مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #501  
قديم 14/04/2006, 10:42 AM
الجاحظ الجاحظ غير متواجد حالياً
قلم مثقف بالمجلس العام
تاريخ التسجيل: 21/01/2004
المكان: الظهران
مشاركات: 1,453



بسم الله الرحمن الرحيم

جواب على بيان العلماء الثلاثة الفضلاء عن المقاطعة

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه

أما بعد : فقد اطلعت على ما نشر في بعض المواقع عن بيان ثلاثة من علمائنا الفضلاء وهم : فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك ، وفضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين ، وفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي (وفقهم الله تعالى). وقد تضمن البيان المطالبة باستمرار مقاطعة الشركات الدانمركية بلا استثناء ، ومنها شركة (آرلا) التي أعلنت استنكارها وشجبها لما وقع من الصحيفة الدانمركية مما يتعلق بالإساءة إلى نبينا صلى الله عليه وسلم . كما تضمن البيانُ نصيحةً لإخوانهم الذين دعوا إلى رفع المقاطعة عن هذه الشركة إعادة النظر في بيانهم.

فأحببت أن أجيب عن هذا البيان ، الذي لا أشك أنه اجتهادٌ لن يخلو صاحبه من أجره (إن شاء الله) ، بأنه لم يتضمن مايدعو إلى تراجع العلماء الذين خالفوه باجتهادهم أيضاً.

ومع الاتفاق على مشروعيّة المقاطعة الاقتصادية ، وأنها قد تكون واجبةً في بعض الأحيان ، إلا أني أود التذكير بما يلي :

أولاً : لا يخفى أن المقاطعة ليست هي حَدّ المعتدي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم في المواقف كلها التي اعتُدي فيها عليه صلى الله عليه وسلم ، حتى تلك المواقف التي أهدر فيها النبي صلى الله عليه وسلم دمَ المعتدي (مثل كعب بن الأشرف) . وقد كان في قريش من يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت القيان يغنّين بذلك ، فما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمقاطعة قريش ، بل لما أن وقعت المقاطعة من ثمامة بن أُثال رضي الله عنه ، وأقرّها صلى الله عليه وسلم بادي الأمر ، أمر بعد استرحام قريش بإنهاء المقاطعة ، مع أن المسيئين من قريش لا اعتذروا ولا أقيم عليهم الحد ّ ، كعبدالله بن خطل وغيره ، حتى قُتل ابنُ خطل بعد ذلك يوم الفتح.

ثانياً : أن الأصل في حكم المتاجرة مع الكافر الحربي الإباحة ، هذا ما عليه الأئمة الأربعة وعامة أهل العلم ، بل نقُِل عليه الإجماع ، فلا يقال إن دولة الدانمرك لا تجوز المتاجرة معها ؛ لأنها إن كانت دولةً محاربةً فالأصل جواز المتاجرة معهم.

فهذان الأمران يبيّنان أن المقاطعة الاقتصادية للدانمرك لا يصح أن يصوّرها أحدٌ وكأنّها حدٌّ من حدود الله تعالى ، لا يجوز الاختلاف فيها. وهذا ما لم يتضمّنه بيان العلماء الفضلاء الثلاثة (وفقهم الله تعالى) ، وهم أعلم وأتقى لله تعالى (والله حسيبهم) من أن يقولوا ذلك أو يظنوه.

وإذا كانت المقاطعةُ الإقتصاديةُ مسألةً اجتهاديةً مصلحيّةً ، فإن الدعوة إليها أو إلى إنهائها لا يُعَلَّق بحدّ المعتدي ولا بحكم المتاجرة مع الكافر الحربي ، وإنما يعلق بالمصالح التي تحقّقُها والمفاسد التي تدفعها ، وتقدير هذه المصالح والمفاسد في الوقائع المختلفة والأماكن والأزمنة المختلفة لا تجده مُبيَّناً على التعيين في كتب الفقه، ولا يُمكن أن يحصل هذا ؛ لتباين الأحوال في ذلك بما لا يعلمه إلا الله تعالى بعلمه سبحانه للغيب.

وعلى هذا : فتقدير المصالح المتحققة من المقاطعة ، التي هي مناط القول فيها إبراماً وإنهاءً ، يعود إلى أمور وعلوم شرعيّة واقتصادية وسياسيّة ، وإلى علمٍ بكل حال وما يصلح له بناءً على ذلك.

