يقود في إتقان
ما ذنب أطفال تضيع حياتهم
ظلما فيالقساوة الإنسان
مالي عزاء غير جودك خالقي
فامنن عليّ بواسع الغفران