هذا رأي الشيخ ناصر العمر في الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة المشرف العام على موقع ( الإسلام اليوم ) وفقه الله
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
أسأل الله أن يجعلكم مباركين أينما كنتم ، وأن يجعل هذا الموقع منارة من منارات الهدى والإيمان ،،، وبعد :
فقد اطلعت على الموضوع الذي كتبه أخي د / عبد الله الطريقي بعنوان ( نحن والفضائيات وجهة نظر ) ، فأشكركم على طرح مثل هذا الموضوع الذي هو جدير بالبحث والتحقيق ، ويعتبر من موضوعات الساعة ، كما أشكر الشيخ عبد الله على هذا العرض والطرح الجيد .
وقد اطلعت على المداخلات والتعقيبات الواردة على هذا الموضوع فلحظت على بعضها أخذ الموضوع من زاوية معينة وإصدار حكم كلّي بناء على أمور جزئية مع أن الأصل العكس ، وأن الجزئيات تنطلق من الكليات .
وأحب من باب المشاركة بيان ما يلي :
1 ) من حيث التأصيل الشرعي فإن الأصل في الحكم على هذا الموضوع هو إعادته إلى أصله ، وأنه من باب الوسائل ، والأصل فيها الإباحة ، لا التوقيف على القول الصحيح .
2 ) من الناحية الدليلية ، فإن الدليل النصّي ( في أصل المشاركة في القنوات ) هو مع المجيزين للمشاركة ؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يذهب إلى أسواق قريش أمثال عكاظ وذي المجاز ، وفيها من منكرات الشرك والفحش والظلم ما يربو على منكرات هذه القنوات ( أو يساويها إن سلّم ذلك ) وهذا يعتبر نصّاً واضحاً في هذه المسألة .
3 ) من ناحية فقه الموازنات فإن الذي يحكم التطبيق العملي هو قاعدة المصالح والمفاسد ، ومن حيث العموم فإن مصالح المشاركة تزيد بكثير على المضار والمفاسد المترتبة على عدم المشاركة .
أما من حيث التفصيل فقد تختلف الحال من مشارك إلى آخر ، ومن قناة إلى أخرى ومن زمن إلى آخر ؛ نظراً إلى اختلاف الفتيا باختلاف الزمان والمكان والمستفتي كما هو متقرر عند أهل العلم .
ومن هنا فإني أخلص إلى مشروعية المشاركة في هذه القنوات ( في هذا الزمن ) ضمن الضوابط التالية :
1 ـ أهلية المشارك بحيث تتوافر فيه القدرة العلمية في الموضوع المطروح للنقاش، مع القدرة على التعامل مع المواقف في مثل هذه الظروف .
2 ـ أن يترجح لدى المشارِك غلبة المصالح على المفاسد في ذات ( كل مشاركة )، حيث لا يترتب على مشاركته مفاسد معتبرة تتضاءل أمامها المصالح المقدرة .
3 ـ ألا يكون وراء المشاركة تحقيق أهداف أخرى مشبوهة ، بحيث يجب الحذر والتنبه لهذا الأمر لخطورته وكثرة المزالق فيه ، حيث إن الكثير من هذه القنوات لا تتيح المشاركة إلا لأهداف تجنيها من وراء هذا الأمر ، تغلب في حقيقتها على المصالح المقدرة، فقد تكون المصلحة آنية بينما المفسدة بعيدة الأثر وطويلة المدى.
4 ـ أن تتاح للمتكلم الفرصة بقول ما يعتقد حقاً دون تدخلات من الجهات التي استضافته ؛ بحيث يصدع بالحق ، ولا تأخذه في الله لومة لائم .
وختاماً : فإني أنبه إلى ثلاثة أمور :
1 ـ أن هذه القضية من مسائل الاجتهاد التي يكون الخلاف فيها معتبراً ، ومن هنا فعلى كل من أخذ بقول وترجّح لديه ؛ أن يحسن الظن بإخوانه المخالفين له ، وألا يجعل هذه المسألة من مسائل الولاء والبراء والهجر والابتداع ، فإن شيخ الإسلام ذكر قاعدة رصينة بأنه ( لا إنكار في مسائل الاجتهاد ) .
2ـ على من تترجح لديه مصلحة المشاركة أن يراعي التدرج ومخاطبة الناس بما يعقلون ؛ انطلاقاً من قول عليّ ـ رضي الله عنه ـ ( حدثوا الناس بما يعقلون ... ) وقول ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : ( ما أنت محدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة )
3 ـ نظراً لكثرة المزالق والفتن في هذا الأمر أذكّر نفسي وإخواني بوجوب التجرد لله بصدق النية وإخلاص العمل والبعد عن حظوظ النفس ومواطن الفتن .
ولْيعلمْ من ولج في هذا الأمر أنه قد أقبل على أمر عظيم يحتاج فيه إلى تقوى الله ، والالتجاء إليه ، والتوكل عليه ؛ بأن يثبته بالقول الثابت فيما يقول ويعتقد ، وأن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، فحريّ بمن استهدى الهادي أن يُهدى .
والله أعلم
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
وكتب
ناصر بن سليمان العمر
الاثنين 14 / 11 / 1422 هـ |