ومن ثَمَّ : فبعد أن عرفنا حكم المقاطعة الاقتصادية مع دولة الدانمرك ، وهي أنها مسألة خاضعةٌ للمصالح التي تقدرها الدراسة ، وأنها ليست واجباً شرعياً نفعله تعبّداً دون مراعاةٍ لمصالحه ومفاسده = فيبقى أن الأولى بإصابة الحق فيها هو الأدرى بأثرها الاقتصادي ، والأعرف بواقع الدانمرك والعالم الغربي كُلّه ، وبموقع العالم الإسلامي ومكانته من هذا العالم.

والذي ظهر لي من خلال إشرافي على اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم ، ومن خلال اطلاعي المباشر على جهود الأخوة العاملين فيها وفي غيرها من الجهات ذات العلاقة ، داخل الدانمرك وخارجه ، ومن خلال آراء لأصحاب الخبرة الاقتصادية ، بل بالعلم الواقعي (غير المبالغ فيه) لأثر هذه المقاطعة ، وبعد النظر والمدارسة لمصالح إنهاء المقاطعة من الشركة المتبرئة (دون غيرها) = ترجّح لديّ إنهاء المقاطعة معها ، كما كان هذا رأي جماعةٍ من أهل العلم.

وقد بيّنتُ في بيان سابق بعضاً من مسوغات هذا الاجتهاد (الذي سوف أذكره عقب هذا الجواب) ، وما زلت لا أرى ما يدعوني إلى اعتقاد خطأ هذا الاجتهاد.

أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً إلى الحق ، وأن يهدي قلوبنا إلى الألفة عليه.

والله أعلم.

والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .


وكتب : الدكتور الشريف حاتم بن عارف العوني
المشرف العام على اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم
الخميس 15 ربيع الأول 1427 هجرية الموافق 13 أبريل 2006 ميلادية




======================================




كاتبان دنماركيان ينتقدان تعامل الحكومة مع قضية الرسوم

صحيفة الوطن السعودية

لاحق الكاتبان تطورات الأزمة التي أحدثتها صحيفة "يولاند بوسطن" منذ نشرها لرسوم كاريكاتيرية أهانت الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وانتهكت حرمة دينهم وأثارت أكبر أزمة دينية في العصر الحديث بين المسلمين والغرب وخاصة في الدنمارك وأحرجت الحكومات الغربية ووضعتهم في وضع لا يحسدون عليه، وقد أثار الكاتبان مواضيع أخرى غير انتقاد الحكومة الدنماركية مما جعل الكتاب يحتوي على مادة غنية جديرة بالقراءة.
وأرجع المؤلفان سبب تطور الأزمة إلى جهل كبير عند السياسيين في الحكومة الدنماركية بالدين الإسلامي، وأنهم لا يرونه إلا كدين يصدّر الإرهاب، وكما نراه في الرسوم الكاريكاترية وتعصب الغرب لقيمهم ومبادئهم على حساب قيم الآخرين وأغمضوا أعينهم وأغلقوا آذانهم عن سماع ورؤية الحقيقة التي لا تعجبهم ضاربين عرض الحائط بقيم الثقافات الأخرى.

وذكرا في كتابهما أسماء اعتبروها مسؤولة بشكل مباشر عن تأزم الوضع بين المسلمين والحكومة الدنماركية، ومنهم رئيس الوزراء "أندرياس فوغ راسموسن"، ووزير التربية "برتل هاردر"، ووزيرة سابقة "كارن يسبرسن"، وزعيمة حزب الشعب الدنماركي المتطرف اليميني "بيا كيرسكورد"، واعتبروهم أشخاصاً مالوا إلى العنصرية أكثر من ميولهم إلى إيجاد حل يخرجهم من أزمتهم الحالية، واستغلوا هذه الأزمة للوصول إلى مآرب شخصية وسياسية وتضليل الرأي العام بأكاذيب مختلقة ومختلفة قد يسخر منها العوام لضعفها، وسموهم بأبطال الحروب في العالم لدعمهم الولايات المتحدة في حربها على العراق وأفغانستان، وأن الدنمارك بدأت تتحول من اليسار إلى اليمين بضغط من الأحزاب التي تدعم الحكومة الحالية، وهذا مؤشر خطير على العلاقات بين الدول الإسلامية والدنمارك، على حد تعبير المؤلفين.

