مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #10  
قديم 15/03/2002, 11:04 PM
السلطانة السلطانة غير متواجد حالياً
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 29/12/2001
المكان: جدة
مشاركات: 2,219
اخوي الهدف شكرا على كلامك الطيب
واسمح لي بهذه المشاركة حول الموضوع فهو موضوع متشعب ولكن خير الكلام ما قل ودل وتقبل تحياتي سلفا
تتميز الشخصية الاسلامية بقوة ارادة وصفاء روحي ونفسي، خالية من الامراض والعقد، وهناك الكثير من الآيات والروايات التي تبعث على تسخير ذلك للبناء السليم للشخصية الاسلامية. ولعل من ابرز ما يتوجه اليه التشريع الاسلامي في مصادره، فكرة السعي نحو الكمال الذاتي، والاحساس بقوة الشخصية ومؤهلاتها في العلاقة مع ما حولها.

فالآيات الكريمة تقول:

( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) (1).

( لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم) (2).

( واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد ويسفك الدماء . ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك . قال اني اعلم ما لا تعلمون . وعلم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبؤوني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين . قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم . قال يا ادم انبئهم باسمائهم. فلما انبئهم باسمائهم قال الم اقل لكم اني اعلم غيب السموات والارض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون . واذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس ابى واستكبر وكان من الكافرين) (3).

هذه الآيات تؤكد على المكنة العظيمة للانسان التي اودعها الباري عز وجل فيه، وهى من الاسس التي تجعل من الانسان كائنا متميزا عن غيره من المخلوقات، كما ان تكريم الله سبحانه وتعالى للانسان في هذه الايات الكريمة وغيرها دليل على عظمة هذا الكائن، مما يدعو ذلك الانسان لأن يعتز بهذه المكانة ويزداد ثقة في ذاته واحساسة بالوصول إلى درجة من الكمال بطريق التزام ما شرعه الباري من تشريعات عظيمة.

ويعلم الرسول(صلى الله عليه وآله) قدر الانسان ومكانته. فعن الامام علي(عليه السلام) قال(صلى الله عليه وآله):

«ما من شيء اكرم على الله من ابن آدم. قيل : يا رسول الله ولا الملائكة؟! قال : الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر»(4).

وفي الحديث القدسي قال تعالى :«خلقت الاشياء لأجلك وخلقتك لأجلي»(5).

وفي هذه الاحاديث المباركة دلالة صريحة حول مكانة الانسان وتكريم الباري عز وجل له وتسخير الكائنات لخدمته وحاجته.

من هنا فالانسان المسلم الساعي لدرجات الكمال وفق منهاج الشريعة الاسلامية، لايعتريه احساس بالنقص امام المخلوقات عامة. وهذا يستوجب قوة في ذاته تتحدى اية عقبات قد تعترض طريقه، ولا يمكن لهذه العقبات ان تطبع اثرا سلبيا على نفسه . وان اخذت منه بعض المآخذ في حالة من حالات الضعف، فانه قادر على السيطرة والعودة إلى الصفاء الروحي والنفسي في ساعة تفكر وتقييم للذات. وهذه الحالة من الانتصار على الاثار السلبية النفسية تعطي الانسان طاقة جبارة للوقاية وتجنب الوقوع مرة اخرى في اية مزالق.

ولعلّ من اخطر الامراض النفسية التي تغلب ذات الانسان في احيان كثيرة وتوجهه نحو الانحطاط والانعزال عما سخره له ربه، هو جهل الانسان بذاته و احساسه بالنقص والضعف امام عدد من التحديات التي تعترض طريقه. فحينما يتفكر في الكيفية التي تمكنه من المواجهة والسيطرة يجد نفسه لاتطاوعه على الاقدام لتحقيق الغلبة او مجاوزة التحديات، بل يحس بخواء نفسي وروحي لايعينه على الوقوف بحزم وقوة لتحقيق الانتصار وتسخير ما حوله لذاته. وهذا الحال خلاف اهداف الخلق، حيث يقول الباري عز وجل في آية كريمة الله الذي خلق لكم السموات والارض وانزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بامره وسخر لكم الانهار. وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار) (6).

ففي هذه الاية اشارة واضحة إلى هيمنة الانسان وتسخيره للسموات والارض وما فيها وما بينها وما تفرزه من ظواهر كالليل والنهار وغيره. وليس من الحكمة او من الانسانية ان يجد الانسان نفسه ضعيفا او يحس بالنقص امامها، بل ان ارادة الباري عز وجل في تسخيرها للانسان دليل قاطع على ان نفس الانسان وذاته اقوى من ان تنالها هذه المخلوقات. وبالتقدير سليم للذات امام هذه المخلوقات الهائلة والعظيمة تجد الانسان يزداد ثقة وقوة في نفسه.

واما متعلقات الاحساس بالكمال بين بني البشر، فهناك عوامل كثيرة تجعل من الانسان متميزا عن غيره، وهناك دوافع اوجدها الله سبحانه وتعالى في الذات البشرية تساهم في نمو حالة من التنافس الايجابي المحفز لذات الانسان للسعي نحو الكمال. فالتقوى هي من اعظم ابعاد التحريك للذات الانسانية للوصول إلى درجة الكمال برغم التسخير الالهي للكائنات في خدمة الانسان. اي ان السيطرة والهيمنة على المخلوقات وتسخيرها، ليست هي المقياس الالهي لتمييز بني البشر، كما انها ليست العامل الاوحد لغلبة انسان على اخر. ففي الاية الكريمة المباركة قال سبحانة وتعالى انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم) (7).

وقد تعتدي الذات الانسانية على نفسها بان تتطوع لتحط من قدرها وتتنازل عن قيمتها التي اودعها الله سبحانه وتعالى، فاذا بالانسان يجد نفسه صغيرا امام من حوله من المخلوقات. وتسوء هذه الحالة حين يصل الانسان مع الزمن إلى قناعة تامة بالعجز والقصور، فيرى ان الكمال هو نصيب لكل شيء يجده امامه، ولايرى في افق ذاته الا كتلة تسيرها الظروف المحيطة ومصادر القوة.

فعن الامام علي(عليه السلام) قال:«من جهل قدره جهل كل قدر»(8). «هلك امرؤ لم يعرف قدره»(9
اضافة رد مع اقتباس