إن الرسوم بذاتها ليست مشكلة برأي الدنماركيين، ولكنها مشكلة برأي الكاتبين لأنها كانت مقصودة، وأن هناك من يقف وراء هذه الرسوم ويدعمها لكسر شوكة المسلمين أو إيذائهم بعد أن ضربت بعض الجماعات الإسلامية الغرب في عقر داره، مما أشعل في نفوسهم موجة غضب وكراهية وحقد على الإسلام، وتنامت هذه الموجة ووصلت إلى الدنمارك البلد الهادئ, والعلاقة بين الأغلبية والأقلية كانت تسير بشكل صحيح في الدنمارك، ولكنها اختلفت في الآونة الأخيرة واتهم كل المسلمين بالإرهاب، ولم يفرق الغرب المتحضر بين حرية التعبير عن الرأي وحرية الدين والعقيدة، ولم يحاول خلق توازن بينهما فطغى أحدهما على الآخر، وانقلبت موازين القوى إلى الطرف الضعيف ليصبح قوياً ويقلب كل المعادلات المتعارف عليها عندما شعر الطرف الضعيف في هذه الأزمة أنه مقصود.

لقد صحا الدنماركيون على أسوأ أزمة خارجية في تاريخهم الحديث، قسمتهم إلى معسكرين: يميني ويساري، منهم من يقف موقف الصامت المتفرج، ومنهم من يقاوم موجة الغضب الإسلامي التي خرجت تعبر عن أدنى حقوقها بالتنديد والتظاهر، مما أزعج السياسيين وأربكهم ووضعهم في الزاوية الضيقة، ولم يحسنوا التعامل مع هذه الأزمة لتمسكهم بقيمهم ومبادئهم على حساب قيم الآخرين وعقائدهم، ولكن المسلمين أثبتوا وبجدارة مكارم أخلاقهم، وحاولوا تطويق الأزمة ووضعها في الطريق الصحيح والعودة إلى التحاور بين الثقافات، لتجنب وقوع مثل هذه الأزمات في المستقبل.

ومرة ثانية يكشف الكاتبان عن مشكلة في الدنمارك ويضعون علامة استفهام على مدى قدرة صناع القرار في محاولة تفهم الآخرين واحترام الدين وعدم المساس بالرموز الدينية ووضع رقابة على حرية الرأي والتعبير التي يعتزون بها لعدم وجود شيء آخر يعتزون به كما المسلمين.

وانتقد الكاتبان بعض الجماعات الإسلامية التي حاولت الاستفادة من هذه الأزمة وخاصة في العراق وأفغانستان، كما انتقدا الجماعات المتطرفة في الدنمارك كأشخاص أو أحزاب، مشيرين إلى عدم الثقة فيمن فقد مكارم الأخلاق، لأنها لا تشترى ولاتباع، إنما توجد في الشخص منذ صغره ويكتسبها من مجتمعه وممن حوله، ويقول المثل العربي: "الاعتراف بالخطأ فضيلة"، ولكن يبدو أن الدنماركيين - كما يقول المؤلفان - لا يملكون فضيلة الاعتراف بخطئهم تجاه المسلمين، فقدم لهم المسلمون مثالاً جديداً عن مكارم الأخلاق والفضيلة، ولم يصعدوا الأزمة التي كان يطالب بتصعيدها معظم الشارع الإسلامي المتحمس للدفاع عن دينه بأي ثمن.

إن جهل الغرب بالإسلام واعتقاد المسلم بربه كإله واحد وخالق ومالك ومسيطر، واعتزازهم بدينهم وبرسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم خلق حالة من الذعر في الدنمارك، فحاولت بعض وسائل الإعلام تضليل الناس بأكاذيب عن الإسلام وأنه دين يصدّر الإرهاب، ولم يكشفوا لهم الطرف الآخر من الدين الإسلامي الرائع وعن التسامح والمساواة والعفو عند المقدرة، وضللوا الناس بقيم ليست موروثة، بل مختلقة وأنه عليهم التمسك بها ولو على حساب الآخرين.

إن الكتاب خير هدية للدفاع عن الإسلام في عيون دنماركية، ومحاولة تسليط الضوء على حقيقة الإسلام بعيداً عن التطرف، ومحاولة خلق جو من الفهم الحقيقي للأزمة التي عصفت بالدنمارك وخلقت جواً من الحقد والكراهية على كل ما هو إسلامي، وهذا مؤشر ليس بصحي للتعامل مع الثقافات الأخرى والحضارات، ومن ثم يتساءل الكاتبان: إلى أين يقود صناع القرار في الدنمارك شعبهم بعد زرع الكراهية في نفوسهم تجاه الدين الإسلامي وهو حق لكل الناس في أن يعتنقوا أي دين ويدافعوا عنه؟